fbpx

الطعام أو الدفء… فقراء سوريا يواجهون أقسى موجة جوع!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بين الدفء والطعام، على السوريين اليوم أن يختاروا، ولا شك في أن الطعام في المقدمة، لكن هل اختيار الطعام يعني كفايته؟ البطون لا تشبع حين تأكل، ولا تتناول ما يخطر في بالها بل ما يتوفر أمامها وحسب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في وقت الغداء، وبعدما وضعت حصتها من المربى جانباً من دون أن تأكلها، تذهب الممرضة سارة (اسم مستعار) إلى مطبخ المستشفى العام حيث تعمل في دمشق، وتطلب المزيد من مربى المشمش، فابنها الصغير يحبه ولا قدرة لها على شرائه. سارة واحدةٌ من آلاف الأمهات اللواتي يقفن عاجزات أمام أطفالهن بقليل من المال والكثير من الاحتياجات.

أفواهُ الأطفال المرتجفة

بين الدفء والطعام، على السوريين اليوم أن يختاروا، ولا شك في أن الطعام في المقدمة، لكن هل اختيار الطعام يعني كفايته؟ البطون لا تشبع حين تأكل، ولا تتناول ما يخطر في بالها بل ما يتوفر أمامها وحسب.

“الحياة صارت  سلسلة من الفساد، الكل فاسد حتى الوزراء وبتوصل للموظفين، بس الفرق أنو الموظفين بحاولوا يعيشو من ورا الفساد، أما الوزير بدو يزيد مصرياتو بس”، يتساءل تامر، الذي يخاف أن يدخل هذه الدائرة من الاستغلال، إن كان الفساد بهدف إطعام عائلتك يعتبر أيضاً فساداً، يقول: “هل الرشوة التي أستلمها من تحت الطاولة عيب؟” ويجيب سريعاً بأنه مجبر، وسواء كانت هذه الرشوة التي يتلقاها ويشتري بها طعاماً لأطفاله عيباً أو حقاً، فهو لن يتخلى عنها حالياً.

بحسب أحدث تقرير “نقاط الجوع” الصادر عن برنامج الأغذية العالمي، تضم سوريا سادس أكبر عدد من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم.

الدكتور جوزيف ضاهر الباحث الاقتصادي، والأستاذ في جامعة لوزان في سويسرا، يوضح لـ”درج” أن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا كارثي على جميع المستويات ويستمر في التدهور”. 

يجد ضاهر أن التدهور الحاد في قيمة الليرة السورية مؤشر على الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري، يزيد على ذلك النقص في العمالة الماهرة بسبب آثار الحرب والهجرة، يقول: “النظام المالي في سوريا ضعيف للغاية للعب دور في تفضيل بيئة أعمال مواتية وجذب الاستثمارات الأجنبية”.

 سارة واحدةٌ من آلاف الأمهات اللواتي يقفن عاجزات أمام أطفالهن بقليل من المال والكثير من الاحتياجات.

كفاح السوريين بين البرد والجوع

بات استخدام أرجل الدجاج في الطبخ عادة تنتشر رويداً رويداً في المجتمع السوري، وهو أمر مستهجن – بعد أن كانت ترمى سابقاً – إذ تقوم  العائلات السورية بشراء الأرجل بسعر قليل وتطعمها لأطفالها، تقول ريم، الاسم الأول لسيدة مقيمة في مدينة السويداء: “بس خبرتني جارتي إنها عم تشتري أجرين الفروج، لأن سعرها قليل ومفيدة، انصدمت، ما تخيلت نوصل لهون”. أما عامر فيضحك قائلاً: “كان بياع الدجاج يعطيني أجرين الفروج ببلاش، لطعميها  لكلب الحراسة عندي، بس هلق ما عاد عطاني لأن قال الإجرين صارت وجبة الفقرا”.

من السهل الاستدلال على مضاهر الجوع في بلد كسوريا، الوجوه الصفراء التي تقف أمام المحلات وتمضي، أكياس الخضار الصغيرة، النساء اللواتي يأتين مساءً لشراء ما تبقى من خضار تالفة بسعر زهيد. لكن ماذا عن ما تبقى من اللحوم والفاكهة والطبابة واللباس؟ إذ إنه وبحسب برنامج الأغذية العالمي، وخلال العامين الماضيين، ارتفعت أسعار المواد الغذائية أربع مرات بينما زادت تكلفة الديزل سبعة أضعاف، رافق ذلك ارتفاع التضخم وركود الدخل، ولا يمكن للأسر تغطية إلا أقل من نصف احتياجاتها الغذائية الشهرية. ونتيجة لذلك هناك مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدات الغذائية في جميع أنحاء سوريا، هذا الرقم يعني آلاف الأطفال الجائعين وآلاف الآباء العاجزين، ثلاجات فارغة وبطونٌ خاوية، وبحسب كين كروسلي، ممثل ومدير برنامج الأغذية العالمي في سوريا: “بينما يكافح العالم مع الارتفاع العالمي في أسعار الغذاء والطاقة، لم يتبق للعائلات الضعيفة في سوريا أي شيء لمواجهة شتاء آخر، أولئك الذين يضطرون بالفعل إلى اختيار الطعام على التعليم والأدوية والملابس الشتوية والإقامة المناسبة، سيتعين عليهم الآن الاختيار بين الطعام أو الدفء”.

