fbpx

“ملناش دعوة”… الصحافة في مصر بما يرضي الدولة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“غابت فرحة تحري المعلومات والبحث عن مصادر، والبحث عن الرأي والرأي الآخر، فأصبحت الأخبار مكررة ولا تعرض سوى وجهة نظر واحدة”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتصفح هاتفه المحمول، يدخّن نفساً آخر من سيجارته، بعد راحة أخذها لبضع دقائق ليعود ويستكمل عمله، فيجد مقاطع فيديو وصوراً لتظاهرات في شرم الشيخ حيث عقدت قمة المناخ، تطالب بالإفراج عن السجناء السياسيين وعلى رأسهم علاء عبد الفتاح، فيذهب إلى مديره المباشر يعرض عليه الأمر للخروج بخبر عبر الموقع الإلكتروني، فيأتي الرد “ملناش دعوة”.

أحمد محسن (اسم مستعار)، صحافي في أحد المواقع التابعة للدولة، لذلك لم يأتِ هذا الرد صادماً بالنسبة إليه، لأنه اعتاد الأمر، حتى تحول إلى ناقل بيانات بدلاً من صحافي يبحث عن الخبر ويتحرى الحقيقة، كما يصف نفسه.

يعمل أحمد صحافياً منذ 7 سنوات، بدأ عمله يبحث عن القصص الصحفية التي كانت تتطلب السفر من مدينة إلى أخرى، ولكن في السنوات الأخيرة لم يعد هذا الأمر متاحاً، فالأخبار أو القصص التي تمكن تغطيتها هي التي تؤيد الدولة فقط، ولا مجال لعرض الرأي الآخر “الأمر لا يتعلق بالقضايا السياسية فقط، ولكن كل ما يكتب يجب أن يجمل أداء الدولة وصورتها، فأي فكرة اجتماعية أو اقتصادية مرشحة للرفض في حال كانت ستزعج مسؤولين”.

معاناة أحمد تنسحب على آلاف الصحافيين المصريين، لتصبح الأخبار واحدة متشابهة في مختلف المواقع، قد تختلف العناوين، ولكن المحتوى واحد، “غابت فرحة تحري المعلومات والبحث عن مصادر، والبحث عن الرأي والرأي الآخر، فأصبحت الأخبار مكررة ولا تعرض سوى وجهة نظر واحدة”، يقول أحمد.

مئات الصحف والمواقع في مصر، لا تتيح للصحافيين العمل بحرية، فتقابل الكثير من الأفكار بالرفض، “أثناء حملات الإزالات التي طاولت عدداً من المناطق والأحياء، عرضت فكرة لقصة كنت أعلم جيداً أنها ستقابل بالرفض، اقترحت الذهاب إلى الأهالي، لكن الرد كان بأننا سننشر ما سيخرج من بيانات وأخبار رسمية حول التعويضات ونقل الأهالي إلى أماكن أفضل، مع تجاهل الأسر التي هجرت بالفعل ولم تحصل على تعويض أو مكان للمعيشة، في مقابل تحول الأماكن التي كانوا يقيمون فيها إلى مشاريع استثمارية تخدم الدولة”.

“لأنني أحب الصحافة ومؤمنة بها وبعملي قررت العودة مجدداً والعمل باسمي”.

حاول أحمد الانتقال للعمل في منصة أخرى، حيث كتب تحقيقاً عن معاناة أهالي السجناء خلال الزيارات الدورية، وبعد النشر ببضع ساعات وردته مكالمة هاتفية من مديره في الموقع، أعرب فيها عن غضبه لما قرأه، متنصلاً من أي مسؤولية في حال القبض على أحمد. “أبلغني انني أورط نفسي وأورط المنصة أيضاً، وعلي إما حذف الموضوع أو إنهاء علاقتي بالموقع، فجاء القرار سريعاً بتغيير اسمي لاسم مستعار، حتى لا أفقد وظيفتي لأنها مصدر دخلي الوحيد حتى، وخوفاً من السجن”.

وفقاً لـ”اللجنة الدولية لحماية الصحافيين”، مصر هي ثالث أكثر بلد يسجن صحافيين في العالم بعد الصين وميانمار، وبلغ عدد الصحافيين المحبوسين على خلفية عملهم في مصر 25 عام 2021، وقالت الفيدرالية الدولية للصحافيين إن العدد زاد في أيار/ مايو الماضي بعد اعتقال المصور الصحافي محمد فوزي، وبذلك تتساوى مصر مع ميانمار. في حين أن المرصد العربي لحرية الإعلام يقدر عدد الصحافيين المسجونين في مصر بـ70 صحافياً.

