fbpx

طريق باتجاه واحد… قاصرات عراقيات يجبرن على الدعارة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“سيأتون ليأخذونا بعد ساعتين، سنتمايل على المسرح تحت الأضواء، محاطات بحراسة مشددة لمنع اعتداء السكارى علينا، وقبيل الفجر سيتم استئجارنا لممارسة الجنس، أثرياء يأخذوننا إلى بيوت أو شقق ثم يأتي من يعيدنا إلى هنا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بنين إلياس

خلف طبقة سميكة من مساحيق التجميل، وضحكة متوترة لسبب أو بدونه، تخبئ تونة (15 سنة) طفولة لم تستطع تجربتها في غرف تدليك في بغداد وأندية ليلية في أربيل تبديدها.

 وفي رأسها ذكريات قريبة لحضن أم دافئ وشقيقة صغرى تعتقد أنها فقدتهما للأبد.

تنظر بعينين ساهيتين إلى نفسها في مرآة غرفة مشتركة مع أخريات بمثل عمرها في شقة في منطقة جيفين في إربيل، ثم تقول فجأة كأنها اكتشفت حقيقة ما يحصل لها للتو: “أبي هو من فعل هذا بي!”.

 تجتمع الدموع بعينيها وهي تروي كيف أن والدتها معلمة الرياضيات، أخذتها مع شقيقتها من والدها وسط البصرة، إلى منزل جدها في أطراف المدينة. كانت في الثانية عشرة وقتها، وتذكر جيداً أن خلافاً حامياً نشب بين والديها، بعد إعلان أبيها زواجه بامرأة أخرى.

أشاع الأب معلومات تفيد بأنه عثر على رجل في البيت كان على علاقة بالأم، وأن في هاتفها المحادثات مع رجال آخرين واتهمها بأن لديها علاقات جنسية بهم. 

تُمسِك مشطاً مسطحاً وتشير به إلى المرآة:

“كله كذب، لقد كنت قرب أمي دائماً وأعرف بأن أبي أختلق كل ذلك لتشويه سمعتها انتقاماً منها”، تفكر قليلاً والمشط المرتعش في يدها ما زال موجهاً نحو المرآة: “حتى في المدرسة، كنا أنا وسمسم شقيقتي معها، لأنها كانت معلمتنا، لم أرها يوماً تكلم رجلاً بالطريقة التي اتهمها بها أبي”.

تتحدث عن والدتها بحب وتصفها بأنها سيدة محافظة تتقن اللغة الإنكليزية وتجيد تحضير الطعام والمعجنات. ترتسم على وجه تونة ابتسامة شوق وهي تقول ذلك، ثم سرعان ما يشطبها الانفعال: “كان يهدف من اتهامها بأخلاقها، إثبات عدم قدرتها على تربيتنا أنا وشقيقتي، لكي يأخذنا، لقد سمعته بأذني وهو يقول لها مثل هذا الكلام ذات مرة”.

تغلظ صوتها مقلدة صوت والدها: “لن تحصلي مني على فلس واحد وسآخذ البنتين منك، الكل يصدق الآن أنك لست شريفة”، والمحكمة لن تصدقك وتكذبني”.

ترفع المشط بهدوء، تمرره على الجهة اليسرى من شعرها الطويل الفاحم، وتذكر بأن أخوالها وجدها اتفقوا على قتل والدها، لقد سمعتهم وهم يخططون لذلك غسلاً للعار، لكن جدتها تدخلت وأخبرتهم أنهم سيؤكدون أكاذيبه، وأن من الأفضل أن يتعاملوا معه بسياسة، وأن يجلسوا معه لسماع طلباته مقابل طلاق ودي دون مشاكل.

وهذا ما حدث لاحقاً وكان هذا في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، إذ اجتمعوا به، واتفقوا على أن يطلق الأم، مقابل توقفه عن الحديث عنها بسوء، وتنازلها عن حقوقها وكذلك عن حضانة الفتاتين.

تنقل المشط إلى الجهة اليمنى، متذكرة لحظة انفصالهما هي وشقيقتها عن أمهما: “كنا نصرخ بأعلى صوتينا، وجدي وجدتي وأخوالي يراقبون دون أن يفعلوا شيئاً، لقد تركوه يأخذنا، هكذا بكل بساطة”.

