fbpx

“لا أتذكّر سوى النار والدخان”…
شهادات من حرب اليمن المنسية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سواء تجددت الهدنة أم لا، تستدعي الأضرار التي لحقت بالمدنيين جراء استخدام الأسلحة المتفجرة في اليمن، اتخاذَ إجراءات فورية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صامد السامعي 

“لم أسمع شيئاً” يقول علي (اسم مستعار)، وهو طالب يبلغ من العمر 19 سنة. يتذكر أن الساعة كانت تشير إلى العاشرة والنصف صباحاً عندما غادر منزله يوم الثلاثاء 22 كانون الثاني/ يناير 2019. حينها، لم يكن ثمة ما يشغل باله سوى أمنية: “أن أصل إلى الجامعة في الوقت المناسب، وأن لا أفوت المحاضرة التي تبدأ بعد دقائق”. 

استقل، وزميل له يسكن في الحي ذاته، دراجة نارية لم يخفيا على سائقها أنهما متأخران عن موعد مهم، فانطلق بهما مسرعاً. ولم يكن الثلاثة قد غادروا الحي عندما وجدوا أنفسهم مرميين على الأرض مضرجين بالدماء. “لم أشعر بأيّ شيء، ولا حتى بإصابتي” يحاول العودة بذاكرته إلى ذاك اليوم ويضيف: “لا أتذكر سوى النار والدخان”.

قبل نصف ساعة كان علي في منزل أسرته يرتدي ملابسه ويضع مستلزمات الدراسة في حقيبة الظهر استعداداً للذهاب إلى الجامعة، بينما من الصعب معرفة اسم المقاتل الذي كان متمركزاً على بعد بضعة كيلومترات وأطلق المدفع بعد نصف ساعة نحو حي مكتظ بالسكان. ربما كان يحشو قذيفة الهاون عيار 120 ملم في المدفع الذي يحمل الاسم ذاته، ومن المحتمل أنه كان قد حشا المدفع سابقاً، وفي ذلك الوقت كان ينتظر الأوامر. ما يمكن الجزم به أن غاية الاثنين كانت مختلفة، وأن الطرف المسؤول عن ارتكاب هذه الواقعة هي جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) التي كان مقاتلوها متمركزين على بعد 800 متر من حي الساحة الواقع في مديرية القاهرة، محافظة تعز.

سقطت قذيفة الهاون بجوار “كافتيريا الشباب” وسط الشارع الذي كان عامراً بالحركة، كالعادة، في هذا الوقت من اليوم. وأسفر عن انفجارها مقتل فتاة تبلغ من العمر 15 سنة، اخترقت شظايا رأسها، كما أصيب 20 شخصاً بينهم 14 كانت إصاباتهم خطيرة، وأصيب طفل بجروح طفيفة. 

“كنا في الشارع المقابل لمكان سقوط القذيفة، دفعَنا الانفجار بعيداً من الدراجة النارية، التي بدورها انقلبت، وارتطمنا بالأرض. شعرت بأنّني قد أصبت، ورأيت الكثير من الدماء عليّ. ركضتُ وأنا أصرخ، ساعدوني! صادفتُ شخصاً آخر من أبناء الحي، رآني أسقط فاقداً وعيي. عندما استعدت وعيي، وجدت نفسي في وحدة الطوارئ في المستشفى أصرخ “ساعدوني”، ثم أغمي عليّ مرة أخرى. لا أتذكر أيَّ شيء بعد ذلك. خرجت من وحدة العناية المركزة في اليوم الثالث بعد الحادث”. 

لم يكن ثمة ما يشغل بال علي سوى أمنية: “أن أصل إلى الجامعة في الوقت المناسب، وأن لا أفوت المحاضرة التي تبدأ بعد دقائق“.

ليست جريمة واحدة

بدأ النزاع المسلح في اليمن في سبتمبر/ أيلول 2014، عندما سيطرت جماعة أنصار الله المسلحة المدعومة من إيران (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، على العاصمة صنعاء بقوة السلاح. واشتدّ الصراع في مارس/ آذار 2015، مع بدأ تحالف تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بشنّ عمليات عسكرية ضد الحوثيين والقوات الموالية لصالح، وذلك لدعم حكومة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليّاً. “منذ ذلك الحين، والمدنيّون في اليمن يعانون من ويلات هذا الصراع” بحسب مواطنة لحقوق الإنسان اليمنية. 

