fbpx

يمنيّات “مُعلَّقات” بلا طلاق ومستقبل… ظلم الزوج والأقارب والمجتمع

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأحكام القانونية الخاصة بقضية الخلع لا تنظر بواقعية لظرف المرأة، وقدرتها على توفير الالتزامات المادية، إذ يضع المرأة أمام خيارات صعبة للغاية؛ إمّا دفع الأموال للحصول على الانفصال أو الرضوخ للواقع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وفاء سليم

لم تَعِ رجوى صالح (اسم مستعار) أنّ الفستان الأبيض الذي لطالما حلمت بارتدائه يوم زفافها، سيكون أشبه بزنزانة كبيرة ستُجرّدها من حياتها لتحرمها أبسط حقوقها، كالتنقّل مع عائلتها خارج البلاد، فالفتاة التي لم تكن تتجاوز السادسة عشرة، لم تكن تتوقع أنّ تتجاوز الثلاثين، فيما لا يزال اسم الرجل الذي لم تلتقِ به منذ سنوات مرتبطاً بها. ليس هذا فقط، بل يطاردها في جميع أوراقها الرسمية، متحكِّماً بمصيرها بعدما مُنعت من السفر للعلاج منذ ثلاثة أعوام مع عائلتها إلى خارج اليمن، لعدم حصولها على موافقة من الزوج على السفر.

تقول رجوى لـ”خيوط”: «مرّت السنوات وأنا مُعلَّقة ولا ترى عائلتي أيَّ مشكلة في ذلك، وكل ما يهمّهم ألّا ألجأ إلى القضاء والمطالبة بالخلع، لوصمهم ذلك بالعار، أن تذهب فتاة مع عائلتها إلى المحكمة. يردّد والدي الذي يعيش خارج اليمن، دائماً: ما فيش بنات تدخل محاكم».

تكمل رجوى حديثها بالإشارة إلى أنّ زوجها من محيط عائلتها ذاته، وهو أمر يؤدي إلى إشكاليات اجتماعية وقبَلية تنتهي في الانحياز ضد المرأة، في حين يرفض زوجها أن “يُطلِّقها” مردِّداً أنّها ستظل هكذا مُعلَّقة حتى آخر يوم في حياتها.

تعاني المرأة اليمنية الكثير من الظلم، وتتعرض لانتهاكات بحججٍ واهية؛ نتيجة تقاليد وعادات مغلوطة تتنافى مع القيم الإنسانية، إنما لا تزال حبيستها حتى اللحظة، لا سيما المرأة المُعلَّقة، التي تتعرّض لشتى أنواع الانتهاكات والظلم، فيضيع حقّها ويسلب عمرها، وهي سجينة كلمة “مُعلَّقة”.

وجعل المجتمع، الذي يفرض وصايته على النساء، من هذا المصطلح، قشّةً يعلّق عليها تعسُّفه تجاهها، فيُطلِقه على المرأة التي سُلِبت كرامتها، وهُمِّشت حياتها، ما يفرض عليها تحديات وصعوبات حدّت من قدرتها على طي صفحة المعاناة والبَدء بحياةٍ جديدة، بفعل زوجٍ يفتقد أدنى مقومات الإنسانية، فيتركها وحيدة هي وأطفالها في متاهة حياة شاقة.

تكشف نتائج استبيان قامت به “خيوط”، واستهدف عينة من النساء المعلقات، أنّ حوالى 49.7 في المئة من الأمهات محرومات من أطفالهن، إضافة إلى أنّ 38 في المئة من الأطفال آباؤهم لا يعترفون بهم ولا يذهبون لزيارتهم، ما يعرضهم للتعنيف والأذى النفسي والجسدي في محيطهم الأسري.

تتعرض المعلقات لضغط عائلي نتيجة لضعف الحالة المادية، فيصبحن ضحايا لأزاوجٍ ظالمين ومجتمع لا يزال متمسِّكاً بأعراف وتقاليد تهمشهن ولا توفّر لهن أيَّ نوعٍ من الحماية، وقد تمرّ أشهر وسنوات وهن “مُعلَّقات” بسبب أزواج تخلوا عن مسؤولياتهم حتى تجاه أطفالهم. 