تلك الأعداد، وتلك القبضة التي تعيق عمل الصحافيين، دفعت 3 صحافيات مصريات، رشا عزب وإيمان عوف ومنى سليم، إلى الاعتصام في نقابة الصحافيين والإضراب عن الطعام تضامناً مع معتقلي الرأي في مصر قبل أسابيع. واستمر الإضراب أياماً، دون تسليط الضوء عليه، سوى في مواقع تعتبر معارضة ومحجوبة داخل مصر.

مؤسسة “حرية الفكر والتعبير” أعلنت أن عدد المواقع المحجوبة في مصر وصل إلى 549 موقعاً، مشيرة في ورقة صدرت عنها إلى أنه لا يعرف الجهة القائمة على تنفيذ الحجب بشكل رسمي، والأدوات المستخدمة في ذلك، باستثناء بعض المواقع التي حُجبت بقرار من لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين أو بقرار من المجلس الأعلى للإعلام، وقد وصل عددها إلى 44 موقعاً.

عرفت بسمة مصطفى بقصصها الصحافية المختلفة، لا سيما بعد نشرها تحقيقاً، حذف لاحقاً عن جوليو ريجيني، وقد تحول الأمر إلى تحقيق داخلي في مكان عملها، وصدر قرار بمنع نشر اسمها على تغطيات صحافية، حتى جاءت تظاهرات لرفض بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية والتأكيد على مصريتهما، فخرجت لتغطية الحدث وتم إلقاء القبض عليها، وبعد 12 ساعة في الحجز تم إخلاء سبيلها لتعلم حينها أن الموقع الذي عملت به وخرجت لتغطية الحدث لها رفض نشر خبر بالقبض عليها.

تروي بسمة لـ”درج”، “تعرضت لمضايقات كثيرة، أبرزها منعي من العمل في أماكن عدة، وهناك أماكن كانت ترحب بانضمامي إلى فريق العمل، ولكن بعد اجتياز المقابلة الشخصية يتم رفضي، بعد تلقي المسؤول اتصالات من جهات عليا لمنعي من العمل”، دفع ذلك بسمة للعمل الحر في المواقع التي تسمح بنشر القصص دون قيود أو ضغوط.

تتابع بسمة، “عام 2020، قررت العمل على ملف وباء كورونا، ملف دولي لا يخص مصر فقط، بل العالم كله، ولكن عندما قررت البحث عن متضرري الجائحة في مصر، والحديث عنهم، ألقي القبض علي مجدداً”.

يوم آخر أمضته بسمة في الحجز لأنها صحافية كما تقول، لتخرج منه وتظل 6 أشهر تفكر في ما ستفعله مستقبلاً، هل ستستخدم اسماً مستعاراً وتتخلى عن اسمها الحقيقي،”لأنني أحب الصحافة ومؤمنة بها وبعملي قررت العودة مجدداً والعمل باسمي”.

“قررت الذهاب للأقصر لتغطية موت أحد الأشخاص على يد الشرطة أثناء اعتقال شقيقه، وبرغم تحذير ورفض المسؤولين في الموقع الذي كنت أعمل فيه إلا أنني تمسكت بموقفي، وتمسكت بنقل الحقيقة”.

لم تستطع بسمة زيارة أسرة الضحية، وألقي القبض عليها عقب الوصول، لتمضي نحو 48 ساعة أخرى في الحبس، قررت بعدها السفر نهائياً من البلد، “فالحياة في مصر أصبحت غير آمنة تماماً”.

يرى الصحفي خالد البلشي، رئيس تحرير موقع “درب”، وهو واحد من المواقع المحجوبة من الدولة، أن المناخ العام بعيد من حرية الرأي أو التعبير، موضحاً أنه لا يخشى على الصحافيين العاملين معه، من الخروج والتغطية الميدانية، لأن من يخرج لن يعود “يواجه الصحافيون وضعاً شديد السوء، ففي الشهور الأخيرة ألقي القبض على حوالى 11 صحافياً، بسبب  تدوينات عبر “فيسبوك”، وهو ما يثير الخوف بخاصة مع وجود قوانين مقيدة وحجب للمواقع وسيطرة أمنية على الصحف”.

يصف البلشي العمل في المهنة بأنه بمثابة بطولة، مضيفاً، “أتفهم جداً كتابة الصحفيين بأسماء مستعارة لأن الكتابة بالأسماء الحقيقية تعرضهم لمضايقات كبيرة، وهناك 2 من الصحافيين في درب ألقي القبض عليهما بسبب نشر اسميهما الحقيقيين”.

لا يزال أحمد يذهب إلى عمله يومياًً، يعرف أنه لن يقدم جديداً يفيد الناس، ولا يسمح له سوى بكتابة بيانات “ترضى عنها الدولة”، بينما تحاول بسمة البدء من جديد في مدينة لا تعرف فيها أحداً…