من هناك، أخذهما مباشرة بالسيارة إلى العاصمة بغداد، وفي وقت متأخر من الليل وصلوا إلى مكان عرفت لاحقاً أنه مركز تدليك (مساج) في منطقة المنصور، لكنها وشقيقتها بقيتا في حوض السيارة الخلفي، لحين ركبت معهم امرأة جميلة شقراء اسمها هيام عرفت عن نفسها بأنها زوجة أبيهما الجديدة، وتوجهوا بعدها إلى شقة في المنطقة ذاتها.

تولت تونة رعاية شقيقتها وكان والدها لا يزورهما سوى نادراً، وحين كانت تسأله عن موعد ذهابها للمدرسة كان يتهرب من الإجابة، وأصبحت تشاهد الرجال بمختلف الأعمار يدخلون إلى الشقة بحضور أبيها وفي غيابه وتصحبهم هيام إلى غرفة النوم.

ثم أخذت زوجة الأب تطلب منها مساعدتها بتعطير غرفة النوم تحضيراً لاستقبال الزبون التالي، وأجبرتها على مساعدتها في تدليك البعض منهم، ورضخت لذلك على أن تبقى شقيقتها بعيدة من الأمر.

وذات يوم، أبقتها لوحدها في الغرفة مع زبون كبير في السن، وخرجت بذريعة الرد على هاتفها، فأخذ يداعبها وهي تقاوم، وحين دخلت هيام قالت للمسن وكأنها تتحدث عن سلعة معروضة للبيع: “سعرها مختلف”.

تكرر الأمر، وصار معتاداً أن يطلب الزبائن أناملها الصغيرة لتدعك بها جلودهم الخشنة، ويمدون هم أيديهم إلى مواضع في جسمها بين الحين والآخر، وسار الأمر بهذا النحو خلال فترة تفشي “كورونا” إلى منتصف 2021، عندما نقلها والدها مع شقيقتها إلى أربيل.

“سألته في الطريق ذلك اليوم عن أمي، فأجابني بأنها ماتت وأن عليّ نسيانها”.

أخذها إلى منزل كبير وفخم في أربيل، طلب منها البقاء في باحة المنزل بينما دخل هو، وبعد دقائق، تبعته لتفاجأ بان والدها يتحدث مع الرجل المسن الذي تحرش بها في بغداد، وتناول منه رزمة من الدولارات، ثم أخذ شقيقتها معه وتركها هناك.

 مخيلتها الصغيرة أقنعتها بأنه ذاهب لقضاء حاجة وسيعود بسرعة، رافقتها سيدة فليبينية، تعمل في المكان، إلى غرفة نوم واسعة، استلقت على السرير وغطت في نوم عميق من شدة التعب، وحين أفاقت وجدت المسن فوقها وبدأ باغتصابها.    

“أصبحتُ خرساء” تقول متمتمة، وتواصل الحديث كأنها تنقل تفاصيل مشهد تراه أمام عينيها: “كنت أدخل خزانة الملابس لساعات وأبكي، والرجل المسن يدخل الغرفة ليلاً، ويغتصبني مرة واثنتين وأكثر، دون أن يكلمني حتى، ثم يخرج واسمع صوت المفتاح يدور في قفل الباب”.

السيدة الفليبينية، كانت تفتح الباب صباحاً، ومعها شيء من الطعام، تنظف الغرفة وتلتقط الأغطية التي كانت في بعض الأيام تحمل آثار دماء. وكانت تونة تفكر طوال الوقت بشقيقتها سمسم، وإن كان والدها قد باعها أيضاً لشخص آخر، وفكرت طويلاً بأمها، ليس بشوق كالسابق، وإنما بكره شديد، لأنها تركتها مع شقيقتها لذلك المصير. 

بقيت تونة لنحو شهر تغتصب كل ليلة، وتم نقلها بعدها إلى مرقص ليلي، تولت امرأة في الثلاثين تهيئتها للصعود إلى المسرح والرقص مع فتيات أخريات أصبحن صديقاتها، إذ كن جميعهن بطريقة أو بأخرى يشبهنها، عائلة مفككة وأب أو أم أو كلاهما، غير مكترثين بمصير بناتهما، بل أقدم احدهما على دفعهن في ذلك الطريق.

