fbpx

العنف الجنسي في إيران: عقوبة “آيات الله” للنساء المتمردات على السلطة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ما يبدو أنّ العنف الجنسي يمثل إحدى آليات السلطة القمعية في طهران، لجهة معاقبة المرأة وتأديبها، أحياناً، وكذا استردادها دوائر نفوذها وهيمنتها السياسية والأيديولوجية، في أحايين كثيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الشهادات الموثقة من محتجات إيرانيات بخصوص الاعتداء الجنسي عليهن من أفراد وعناصر الأمن في السجون أو حتى في الشوارع والميادين لا تبدو مباغتة. فالثابت أنّ هذا السلوك الفاشي يتجاوز كونه حادثاً عرضياً. بل إنّها ظاهرة مريرة متكررة، تتوافر لها البيئة السياسية التي تحمي مرتكبيها من المساءلة أو النقد.

وثمّة سوابق كثيرة، تحديداً في ما يخص تمرد الفتيات على الأنماط القيمية المفروضة من قبل ملالي طهران، ومنها الحجاب القسري، تكشف عن تعرضهن للاغتصاب والتحرش. 

منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، زعمت الشرطة الإيرانية أنّها بصدد فتح تحقيق بشأن فيديو لأحد عناصر مكافحة الشغب والذي ظهر وهو يعتدي جنسياً على إحدى المحتجات. 

مقطع الفيديو، الذي بثته شبكة “بي بي سي”، في نسختها الفارسية، كشف عن مجموعة من رجال الأمن الإيراني يتحملقون حول امرأة بينما تحاول مقاومتهم وهم يقبضون بأذرعهم على أردافها حتى نجحت في الفرار منهم.

شرطة طهران قالت إنّها على علم بالحادثة وقد فتحت تحقيقاً فيها، من دون أن توضح مصير عنصر الأمن المتورط في الاعتداء على المرأة، وفق صحيفة “الغارديان” البريطانية.

غير أنّ موقع “راديو فاردا” الناطق بالفارسية والمعارض، ذكر أنّ عناصر الشرطة كانوا يحاولون اقتياد المرأة إلى مركز احتجاز بدعوى “ارتدائها الحجاب بطريقة غير لائقة”.

في تقرير لـ”منظمة العفو الدولية، قالت الباحثة الإيرانية رها بحريني، إنّ ضابط أمن إيرانياً، بزيّ مدني، اغتصب إحدى المعتقلات خلال الاحتجاجات الأخيرة في طهران. 

ووصفت بحريني هذه الانتهاكات، التي تزامنت ومواجهة الاحتجاجات المتنامية إثر إسقاط الطائرة الأوكرانية بواسطة الحرس الثوري، باعتبارها “دليلاً على التعذيب” الحاصل في السجون الإيرانية، لافتة إلى أنّ “هذه المرأة تعرضت خلال فترة اعتقالها لضغوط من أجل ممارسة الجنس مع ضابط الأمن”.

ودانت الباحثة الإيرانية في المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان تجاهل المسؤولين في النظام الإيراني للموضوع المذكور. الأمر الذي تسبب في عجز الفتيات اللواتي تعرضن للعنف الجنسي، عن فضح تلك الممارسات والانتهاكات المتكررة، على خلفية الأجواء الأمنية القمعية.

الشهادات الموثقة من محتجات إيرانيات بخصوص الاعتداء الجنسي عليهن من أفراد وعناصر الأمن في السجون أو حتى في الشوارع والميادين لا تبدو مباغتة.

اللافت أنّ هذه الحوادث، التي تبدو تقليدية، رافقها، في مرات كثيرة، تحريض رسمي بل وحماية مباشرة من ممثلي السلطة، بداية من المرشد الإيراني، علي خامنئي، وحتى آخرين. الأمر الذي يؤبد التصورات التقليدية للنظام تجاه غير المحجبات باعتبارهن في صورة أدنى أخلاقياً. وبالتبعية، غياب أيّ حماية قانونية ومجتمعية.

وفي ما يبدو أنّ العنف الجنسي يمثل إحدى آليات السلطة القمعية في طهران، لجهة معاقبة المرأة وتأديبها، أحياناً، وكذا استردادها دوائر نفوذها وهيمنتها السياسية والأيديولوجية، في أحايين كثيرة. فالنظام الديني لـ”آيات الله”، والذي خلق طبقة سميكة حول المرأة، حدد وجودها في مساحات محدودة، وربما، وظيفية، لا تتخطى خطابات السلطة وقوانينها. 

وبالتالي، ليس جديداً ما كشفت عنه “لجنة متابعة أوضاع معتقلي” الاحتجاجات الإيرانية بخصوص ما يتعرض له المعتقلون من تعذيب وتحرش جنسي وتهديد بالاغتصاب. فضلاً عن حرمان المعتقلين المصابين من الخدمات الطبية، واحتجاز البعض منهم في معتقلات سرية.

ووفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، والذي وثق حالات الاعتداء الجنسي بحق سجينات إيرانيات، فإنّ عناصر النظام الإيراني يرتكبون أفعالاً لا أخلاقية بحقهن. 

ووثق التقرير الأميركي المعنون بـ”النظام الإيراني يتحرش بالسجينات لفرض الحجاب”، وقائع ما حصل لفتاة عمرها 20 سنة تعرّضت للاغتصاب إثر اعتقالها على خلفية الاحتجاجات المندلعة منذ مقتل مهسا أميني. وتم نقل الفتاة العشرينية إلى مستشفى بمدينة كرج الإيرانية، غرب طهران، نتيجة نزيف. ثم احتجزت في السجن، مرة ثانية.