اللاجئون في لبنان يعيشون على الاستدانة

على رغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه معظم العائلات، لكن ما زال السوريون قادرين على الشعور ببعضهم البعض، ومحاولة مساعدة الآخرين ولو بأقل الإمكانيات. تقول مريم (اسم مستعار) أن صديق ابنها في المدرسة يأتي للعب معه في المنزل، تعرف مريم وضع العائلة المزري، لذلك اعتادت على إطعام الطفل وإرسال بعض الطعام لعائلته لو أمكن، لكنها لم تكن تتخيل الوضع المأساوي الذي تعيشه تلك الأسرة حتى جاء في يوم الطفل وسألها إن كان بإمكانه أخذ ما تبقى من طعامهم!

ينتظر السوريون المساعدات من الخارج سواء من أبنائهم أو من فاعلي الخير، يخشون أن يعتادوا عليها وتنقطع فجأة، وحين تأتي مساعدة مالية للعائلات، ينتظرون موسم الأعياد عسى أن يحصلوا على مساعدات أخرى، دون أن يتأكدوا من ذلك، إلا أن الأمل بمبلغ جديد يبقى حلم الفقير.

وفي الجارة لبنان، حال اللاجئين السوريين ليس بأفضل، إذ أظهرت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان بحسب الأمم المتحدة لعام 2022، تدهوراً حاداً ومستمراً في الظروف المعيشية لجميع اللاجئين، فحتى الاحتياجات الأساسية أصبحت بعيدة المنال بالنسبة إلى معظم هؤلاء، الذين يعمدون إلى تقليص وجباتهم الغذائية، ويتناول البالغون منهم كميات أقل من الطعام للسماح لأطفالهم بتناول الكمية الكافية.

ليس هذا وحسب، فقد تراكمت الديون على غالبية عائلات اللاجئين، نظراً إلى أن معظمهم يقترضون المال لشراء الطعام، كل هذا ينعكس بشكل قاس ومباشر على الأطفال، إذ يشير التقرير عينه إلى أن أقلّ من نصف أعداد الأطفال الرضّع الذين تقلّ أعمارهم عن خمسة أشهر يعتمدون على الرضاعة الطبيعية فقط، و11 في المئة فقط من الأطفال يتناولون الحد الأدنى من عدد الوجبات في اليوم.

بين الحلول واستحالتها

هذا كله وسط استحالة الانفراجات الاقتصادية، فبحسب جوزيف ضاهر: ” تُعدّ آفاق تحقيق عائدات وأرباح سريعة ومتوسطة المدى من الاستثمار في سوريا محدودة جدّاً في الوقت الراهن لأسباب سياسية واقتصادية، ما لا يولّد أي حوافز لإطلاق مشاريع استثمارية، سواء من داخل البلاد أو خارجه”. تساهم العقوبات الاقتصادية على سوريا في تعميق هذه المشكلات، أما عن التعافي الاقتصادي فهو صعب جداً على المدى المتوسط بحسب ضاهر: “ما نشهده هو مزيد من الإضعاف والتراجع لقطاعات الإنتاج، ما يعني المزيد من الإفقار لشرائح واسعة من المجتمع، والدفع باتجاه معدّلات ضخمة من البطالة والبطالة المقنّعة التي تترافق مع معدّلات للهجرة مرتفعة للغاية بين المتخرّجين الشباب”، يختتم صاحب كتاب “سوريا بعد الانتفاضات، الاقتصاد السياسي لمرونة الدولة”: “إن نموذج الانتعاش الحالي يبقى أبعد ما يكون عن ضمان نهضة القطاع في المستقبل القريب”. 

وفي سؤال عن الحلول التي من شأنها المساعدة في تحسين الوضع الاقتصادي في سوريا، يرى ضاهر أن تطوير القطاعات المنتجة يمكن أن يشكّل عنصراً أساسياً في استقرار الاقتصاد في البلاد، فقد يساهم في تعزيز الإنتاج المحلي، ويقلّل بشكل جزئي الضغط على الليرة السورية لتمويل السلع المستوردة. كذلك يمكنه أن يؤمن فرص عملٍ بديلةٍ عن تلك المرتبطة باقتصاد الحرب، ومن الحلول التي يقترحها ضاهر، استثمار الدولة في الصناعات العامة، ومنح قروض كبيرة بفوائد منخفضة للمؤسسات الصغيرة والمتوّسطة، ولصغار المزارعين لتحديث معداتهم وبنيتهم التحتية بالتقنيات الفعّالة والمتجّددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يخفّف استهلاكهم المشتقّات النفطيّة، وبالتالي انخفاض كلفة إنتاجهم.

كل ما قد يروى عن معاناة السوريين سيبقى قليلاً أمام الواقع المظلم، وأمام أفواه الأطفال المرتجفة وخوف الآباء وعجزهم، وأمام شتاء آخر لن يرحم، وحكومة تزيد المعاناة بلا مبالاتها وخططها الفاشلة وفسادها المستشري.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.