تنظر في ساعة يدها، تقول بعد أن تبلع ريقها: “سيأتون ليأخذونا بعد ساعتين، سنتمايل على المسرح تحت الأضواء، محاطات بحراسة مشددة لمنع اعتداء السكارى علينا، وقبيل الفجر سيتم استئجارنا لممارسة الجنس، أثرياء يأخذوننا إلى بيوت أو شقق ثم يأتي من يعيدنا إلى هنا”. 

 تغمض عينيها وترفع رأسها قائلة: “راحتي الوحيدة هي بالنوم، أريد أن أظل نائمة دون استيقاظ، فلم يعد لدي شيء في هذا العالم، كلنا هنا لا نملك شيئاً، حتى الحلي التي نرتديها ونحن نرقص، يعيروننا إياها ثم يستعيدونها منا، القطط السائبة تعيش أفضل منا ونحسدها على حريتها”.

طريق باتجاه واحد

استغلال القاصرات جنسياً في بيوت الدعارة والمراقص والملاهي الليلية ومراكز التدليك في العراق لم يعد مجرد حالاتٍ تحدث هنا أو هناك، بل أصبح أمراً معتاداً في تلك الأماكن، وهنالك حلقات متكاملة لجلب الفتيات وتهيئتهن وبيعهن وزبائن بعضهم يتولون مناصب أمنية وإدارية وحكومية عليا.

 والضحايا كما أشارت تونة، تتشابه قصصهن وقد وجدنا من خلال مقابلاتنا مع كثيرات أن القواسم المشتركة بينهن هو الفقر المدقع والتفكك العائلي وأشخاصٌ يقودونهن مرغمات أو بإراداتهن إلى ذاك الطريق.

أما المتخصصون فيشيرون إلى أسباب عدة تقف وراء لجوء أو دفع الفتيات للعمل في الدعارة بمختلف مناطق العراق، كالحروب وتداعياتها التي أثرت في مجمل الحياة في البلاد ومن ثم الفساد الذي يشوب إدارة الدولة والذي أدى إلى تفاقم الأزمات.

“راحتي الوحيدة هي بالنوم، أريد أن أظل نائمة دون استيقاظ، فلم يعد لدي شيء في هذا العالم، كلنا هنا لا نملك شيئاً، حتى الحلي التي نرتديها ونحن نرقص، يعيروننا إياها ثم يستعيدونها منا، القطط السائبة تعيش أفضل منا ونحسدها على حريتها“.

الباحث في الشأن الاجتماعي مرتضى عباس يعقوب، يلفت إلى أن الجماعات الدينية المتشددة التي شنت حرب شوارع يومية في الكثير من المدن العراقية طوال العقدين الماضيين، وقامت بتصفيات جسدية وتفجيرات مستمرة، ثم توج ذلك بسيطرة داعش على أربع محافظات كاملة في 2014 والممارسات التي قام بها ضد الأهالي: “خلف كل ذلك عشرات الآلاف من القتلى والأرامل والأيتام” يقول بأسف.

ويلفت إلى أن ذلك لم يقابله تحرك حكومي لحماية الأسر التي فقدت معيليها، ودعمها مادياً، بل ساهمت من خلال إهمالها بتفكك بعضها “وسلوك فتيات ونساء طرقاً غير سوية لتأمين لقمة العيش، وكان بالوسع تدارك ذلك من خلال راتب شهري بسيط، أو تأمين فرص عمل لا غير”.

ويشير أيضاً إلى أن بلوغ الفتيات الأيتام الثامنة عشرة في الدور المخصصة لهن، دون أن يجدن عائلات تضمهن، يجعل الشارع ملاذ البعض غير المحظوظات منهن، ومن ثم يتم اصطيادهن من قبل المتاجرين بالجنس، وفقاً لتعبيره.

