fbpx

“خدني معك ودّيني عشارع الحمرا”…
وعدتُ إلى بيروت بعد 5 سنوات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أحب لبنان، وأحب بيروت، وأحب شارع الحمراء. أعرف جيداً عن أزمة الكهرباء في لبنان منذ سنوات، ولم أتخيل كيف تفاقم الوضع في الفترة الأخيرة، حتى عندما انقطعت الكهرباء في المطار، ظننته أمراً عرضياً، لم أدرك حجم الأزمة إلا عندما تمشيت في الحمراء خلال ساعات وصولي الأولى، المكان كئيب ومظلم ومخيف، برغم أن الوقت ما زال مبكراً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هذه زيارتي الثانية إلى لبنان، بعد زيارتي الأولى بـ5 سنوات. جئت إلى لبنان للمرة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وبقيت قرابة الشهرين، وزرتها للمرة الثانية في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ولا أعرف كم من الوقت سأظل هنا. خمس سنوات قد تعني رقماً كبيراً في حياة البشر، إنما خمس سنوات هي لا شيء في تاريخ الدول. لماذا إذاً أشعر بغرابة في المدينة، برغم أن الشوارع هي نفسها والأبنية هي نفسها والبشر أيضاً، ما الذي تغير ولماذا أشعر ببعد عشرات السنين من زيارتي الأولى؟

روح بيروت

“هتروح لبنان تعمل ايه وتعيش ازاي؟ البلد مفلسة ومفيش كهربا والبنوك نصبت على الناس وأخدوا فلوسهم”. هكذا أخبرني مقربون عندما علموا برغبتي في الانتقال الموقت إلى بيروت، كنت أعرف الوضع اللبناني جيداً بحكم عملي الصحافي ومتابعتي اليومية للأحداث والمستجدات، خصوصاً في المنطقة العربية والشرق الأوسط، لكن هيهات أن تقترب التغطية الصحافية من الحقيقة، برغم محاولات إيضاح الصورة وإظهار الواقع، هناك أشياء كثيرة لا تختبرها إلا بالمعايشة.

توجهت إلى مكتب الجوازات للحصول على ختم الدخول إلى الأراضي اللبنانية، وقفت في الصف بانتظار دوري، ثم لاحظت أنني أتعرق وأشعر بالحرارة، نظرت حولي متفقداً المكان لأكتشف أن المطار بلا مكيفات لتجديد الهواء وتبريده. حصلت على تأشيرة الدخول وأخذت أغراضي ووقفت في صالة المطار لدقائق منتظراً وصول سيارة الأجرة التي ستقلني إلى الفندق، خلال تلك الدقائق انقطع التيار الكهربائي عن المطار، صحيح أن التيار عاد سريعاً، لكنني تعجبت من الأمر، كيف تنقطع الكهرباء في مطار دولي؟ عرفت بعد ذلك أن الأمر متكرر وأحياناً تطول فترة الانقطاع.

“هتروح لبنان تعمل ايه وتعيش ازاي؟ البلد مفلسة ومفيش كهربا والبنوك نصبت على الناس وأخدوا فلوسهم”.

في الأيام الأولى، أدركت أن الدولار الذي تركته بـ1500 ليرة لبنانية، صار سعره يتغير يومياً، حتى بات يتجاوز الـ45 ألف ليرة أحياناً. أدركت أيضاً، أن التركيبة السكانية لبعض المناطق تغيرت، هاجر المزيد من اللبنانيين بعد الأزمة، واستوطن مكانهم مهاجرون من العراق وسوريا. وفيما تبدو أحوال العراقيين المعيشية مقبولة عموماً، فإن وضع معظم السوريين مؤسف ومحزن، فأينما ذهبت رأيت متسولين وفقراء ومشردين، حتى في أكثر الأحياء رقياً، جلهم من السوريين وأطفالهم.

