fbpx

السويد: سيرة مرشح برلماني سوري
خدع الأحزاب والبلديات والصحافة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

“بُني المجتمع السويدي على مبدأ الثقة. لكن الآن، ولسوء الحظ، بات على السلطات أن تكون أكثر ريبة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منتصف تشرين الأول / أكتوبر الماضي، توصّلت أحزاب اليمين السويدي الأربعة إلى اتفاق يرسم السياسة الحكومية في السنوات الأربع المقبلة في السويد. وتمكن حزب «ديمقراطيو السويد» اليميني المعادي للمهاجرين من فرض شروطه على شركائه الذين فازوا بغالبية الأصوات في الانتخابات العامة الأخيرة. وستشهد السويد تشدداً في السياسات المناهضة للمهاجرين، خصوصاً تجاه من هم من خلفيات مسلمة.

كان الشاب السوري محمد بلوط قد حذر من وصول اليمين المتطرف إلى الحكم وحاول أن يحشد لمنع ذلك. ولأنه أدرك حجم الخطر، أعلن عام 2021 عن طموحه في الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء، ثم عن ترشحه للانتخابات العامة على قوائم «حزب الوسط». إلا أنه، ولأسباب لم يعلن عنها، سحب ترشيحه قبيل الانتخابات واعتزل العمل السياسي. فما الذي حدث؟

من سوريا إلى ليبيا

من مدينته «الحراك» في محافظة درعا السورية، انتقل بلوط عام 2008 لدراسة الأدب الإنكليزي في جامعة البعث بمدينة حمص. كانت «مدينة ابن الوليد» وسط البلاد ملاذاً للشاب المسلم الملتزم المولود عام 1990. وإلى جانب فرائضه الدينية التي حرص على أدائها، واظب هناك على حضور مباريات نادي الكرامة الحمصي لكرة القدم ومتابعة صعوده الآسيوي المثير في تلك الآونة. كان تعلّقه بالكرة أحد أسباب رسوبه في الجامعة في إحدى السنوات.

كان يحرص منذ طفولته على رفع الأذان بصوته المؤثر في مساجد «الحراك» أيام العطل أثناء زياراته القليلة لها. فقد كانت الرحلة المرهقة من درعا إلى حمص تستغرق أكثر أربع ساعات في الحافلة.

تغطية قناة «الجزيرة» القطرية الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وإعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين تركا أثراً عميقاً في شخصية الطفل الذي نشأ في بيئة تقدس «أبو عدي». كانت «الجزيرة» الحلم الصحافي الذي راوده لاحقاً.

ومع اندلاع التظاهرات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد في درعا ربيع عام 2011، اشتد التدقيق الأمني، خصوصاً على المسافرين بين المحافظات. وبات التنقل صعباً خصوصاً على أبناء درعا، ومنهم بلوط.

وبعيداً من أي نشاط سياسي معارض قد لا تُحمد عقباه، انتقل بلوط خريف 2011 من جامعة البعث إلى جامعة دمشق، الأقرب جغرافياً إلى مدينته، ليكون طالباً في السنة الثالثة في قسم الأدب الإنكليزي.

أحزنته مشاهد قتل المتظاهرين ومشاهد التعذيب في أنحاء سوريا التي كان يراها في وسائل الإعلام. وأرهبته فكرة الالتحاق الإجباري بالجيش النظامي بعد التخرج. فاستغل إذن تأجيل خدمته العسكرية الإلزامية بحكم دراسته، وغادر بشكل نظامي عبر الحدود السورية إلى لبنان في أيلول/ سبتمبر 2011، ثم انتقل سريعاً إلى ليبيا التي عمل فيها والده في تسعينات القرن الماضي.

هناك سعى إلى تحقيق حلمه في العمل الصحافي. وأصرّ على ذلك برغم «نذير شؤم» تزامن مع وصوله إلى ليبيا. فقد أُصِيب في تلك الفترة مراسل قناة «بي بي سي» البريطانية، اللبناني محمد بلوط، في إطلاق نار أثناء تغطيته معارك هناك.

وعززت إرادته، مرارة قاسية حلت به في تشرين الثاني / نوفمبر 2012 إثر مقتل والده وإصابة والدته في كمين للجيش السوري النظامي في مدينة «الحراك». تنوعت معاناته حينها بين البعد والفقد والشعور بالتخلي  الذي أحسّه من جانب وسائل الإعلام العالمية تجاه مأساة بلاده.

إلى الصحافة سِر

مطارِداً حلمه الصحفي في ليبيا، وقبيل انطلاقتها في آب / أغسطس 2013، عمل بلوط في «قناة النبأ» الفضائية المملوكة للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة المرتبطة بتنظيم “القاعدة”. وما لبثت «النبأ» أن أُغلِقت في آذار/ مارس 2015 باعتبارها «تحرض على الإرهاب وتدعم جماعات إرهابية وتروّج لخطاب الكراهية. لكن الشاب كان قد غادر ليبيا في قارب صيد في رحلة مضنية إلى إيطاليا عام 2014 تابع بعدها المسير إلى السويد.