خلال الفترة بين سبتمبر/ أيلول 2014 و31 أغسطس/ آب 2022 قامت (مواطنة) بزيارة مواقع وتوثيق لما عدده 1044 غارة جوية و805 هجمة برية جميعها استهدفت مدنيّين وأعياناً مدنيّة. وفي حين تسبّبت الغارات الجوية بمقتل 3,618 مدنيّاً، بينهم 459 امرأة و1,207 أطفال، وإصابة 3,973 مدنيّاً آخرين، بينهم 464 امرأة و1,013 طفلاً، أسفرت الهجمات البرية عن مقتل 751 مدنيّاً، بينهم 122 امرأة و310 أطفال، وإصابة 1,885 مدنيًّا آخرين، بينهم 288 امرأة و785 طفلاً. وبحسب المنظمة “دمرت هذه الهجمات الجوية والبرية أو الحقت أضرارا بمئات الأعيان المدنية، مثل المنازل والمدارس والمستشفيات، وغيرها من المرافق الخدمية.

وأصدرت (مواطنة) مؤخرا تقريرا حقوقياً، بالشراكة مع (باكس)، وهي منظمة سلام هولندية، يتناول استخدام أطراف الحرب للأسلحة المتفجرة في اليمن بعنوان “لم يتبقَّ جسد أو جثة واحدة مكتملة”، قدّمت فيه وصفاً لعشر وقائع تضرّر فيها مدنيّون من جراء استخدام الأسلحة المتفجِّرة في مدن وقرى يمنية. وبحسب التقرير: “تم اختيار هذه الوقائع لأنّ مواطنة لحقوق الإنسان تمكّنت من تقديم وثائق مفصّلة مدعومة بموادّ مصوَّرة ومقابلات مستفيضة مع شهود عيان وناجين من هذه الوقائع”.

 بعد جمع الأدلة، استعانت “مواطنة” بخبير أسلحة مستقلّ لتحديد أنواع الأسلحة التي تم استخدامها في هذه الوقائع. وتناول التقرير هجمات نفّذها الطرفان، التحالف وجماعة أنصارالله (الحوثيون)، “لحقيقة أنّ استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان يعرّض المدنيين للخطر، بغض النظر عمّن هي الجهة المنفِّذة”.

أسلحة متفجِّرة في المدن والقرى

يوم الأحد الموافق 12 تموز/ يوليو 2020، عند الواحدة ظهراً تقريباً، شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات غارة جوية، أصابت منزلا في قرية الجشم، عزلة ضاعن بمديرية وشحه في محافظة حجة. أسفرت الغارة الجوية عن مقتل 3 نساء و4 فتيات  و4 أطفال. كما أصيبت امرأة و4 أطفال بينهم رضيع لا يتجاوز عمره ثمانية أشهر.

في ذلك اليوم كان عبد الله (اسم مستعار) وهو مزارع ستيني، يتناول وجبة الغداء في منزله مع عائلته، عندما سمع طائرات التحالف تحلق فوق المنطقة، ثم سمع انفجاراً مدوياً بدا قريبا جداً. هرع ليعرف ما حصل ورأى منزل ابن أخيه الذي يبعد من منزله 100 متر، مغطى بالغبار والدخان وكانت النيران تتصاعد منه. 

انهار المنزل بأكمله على ساكنيه. يقول عبد الله: “لم أصدق ما حدث. عندما وصلت، كان لم يعد هناك منزل، فقد دُمِّر بالكامل… هذه مجزرة بحق الأبرياء. ماذا فعلوا ليكون مصيرهم القتل بهذه الطريقة المريعة والإجرامية؟ لم يكونوا سوى نساء وأطفال”. 

مزارع آخر، كان قريباً من المنزل المستهدف، عندما سمع ما حدث ذهب إلى الموقع، وصادف شخصين كانا متجهين نحو موقع الحادث. “رأينا الدخان يخرج من المنزل. كما رأينا مزارعاً يبلغ من العمر 25 عاماً، ووالدته البالغة من العمر 64 عاماً، وهي ربة منزل، ومزارعاً يبلغ من العمر 22 سنة، كانوا جميعاً يحاولون انتشال الطفل الذي يبلغ من العمر عامين من تحت الأنقاض، وكان قد فارق الحياة”. 

اعتبرت الهدنة التي بدأت في نيسان/ أبريل 2022 تطوراً إيجابياً لا لبس فيه في الحرب التي استمرت لأكثر من 8 سنوات، وكذلك تمديداتها اللاحقة. ولم يتم تجديد الهدنة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ما يعرض عملية السلام للخطر. وسواء تجددت الهدنة أم لا، تستدعي الأضرار التي لحقت بالمدنيين جراء استخدام الأسلحة المتفجرة في اليمن، اتخاذَ إجراءات فورية.