fbpx

إعدام محسن شكاري: أحكام الموت تطارد النشطاء
في جمهورية “الولي الفقيه” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ما يبدو أن هناك محاولة لتصنيف التظاهرات على أنها عمليات تخريب وتحركات غير سلمية لشرعنة اللجوء للقمع العنيف والدموي، بما يؤشر إلى تنامي تنفيذ أحكام الإعدام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سيرة الموت والإعدامات التي تلاحق النشطاء والسياسيين في إيران، تتاخم تاريخ الجمهورية الإسلامية، منذ عام 1979، بينما ترتبط بقادتها، وكذا زعيمها المؤسس الإمام الخميني.

فإعدام الشاب الإيراني، محسن شكاري، الذي لا يتخطى عمره 23 ربيعاً، وهو أول محتج تنفذ فيه طهران هذه العقوبة الوحشية والقصوى، يتطابق مع حوادث كثيرة مماثلة، سواء في سياقها العام أو مآلاتها الصعبة. فتتماثل المحطات بداية من تسييس القضاء وأحكامه المشبوهة مروراً بغياب حقوق المتهم في الدفاع عن نفسه، بل والتعرض للتعذيب، ومنها الاعترافات القسرية، وأخيراً الحكم بالإعدام أو السجن لمدد طويل في أحسن الأحوال. 

الحكومات المتعاقبة، في طهران، نجحت في المحافظة على ترتيبها المتقدم كثاني دولة بعد الصين في عمليات الإعدام. وهي الحيلة التي تتحول إلى آلية سياسية. 

ووفق موقع “ميزان أونلاين” التابع للسلطة القضائية الإيرانية، فإن “محسن شكاري، مثير الشغب الذي قطع شارع ستار خان في طهران يوم 25 أيلول/ سبتمبر، وجرح أحد عناصر الأمن بساطور، أعدم هذا الصباح”. أي صباح الثامن من كانون الأول/ ديسمبر.

بيد أن منظمة حقوق الإنسان في إيران، مقرها النرويج، قالت إن “إعدام شكاري يجب أن يُقابل برد فعل قوي وإلا فسنواجه إعدامات يومية للمتظاهرين”.

وغرد محمود أميري مقدم، مدير المنظمة عبر “تويتر”: “شكاري حُكم عليه بالإعدام في محاكمة صورية من دون أي إجراءات قانونية واجبة”، لافتاً إلى أنه “يتعين أن تكون لهذا الإعدام عواقب دولية عملية”.

وشددت السلطة القضائية التي اعتبرت أنها تنفذ “حد الحرابة” في شكاري على أنه “مذنب بالعراك وإشهار سلاح بغرض القتل والتسبب بالخوف والإخلال بالنظام وبأمن المجتمع”.

وراهناً صدرت أحكام بإعدام نحو 5 أشخاص شنقاً بتهمة قتل عنصر من “الباسيج”. بما يؤدي إلى تضاعف أعداد المحكوم عليهم بالإعدام إلى 11 شخصاً. فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية أن “المحاكمات صورية”.

سيرة الموت والإعدامات التي تلاحق النشطاء والسياسيين في إيران، تتاخم تاريخ الجمهورية الإسلامية، منذ عام 1979، بينما ترتبط بقادتها، وكذا زعيمها المؤسس الإمام الخميني.

التلفزيون الرسمي الإيراني بث جلسة قصيرة لمحاكمة شكاري أمام محكمة ثورية، والتي كانت محاكمة صورية، لم يتمكن فيها الشاب العشريني المتهم بـ”إغلاق طريق عام” و”إصابة فرد من عناصر قوات الأمن”، من توكيل محام للدفاع عنه. وهناك ما لا يقل عن 28 آخرين يواجهون المصير ذاته على خلفية نفس التهم.

راكمت السلطات الإيرانية، على مدار تاريخها الدموي، أجساداً متهالكة. وقد باشرت، منذ اللحظة الأولى، تصفية خصومها السياسيين. بل وتوظيف القضاء كما أجهزة الدولة الأخرى، لشرعنة وجود حكم “آيات الله” واستمراره. الأمر الذي استدعى أن يكون الصراع مع الآخر والمختلف أو المعارض صراعاً وجودياً. وحتماً النهاية تكون نفي وتحطيم أي طرف وجماعة تهدد النظام الذي ينفرد بالقوة والهيمنة.

وظلت جملة الاتهامات من عينة “محاربة الإسلام” و”العمل ضد الأمن القومي” “والفساد في الأرض”، بمثابة حجج جاهزة للنظام الإيراني بينما تصعد بالمعارضين إلى المشانق. وعام 1988، أصدر الخميني فتوى شهيرة بحق آلاف المعارضين والذين كانوا حتى وقت قريب حلفاء الملالي في “الثورة” على الشاه. وبينما بدأت الثورة تلتهم أبناءها، فإن قرابة 30 ألف معتقل سياسي، تعرضوا للإعدام.