وبالتزامن مع تقارير صحفية وحقوقية حول الاعتداءات الجنسية بحق المعتقلات في السجون الإيرانية، بعثت الناطقة بلسان مركز المدافعين عن حقوق الإنسان الإيراني، (السجينة) نرجس محمدي، رسالة إلى جاويد رحمان، المقرر الخاص لحقوق الإنسان. ودعت محمدي بضرورة فتح تحقيق بشأن الاعتداءات الجنسية على النساء المعتقلات. وتابعت: “الاعتداءات جزء من قمع النظام الممنهج ضد احتجاج النساء المناضلات”.

وذكرت الحقوقية الإيرانية عبر حسابها في انستغرام أنّ “الاعتداء على النساء أثناء الاحتجاز وفي مراكز الاحتجاز هو جزء من برنامج الحكومة لقمع المتظاهرات والمقاتلات”. بينما لمّحت إلى وجود شهادات “عديدة ومروعة” عن تعرض سجينات للاعتداء والاغتصاب في سجني إيفين وزنجان، في الفترة بين عامي 2010 و2020. 

وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر 2010، تعرضت محمدي لـ”الاعتداء والإهانة” من قبل مسؤولي السجن والأمن في فناء سجن إيفين، سيئ السمعة، بحسب شهادتها التي قدمتها للمسؤول الأممي. غير أنّ الشكوى التي تقدمت بها للقضاء الإيراني تسببت في سجنها لمدة عامين ونصف العام، إضافة إلى 80 جلدة. وبعدها حكم عليها بالسجن ثماني سنوات وشهرين إضافة إلى 74 جلدة، على خلفية نشاطها الحقوقي.

وفي تغريدة للزعيم الروحي للبلوش وإمام جمعة زاهدان، عاصمة محافظة بلوشستان، مولوي عبد الحميد إبراهيم زهي، طالب أجهزة القضاء بمتابعة قضية “الاعتداء الجنسي على السجينات بقصد إذلالهن وقمعهن وإكراههن على الاعتراف”.

وقال مولوي عبد الحميد، إنّ “الاعتداء الجنسي على السجينات” لا “ينعكس فقط في وسائل الإعلام”، بل ثمّة “روايات لبعض السجينات تؤكد ذلك”.

وفي حال “إثبات” هذه الجريمة، “فمن المؤكد أنّ أكبر مفسدين على وجه الأرض (والتي تعد ضمن التهم الفضفاضة الموجهة ضد معارضي النظام) هم مرتكبو هذه الجرائم ومن الضروري أن يلاحقهم القضاء ويعاقبهم بشدة”. يقول مولوي.

إذاً، ما تتعرض له النساء في إيران يؤشر إلى واقع لا يحتاج إلى تأويلات. واقع يصنف المرأة في مربع الإدانة واستحقاق العقاب التلقائي بمجرد انتزاع حق ما بإرادتها. فالمرشد الإيراني سبق أن واجه حملة me too “أنا أيضاً” التي ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وفضحت نسختها الإيرانية حالات ابتزاز جنسي وتحرش واغتصاب من شخصيات مرتبطة بالسلطة، بتصريح مقتضب قال فيه: “النساء يتعرضن للتحرش والاغتصاب في الغرب؛ لأنّهن غير محجبات، وبالتالي، هن مذنبات”. 

عدوى تصريح خامنئي انتقلت إلى رجل شرطة إيراني وبخ فتاة في أحد شوارع طهران والذي قال لها على خلفية عدم ارتدائها الحجاب: “ما دمت غير محجبة فأنت تستحقين أن يتم التحرش بك واغتصابك”، بحسب حملة “كاميرتي سلاحي” والتي وثقت عبر فيديوات عديدة إهانات الشرطة بحق الفتيات.

ومن ثم، فإنّ وقائع الاغتصاب الجماعي، عام 2011، بعد حضور حفلة، في مدينة “خميني شهر”، جنوب طهران، قد عقّب عليها رجل الدين الإيراني المتشدد الإمام موسى السالمي، بأنّ “هؤلاء المغتصبات لا يستحققن الثناء… فقد كان اثنان من المحتفلين أقارب… لقد جاؤوا إلى بلدتنا للاحتفال واستفزاز الآخرين (يقصد المغتصبين) عن طريق شرب الخمر والرقص”. 

ويكاد لا يختلف موقف قائد الشرطة الإيراني، حسين ياردوستي، عن ما قاله رجل الدين المتشدد أو ما سبق وروج له “الولي الفقيه”. وقال ياردوستي: “لو ارتدت الفتيات ملابس مناسبة، ولو لم يكن صوت الموسيقى مرتفعاً، لما اعتقد المغتصب أنّ مجوناً يدور هناك”.

وفي المحصلة، فإنّ العنف الجنسي ضد المحتجات في إيران يعد ضمن سياسات النظام لقمع أيّ حراك سياسي ضده. وهذه الممارسات شبه الممنهجة تقوم السلطات الإيرانية بتعميها على المجتمعات الأقلوية والفئات الضعيفة التي لا تخضع لسيطرتها السياسية والأيدولوجية. 

وكما سبق أن تعرضت 41 فتاة من أقليات البلوش في إيرانشهر، التابعة لإقليم سيستان وبلوشستان، وتقطن فيها أغلبية سنية، عام 2018، للاغتصاب، بينما اُتهم فيها عناصر الباسيج، فإنّ قومية أخرى مثل الكرد وقعت تحت وطأة عقاب مماثل في فترة الخميني الذي أصدر فتوى ضدهم تقضي بتكفيرهم بعد رفضهم دستور الفقهاء، فتم التنكيل بهم.