وعن السبب الذي يبقي الفتيات راضخات لمستغليهن جنسياً، يقول يعقوب: “هناك ظروف تدفع بهن للمضي في طريق الدعارة، ويكون الرجوع عنه شبه مستحيل، لأنها ستقتل غسلاً للعار حتماً، لكون العراق بلد تسود فيه الأعراف القبلية”.

ثم يضيف، “إنه طريقٌ باتجاه واحد، لا رجوع فيه”.

بعد استماعنا إلى قصة تونة، كان علينا البحث عن الذين يديرون تجارة الجنس (سماسرة) ولم تكن عملية سهلة، إذ رفض كثيرون وبريبة شديدة التحدث إلينا، إلى أن وجدنا ضالتنا في جوحي طبرة (38 سنة).

 شاربان قصيران، خدود منتفخة ومتوردة وعينان ناعستان على الدوام وندبة فوق حاجبه الأيمن، وصلعة واسعة جعلته يبدو أكبر سناً وكرش يترجرج مع أي حركة، هكذا بدا جوحي حين قابلناه في منطقة البتاوين في العاصمة بغداد.

قال بصوته الغليظ، حين شكرناه لموافقته على الرد على أسئلتنا: “ليس لدي شيء أخاف أو أخجل منه” ثم قال بعد تردد: “وأنا لا أخالف القانون، فكل شيء يجري برضا الطرفين!”.

واخذ يستعرض علاقاته التي وصفها بـ”المؤثرة” بشخصيات أمنية وسياسية يؤمن لها ما تريد وينظم لها حفلات خاصة، مقابل عدم مضايقته وتسهيل أمور عمله الذي قال بأنه رائج.

ولخص ما يقوم به بكلمات سريعة: “أنا أوفر لهن الحماية والسكن والطعام والعمل!”، يسكت قليلاً ثم يتلفت قبل أن يقول لكن بهدوء هذه المرة: “الفتيات، خصوصاً الصغيرات، وحتى الكبيرات، لا يستطعن العمل بمفردهن، لا بد من شخص يرتب لهن المواعيد ويستلم الأجور ويحدد الأماكن، ويوصلهن ويعيدهن إذا تطلب الأمر، والأهم منع تعرضهن للاعتداء”.

ويذكر بشيء من التوجس، أنه يعثر دائماً على فتيات ويساعدهن للعمل في مجال الدعارة، مقابل المال وعدد اللواتي يصادفهن في العادة: “هاربات من بيوتهن أو أهلهن يبيعوهن بسبب الحاجة للمال أو أن الدعارة هي مهنة العائلة بالأصل”.

يتنقل بين بغداد وأربيل ولديه أذرع في الكثير من محافظات البلاد، كما يقول، والأسعار متفاوتة بحسب “مواصفات الفتاة الجمالية وسنها”، ويستدرك: “طبعاً كلما كانت أصغر كانت أغلى!”. يتكلم عن الأمر كما لو أنه يتحدث عن سلعة، ومن دون أي خجل أو تردّد. 

وجدنا خلال تقصينا عن المعلومات لهذا التقرير، أن السمسرة لا تقتصر على الرجال، بل هناك نساء يمارسن هذه المهنة، وفقاً لتدرج عرفي قائم، بأن تتحول العاملة في الدعارة بعد سن الـ35 لتصبح “قوادة”، وإذا تقدمت بالمهنة تلقب بـ”الشيخة”.

وبوسع القوادة التكفل بدار يضم العديد من البنات، تنظم لهن جداول خروجهن أو استقبال الزبائن وهي من تقرر أيهن تذهب لأي زبون، كما أنها المسؤولة عن تقسيم الأعمال المنزلية بينهن.

أما الشيخة أو كما تعرف بـ”شيخة الكار”، أي المهنة، فتكون مسؤولة عن عدة بيوت دعارة، وتكون لها سلطة على مجموعة من القوادات المرتبطات بها.

“بعد عمر 14 دخلت في المهنة وكان والدي ينسق لي العمل، وكان يشترط علي أن يخرج الزبون من غرفتي وهو مبتسم“.