وفي رسالته الشهيرة التي وصف فيها الخميني المعارضين بأنهم “يحاربون الله”، مشرعناً أحكام الإعدام بحق معارضي نظام “الولي الفقيه”، قال: ” أعضاء (مجاهدين خلق) يحاربون الله، واليساريون مرتدون عن الإسلام، وأعضاء المنظَّمة لا يعتقدون في الإسلام بل يتظاهرون به، ومن ثم فنظرا إلى شن منظمتهم الحرب العسكرية على الحدود الشمالية والغربية والجنوبية لإيران، وتعاونهم مع الرئيس العراقي (السابق) صدام حسين في الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988)، والتجسس ضد إيران، ولصلتهم مع القوى الغربية للمطالبة بالاستقلال؛ فإن جميع أعضاء المنظمة مشمولون باعتبارهم مقاتلين أعداء، ونحتاج إلى تنفيذ أحكام الإعدام بشأنهم”.

وعلى المنصة الرسمية للمرجع الشيعي ونائب المرشد الإيراني السابق، آية الله حسين علي منتظري، تظهر محادثات موثقة بين الأخير و”لجنة تنفيذ أوامر الخميني للإعدام”، والمكونة من 18 عضواً. وتبرز المحادثات رفض منتظري (تولى منصب نائب المرشد الإيراني) الذي خضع للإقامة الجبرية، لاحقاً، التام لـ”الإعدامات”. فيقول: “أنتم حكمتم على بعضهم بالسجن 5 أو 10 أعوام، واليوم تُعدِمون دون دليل إدانة وحكم بإعدامهم”.

المفارقة أن أحد قضاة “لجنة الموت” الذي أصدر أحكام الإعدام في الثمانينات على إثر فتوى الخميني، هو الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي. إذ جرى تعيين رئيسي لمدة وجيزة في منصب المدعي العام. ثم تولى منصب الناطق الرسمي لأوقاف الإمام الرضا، والتي تعد من بين أهم الكيانات المهمة والرئيسية في أركان الحكم، وتتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي هائل.

ومن بين فتاوى القتل للخميني والتي تحمل تأويلات سياسية مباشرة، فتوى “الجهاد ضد الكفار”. وفي آب/ أغسطس عام 1979، حرض المرشد الإيراني، وقتذاك، على الأكراد، بل وتعرض قرابة 10 آلاف مدني للقتل. فضلاً عن عمليات الإعدام بحق العديد منهم، على خلفية مطالب بالديمقراطية والحكم الذاتي.

وأرسل الخميني عناصر من الحرس الثوري إلى كردستان، ثم قام بتعيين صادق خلخاني قاضياً شرعياً هناك، بينما أعلن “حالة الجهاد” ضد الأكراد.

وجاء في نص الفتوى للخميني: “امر بقوة رئيس أركان الجيش وقائد الدرك الإسلامي ورئيس قوات الحرس بإرسال قوات إلى إقليم كردستان لملاحقة الأشرار والمهاجمين الفارين واعتقالهم وتسليمهم فوراً إلى المحاكم المختصة وإغلاق كل حدود المنطقة بأسرع ما يمكن، حتى لا يهرب الأشرار إلى خارج البلاد، ومر بشدة بإلقاء القبض بكل قوة وحزم على زعماء الأشرار وتسليمهم، وعدم القيام بذلك يعد خرقاً للواجبِ ويستوجب أشد العقاب”.

ولذلك، لا تعدو عملية إعدام شكاري كونها حدثاً عرضياً. بل إنها ضرورة سياسية وتعكس آليات واستراتيجية الملالي في مواجهة الحوادث السياسية المرتبطة بالتغيير.

وعليه، اصطفت السلطة في إيران مع التصعيد الدموي بحق المتظاهرين، ورفض أي محاولة للحوار السياسي مع المحتجين أو التفاوض، بل واعتبار ذلك بمثابة هدم أسس النظام الثابت. وهاجم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في أول كلمة له بعد إعدام شكاري المواقف الغربية والأميركية التي دانت الحادث. وقال رئيسي: “إن افتعال الأجواء هذا سينتهي وإن تحديد ومحاكمة ومعاقبة المتظاهرين ستتم متابعتها بحزم”.

كما ثمّن خطيب الجمعة في طهران، وعضو مجلس الخبراء، أحمد خاتمي، حكم القضاء باعدام شكاري(!). وقال خاتمي: “نشكر صرامة القضاء الذي أرسل في هذه الأيام أول مثير للشغب إلى المشنقة. دعهم يعرفون أن القانون يحكم هذا البلد”.