تنامت النبرة العنصرية تجاه السوريين، لمست هذا الأمر بوضوح في أيامي الأولى، حتى إن بعض الأفراد يتبرعون بالتحقير والقدح والسب، من دون سبب. سألت السيدة التي تعمل في أحد المحال عن منتج ما، فأخبرتني أنه سوري وليس لبنانياً، ثم تبعت جوابها بشتم السوريين دون داعٍ، اعترضت على حديثها بلطفٍ واستوقفتها، لماذا هذه الكراهية؟ أجابتني “أنتم المصريون أفضل، لم نسمع عن مصري افتعل مشكلة، لماذا لا تأتي المشاكل إلا من السوريين؟”. اعترضت على حديثها بجمل مقتضبة وبسيطة وبدهية، حاولت توضيح أن البشر سواء في أي مكان، وهناك الجيد وهناك السيئ، اومأت برأسها رفضاً، أبديت امتعاضي من سلوكها ولم أشترٍ شيئاً ورحلت. لبنانيون يفتعلون الابتسام، يمثلون السعادة، يتلبسون رداء الرغد والرخاء، يتوجسون من تأرجح منزلتهم لدى الآخرين أو اهتزاز صورتهم في عيونهم، ولا يخشون من تدني مكانتهم الاجتماعية، طالما أنهم قادرون على الحفاظ على المظهر المتزن، مهووسون بالمظاهر الزائفة التي تعكس خواء ودماراً داخلياً بحاجة إلى ترميم، الوجوه مكروبة برغم الابتسامة الباردة والمظهر الأنيق الكذوب.

فقدت المدينة روحها، وأصبح الماضي القريب شبحاً يطارده السكان دون الوصول إليه، النظرة لا تتجه نحو الأمام بل إلى الخلف، رغبة في استرجاع ما مضى. المدينة تبدو أكثر إنهاكاً وإرباكاً، كشاب فقد بصره وذاكرته فسار يتخبط في الجدران، أو مثل فتاة تبحث عن هويتها ودوافعها للحياة بعدما شاخت وأتمت التسعين. البشر أكثر بؤساً وإلهاءً وتفككاً، يبحثون عن بسمة إفك وضحكة إفك وصحبة إفك وسهرة إفك. يفتشون عن كل ما يفقدهم شعورهم باللحظة ويعطل تفكيرهم ويخدر عواطفهم.

يحبون السهر إذا ما استطاعوا إليه سبيلاً، يشربون العرق، يرقصون مهللين فرحين، يدبكون على أنغام “علّي الكوفية”، يغنون لفلسطين وللقضية، يسبون “العرص” بصوت عالٍ، ثم يبحثون عن شريك أو شريكة لتمضية ما تبقى من الليلة في غرفة واحدة، ويستيقظون في الصباح على شمس الحقيقة الفاضحة. يتابعون مباريات كأس العالم بشغف حتى إن لم يحبوا كرة القدم من قبل، اليوم يشجعون البرازيل، وغداً الأرجنتين، وبعد غد فرنسا، لا يهم اسم الفريق، المهم أن نندمج مع مجموعة نشعر معها بالتقارب، ونتوقف قليلاً عن التفكير في حقيقة حيواتنا، ننفعل ونشجع ونرفع الأعلام ونصرخ غاضبين عند الهزيمة، ثم نعود إلى منازلنا لنواجه هزائمنا الحقيقية.

“خدني معاك تحلالي بالحمرا السكرة”

أحب لبنان، وأحب بيروت، وأحب شارع الحمراء. أعرف جيداً عن أزمة الكهرباء في لبنان منذ سنوات، ولم أتخيل كيف تفاقم الوضع في الفترة الأخيرة، حتى عندما انقطعت الكهرباء في المطار، ظننته أمراً عرضياً، لم أدرك حجم الأزمة إلا عندما تمشيت في الحمراء خلال ساعات وصولي الأولى، المكان كئيب ومظلم ومخيف، برغم أن الوقت ما زال مبكراً. معظم المحال مغلقة ولا أثر لحياة أو ضجيج، هناك صناديق قمامة ومن حولها الفئران التي يزداد نشاطها مساءً، وهناك سباب وشتائم وآثار من عبارات احتجاجية على الحيطان، معظمها طُمست بالدهان، آثار تشير إلى ما تبقى من 17 تشرين. رأيت ملصقات لعروض مسرحية أو حفلات مقبلة، ورأيت ملصقاً يقول “بدنا تنور الحمرا”. كان الطلب بسيطاً ومباشراً “بدنا تنور الحمرا”. توقفت عند هذا الملصق، وفهمت حجم الأزمة التي أظلمت الحمراء.