في منطقة البتاوين أيضاً، التقينا بسيدة في عمر الأربعين، ترفض أن توصف بـ”القوادة” مع أنها وظيفتها التي تقول بأنها تمارسها منذ سنوات عدة، وهي تحصل على الزبائن  الجدد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو بعروض لزبائن قدماء بممارسة مجانية لمرة واحدة مع كل زبون جديد يرسلونه إليها. 

هي الأخرى، بدأت العمل في مجال الدعارة في سن صغيرة، فقد نشأت في نطاق عائلة تتاجر بالجنس والمخدرات والكحول، وكان والدها يجلب لها الزبائن وهي بعمر 14 سنة.

تروي حكايتها وكأنها تتحدث عن واحدة أخرى وليس عن طفولتها: “بعد عمر 14 دخلت في المهنة وكان والدي ينسق لي العمل، وكان يشترط علي أن يخرج الزبون من غرفتي وهو مبتسم”.

وذكرت أن أهلها (والدها أو شقيقها الأكبر أو أمها) هم من كانوا يستلمون المال من الزبائن ويعطونها نصفه. وحدث أن وقعت في حب شاب وهي لم تبلغ الثامنة عشرة، واكتشفت حينها، أنها لن تكون قادرة على الزواج إلا بشخص من الأقرباء، لكي تستمر في المهنة.

وعن وجود القاصرات في بيوت الدعارة والمراقص، تقول ببرود: “هذا سوق، وهنالك طلب على القاصرات، كثيرون يفضلون النساء صغيرات في العمر، والبعض يدفع مبالغ كبيرة إذا كانت البنت عذراء!”.

وهي لا تتردد بالقول إن فساد بعض رجال الأمن يساعدها كثيراً في ازدهار عملها، بل تعتمد عليهم كزبائن رئيسيين في كثير من الأحيان. قالت وهي تقرب يديها من بعضهما مقلدة امساك العسكر ببندقية “حتى هؤلاء، يأخذون من بعض الملاهي والبيوت نقوداً من أجل الحماية”، وعندما سألناها إن كانت تقصد الميليشيات، هزت رأسها موافقة دون أن تنبس ببنت شفة.

إهمال حكومي وتعطل تنفيذ قوانين

المحامية زينب محمد لاوي تقول إن قانون مكافحة البغاء رقم 8 لسنة 1988، عالج مسألة استغلال الفتيات القاصرات في المادة الخامسة، الفقرات الأولى والثانية والثالثة:

” 1-    من استبقى ذكراً أو انثى للبغاء أو اللواطة في محل ما بالخداع أو بالإكراه والقوة والتهديد وكان عمر المجني عليه أو عليها أكثر من ثماني عشرة سنة يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات.

 2- وتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة إذا كان عمر المجني عليه أو عليها دون الثامنة عشرة سنة.

3- على المحكمة الحكم بالتعويض العادل للمجني عليه أو عليها في الحالتين السابقتين”.

وتشير إلى أن الصعوبة تكمن في تطبيق وإيقاع هذه العقوبات، لكون الضحايا من القاصرات وحتى البالغات، سيتحولن إلى متهمات في حال قمن بتقديم شكوى، لأن أمرها سينفضح.

وتبين المحامية أن “غسل العار” عقوبة غير قابلة للاستئناف والتمييز في المجتمع، لهذا فالمرغمة على العمل في الدعارة تفكر ألف مرة قبل أن تلجأ للقضاء: “فإن تعامل معها القانون على أنها ضحية فإن أهلها/عشيرتها/جيرانها لن يفعلوا”. 

وترى أن أفضل حل للمشكلة يكمن في الوقاية منها، “بأن يشرع قانون حماية الطفل، الذي سيكون له أثر كبير على العائلة العراقية وينقذ الكثير من الفتيات من الوقوع في شباك الاستغلال وبكل أشكاله”.

وكان مجلس النواب العراقي قد أنهى يوم الأحد 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 القراءة الأولى لقانون حماية الطفل، وتتضمن الفقرة الثالثة من مادته الثانية:

“حظر الإتجار بالطفل أو استرقاقه أو إكراهه على العمل أو استغلاله بأي شكل أو زجه بالنزاعات المسلحة أو استغلاله في البغاء والأمور الجنسية والإباحية ولأي غرض كان”.

