fbpx

“فضيحة المنح” في اليمن…
فساد بموافقة رسمية من أجل أبناء المسؤولين!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“هذه المنح كانت حقّاً للطلاب المتفوقين، وكان يفترض أن يكونوا هم الوافدون إلى الخارج للدراسة، لكنّ هؤلاء المسؤولين ارتكبوا جريمة استغلال النفوذ والسلطة في جلب منافعهم الشخصية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعود قضية استحواذ أقارب مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً على المناصب والمنح الدراسية الخارجية إلى الواجهة من جديد، وسط غضب عارم لدى اليمنيين.

كشفت وثائق رسمية مسربة تقـديم منح دراسية صادرة عن وزارة التعليم العالي في العاصمة الموقتة عدن، لأبناء وأحفاد وأقارب مسؤولين ووزراء، من بينهم رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، ورئيس البرلمان سلطان البركاني، ووزير التعليم العالي خالد الوصابي، إضافة إلى ديبلوماسيين وقادة عسكريين وحزبيين، ما أثار رفضاً شعبياً لما اعتبره كثيرون فساداً.

خلال العقود الأربعة الماضية، رفعت الحكومات المتعاقبة في اليمن شعار “محاربة الفساد”، وأعلنت عن قرارات لتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، دون أن تُقدِّم إجراءات لتنفيذ ذلك عملياً، لا سيما في ظل هيمنة المحاصصة السياسية والمحسوبيات. 

تضمّ الوثائق المُسرَّبة، وعددها 464 وثيقة، قوائم بأسماء المبتعثين للدراسة في الخارج، إضافة إلى كشوفات صرف المساعدات المالية للربع الرابع لعام 2021 للطلاب المبتعثين من وزارة التعليم العالي وبقية الوزارات الأخرى، في 40 دولة، لما عدده 4 آلاف و910 طلاب وطالبات، بمبلغ تجاوز 8 ملايين دولار. 

ورأى يمنيون في ذلك، نموذجاً صارخاً للفساد في أجهزة الدولة، واستغلال المسؤولين الوظيفةَ العامة لخدمة أقاربهم وذويهم على حساب الطلاب المتفوقين.

ويحتل البلد الذي يشهد حرباً منذ ثمانية أعوام، الترتيبَ الـ16 عربيّاً، والـ174 عالميّاً، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2021، وفق تصنيف منظمة مكافحة الفساد العالمية “الشفافية الدولية”.

تعود قضية استحواذ أقارب مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً على المناصب والمنح الدراسية الخارجية إلى الواجهة من جديد، وسط غضب عارم لدى اليمنيين.

أوائل بلا منح

محمد عبدالعزيز عسكر، وهو واحد من أوائل الجمهورية، ومن مئات الطلاب الذين حُرموا حقّهم في الحصول على منح دراسية، برغم تفوقهم العلمي.  

حصل محمد على 99.5 في المئة في الثانوية العامة، واحتل الترتيب الثالث ضمن العشرة الأوائل في وادي حضرموت لعام 2020-2021. إلّا أنّه لم يحصل على منحة برغم الوعود التي قُطعت له بالحصول عليها؛ كما يؤكّد والده الذي يقول لــخيوط، أنّه يشعر بالخيبة والظلم من عدم حصول ابنه على حقه في الابتعاث والدراسة في الخارج.

وبرغم مرور عام على تخرجه، لا يزال محمد متوقفاً عن الدراسة، آملاً بالحصول على منحة دراسية يواصل من خلالها تعليمه الجامعي.

فتحت كشوفات المنح المسربة البابَ أمام خريجي الجامعات للمطالبة باعتماد قرارات التعيين لأوائل الدفع، إذ تظاهر عشرات الطلاب المتفوقين في جامعة تعز بتعيين أوائل الجامعات الحكومية بدرجة معيد، واعتماد حصة محددة لأوائل الجامعات من منح الابتعاث للدراسات العليا، وعدم استئثارها لأبناء المسؤولين.

يضيف والد محمد: “طرقنا كافة الأبواب، ولكن دون نتيجة حتى الآن. كان ردّهم أنّ منح الأوائل أُلغيت وأنّها تقتصر فقط على المراكز الأولى”.

شارك محمد هذا العام في امتحانات المفاضلة على منح التبادل الثقافي، وحصل على الترتيب الثاني عشر على مستوى محافظة حضرموت، ولم يحصد بعدُ نتيجةَ تفوقه.