أوهام ورديّة

في السياق نفسه، تحولت حياة راوية الخولاني إلى معاناة، بعدما سلبها زوجها أموالها وتركها في شقّة، ورحل هارباً بعد زواجهما بأشهر. 

تقول راوية لـ”خيوط”؛ إنّها فوجئت بعد الزواج بشهر بأنّ زوجها لا يعمل، ولم يكن شريكاً في أحد المحال التجارية كما ادّعى عندما تقدّم لها، وهو ما اضطرّها مساعدته بعد الزواج، كونها من عائلة ميسورة الحال، فأعطته ما كانت تحوزه من مجوهرات لبيعها والاستفادة بثمنها، بإنشاء مشروعٍ تجاري بالشراكة بينهما، لتكتشف بعد فترة وجيزة عدمَ قيامه بكل ما اتّفقا عليه، وتحجّج بعدم كفاية المبلغ، وأنّ الأمرَ يحتاج للبحث عن سلفة (اقتراض مال) لتوفِية المبلغ الإجمالي الذي يحتاجه للسفر خارج اليمن لشراء أدوات ومستلزمات للمشروع، فتم اللجوء إلى والدتها التي أقرضته المال.

مرت أسابيع وأشهر بعد سفره، لكنه لم يعُد، تاركاً راوية تعيش حالة صدمة، فهو لم يسلبها نقودها فقط، بل سلبها كل أحلامها وثقتها بالآخرين.

وبعكس عائلة رجوى، قام والد راوية برفع قضية خلع في المحكمة التي لم تستطع عقد أي “جلسة”، والبتّ في هذه القضية لعدم حضور الزوج، وهو ما يتنافى مع قانون الأحوال الشخصية في المادة (52) والتي تنص على أنّ “للزوجةِ الغائبِ زوجُها في مكانٍ مجهول أو خارج الوطن، فسخ عقدِ النكاح بعد انقضاء سنة واحدة لغير المنفق، وبعد سنتين للمنفق”.

تلجأ بعض النساء إلى طلب الطلاق أو خلع الزوج إلّا أنّ كثيرات منهنّ يصلن إلى طريق مسدودة دون جدوى، بسبب عادات وتقاليد تمنعهن من المطالبة بحقّهن في الانفصال، في حين تَلزم أخريات الصمتَ، عند تعرّضهن لأيّ تعنيف.

ترى الناشطة الحقوقية مها عوض أنّ ترك المرأة مُعلّقة دون طلاق، ينطوي على تمييز مجحِف بحقِّها لما فيه من استغلال الزوج لسلطته في الطلاق، كما اعتبرت ذلك نوعاً من أنواع العنف المنزلي، بخاصة إذا لم تتوفر الأسباب لذلك.

 وتضيف لـ”خيوط”، أنّ ترك المرأة مُعلَّقة يُجبِرها على تحمّل تبعات البقاء رهن حالةٍ من العجز والضعف، خصوصاً مع عدم قدرتها على الوصول إلى العدالة لإنصافها وحمايتها، أو كنتيجة لما تفرضه ثقافة المجتمع والعادات والتقاليد التي تُقيّد المرأة حتى على مستوى الأسرة، التي قد تفضل أن تبقى المرأة معلقة على أن تطلب الطلاق، وهو ما يشجّع على التمييز والتعنيف ضدّها.

 معاناة لا تنتهي

يبقى الأطفال الخاسر الأكبر في معادلات العلاقات الزوجية التي تبوء بالفشل، بخاصة الذين يتعرّضون للانتهاك أو الاستغلال من قبل طرف للضغط على الطرف الآخر دون مراعاة وضعهم النفسي، ما ينعكس سلباً على حياتهم، وقد تظهر عليهم أعراضٌ عدوانية أو انعزال، كما قد يصاب بعضُهم بمشكلات نفسية، كالرهاب الاجتماعي أو التلعثم أو التبوّل اللاإرادي. 

الأحكام القانونية الخاصة بقضية الخلع لا تنظر بواقعية إلى ظرف المرأة، وإمكانية توفيرها الالتزامات المادية، إذ تضع المرأة أمام خيارات صعبة للغاية؛ إمّا دفع الأموال للحصول على الانفصال أو الرضوخ للواقع.

