fbpx

الإنكليزية تغزو المغرب الكبير وتُغضب فرنسا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم الهواجس الفرنسية، فقد أصبحت إجادة الإنكليزية في المغرب العربي مطلباً واقعياً بالفعل. إذ يقتضي العمل في السوق العالمي إتقان اللغة الإنكليزية نوعاً ما، وهو أمر لا تزال هذه البلدان تفتقر إليه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان يفترض أن تشهد العلاقات الفرنسية الجزائرية تحسناً في وقتنا الحالي، إلا أن بنك الجزائر (البنك المركزي الجزائري) أصدر أوراقاً نقدية جديدة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، كُتب عليها باللغتين العربية والإنكليزية للمرة الأولى في تاريخه.

لم يرق هذا للسياسيين في فرنسا، الذين رأوا أن هذه الخطوة تعد علامة أخرى على خروج الجزائر من دائرة النفوذ الفرنسي.

في حزيران/ يونيو 2022، أعلنت الجزائر بدء اعتماد تدريس مقررات اللغة الإنكليزية في الصفوف الابتدائية. ووصف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اللغة الفرنسية بأنها “غنيمة حرب، لكن اللغة الدولية هي الإنكليزية”.

حتى المغرب، الذي عززت إصلاحاته التعليمية عام 2019 مكانة اللغة الفرنسية في النظام التعليمي في البلاد، قرر في الصيف الماضي زيادة عدد مدرسي اللغة الإنكليزية. على أن تُدرَّس المقررات العلمية باللغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية والإعدادية. وسيكون على خريجي الجامعات إجادة اللغة الإنكليزية.

على رغم الهواجس الفرنسية، فقد أصبحت إجادة الإنكليزية في المغرب العربي مطلباً واقعياً بالفعل. إذ يقتضي العمل في السوق العالمي إتقان اللغة الإنكليزية نوعاً ما، وهو أمر لا تزال هذه البلدان تفتقر إليه. 

هذا الدافع وراء تطوير مهارات المغاربة في الإنكليزية لا ينبع من الرغبة في تسوية الحسابات وحسب، بل ينبع أيضاً من محاولة تذكرنا إلى حدٍ ما برؤية قادة الاستقلال الأوائل للغة الفرنسية بوصفها أداة لتحقيق الحداثة.

 تراجع اللغة الفرنسية كان على الدوام بمثابة ضرر جانبي ناتج عن التوترات السياسية بين باريس والعواصم المغاربية.

يسير المسؤولون المغاربة مع التيار فحسب. فقد تعلمت الأجيال الصغيرة اللغة الإنكليزية ذاتياً، من خلال الإنترنت والمنصات الترفيهية الإلكترونية.

في دراسة أجراها المجلس الثقافي البريطاني في وقت قريب، قال 74 في المئة من الشباب المغاربة إن “الانتقال إلى اللغة الإنكليزية سوف يعود بالفائدة على  تطلعات المغرب بوصفه مركزاً تجارياً وسياحياً على المستوى العالمي”.

تشهد تونس أيضاً الظاهرة ذاتها. صحيح أنه لم تجرى أيّ إصلاحات تعليمية لتعزيز مكانة اللغة الإنكليزية، لكن اللغة الشكسبيرية (اللغة الإنكليزية الحديثة) باتت تجتذب الجماهير الشابة.

تزايدت هذه الظاهرة في أرجاء القارة الأفريقية بسبب ندرة اللغة الفرنسية إلكترونياً. تُظهر الأرقام أن اللغة الفرنسية تمثل 3.5 في المئة فحسب من المحتوى على الإنترنت. لتحتل المرتبة الخامسة بعد الإنكليزية والإسبانية والصينية والعربية. 

خلصت القمة الفرنكوفونية الأخيرة، التي عقدت في جزيرة جربة- تونس في تشرين الثاني 2022، إلى الإقرار بأن اللغة الفرنسية آخذة في التراجع. جاء هذا على النقيض من السرديات المطمئنة التي صرحت بها سابقاً المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية.

