fbpx

نسبة المشاركة اقل من 10%: عن أسباب مقاطعة التونسيين انتخابات قيس سعيد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعود تونس هذه المرة لتقدم استثناء جديدًا وهو نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث تعد نتيجة هذه النسخة من الانتخابات الأقل مشاركة، لا في تاريخ تونس فقط، وإنما في العالم أجمع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طيلة العقد المنصرم، تم التسويق لتونس باعتبارها استثناء بسبب التداول السلمي على السلطة ونزاهة الانتخابات والتعددية الحزبية وحرية التعبير. 

لم تعد عبارة الإستثناء التونسي مجرّد وصف، بل سردية كاملة لا في تونس فقط بل في المنطقة بأكملها. تعود تونس هذه المرة لتقدم استثناء جديدًا وهو نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث تعد نتيجة هذه النسخة من الانتخابات الأقل مشاركة، لا في تاريخ تونس فقط، وإنما في العالم أجمع. 

نسبة اقتراع لم تتجاوز ال9%. 

لا تزال هناك دورة أخرى للانتخابات في الدوائر التي شهدت أكثر من مرشح واحد، ومن المؤكد أن النتيجة لن تختلف عن الحالية إن لم تكن أكثر محدودية. عند الإعلان على النتائج ومباشرة المجلس الجديد لأعماله، ستكون تونس شاهدة على عصر جديد من المهزلة والتهريج والشتات السياسي، لتكتب فصلاً جديداً في تاريخها، سيكون عنوانه الأكبر “جمهورية قيس سعيّد”.

ماذا حصل؟

حين انطلقت عملية الانتخاب قبل أيام كانت تطلعات الرئيس قيس سعيّد حول هذا البرلمان مرتفعة جدًا، رغم الخروقات والتجاوزات التي شابت المسار الانتخابي بأكمله، لم يعر سعيّد أي اهتمام لها واعتبرها مجرّد تفاصيل أمام الهدف الأهم وهو الانتخابات التي ستفرز برلماناً جديداً يقطع مع الماضي والسياحة الحزبية والمال السياسي الفاسد.  إلّا أن كل ذلك لم يحدث، بل على النقيض، أفرزت هذه الانتخابات برلماناً هجينًا ومشتّتاً ولا يحمل أيّ شرعية، حيث أن بعض المرشحين وصلوا إلى البرلمان لعدم وجود منافس في الدوائر التي ترشحوا لها، ولكن المأزق الكبير لا يكمن هنا فقط، بل في نسبة الإقبال على هذه الانتخابات من جملة الناخبين وعدد الأصوات. 

بدأت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس في نشر مستجدّات العملية الانتخابية. كانت العملية الانتخابية تسير بنسق بطيء، ووتيرة التصويت بنسق أقل، انتهى موعد التصويت عند الساعة السادسة مساءً ولم تتجاوز نسبة المشاركة 8.8% لتطرح أسئلة جديدة، أهمها لماذا حدث كل هذا؟ 

لماذا فشلت هذه الانتخابات؟ 

على الرغم من أن إجراء انتخابات جديدة بقانون جديد كان مطلباً نادت به جميع القوى السياسية والمنظمات الوطنية في تونس ومؤسسات الاتحاد الأوروبي إلا أن انتخابات على هذه الشاكلة لم تجد ترحيبًا من أي طرف سياسي، حيث كانت شروطها أشبه بـ”التعجيزية”، تلك الشروط التي وضعها سعيّد من خلال تنقيح قانون الانتخابات والتي سعى بها إلى تشكيل برلمان موالٍ له أتت بنتيجة عكسية، حيث أن هذا البرلمان لا يحمل أي شرعية أو امتداداً شعبياً ولا صدى له في الشارع التونسي. 

تمثل الشروط الجديدة للترشح إحدى أهم العوامل التي ساهمت في تقليص عدد المرشحين من جهة – خاصة المستقلين الذين لا يملكون نفوذاً مالياً لتمويل حملاتهم الانتخابية – وعدد الناخبين من جهة أخرى، حيث ترشّح بعض الأشخاص في دوائر يجهلهم ساكنوها، ينصّ مرسوم الانتخابات الذي أصدره سعيّد إلى أن التصويت في الانتخابات التشريعية على الأفراد في دورة واحدة أو دورتين عند الاقتضاء، وذلك في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد” […] وأنه “إذا تقدم إلى الانتخابات مرشح واحد في الدائرة الانتخابية، فإنه يصرح بفوزه منذ الدور الأول مهما كان عدد الأصوات التي تحصّل عليها”.  وورد في نفس المرسوم أنه “إذا تحصّل أحد المترشحين في الدائرة الانتخابية على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الدور الأول، فإنّه يصرح بفوزه بالمقعد”.