أين شارع الحمراء؟ بالتأكيد لا أقصدها جغرافياً، فالشارع كما هو، ولكن أين معالمه؟ أين إرثه التاريخي والثقافي؟ أين شارع الحمراء الذي تغنى به خالد الهبر “خدني معاك وديني ع شارع الحمرا.. خدني معاك تحلالي بالحمرا السكرة”؟ أين شارع الحمراء الذي ظل لعقود رمزاً لبيروت وقبلة للأدباء والمثقفين والفنانين وملتقى للسهر والرقص والسعادة؟ هل هو ذاته ذلك الممر المعتم الكئيب المملوء بالقمامة؟ متى أُغلقت أماكن السهر؟ وكيف تبدلت المكتبات بمحال للملابس الرخيصة ذات الواجهات المنفّرة، ومتى نبتت فيه شجرة الخوف؟ الشارع مخيف في المساء، أقرب إلى صور الشوارع التي تظهر في أفلام الجريمة الأميركية التجارية قبل وقوع الجريمة بثوانٍ. 

ربما كان خالد الهبر يملك بصيرة مستقبلية عندما اختتم أغنيته بهجاء الحمراء “روح وحدك لا توديني ع شارع الحمرا… روح وحدك ما بتحلالي بالحمرا السكرة”.

مار مخايل: ما بعد انفجار المرفأ

بعد أيام من وصولي إلى بيروت، ذهبت إلى منطقة مار مخايل والأشرفية حيث سكنت في زيارتي الأولى، وشعرت بحنين إلى المكان، بخاصة أنه أكثر الأحياء تضرراً من انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020. مررت على المنزل الذي استأجرته وصعقت عندما رأيت واجهته المهدّمة من آثار الانفجار، كان المنزل الوحيد الذي لم يُعد ترميمه وسط المباني المحيطة به، ربما كانت رسالة.

رممت المباني سريعاً في مار مخايل، علمت من الأصدقاء اللبنانيين أن الكثير من منظمات المجتمع المدني قدمت مساعدات مالية من أجل الحفاظ على المنطقة وترميم آثار التدمير، وبالفعل لم أجد تغييراً كبيراً في المنطقة. ما زالت تحافظ على طبعها الصاخب، حيث البارات المتراصة، والزبائن من جنسيات مختلفة، والسهر حتى الصباح، وهذا الأمر تحديداً يبدو أنه أصبح مزعجاً لسكان المنطقة، إذ نظّم سكان مار مخايل مسيرة احتجاجية اعتراضاً على أصوات الموسيقى المرتفعة والضجيج الخارج من البارات حتى ساعات متأخرة.

وعلى رغم أن احتجاجات أهالي مار مخايل هي احتجاجات مشروعة، بيد أنني تذكرت فوراً احتجاجات أهالي منطقة الزمالك في مصر في بداية الشهر الحالي، التي أصبحت محل سخرية واستهزاء، وكانت الاحتجاجات اعتراضاً على بناء الدولة كاراج للسيارات في الجهة المقابلة لفندق الماريوت. ومنطقة الزمالك هي حي قديم وراقٍ في القاهرة، سكنه فنانون ورجال أعمال ووزراء وأصحاب سلطة على مر العصور. قاد الاحتجاجات في الزمالك، عمرو موسى، الأمين الأسبق لجامعة الدول العربية، وكان وزيراً للخارجية المصرية، ورئيساً للجنة الخمسين لتعديل الدستور المصري 2013، ومرشحاً سابقاً لرئاسة الجمهورية، إلى جانب منير فخري عبد النور، وهو نائب سابق في البرلمان ووزير سياحة سابق.

كانت تظاهرات الزمالك هزلية ومحل تندر، إذ قادها رجال من الأنظمة السابقة، اعتراضاً على حادث تافه يمس منطقة سكنهم، مقابل ما تمر به الدولة من أزمات ضخمة لم نسمع لهم صوتاً حيالها، وفي دولة تجرّم التظاهر منذ عام 2013 بعقوبات تصل إلى الحبس خمس سنوات، كما يتطلب التظاهر فيها الحصول على تصريح من السلطات الأمنية قبل ثلاثة أيام على الأقل ويحق لوزير الداخلية منع التظاهر إذا شكّل خطراً على الأمن القومي.

فهكذا كانت المفارقة، السماح بالتظاهر في دولة تغلق كل المساحات العامة منذ سنوات وتجرم التجمعات، والاحتجاج في دولة أخرى بسبب الأصوات المرتفعة الخارجة من المقاهي والبارات والكهرباء التي تعمل طوال اليوم، ذلك في دولة تعاني من أزمة في مصادر الطاقة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.