تقول فاطمة الطريقي، وهي مختصة اجتماعية، لـ”خيوط”: “إنّ معاناة الأطفال لا تختلف عن الكبار، فهم يتأثّرون بمن حولهم ويحتاجون لوجود الأم في حياتهم، إذ إنّ حرمانهم من أمّهاتهم جريمة بحق الطفولة والإنسانية، فالطفل محتاج إلى أن يعيش في بيئة مناسبة تساعده على النمو الجسدي والنفسي والفكري”.

وتنبّه فاطمة إلى أنّ انشغال الوالدين عن أطفالهم وإدخالهم في المشكلات الزوجية، يؤثّر في الاستقرار النفسي، فنحو 12.3 في المئة من الأطفال ينتقلون للعيش مع جداتهم، وذلك يجعلهم يضعون أنفسهم في مقارنة سلبية بينهم وبين أصدقائهم؛ لذا يتحملون ما يفوق طاقتهم، ولا يعيشون طفولتهم كما يجب”.

كما تستمرّ معاناة بعض “المعلّقات” مع أطفالهن والتي لا تنتهي حتى بالموت، فالطفل كنان محمد، ذو الثالثة من عمره، ظل بعد وفاته في “ثلاجة” الموتى في أحد المستشفيات لمدة أسبوع؛ بسبب تعنُّت والده ورفضه التوقيع لإخراجه ودفنه حتى تتم مساومة والدته للرجوع أو اتّهامها بأنّها من قتلت الطفل.

وتؤكّد إحدى قريبات الطفل لـ”خيوط”، أنّ كنان أصيب بحالة ضمور بسيطة، وبسبب مشكلات عائلية رفضَ والده دفع تكاليف علاجه وإقامته بالمستشفى خلال فترة العلاج، وتعرّضت والدته للإهانة والشتم، ورفضت العودة إلى زوجها مجدّداً وطالبته بالطلاق. في حين عجزت والدة كنان عن رفع قضية خلع، كغيرها من المعلَّقات، بسبب وضعهنَّ الماديّ الذي لا يسمح لهن بتوكيل مُحامٍ لنيل الحرية.

في هذا الخصوص، تشير الناشطة الحقوقية مها عوض لـ”خيوط”، إلى أنّ الأحكام القانونية الخاصة بقضية الخلع لا تنظر بواقعية لظرف المرأة، وقدرتها على توفير الالتزامات المادية، إذ يضع المرأة أمام خيارات صعبة للغاية؛ إمّا دفع الأموال للحصول على الانفصال أو الرضوخ للواقع.

كما حدّد القانون اليمني ما يتعلق بحضانة الأطفال، فقد ألزم الزوج بأن يوفّر النفقة، بالمقابل يتم استخدام الخلع كوسيلة ضغط على المرأة، لكي تتنازل عن حقوقها، فبعضهن يجبرن على التخلي عن أطفالهن للحصول على الطلاق. 

وتعتبر عوض أنّ قانون الخلع ضاق بالنساء ذرعاً، إذ ترى أنّ الضرورة تقتضي تقديم العون القانوني للنساء من قِبل منظمات المجتمع المدني من طريق قانونيّين ومحامِين لرفع دعاوى نسائية دون إجراء الخلع بطرق عملية من خلال الإقناع، وهي مسألة مترتبة على ثقافة القاضي، لإيجاد حلول دون الوصول إلى الخلع.

وتطرّقت الناشطة الحقوقية مها عوض، إلى أنّ غياب الإحصاءات، يفاقم مشكلة النساء المُعلَّقات، واعتبرت أنّ عددَ الحالات مهمٌّ جداً؛ مشددة على أهمية البحث والتعمُّق لمعرفة الآثار التي تترتّب على ما تعانيه المرأة المعلّقة من أجل الحصول على مناصرة قوية لهنَّ، من خلال حملات ضغط للتأثير والمساعدة.

وتؤكد أنّ ترك المرأة مُعلَّقة أمرٌ غير مقبول، ويمثّل عبئاً كبيراً عليها؛ لذا تظل مشكلات “المُعلَّقات” محصورة في أروِقة المحاكم أو في الغرف المغلقة، للضغط على المرأة ماديًاً ونفسيّاً، لكنها لا تصل إلى الوعي المجتمعي لخلق تضامنٍ مجتمعي مع هذه الفئة من النساء المضطهدات.