هناك، قرر أن يسلط الضوء على المقتلة السورية. ولكسب صدقية راح يخترع قصصاً عن «نشاطه الصحفي والسياسي في تظاهرات درعا عام 2011» في تصريحات لوسائل إعلام لم تتأكد من مزاعمه.

وراقت أضواء الشهرة للشاب العشريني. فصار يُعرِّف عن نفسه بصفته مراسلاً سابقاً لـHuman Rights Magazine (مجلة حقوق الإنسان في سوريا ولبنان)، كما قال لمجلة «ETC» السويدية التي تُعنى بالصحافة الاستقصائية. وغدا يبرز بطاقة لإثبات زعم. ولم تعثر «درج» على أثر لوسيلة إعلامية بهذا الاسم في تاريخ أي من البلدين.

كما ادّعى أنه كان مراسلاً في سوريا لصحيفة «القدس العربي» اللندنية وهو ما نفته الصحيفة في رسالة إلكترونية لـ«درج».

ومع استمراره بدراسة اللغة السويدية، رتّب له «مكتب العمل» الحكومي في أيار/ مايو 2015 تدريباً قصيراً في «التلفزيون السويدي» العمومي في مدينة مالمو جنوب البلاد.

هناك تعلّم، كما قال، أنه «لا يُسمح في الصحافة الغربية بنشر فيديو أو صورة دون البحث عن ملكيتها، و دون أخذ الإذن بنشرها أو استخدامها». لكن الدرس كان أقسى مما يبدو.

في «التلفزيون السويدي» استمر في الشرح عن مأساوية الأوضاع في سوريا. وتحدث عن صعوبة رحلته من ليبيا إلى إيطاليا عارضاً لقطات فيديو زاعماً أنها «حصرية» صوّرها أثناء انقلاب القارب الذي أقله من ليبيا إلى إيطاليا.

قصة اللاجئ السوري أثّرت في نفوس العاملين في «التلفزيون السويدي». ووفقاً لمصادر داخلية، بثّ «التلفزيون» لقطات الفيديو «الحصرية» في تقرير عن بلوط من غير أن يتأكد من صحتها. وفي اليوم التالي تبيّن أن اللقطات صورها أشخاص آخرون ونشروها مسبقاً على موقع «يوتيوب».

على إثر ذلك، وفي اليوم ذاته طرد «التلفزيون السويدي» بلوط وسحب التقرير المصور من دون توضيح.

وأقرّ بلوط بالحادثة لاحقاً مدعياً أنها وقعت بسبب «افتقاره للغة السويدية» في حينه. مع أنه كان في وسعه الاستعانة في الترجمة بزملاء عرب عاملين في «التلفزيون السويدي» أو أن يتحدث بالإنجليزية التي يُفترض أنه يُتقنها. فقد صرّح في وسائل إعلام عربية وسويدية أنه حائز على إجازتين جامعيتين في الأدب الإنجليزي والإعلام من جامعة دمشق، والتي تستغرق دراسة كل منها أربع سنوات.

كما زوّد عام 2017 صحيفة «صدى الشام» السورية بصورة عن شهادة تخرج من كلية الإعلام بجامعة دمشق. إلا أن جامعة دمشق تنفي كل ذلك خصوصاً وأن حالة كهذه من القيد في أكثر من فرع دراسي واحد في الكليات الحكومية النظامية التابعة لوزارة التعليم العالي مخالف للقانون.

وقالت جامعة دمشق في رسالة بالبريد الإلكتروني إن بلوط انتقل من جامعة البعث إلى جامعة دمشق للدراسة في السنة الثالثة قسم اللغة الإنكليزية عام 2011 وانقطع بعدها عن الدراسة ولم يتخرج من الكلية. ونفت الجامعة وجود أي قيد له في كلية الإعلام لديها.

وكشف «التلفزيون السويدي» في أيار/ مايو 2021، عن كثافة بيع الشهادات الجامعية المزورة. وزادت عمليات الاحتيال المكتشفة في السويد في السنوات الأخيرة فيما شكّل أكثر من 60 في المئة منها حالات تتعلق بوثائق سورية.

لاحقاً حصل بلوط على بطاقة عضوية في نقابة الصحفيين السويديين. وشارك عام 2016 في تأسيس صحيفة «موزاييك» السويدية باللغة العربية، والتي تلقت انتقادات شديدة لاستخدامها «لغة ركيكة ومضموناً ضحلاً».

وفي حزيران/ يونيو 2016، أفردت صحيفة «نورا سكونة» السويدية التي تأسست عام 1899 مقالاً لاذعاً لأخطاء بلوط جاء فيه: “فظاعة الأخطاء اللغوية لا يمكن أن يرتكبها تلميذ عربي في المرحلة الابتدائية. ناهيك بالصياغة المفتقدة لأدنى درجات المهنية والبعيدة عن الأسلوب الصحافي، والتي تكشف ضحالة صاحبها وعدم إلمامه بأبسط قواعد اللغة والصحافة”.

وغادر بلوط «موزاييك» بعد أقل من عام لأنها «لا تحقق طموحاته». لكنه استمر في السعي للعمل في الصحافة معرّفاً عن نفسه بأساليب جديدة وسالكاً طرقاً أخرى.