أمّا الطالب اليمني أحمد محمد (21 سنة)، فقد تخرّج من إحدى مدارس الثانوية العامة- القسم العلمي، في السعودية، بمعدل 99.8 في المئة عام 2020، وقدّم وثائقه إلى السفارة اليمنية بالرياض للحصول على منحة دراسية، لكن دون جدوى.

يقول والد أحمد إنّ مدير البعثات في السفارة طلب منه دفع 20 ألف ريال سعودي، لقبول الوثائق، على رغم أنّ ولده يعدّ ضمن أوائل الرياض. ويؤكد لـ”خيوط”، أنّ “العبث الحاصل في مؤسسات الدولة، حرم الكثير من المتفوقين الحصول على حقّهم في استكمال التعليم”. 

حساب بنكي وتأشيرة!

يشكو طلبة الجامعات المتفوقون أيضاً من عدم حصولهم على الحقّ في الابتعاث للدراسة في الخارج، كما هو الحال مع محمد البحيري، الذي حصل على الترتيب الثاني على دفعته في اللغة الفرنسية بجامعة تعز، ورُشح من قبل الجامعة لمنحة دراسية في فرنسا.

حصل البحيري عام 2014 على الموافقة من جامعة رويان الفرنسية لدراسة الماجستير، وقدّم وثائقه إلى القنصلية الفرنسية في العاصمة صنعاء آنذاك، ولكنّهم طلبوا منه كشف حساب بنكي بمبلغ لا يقل عن 12000 يورو مقابل حصوله على الفيزا للسفر إلى فرنسا، على حدّ قوله.

“كنت الأجدر بالمنحة بشهادة الدكاترة والمعلمين، إلّا أنّها ذهبت لشخص آخر!”؛ يقول البحيري لـ“خيوط“، مشيراً إلى أنّه منذ ذلك الحين توقف عن متابعة المنحة، نظراً لتردّي وضعه المادي.

يصف البحيري كشوفات المنح المسربة، بأنّها إحدى “صور الفساد المستشري في مؤسسات ما يسمى بالشرعية، وهي المحسوبية”.

وفتحت كشوفات المنح المسربة البابَ أمام خريجي الجامعات للمطالبة باعتماد قرارات التعيين لأوائل الدفع، إذ تظاهر العشرات من طلاب أوائل جامعة تعز بتعيين أوائل الجامعات الحكومية بدرجة معيد واعتماد حصة محدّدة لأوائل الجامعات من منح الابتعاث للدراسات العليا، وعدم استئثار أبناء المسؤولين بها. 

“ضغوطات كبيرة”

وعلى مدى أسبوع من تسريب الوثائق، تصدّرت هذه القضية منصات التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغات عدة، أبرزها: “#فضيحة_المنح”، و”#فساد_التعليم_العالي”، في حملة إلكترونية غير مسبوقة للمطالبة بمحاسبة وزير التعليم العالي خالد الوصابي، وبقية المسؤولين المتورطين فيها. 

ولم يرد مسؤولون في وزارة التعليم العالي بالعاصمة الموقتة عدن، على طلب “خيوط” التعليق على الأمر.

نفى الوصابي علاقته بأبناء المسؤولين الواردة في كشوفات الابتعاث، بحُجّة أنّها أُضيفت قبل تعيينه وزيراً للتعليم العالي، إلا أنه تولى منصب نائب وزير التعليم العالي ورئيس لجنة المفاضلة لمنح التبادل الثقافي خلال الفترة من كانون الأول/ ديسمبر 2017، وحتى إعلان تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، وَفقاً لاتفاق الرياض أواخر 2020.

وقال الوصابي الذي ورد عددٌ من أقاربه في الوثائق المسربة، إنّ “الوزارة تُقدّم منحاً سنوية للطلاب اليمنيين أوائل الجمهورية، عبر منح الابتعاث الثقافي”. 

وأضاف في حوار مع قناة “يمن شباب”، أنّه خلال عامي 2016 و2017، لم يكن هناك وزارة للتعليم العالي في عدن، ووزعت المنح عبر السفراء في الخارج. 

وزعم أنّ أكثر من 95 في المئة من منح المبتعثين هي لأوائل الجمهورية، مشيراً إلى تعرضه لـ”ضغوطات كبيرة من قبل مسؤولين وقيادات عسكرية من أجل حصول أبنائهم على منح ومقاعد دراسية”.

وأثناء مراجعة كشوفات المبتعثين عثرنا على طلاب من أقارب مسؤولين وقادة أحزاب سياسية، حصلوا على منح دراسية رغم انخفاض معدلاتهم في شهادة الثانوية العامة، كما يوضح الجدول أدناه.