سعى قيس سعيّد من خلال مراسيم الترشح إلى ضرب الحياة السياسية وإلغاء دور الأحزاب، من خلال التصويت للأفراد لا الأحزاب.

سعى قيس سعيّد من خلال مراسيم الترشح إلى ضرب الحياة السياسية وإلغاء دور الأحزاب، من خلال التصويت للأفراد لا الأحزاب. كان سعي سعيّد واضحًا، إزالة أي معارضة حزبية أمامه وخلق معارضة شكلية محدودة جداً ولا تمثل أي مشكلة ولا تخلق ثقل معارضة أمامه، حيث أن هدفه كان برلماناً مشتتاً بصلاحيات منقوصة. ما غاب عن سعيّد هي نسبة العزوف، التي ضربت أيّ مصداقية في مساره. لا يعود ضعف الإقبال فقط إلى القانون الإنتخابي الجديد، بل كذلك إلى السياق العام الذي يعيشه التونسيون والتونسيات. 

سياسياً، نظراً إلى المقاطعة الكبيرة التي قادتها عديد الأحزاب والتنسيقيات ضد هذه الانتخابات، حيث أعلنت جبهة الخلاص الوطني، التي تتكون من عدد من الأحزاب السياسية والمستقلين والهيئات المدنية مثل حركة النهضة الإسلامية وحزب قلب تونس و ائتلاف الكرامة وحراك تونس الإرادة وحزب أمل وعمل، إضافة إلى تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تتشكل من خمسة أحزاب يسارية وديمقراطية واجتماعية، هي التيار الديمقراطي، والحزب الجمهوري، والتكتل الديمقراطي، وحزب العمال، وحزب القطب. بالإضافة إلى كل من الحزب الدستوري الحرّ الذي تتزعمه عبير موسى (امتداد لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم قبل الثورة) وحزب آفاق تونس. هذه الأحزاب التي لديها امتداد في الشارع التونسي وخزّان انتخابي قاطعت الانتخابات ولم تعترف بها، في مقابل مساندة يتيمة من حزب حركة الشعب والتيار الشعبي. رغم السخط التي تحمله هذه الأحزاب والتي ساهمت بشكل أو بآخر في الوضع الحالي الذي بلغناها إلّا أنها مازالت منظّمة بشكل هيكلي وقادرة على الحشد والتعبئة من حين إلى آخر. 

اقتصاديًا، حيث تعيش تونس أكبر أزماتها الاقتصادية مع عجز في الميزانية الحالية وارتفاع التضخّم وانهيار القدرة الشرائية، إضافة إلى غياب المواد الأولية وارتفاع الأسعار، وشعبوية تعاطي الرئيس مع الملف الاقتصادي، ساهمت كل هذه العوامل في تآكل الطبقة الوسطى، التي كانت تاريخياً الفئة الأكثر إقبالاً على الانتخابات. كانت العلاقة بين السلطة والطبقة الوسطى قائمة على المقايضة، الأمن الاجتماعي والرفاه الاقتصادي مقابل الولاء، ولكن بات ذلك ينتمى إلى زمن بعيد حيث أنّ الطبقة الوسطى باتت تنهار تدريجيًا، الأمر الذي يعزز النزعة الفردانية، ولم تكن الانتخابات أولوية ضمن أولوياتهم.

اجتماعيًا؛ الشعور السائد في تونس هو الإحباط والقلق واللا يقين، تغيرت أولويات التونسيين كثيرا في الآونة الأخيرة، لم تعد السياسة تعني لهم شيئا كبيرًا، باتت الهواجس الرئيسية هي توفير المواد الأساسية والوقود وسداد الفواتير التي باتت ترتفع بسبب تغير أسعار الكهرباء والغاز، إضافة إلى البحث عن حلول أخرى، الهجرة من بينها، حيث أن الفئة التي كانت أكثر شغفًا بالإنتخابات وهي الشباب ألغت التصويت من حسابها. اختار شق كبير منهم الهجرة بشقيها النظامي وغير النظامي، أما البقية الباقية، فقد اختارت متابعة مباراة المغرب ضد كرواتيا، ففي الوقت الذي كانت فيه مكاتب الاقتراع خاوية كانت المقاهي تعجّ بعشرات الشباب، هذه الفئات بالذات لم تعد ترى أي جدوى في التصويت أو التغيير وفقدت الثقة في الطبقة السياسية بأكملها، بالإضافة إلى خيبة الأمل الكبرى من قيس سعيّد الذي وعد بمحاربة الفساد ومحاكمة من أجرم في حق الشعب ولم يف بوعده. بالإضافة إلى تردي الوضع يوماً بعد يوم، مازال الإفلات من العقاب وتجاوزات رجال الشرطة والفساد السياسي رائجًا، كل هذه العوامل نفّرت الشباب من المشاركة. 