مؤذن وبرلماني

«الصحافي في عرف الصحافة بعيد من التوجهات السياسية والانتماءات الدينية»، هذا ما كتبه بلوط عام 2017 في «صدى الشام» في مقالة حذفتها الصحيفة لاحقاً دون توضيح.

ومع ذلك، كان الصحافي قد صار مؤذناً في مسجد أم المؤمنين خديجة، المعروف بالوقف الاسكندنافي، أكبر مساجد اسكندنافيا؛ والذي بنته قطر عام 2017 بكلفة ثلاثة ملايين يورو.

ويبدو أن حلمه الصحفي بدأ يخبو فانتقل إلى العمل السياسي، وصرّح في ربيع 2021 أنه يطمح ليصبح رئيس وزراء السويد. ثم أبلغ وسائل إعلام أواخر عام 2021 عن ترشحه للانتخابات العامة عن «حزب الوسط» الليبرالي النسوي. وأضاف أنه ضحّى في سبيل ذلك بعمله الصحافي، مؤكداً أن «الصحافة طريق غير مجد لأحلامه».

واعتباراً من أيار 2021، وبرغم إعلانه لاحقاً ترك الصحافة، واصل نشر مقالات على موقع «الجزيرة نت» التابع لشبكة «الجزيرة» التي يدّعي أنه كان مراسلها في سوريا وأنه قد غطى المعارك لها هناك. ولا يوجد ما يدعم ذلك الادعاء لا سيما أن «الجزيرة» لم تجب على استفسار «درج» عنه حتى ساعة نشر هذه المادة.

حصل بلوط على الجنسية السويدية، ثم تخرج مطلع العام الجاري من قسم العلوم السياسية بجامعة مالمو. لكنه ولسبب لم يوضحه سحب ترشيحه للبرلمان أو أُجبر على الانسحاب قبل يوم واحد من الانتخابات العامة في أيلول / سبتمبر الماضي. حيث أعلن «الابتعاد من السياسة والاستمرار في البحث عن نفسه في مكان آخر».

ولم يوضح «حزب الوسط» السويدي أسباب استبعاد بلوط عن قوائم الانتخابات. كما أن الحزب لم يُجب على استفسارات «درج» عن القضية حتى ساعة نشر هذه المادة.

وربما لجأ «حزب الوسط» إلى إزالة اسم بلوط بهدوء عن قوائم الترشيح بسبب تغريدة سابقة له أعاد نشرها نشطاء سويديون تعود إلى كانون الأول / ديسمبر 2016. حيث مجّد بلوط في تغريدته صدام حسين الذي أدانته محكمة عراقية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ وأُعدم شنقاً في كانون الأول 2006. ووصف بلوط في التغريدة الرئيس العراقي الأسبق بـ«صقر العرب» وإعدامه بـ«الاستشهاد» وأن «الرجال ماتت من بعده».

وإلى جانب نشره مقالات في موقع «الجزيرة نت»، بدأ بلوط اليوم بالعمل كسمسار عقاري مُطلِقاً شركته الخاصة بينما يتابع عمله كـ«مسؤول اندماج» في بلدية فيلّنغه جنوب البلاد.

وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، رفض بلوط التعليق لـ«درج» على ما ورد في هذه المقالة.

ويبقى بلوط مؤمناً بأن «الصورة السلبية» عن المهاجرين تظل في أذهان السويديين لأن «ما يسمعونه في الإعلام هو مصدر المعرفة الوحيد لهم». ويصرّ كذلك على أن «كلاً منا قادر على فعل شيء لتغيير هذه الصورة».

شهادات سورية مزورة تُغرِق السويد

حالة بلوط ليست الوحيدة بين السوريين في السويد. فقد أُدينت امرأة في أيلول/ سبتمبر الماضي لتقديمها شهادات مزورة لإثبات إتمامها برنامجاً لتدريب المعلمين في جامعة دمشق. وأفادت الجامعة بأن المرأة لم تدرس لديها قط. كما أُدين رجل بتقديم أدلة كاذبة على إتمامه تعليمه الثانوي السوري. ومثل كثيرين ممن قاموا بفعل مشابه، حُكم على الرجل بدفع غرامات مالية يومية لاستخدامه وثيقة مزورة.

وفي 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كتبت الصحافية السويدية، صوفي لوڤنمارك، في صحيفة «إكسبريسين» إن رخصاً سورية مزيفة لسوق المركبات «باتت تشكّل خطراً على نظام السير في السويد الغارقة بالشهادات السورية المزيفة ولذلك عواقب وخيمة على أطراف أخرى.»

وتابعت لوڤنمارك أن الشهادات المزيفة يمكن أن تؤدي إلى السماح للأشخاص بالبقاء في السويد بموجب أسباب مغلوطة وأن السوريين الذين أتمّوا تعليمهم بالفعل يجدون صعوبة أكبر في إثبات أنها معتمدة.

وختمت بالتحذير: «بُني المجتمع السويدي على مبدأ الثقة. لكن الآن، ولسوء الحظ، بات على السلطات أن تكون أكثر ريبة».

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.