بينما عقّبت وزارة الخارجية الإيرانية على ردود فعل المسؤولين الغربيين بشأن إعدام شكاري ببيان جاء فيه: “في التعامل مع أعمال الشغب، أظهرت إيران أقصى درجات ضبط النفس، وعلى عكس الكثير من الأنظمة الغربية التي تشوه وتقمع بعنف حتى المتظاهرين السلميين، فقد استخدمنا أساليب متناسبة وقياسية”.

وبخلاف اللهجة الديبلوماسية الأخيرة للخارجية الإيرانية، فقد عمد القائد العام لقوات الشرطة الإيرانية، وجهاز استخبارات الشرطة، إلى تهديد المتظاهرين بـ”إجراء حاسم”.

وقال القائد العام لقوات الشرطة، حسين أشتري، إن الشرطة التي التزمت “ضبط النفس” تجاه هؤلاء المتظاهرين، سوف تبدأ التنازل عن سياستها وتتعامل “بحسم”. 

وفي ما يبدو أن هناك محاولة لتصنيف التظاهرات على أنها عمليات تخريب وتحركات غير سلمية لشرعنة اللجوء للقمع العنيف والدموي، بما يؤشر إلى تنامي تنفيذ أحكام الإعدام. إذ كشف أشتري عن وجود “16 عصابة تتولى تهريب الأسلحة” قد تم القبض عليها. وبمناسبة “يوم الطالب” بكلية ضباط “الإمام الحسن”، وصف المتظاهرين بـ”مثيري الفتنة”. تابع: “منذ أكثر من 70 يوماً والشرطة تقف بقوة في مواجهة مثيري الفتنة”.

اللافت أن الصحف المتشددة في إيران، مثل “جوان” و”كيهان”، ما تزال تصطف مع موقف النظام بخصوص تنفيذ وسائلها التقليدية في القمع. لكن الصحف الإصلاحية تحذر بشدة، في الفترة الأخيرة، من هذا السلوك الذي سيتسبب في اتساع رقعة الاحتجاجات. ونقلت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية عن المحلل والخبير الاجتماعي، تقي آزادار مكي، قوله إنه “إذا استمر النظام بمعاقبة المتظاهرين والتضييق عليهم فإن سلوك الناس سيصبح أكثر تطرفا وسينفد صبرهم ذات يوم”.

وتابع: “أخبار إصدار أحكام الإعدام والسجون طويلة الأمد هي أخبار خطيرة، وفي حال استمر الأمر على ما هو عليه فإن الشعب سيتجه إلى تغييرات جذرية”.

وقالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة العفو الدولية”: “نشعر بالذعر حيال قيام السلطات الإيرانية بإعدام محسن شيكاري، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من إدانته والحكم عليه بالإعدام في محاكمة صورية بالغة الجور. ومع تصرف السلطات الإيرانية بوحشية تتطابق مع تهديداتها العلنية بالتعجيل بإجراءات الإعدام وتنفيذ عمليات الإعدام بسرعة، نخشى أن يكون المحتجون الآخرون الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام أو المتهمين بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالإعدام معرضين لخطر الإرسال الوشيك إلى حتفهم”. 

ووفق الطحاوي فإن “الطريقة المروعة التي تم بها التعجيل بمحاكمة محسن شيكاري عبر النظام القضائي الإيراني بدون السماح له بفرصة محاكمة مجدية وعملية استئناف هي مثال آخر على حقيقة أن السلطات تلجأ إلى عقوبة الإعدام كسلاح للقمع السياسي. هدفها الواضح هو بث الخوف بين الجمهور في محاولة يائسة للتشبث بالسلطة وإنهاء الانتفاضة الشعبية”.

وختمت الطحاوي: “بالنظر إلى أن السلطات الإيرانية تصر على مواصلة عمليات القتل، سواء في الشوارع أو من خلال محاكمات صورية، تقع على عاتق المجتمع الدولي المبادرة بالتحرك العاجل لوقف المزيد من عمليات الإعدام. ويجب على المجتمع الدولي أن يتجاوز التعبير عن الغضب والإدانة وأن يتخذ جميع التدابير اللازمة لمتابعة مساءلة جميع المسؤولين، بمن فيهم أولئك الذين يشغلون مناصب الأمن والاستخبارات والادعاء والقضاء المتورطين في جرائم بموجب القانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما فيها الحق في الحياة. وينبغي أن يشمل ذلك ممارسة الولاية القضائية العالمية للتحقيق مع جميع المشتبه في ارتكابهم مثل هذه الجرائم، وإصدار مذكرات توقيف بحقهم عند توفر أدلة كافية”.