علاوة عن كل هذه العوامل، كان للتخبّط الذي تعيشه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات دور في تأزيم المسار الانتخابي. يشير سامي بن سلامة وهو عضو في الهيئة؛ بأن الهيئة تتحمل دور كبير في فشل الانتخابات حيث قامت بتسميم المناخ الانتخابي بكل عنجهية بالإضافة الى خطاب الكراهية الذي يبثه رئيس الهيئة وتوعده أي شخص ينتقد المسار الانتخابي بالسجن. زيادة على ذلك قامت بتسريب معطيات التونسيين في العلن ونشر قصاصات التصويت التي قد تؤدي إلى عمليات تزوير واسعة النطاق، والتخبط الذي كان في روزنامة الانتخابات. 

تجمّعت كل هذه العوامل، وأدت إلى نسبة تصويت محدودة للغاية. منذ تاريخ الاستقلال وحتى هذه اللحظة، قامت تونس على سرديتين، الأولى هي الدولة الوطنية والمصعد الاجتماعي عند الاستقلال والتي انهارت آخر التسعينات بموجة البطالة والخصصخة التي عاشت على وقعها الجمهورية، الثانية هي الاستثناء التونسي ويبدو أنها كذلك في طريقها إلى الإنهيار. 

يتحدّث عبد الناصر العراض، عضو المجلس الوطني لحركة الشعب الموالية لقيس سعيّد ل”درج” أن هناك عديد العوامل التي تقف وراء فشل الانتخابات. مثّل القانون الانتخابي السيء إشكالاً كبيراً حيث وقع تغيير القواعد برمتها وبشكل جذري من النظام على القائمات على مستوى الولايات إلى الاقتراع على الأفراد على مستوى المعتمديات وذلك من دون أي عمل بيداغوجي ولا تحسيس مسبق. إضافة إلى مستوى عمل هيئة الانتخابات وتأويلها للنص القانوني حيث ضيقت على عمل الأحزاب ما جعلها تعمل في حذر شديد لتحاشي العقوبات، ودخلت الهيئة  أيضا في صراع مع الهايكا أدى إلى تردد وضعف في تغطية وسائل الإعلام للمسار الانتخابي. بالتالي -يحسب رأي العراض- كلها أسباب قد تفسر إلى حد ما نسبة العزوف، ولكن لا يمكن أن نعتبر ذلك مقاطعة أو استجابة لطلبات المقاطعة،  والدليل أن هذه الدعوات لم يكن لها تأثير كبير قبيل أشهر عند الاستفتاء على الدستور الجديد. ولكنّه ينفي أن تكون هذه الرجّة قد ضربت شرعية الانتخابات من الناحية القانونية، بل من مصلحة البلاد أن يتواصل المسار الانتخابي من خلال الدور الثاني وكذلك من خلال سد الشغور في دوائر الخارج، لأن تونس لا تتحمل تمديد هذه الفترة الاستثنائية، بل تحتاج عاجلاً إلى إرساء كل المؤسسات وخاصة التشريعية إن كان ذلك من أجل حسن التشريع الداخلي أو من أجل جدية التعامل مع الاتفاقيات الدولية وكذلك ملف قرض صندوق النقد وما يتبعه من إصلاحات وتشريعات جديدة. 

أما على مستوى المشروعية، فلا شك، دائماً بحسب العراض، أن هذه الهزة تمس من مشروعية المسار، وعليه يجب على رئيس الجمهورية الدعوة إلى انتخابات رئاسية بعد تنصيب البرلمان الجديد. هذه الانتخابات المطلوبة تمثل “انسجاماً قانونياً مع الدستور الجديد” (دستور جديد يعني انتخابات جديدة) وكذلك “مخرجاً سياسيا من خلال عرض الرئيس نفسه من جديد على ثقة الشعب، خاصة وأنه المسؤول الأول عن القانون والمناخ الانتخابيين اللذان أديا إلى هذا العزوف التاريخي”. 