ونصت المادة الخامسة على أن الدولة تكفل حماية الطفل من خلال حظر الأفعال التالية:(ثانياً) استغلاله جنسياً وبأي شكل من الأشكال. (تاسعاً) دخولهُ وعمله في النوادي الليلية وصالات القمار والملاهي أو شرب الخمور. 

وتكفلت الدولة في المادة السادسة من القانون ذاته بتوفير دور للرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية والتربوية والتعليمية للطفل الذي حالت ظروفه دون أن ينشأ في أسرته نشأة سليمة أو الذي يعاني من التفكك الأسري نتيجة فقدانه أحد والديه أو كليهما.

ونصت المادة التاسعة، أولاً، على فرض عقوبة الحبس أو الغرامة على كل من شغل الطفل في النوادي الليلية أو صالات القمار أو شرب الخمور، أو سمح بدخوله إليها.

وعدت المادة العاشرة (ثانيا) ظرفاً مشدداً إذا كان الجاني من أصول المجني عليه أو مكلف برعايته أو إيوائه.

ويتهم المحامي صفاء اللامي الحكومة العراقية بتجاهل انتشار الدعارة والجرائم التي ترتكب بحق فتيات قاصرات يخطفن أو يجبرن على العمل في دور البغاء والملاهي الليلية، كما يذكر.

وبحكم اطلاعه على ملفات كثيرة في المحاكم واحتكاكه بالمحققين القضائيين، يقول إن هنالك نساءً يتجولن في شوارع معينة في بغداد أو مرائب النقل أو صالات التجميل لرصد الفتيات الفارات من منازلهن أو المشردات او المتسولات واستدراجهن إلى بيوت الدعارة بحجة مساعدتهن.

ويلفت إلى طريقة أخرى يتم استدراج الفتيات عبرها إلى دور البغاء، من خلال قيام قابلات يقمن بـ”الإجهاض وإعادة البكارة”، باستغلال متورطات بعلاقات جنسية خارج الزواج، وتهديدهن بالفضيحة وعواقبها وأن مساعدتهن ستحتاج إلى مبالغ كبيرة: “فتتوسل الضحية وتستنجد للحصول على المساعدة مقابل أي شيء، وهذا الشيء يكون في بعض الأحيان عملاً في بيوت الدعارة”.

المحامي صفاء تحدث أيضاً عن قابلات يجرين عمليات إجهاض مقابل 500 دولار(729 ألف دينار) وعمليات إعادة البكارة مقابل 1250 دولار(1,824000 دينار) للعملية، ورواج عملهن في السنوات الأخيرة، مؤشر بالنسبة إليه على ازدياد معدلات الدعارة.

زيادة يعزوها إلى الحروب التي أورثت الفقر للكثير من المواطنين، وأيضاً ضعف الدور الحكومي، بل تورط شخصيات فيها وجهات تابعة لميليشيات وأحزاب (لم يسمها) تدعم وتوفر الحماية لشبكات الدعارة والمراقص والملاهي الليلية وصالات القمار، كما يقول.

ويذكر بأن الحل لتدارك المشكلة، يكمن في تفكيك تلك الشبكات، وتنظيم ورشات تدريبية تثقيفية في المدارس والجامعات والمعاهد والمؤسسات الحكومية لبث الوعي وتعريف الشباب بخطورة ما يحدث في دور الدعارة من انتشار للأمراض والجرائم كالتجارة بالأعضاء البشرية.

ودعا الجهات الأمنية إلى ملاحقة القائمين على صفحات التواصل الاجتماعي: “الذين يروجون للدعارة ويرسمون صوراً زاهية لحياة الملاهي ودور الدعارة ويقدمونها على أنها الحياة الفاخرة والمختصرة للثراء وطبعاً الحقيقة غير ذلك”.

ولا ينشر في العراق أي إحصاء تتعلق بالدعارة من قبل وزارة الداخلية العراقية، ولكن بين الحين والآخر، تنشر أخبار مصدرها وزارة الداخلية في وسائل الإعلام المحلية، تفيد بالقبض على متورطين بالدعارة، وعادة ما تكون أخباراً مبهمة بلا تفاصيل.

