fbpx

“كل ما أحلم به مجرد غرفة”…
ماذا تعرفون عن سكن طلاب الجامعات السورية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نحن السوريين فقدنا كل شيء تقريباً، وأصواتنا ربما لم تعد كافية لوصف هذا الجحيم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن الموظف المسؤول عن قطع وصل السكن كائناً لطيفاً، وهو يجلس خلف كوة زجاجية على كرسي متحرك تعلوه صور لشعارات عن “الأمل بالعمل”. 

خرجتُ ذلك اليوم من جامعتي دون إذن لأن باب التسجيل سيقفل إن لم أصل قبل الثانية ظهراً، وبذلك لن أحصل على شاغر في إحدى غرف السكن الجامعي.

 الخوف من البقاء وحيداً في الشارع في هذه المدينة الكبيرة دفعني بكامل قوتي إلى التغيب عن محاضرات كثيرة، في سوريا عليك أن تبحث عن حقوقك بنفسك حتى تلك التي يفترض أن تكون مسؤولية الجهات العليا. 

ماذا حدث “تومورو”؟

حين وصلتُ إلى الموظف المسؤول، نظر نحوي وقال ببرود هائل: “رجاع لورا لخلص كاسة الشاي”، على رغم أنني وصلت قبل انتهاء دوامه الرسمي بنصف ساعة، سحبت قدمي إلى الخلف ثلاث خطوات، وأنا أخبره بألّا مكان آخر لي للنوم، وهذه المرة الرابعة التي اضطر فيها للعودة إلى هنا لأسباب غير مفهومة.  

أثناء ذلك دخلت إحدى الطالبات، مدت أوراقها نحوه وبتوقيع وختم، تم الأمر ومنحها رقم غرفتها، رميت نفسي بعدها نحو الكوة قائلاً: “هلق فيك تعمل وراقي مشان لحق؟”، اقترب بكرسيه وقال: “دوامي بيخلص على الـ2 رجاع لعندي بعدين”. 

 نظرت نحو ساعتي وكانت 1:57 دقيقة تماماً، قلت له وأنا أرتجف: “انت طلبت مني الانتظار… ما في حدا غيري وما في مكان نام فيه”، نهض عن الكرسي، وقال متثائباً: “تعال تومورو”.

قبل أن تدخل إلى كليتك الجامعية لا بد أن تحاول الحصول على غرفة لك في ما يسمى السكن الجامعي الخاص بطلاب الجامعات، خصوصاً إن كانت جامعتك في محافظة أخرى، والمحاولة في الداخل السوري تحديداً تعني أن تتجاوز نفسك ومبادئك أمام نظام اعتاد على تجريدك من ذاتك للحصول على أبسطِ حقوقك.  

يخاف السوريون من كلمة “تومورو”… فهي تعني غداً، والغد في سوريا يعني الكثير من المجهول والخوف والتعب كطوابير الخبز وتموين المواد الغذائية وفروع الأمن وكوارث أخرى اعتدنا حصولها، أجل… لا يؤمن السوريون بالغد فهو ليس إلّا ساعات إضافية محفوفة بالمخاطر والذل والموت. 

يخاف السوريون من كلمة “تومورو”… فهي تعني غداً، والغد في سوريا يعني الكثير من المجهول والخوف والتعب كطوابير الخبز وتموين المواد الغذائية وفروع الأمن وكوارث أخرى اعتدنا حصولها.

الواسطة للحصول على غرفة

تكرار هذه الأفعال غير المعقولة دفعني مثل الكثير من الطلاب للبدء في البحث عن طريقة أخرى للحصول على شاغر في إحدى الغرف، “الواسطة” بطاقة الفرج الأخيرة التي يستعملها معظم السوريون للحصول على حاجاتهم مهما كانت صغيرة أم كبيرة. وحين يفشل المرء في الوصول إلى مراده، بعد الوقوف ساعات في طوابير غير منتهية، يكون عليه الانتقال من واسطة صغيرة إلى أخرى أكبر… بدأت حركة الواسطة تتسع تدريجياً انطلاقاً من المعارف إلى المؤسسات الأعلى، فالقدرة السورية على الثبات والصمود اليوم تقاس انطلاقاً مما يمتلكه هذا الشخص من معارف وشخصيات لها وزن وسلطة وكلمة في البلد.

البدء من المعارف المقربين وصولاً إلى أشخاص أكثر نفوذاً، مثال على ذلك: محاولتي الحصول على سرير في إحدى غرف السكن الجامعي حين كنت طالباً، إذ بدأت من موظف في شؤون الطلبة وانتهت بوزارة التعليم العالي في سوريا، في الواقع هذه المسافة ليست صغيرة، فقد قطعتُ خلالها أسابيع طويلة في الجري وراء هؤلاء الأشخاص، هذا الحشو ما بين موظف الشؤون والوزارة كلفني نفسي حرفياً وشهرين من اللهاث ومحاولة الموازنة بين موادي الجامعية والحصول على سرير صغير بحجم جسدي لا أكثر، لكن هل حقاً سيكفيني سرير واحد لكل هذا التعب؟

المهجع رقم 246

لكل طالب سوري دخل هذه المهاجع قصص مختلفة حدثت خلف كوى التسجيل وغيرها ضمن الطوابير وملحقاته، تروي مايا (اسم مستعار) تجربتها عندما كانت طالبة جامعية منذ أربع سنوات: “استطاع خالي الذي يعمل في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في دمشق إيجاد واسطة لي في السكن من خلال اتصال أجراه مع صديقه الذي كان مشرف الوحدة الثامنة في حمص عام 2018، دخلت غرفته بعد انتظار دام ساعة ونصف الساعة. خلال هذا الوقت كان الكثير من الطلاب يخرجون مبتسمين بعد حصولهم على غرفة، لم أكن راضية عن أي شيء يحدث في الداخل، هذه العلاقات القذرة التي تؤمن لنا مكاناً وتحرم من ليس له واسطة، حينما دخلت إلى مكتبه كانت هناك فتاة تجلس مقابله على الطاولة وتضع له سيجارة في فمه وتخبره بأنها تريد الغرفة رقم 246 في الجناح A في الوحدة الخاصة بالفتيات”.

تتقاطع جميع القصص التي تسمع ليلاً خلال اعترافات أحاديث الطلاب في السكن عند اسم رئيس فرع الاتحاد الوطني في حمص، هذا الاسم الذي رافق أحلام الطلاب ومخاوفهم وبالأخص للفتيات اللواتي أجبرن على تقديم تنازلات سواء تحت التهديد أو لا، تنازلات لأسماء وشخصيات حزبية تعمل معه، هذه الشهادات روتها كثير من الطالبات اللواتي تعرضن لتلك المضايقات، كقصة الطالبة “ريتا” التي ضجت بها مواقع التواصل منذ أشهر وأصبحت واضحة أكثر حسب مصادر إعلامية مختلفة أفصحت عن وجود منظمات دعارة تديرها أسماء حزبية وسياسية كبيرة في حمص مع وجود دلائل توثق ما يحدث.

مفتي الجمهورية والسكن الجامعي

تخيل ماذا يفعل هؤلاء في الليل إن كانت تصرفاتهم هكذا في وضح النهار، ألا يمكنهم التصرف بطرق أذكى من هذه! وهل كانوا سيجرؤون على أفعالهم تلك لو كانت هناك قوانين تردعهم على الأقل؟! هذه المشاهد ليست غريبة في سوريا، يمكنك أن تراها في معظم مكاتب الدولة، بين الموظفين والمشرفين وأساتذة الجامعات، تنتشر بين الحين والآخر مقاطع فيديو توثق ما يتعرض له الطلاب من انتهاكات وتنازلات سواء كانت برضاهم أم لا، من يمكنهُ أنْ يضعَ لكَ سيجارةً في فَمِكَ يمكنهُ فرض أي كلامٍ يريد سماعه، يمكنهُ أن يجبركَ على التكلم بما يناسبهُ، ككلمة مشرف الوحدة السابق حين قال: الغرفة رقم 246 في الجناح A أصبحت لكِ.

 يقول مجد (اسم مستعار) وهو طالب في كلية الهندسة المدنية: “في سنته الدراسية الأولى عام 2019 في جامعة البعث، بدأت دوامي الجامعي متأخراً بسبب تأخر نتائج “مفاضلة الموازي”، وكان دوام الجامعة العامة بدأ قبل شهر كامل، لم أستطع ايجاد شاغر في أي غرفة، ولم يُراعَ هذا الظرف الذي لا ذنب لي فيه، أخبروني أن السكن مزدحم ولا مكان لي، بينما استطاع شخص ما أعرفه الحصول على غرفة خاصة له وحده، لأنه قريب مفتي سوريا (أ.ب.ح) آنذاك، هذه الغرف الفارغة لا تخرج فجأة عن عبث، بل هي موجودة وبكثرة أيضاً.

اضطرني ذلك للبحث عن واسطة كبيرة لتسجيل اسمي في السكن، واستطعت أخيراً بعد شهر من المحاولات الفاشلة أن أصل إلى رئيس فرع جامعة حمص للاتحاد الوطني (ع.ح)”.

هذه القصص لا تتعدى الوصف الخارجي فقط، فما يحدث في الداخل أشد خطورة مما قد يتخيل المرء… نحن السوريين فقدنا كل شيء تقريباً، وأصواتنا ربما لم تعد كافية لوصف هذا الجحيم. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.