ماذا بعد الانتخابات؟ 

منذ صباح يوم السبت، كانت أغلب المؤشرات تدلّ إلى أن نتائج التصويت ستكون هزيلة، حيث كان الاهتمام ضئيلاً بالتصويت في الانتخابات البرلمانية التي تقاطعها معظم الأحزاب السياسية، هذا الإخفاق سيساهم بشكل كبير في تراجع شعبية سعيّد وشعبية قراراته في المستقبل، اعتبر رئيس جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة تونس، إن “نتائج المشاركة في الانتخابات التشريعية تؤكد أن الشعب خاب أمله من هذا السيد [إشارة إلى قيس سعيّد] ذلك أنها أسفرت عن عزوف 92 بالمئة من الناخبين عن المشاركة في التصويت”. 

هذه النتيجة تعيد المعارضة إلى الواجهة، وقد تكسبها شرعية اضافية في معارضته وتعمق من القطيعة بينه وبين الشعب من زاوية، وبينه وبين الدوائر الأوروبية من زاوية أخرى، خاصة بعد قرار الإتحاد الأوروبي مقاطعة المسار الانتخابي وعدم ارسال هيئة مراقبة للإنتخابات مثل ما كان الأمر في الانتخابات السابقة. يشير وسام الصغير، الناشط السياسي المستقل إلى “درج” أنه قبل الحديث عن نتائج الانتخابات البرلمانية وجب التذكير كون البرلمان المقبل سيكون برلمانا “ذكوريا هرماً” بالنظر إلى الترشيحات من حيث الجنس والسن، أما نتائجها بعد الدور الأول فعنوانها الرئيسي “العزوف” على اعتبار المشاركة لم تبلغ حتى 10% (8.8%) من مجموع الناخبين، وهذه النسبة تدعو للتساؤل عن مدى جدية تمثيل البرلمان المقبل لعموم التونسيين. هذا العزوف وهذا التمثيل الضعيف مردّهما إلى غموض المناخ السياسي العام وفقدان الثقة في المسار برمته بعدما ارتفع منسوب انتظارات التونسيين من رئيس الجمهورية على أثر الاجراءات الاستثنائية التي أعلنها في 25 تموز/يوليو 2021، وهذه النتائج وما رافقها من عزوف كبير لا يمكن إلا أن تضع رئيس الجمهورية في موقع مراجعة خياراته برمتها بهدف التدارك، أو أن يحصل التصادم في الأفق باعتبار أن المعارضة أصبح لها من المشروعية ما يزيد في امكانية قبول موقفها من قبل الشعب.”

حتى اللحظة لم يقدّم قيس سعيّد أي تعليق على الانتخابات أو نتائجها، ومن المرجّح أنه لن يقدّم في الأيام القليلة القادمة، ولكن أي تعليق سيقوم به لن يخرج عن دائرة تمجيد هذه الانتخابات، حيث سيعتبرها فريدة من نوعها وتعبّر عن إرادة الشعب، رغم أن الشعب هنا لا يتجاوز نسبة  10% من مجموع الناخبين، إلا أنه سيواصل في سياسته الإقصائية والتميزية حيث أنه سوف يعتبر من قام بواجبه الانتخابي شريفاً وصادقاً والبقية الباقية خونة يتبعون مؤامرة أجنبية، نفس التوجّه الذي سار عليه رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر الذي أنكر فشل الانتخابات ورجّح ضعف الإقبال على التصويت إلى غياب المال السياسي الفاسد والتمويل الأجنبي. إنكار سعيد المتواصل أمام أي فشل يواجهه سيؤدي به وبالمجتمع إلى طريق مسدود لا نعرف نهايته، سعيّد الذي اعتبر غياب المواد الأساسية نتيجة احتكار رجال الأعمال الفاسدين، والمظاهرات التي كانت ضدّه وراءها أحزاب فاسدة، والانهيار الاقتصادي سببه عدم الانخراط في فكرة الشركات الأهلية التي يروّج لها، لن يجد الآن أي حرج في مواصلة الإنكار ورمي التهم على أطراف مجهولة، يؤكد هو بدوره أن الشعب يعرفها جيداً من دون أن يسميها. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.