أبرز تلك الأخبار، كانت التي نشرت في أواخر كانون الثاني/ يناير 2022، وتحدثت عن القبض على عناصر شبكة دعارة تكونت من 73 امرأة أغلبهن بأعمار تحت سن الـ18، في مجمع سياحي على طريق كركوك أربيل.

وقبلها في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 انتشر خبر عن القبض على عناصر شبكة دعارة وتجارة بالبشر تقودها إمرأة تدعى “بطيخة” في منطقة المشتل ببغداد، ونشرت الوزارة صوراً لها ولعناصر الشبكة دون إظهار وجوههم.

الانتحار في نهاية المطاف 

أعلنت السلطات الأمنية في أربيل، يوم الخامس من  أيلول/ سبتمبر 2022 عن انتحار فتاة قاصر تُدعى مروة القيسي (17 سنة)، ألقت بنفسها من الطبقة 11 من المبنى الذي كانت تسكن فيها بـ”القرية اللبنانية” ويتألف من 17 طابقاً، وذلك بعد فترة وجيزة من عودتها من الملهى الليلي الذي كانت تعمل فيه.

الخبر ولد ردة فعل شعبية غاضبة، وارتفعت الأصوات المطالبة بتفكيك عصابات الإتجار بالبشر وملاحقة مستغلي القاصرات جنسياً عبر القضاء للحد من الجرائم التي ترتكب.

وذَكر نشطاء في منشورات لهم في وسائل التواصل الاجتماعي، بحالات الانتحار التي ارتفعت معدلاتها في العراق خلال السنوات القليلة المنصرمة، ولاسيما التي كان ضحاياها من الشباب، وربطوها بتنامي ظاهرة تعاطي المخدرات والدعارة. 

مستشارة الصحة النفسية إخلاص جاسم جبرين، تؤكد أن لدى الفتيات العاملات في الدعارة نزعة نحو الانتحار لأنهن يكرهن أجسادهن، ويدفعهن اضطرابهن النفسي لذلك، وفق تعبيرها.

وتبين أن “تكرار ممارستها للجنس مع أشخاص عدة، يشعرها بأنها لم تعد تملك جسدها، ما يجعلها تحتقر نفسها، فتصاب بالاكتئاب، وقد ينتهي بها الأمر إلى إدمان المخدرات، والموت من مضاعفاته أو الانتحار”.

“أفكر كثيراً بالانتحار” هذا ما تقوله سمارة (18 سنة)، تعمل في “كوفي شوب” في العاصمة بغداد، وليلاً في بيت للدعارة. تقول إنها هربت من منطقة ريفية بمدينة العمارة جنوب البلاد، بسبب ضربها من قبل والدها وأشقائها وعدم السماح لها بالذهاب إلى المدرسة أو حتى مشاهدة التلفزيون.

ترفع كم ردائها كاشفة عن وشم وفاة على ذراعها، تقول وهي تمرر أصابعها على الوشم “أخفيت به آثار حرق تسبب به شقيقي لأنه رآني وأنا أستمع إلى الأغاني في التلفزيون ذات مرة”.

وتروي كيف أنها تمكنت قبل هروبها من استخدام هاتف قديم منسي لأحد أشقائها، وتعرفت عبر “فيسبوك” على شاب اسمه حمودي من بغداد، أقنعها بالهرب وسرقت 100 ألف دينار (68 دولاراً) من والدها واستقبلها في بغداد.

أخذها إلى شقة وتعامل معها كزوجة لنحو شهرين، ثم نقلها إلى منزل كبير قال بأنه لعائلته، لكن تبين أنه بيت دعارة فيه 13 فتاة أخريات، تديره امرأة مسنة يلقبونها بـ”الحجية”.

ترفع ورقة نقدية من فئة عشرة آلاف دينار (أقل من سبعة دولارات) وتقول بنبرة حزن: “أحصل على مثلها كلما مارست الجنس، وقد يتكرر ذلك في الليلة ثلاث أو أربع مرات، وفي ظهر اليوم التالي أذهب للعمل في الكوفي شوب الخاص بالحجية”.

  أنجز التقرير بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية.