fbpx

بالدشداشة والنظارة الشمسية… عمر سليمان يعالجنا بأغانيه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عمر سليمان خرج من مدينة مهمّشة في الشمال السوري، دون أن يكترث للعالم الذي يتغير سريعاً حوله، ودون أن يفكّر في مجاراته، أو حتى أن يعرف أنه يُعالج صبية بموسيقاه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في طفولتي كنّا ننتظر أغنية عمر سليمان “خطابة” على إذاعة ميلودي أف أم، كُنّا نتحلق حول التلفزيون مع والدتي، نردد الكلمات التي كانت تسحرنا. هكذا مر عمر سليمان في طفولتي، وإن لم يترك أثراً كبيراً، لكنه كان أحد أشكال السعادة حينها.

قلة من أصدقائي تقبلوا فكرة أن أشتري بطاقة لحضور حفل لعمر سليمان في بيروت، البعض قالها صراحة مع هزة بالرأس: “شاعرة وبتسمع لعمر سليمان”! تطور الأمر وأرسل البعض رسائل على “إنستغرام”، يحتجون على حضوري الحفل، ويبدون خيبة أملهم في اختياراتي الموسيقية، من بين الرسائل، “شي بحيّر انك بتسمعي هيك شي”، برغم أنني لا أعرف المرسل ولا يعرفني. كانت نقطة الاعتراض الرئيسية هي أنني شاعرة وصحفية، فكيف يمكن أن أستمع لموسيقى “هابطة” بحسب بعض الآراء. 

عمر سليمان السوري الذي انطلق من مدينة رأس العين في الحسكة، ووصل إلى ما هو أبعد ليغني في مناسبات دولية لماركات عالمية مثل “بالانسياغا” في باريس قبل أشهر. سليمان بدأ مسيرته في الغناء في الأعراس في ريف الحسكة، ثم وقع عليه الاختيار عام 2013 ليغني في مهرجان جوائز نوبل للسلام في مدينة أوسلو في النرويج حيث كانت انطلاقته الحقيقية، غنى في الأميركيتين وكندا للجاليات السورية والعربية المهاجرة. للـ”كيصر” كما يدعوه معجبوه، شهرة واسعة في الغرب، حيث يتماوج الجمهور على وقع موسيقاه، ويتفاعلون بكل حماس حتى من دون فهم كلمات أغانيه.

أمّا أنا فأردتُ ببساطة سماع عمر سليمان، لأنني أراه شخصية استثنائية، لم ينتشر في الغرب لأنه غريب أو اكزوتيك فقط، بل لأنه فعل ما يريد ببساطة، استمر في كونه هو، ابن العشيرة، بالدشداشة والوقفة ذاتها، يرسم في أفضل الأحوال ابتسامة صغيرة. لا ينوي “الكيصر” تغيير شكل لباسه فهو يتفاءل به، قال في إحدى لقاءاته: “هذا الزي الشعبي البسيط لن أتخلى عنه، فقد أوصلني إلى النجومية”

هذا أحد أسباب نجاحه، أنه لم يختلق  أي شيء في شخصيته وذهب إلى العالم بكامل فطرته التي أتت معه منذ البداية، مذ كان يغني في الأعراس.

لم أتخيل يوماً أن أكتب عن عمر سليمان وكانت على حفلته أن تمرَّ كذكرى جميلة، تشاركتها مع الأصدقاء، كعلاج بالرقص والموسيقا، فرّغت من خلالها الكثير من التراكمات، رقصت وغنيت وشربت، بهذه البساطة، دون رمي أي تحليلات أو تفسيرات لا يحتملها الموقف أصلاً، أردت كسر روتيني في الكتابة والقراءة والاستماع للموسيقى ذاتها، إلّا أن رد الفعل الحاد الذي قوبلت به، جعلني أفكر أكثر، بالفرق بين عمر سليمان وغيره من المطربين/بات الذين يوصفون بالابتذال والشعبوية، وهي الحجة التي هوجِمتُ بها.

موسيقى عمر ليست مبتذلة إنما هي مزيج من الموسيقى التراثية والشعبية، والشعبية ليست عيباً أو وصمة، بل هي موسيقى حاضرة في جميع المجتمعات السورية والعالمية، ولكل منطقة حول العالم موسيقاها الشعبية التي تتناقل عبر الأجيال وبخاصة في المناطق الريفية، كأغاني الدلعونا والمواويل، الأغاني الشعبية موجودة في مصر ولبنان والمغرب وسوريا، وما فعله عمر سليمان أنه أخرج الموسيقا الشعبية لمنطقة الفرات وجعلها عالمية، دمج الشعبي والتراثي، وصنع موسيقى شعبية. 

وهذا ما يدفعني للتساؤل، عن سبب هجوم بعض النخبة الثقافية والفنية عليه، ألا يمكن لمن يحبونه الاستماع إليه وحسب من دون أن يُتَهموا بذائقتهم الموسيقية؟ هل الكراكتير الذي قدّم به عمر سليمان نفسه هو ما يجعل البعض ينتقص من أغانيه؟ لو خلع نظارته، هل كان سيحظى بقبول رافضيه؟ أو لو أنه أحاط نفسه بفرقة موسيقية ولم يكتفِ بعازف الأورغ، هل كان سيبدو صورة عن التراث، لا مجرد مطرب شعبوي؟ ما زال هذا العالم يحيّرني، يحيرني بقوالبه الجاهزة، كيف يجب أن نقدم أنفسنا حتى من خلال ما نسمع، كيف يجب أن نعيش وفق مخطط واضح لا يتعارض مع الصورة النمطية للشاعرة والكاتبة والصحافية أو حتى لمغنٍ يجب أن يُحمّل أكثر مما يريد تقديمه، هذا العالم الذي لا يريد لك أن تزيح عن توقعاته، وعن صورته عن حياتك. 

عمر سليمان خرج من مدينة مهمّشة في الشمال السوري، دون أن يكترث للعالم الذي يتغير سريعاً حوله، ودون أن يفكّر في مجاراته، أو حتى أن يعرف أنه يُعالج صبية بموسيقاه. 

عمر سليمان لا يشبه بأي شكل الفنانين والفنانات الرائجين حالياً، لأنه لا يؤدي حركات استعراضية سوى وضع “المايك” تحت إبطه والتصفيق. يختزل الاستعراض بحركة واحدة، وبلباس لا يتغير مطلقاً، ومن خلف نظارة سوداء يشاهد الجمهور دون أن يشاهده، لا أحد يعرف كيف تبدو عيناه، فيخلق غموضاً أكثر، لكن كل ذلك لا يمنع من أن يكون حضوره في كل مرة متجدداً وهذا في حد ذاته إنجاز، أن تشدّ معجبيك بالطريقة والهيئة وردود الفعل ذاتها، حتى من دون أن ينظروا في عينيك، ربما هذا أحد أسباب نجاحه، أنه لم يختلق  أي شيء في شخصيته وذهب إلى العالم بكامل فطرته التي أتت معه منذ البداية، مذ كان يغني في الأعراس.