fbpx

خلاف الأُمة حول البشت والعمة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

البشت الخليجي أو المشلح أو العباءة، باختلاف أسمائه، ليس زياً غريباً على الثقافة الغربية التي غالبيتها من المسيحيين واليهود.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يقول الينغون ميترا الستاند اب كوميدي الأميركي من أصول بنغالية في احدى فقراته: ما يريده الأهل بإصرارهم على تزويج ابنهم من فتاة تحمل الثقافة ذاتها هو الحفاظ على موروثهم، ولكنني أعتقد أنه إذا أردت فعل ذلك فعليك أن تطلب منه الزواج من فتاة بيضاء، فلا أحد يحب ثقافة غيره أكثر من الفتيات ذوات البشرة البيضاء، إن تزوجت هندية فسترتدي قطعة الساري يوم الزفاف فقط، أما إن تزوجت من امرأة بيضاء فسترتدي الساري حتى عند ذهابها الى السوبرماركت.

مثل هذه النكات باتت مفهومة جداً اليوم في الولايات المتحدة بخاصة بعد حركة “حياة السود مهمة”، وشخصية كارين “البيضاء العنصرية”، فما يقوله ميترا هنا يشير الى اهتمام فئة من أصحاب البشرة البيضاء بتبني ثقافة غيرهم، نظراً إلى عوامل متعددة منها شح موروثهم والمبالغة في التعامل مع ثقافة الآخرين وكأنها حفلة تنكرية. وهو ما يوضح أسباب سطو بعض الشعوب على ثقافات شعوب أخرى وموروثاتها.  

لماذا تسعى دول لتبني تراث وهوية لشعب معين، بينما تتعمد أخرى التخلص من مكوناتها؟

ترجع الروايات تسمية الشماغ وهو القطعة التي تغطي رؤوس الرجال في الجزيرة العربية باللون الأحمر والأبيض وتعرف بالكوفية باللون الأسود والأبيض في فلسطين وغيرها من دول المشرق العربي، إلى اللغة السومرية “ايش ماخ”، والتركية “ياشمق”، وبين تضارب الروايات عن الدور الإنكليزي في إدخاله إلى الجزيرة العربية، ترجح مصادر عدة وجوده قبل الإنكليز الذين وجدوا فيه تجارة جيدة ليشتهر لاحقاً الشماغ الانكليزي بالجودة العالية، مثله مثل شهرة الشاي الانكليزي والشاي بالحليب، برغم أن بريطانيا لا تنتج الشاي. 

وعلى غرار حكاية الإنكليز والشاي يمكن القياس على أهمية الأرز في الجزيرة العربية والذي يسميه بعض سكان دول الخليج العربي “العيش”، بينما يعتبر العيش هو الخبز في مناطق أخرى من شبه الجزيرة ذاتها، نظراً إلى المعنى وراء العيش وما يعتاش منه الإنسان، فطبق الكبسة أو المجبوس الممزوج بلمسات عربية، في أصله مكون من منتجات آسيوية عبرت المحيطات من خلال رحلات التجارة قديماً، وباتت اليوم رمزاً وطنياً وطبقاً رئيسياً.

في ختام عام 2022، اشتعل “تويتر” الخليجي بحدثين، الأول ارتبط بارتداء ميسي البشت في حفل ختام مونديال كأس العالم 2022 في قطر، والثاني لمنع وزير الترفيه السعودي تمثيل منطقة الحجاز بارتداء العمة.

في الحدث القطري دافع خليجيون وعرب عن البشت كلفتة رمزية رافقت الحدث العالمي، الصحافة الغربية متنوعة الأحزاب أساساً، تباينت في ردود أفعالها حول التصرف الاستثنائي من أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني، والذي وضع البشت على كتف الأرجنتيني ليونيل ميسي لحظة استلامه كأس العالم، وساعده في ارتدائه. وبرغم قدرة ميسي على نزع البشت في حال أزعجه الموقف، إلا أنه أكمل به احتفاله مع زملائه على منصة التكريم، غير أن بعض الصحف العالمية اعتبرت التصرف غير مهني ودخيلاً على تقاليد الاحتفال العالمية، فيما تجاوز آخرون من الصحافيين الخطوط الحمراء ليخرجوا بانتقادات يمكن وصف بعضها بالعنصري. 

البشت الخليجي أو المشلح أو العباءة، باختلاف أسمائه، ليس زياً غريباً على الثقافة الغربية التي غالبيتها من المسيحيين واليهود. وخلال أيام احتفالات عيد الميلاد، بإمكاننا  مشاهدة صور ومجسمات الاحتفالات بخاصة في منطقة حوض البحر المتوسط الأوروبي، للمسيح والقصص التاريخية، بارتداء الثياب وأغطية الرأس وحتى العقال في بعض الصور. لذا فإن ما أخشاه ليس استهجان الزي العربي عالمياً، إنما سرقته ومصادرته عبر الزمن.

على الجانب الآخر، قررت “هيئة الترفيه في السعودية” إلغاء أحد أزياء مناطقها باعتبار أنها مستوردة من الخارج، فقطعة الغبانة الهندية بنقوشها تبدو مختلفة وغريبة عن السائد في معظم المناطق السعودية بخاصة منطقة نجد، كالشماغ والغترة، وهو ما استدعى منعها من المحافل الرسمية لتمثيل الهوية الحجازية. الأمر ليس جديداً، فقد أثير الجدل قبل سنوات حول الهوية الحجازية وأصول أطعمة وأزياء هناك، وربما اللهجة مستقبلاً، كما أن الموضوع لا يبدو بتلك الأهمية الكبرى فهي قطعة تغطي رأس الرجل، لا أكثر ولا أقل، ولكن السؤال المطروح بعد هاتين الحادثتين هو، لماذا تسعى دول لتبني تراث وهوية لشعب معين، بينما تتعمد أخرى التخلص من مكوناتها؟ وهل تجوز تسميتها سرقة مثل ما يحدث مع الأطباق العربية التي ينقلها الاسرائليون للعالم على أنها نتاجهم، أم أنها تبني وتطوير لأساس أُخرج بنسخة مختلفة كالبيتزا الأميركية، مقارنة بالإيطالية على سبيل المثال؟

لقد تم توزيع قطع من أخشاب وعطر العود في افتتاح مونديال 2022 في قطر، وهي رموز لا يكاد منزل خليجي يخلو منها، ومعروف أنها مستوردة من الهند، كما تغنى الزائرون باحتساء شاي الكرك في قطر وهو أيضاً مستورد من الثقافة الآسيوية، وهكذا تطول القائمة لو أردنا البحث وراء أصول الموروثات والعادات وتبنيها ومن ثم تطويرها. وما تم توارثه في الجزيرة العربية عبر الزمن هو مكون ثقافي أصيل امتزج بلمسات البشر في كل بقعة، ومحاولة التخلص منه او استبداله بأمور أخرى يتطلب سنوات وأجيال أو ربما لمسة إسرائيلية تصادره في ليلة وضحاها.