الاسمنتيجة الثانوية العامةصلة القرابةدولة الابتعاث
عبدالله عبدالقوي علي أحمد العوني91.75%نجل وكيل محافظة تعز الواقعة تحت سلطة الحكومةتركيا
فداء عبدالرزاق يحيى الأشول94%ابنة وزير التعليم الفني والتدريب المهني الأسبقتركيا
عبدالعليم مهيوب حزام خالد البحيري96%نائب رئيس جامعة تعزتركيا
خولة طلال عبدالسلام جامل85%أبنة الملحق الإعلامي في السفارة اليمنية، تركياتركيا
بكر هاشم سلطان دبوان82.88%نجل المسؤول المالي في ملحقية اليمن، بمصرمصر

المصدر: الكشوفات المسربة، وزارة التربية والتعليم.

توجيه واقتراح

في أول موقف حكومي إزاء “فضيحة المنح”، وجّه رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، بـ”إلغاء أسماء كافة المبتعثين غير المستحقين من أبناء مسؤولي الدولة بمن فيهم أيّ شخص من عائلته المقربين من الدرجة الأولى، وتحويلها إلى طلاب مستحقين مستوفين للشروط”.

كما تضمّن التوجيه، تنفيذ قرار مجلس الوزراء بحصر الابتعاث الخارجي على برامج التبادل الثقافي، وفقاً لمعايير دقيقة وشفّافة.

منذ ذلك الحين، لم تُتخَذ أيُّ إجراءات عملية، برغم انقضاء أسبوع على التوجيهات التي قلّل البعض من شأنها، ما لم تتم محاسبة المسؤولين عن ملف المنح.

يصف وكيل وزارة الخارجية السابق، مصطفى النعمان، التوجيهات بـ”التفاعل الإيجابي”، إلا أنها تبقى “مجرد كلمات لامتصاص الضجّة، وسيظل المواطنون يتوجّهون إليه بالنقد والمسؤولية”.

وفي منشور على “فيسبوك”، اقترح النعمان على المجلس الرئاسي توجيهَ مذكرة لرئيس مجلس الوزراء، تتضمن “إلغاء كافة التعيينات في السلك الديبلوماسي التي صدرت منذ 2015، خارج قانون السلك (…)، ووقف صرف كل المخصصات المالية التي تم منحها في السفارات لأيِّ شخص- دون استثناء- لا يقوم بأيِّ مهمة رسمية”.

كما اقترح “منع تعيين أيِّ شخصٍ تجاوز السنّ القانونية في البعثات الديبلوماسية دون استثناء، والالتزام بقانون السلك الديبلوماسي في تعيينات رؤساء البعثات وعدم تجاوز النسبة المحددة لرئاسة الدولة. إلى جانب إغلاق الملحقيات الفنية العبثية”.

ودعا النعمان إلى إيقاف الدرجات الوظيفية على أبناء أيّ مسؤول من وكيل وما أعلاه دون استثناء؛ وألّا تمتد درجة القرابة في الحصول على المنح أو الوظيفة الديبلوماسية، إلى الأقارب من الدرجة الثانية.

خرق للقانون

من الناحية القانونية، يعدّ استحواذ المسؤولين على المنح الدراسية، خرقاً للمواد 24 و41 و54 من الدستور اليمني، ومخالفاً لقانون الابتعاث، بحسب ما أفاد المحامي عبدالرحمن برمان، وهو المدير التنفيذي للمركز الأميركي للعدالة.

ينصّ مضمون المواد الثلاث، على أنّ الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ومساواتهم في الحقوق والواجبات العامة، وأنّ التعليم حقٌّ للمواطنين جميعاً تكفله الدولة، وفقاً للقانون.

يقول برمان لـ“خيوط” إنّ “هذه المنح كانت حقّاً للطلاب المتفوقين، وكان يفترض أن يكونوا هم الوافدون إلى الخارج للدراسة، لكنّ هؤلاء المسؤولين ارتكبوا جريمة استغلال النفوذ والسلطة في جلب منافعهم الشخصية”.

ويوضح أنّ “قانون الابتعاث حدّد شروطاً وإجراءات لاستكمال عملية الإيفاد، من ضمنها تشكيل لجان من وزارات عدة، لوضع خطة الابتعاث وتحديد مجالات تخصص المُبتعثين وفق الاحتياج”، واصفاً استحواذ أقارب المسؤولين على المنح الدراسية بالجريمة الجنائية.