وقال الرئيس إيمانويل ماكرون إنه على رغم أن عدد الناطقين باللغة الفرنسية يبلغ 321 مليون شخص، فإنها تشهد تراجعاً كبيراً في بلدان شمال أفريقيا. مضيفاً، “لنكن صريحين، أصبح عدد الناطقين باللغة الفرنسية في المغرب العربي اليوم أقل مما كان عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة”.

سعياً منه إلى استباق أيّ لوم يُلقى عليه في الداخل، طالب ماكرون “باستعادة” فرنسا تأثيرها اللغوي المفقود. ونمت تلميحاته المملوءة بالحنين إلى الماضي عن رغبة في مجاراة سرديات اليمين المتطرف الفرنسي.

تتعارض الدعوة إلى استرجاع الماضي مع الواقع المعقد في عصرنا الحالي الذي يتميز بتنوع الروابط الاقتصادية والعسكرية والسياسية بين بلدان المغرب العربي وبقية دول العالم.

علاوة على ذلك، لا يمكن أن يعترض الفرنسيون على استخدام المغاربة اللغة الإنكليزية بوصفها اللغة الدولية المفضلة عندما يفعلون الأمر ذاته.

تدرك فرنسا أيضاً أن عدد من يجيدون الفرنسية في مختلف أرجاء بلدان شمال أفريقيا، قد تراجع بسبب عدم كفاءة الأنظمة التعليمية المتعثرة مالياً.

على سبيل المثال، جعل الاستخدام اللغوي «الانتقائي» في تونس من اللغة الفرنسية لغة نخبوية بشكل متزايد، في حين استحدثت عملية “التهجين اللغوي” شكلاً مختلط الأصل من اللغة العربية الممزوجة بألفاظ فرنسية، والذي أصبح اللهجة المنطوقة بين عموم الناس. بإمكان عدد قليل للغاية من خريجي المدارس العامة التحدث بطلاقة باللغة الفرنسية أو كتابتها بشكل صحيح.

لكن تراجع اللغة الفرنسية كان على الدوام بمثابة ضرر جانبي ناتج عن التوترات السياسية بين باريس والعواصم المغاربية.

بعد رؤيتهم مدى تأثر الفرنسيين بمسألة تتعلق بمكانتهم ونفوذهم الثقافي، يلجأ زعماء المنطقة المغاربية في الغالب إلى استخدام سلاح اللغة عندما تنفد منهم الخيارات الأخرى عند نشوب خلافات مع فرنسا. 

إذ يمكن أن تتحول الخلافات بشأن المصالح التجارية والسياسية، أو بعض القراءات المتعلقة بالماضي الاستعماري، إلى قرارات تحط من مكانة اللغة الفرنسية أو ترفع مرتبة اللغة الإنكليزية.

فقد نكأت تصريحات إيمانويل ماكرون غير الملائمة بشأن العلاقات الفرنسية- الجزائرية جروح الماضي وأدت إلى تراجع العلاقات.

وعلى الأرجح، لن يكون قرار بنك الجزائر حالة استثنائية، فربما تتخذ إجراءات أخرى لتكريس المكانة الجديدة للغة الإنكليزية بوصفها لغة ثانية فعلية في البلاد.

لم تكن الثقافة الفرنسية غريبة على سياسات الهوية في تونس. ويمكن أن يؤدي اقتحام ماكرون الأخير للمشهد السياسي التونسي المستقطب من خلال الدعم الملحوظ للرئيس قيس سعيد -على رغم تعامله المثير للجدل مع الأزمة السياسية التونسية المندلعة منذ تموز/ يوليو 2021- إلى تعزيز الدور الفرنسي.

على مدار العقد الماضي، كرر نشطاء سياسيون دعواتهم إلى اعتماد اللغة الإنكليزية لغة ثانية للبلاد بدلاً من اللغة الفرنسية. فقدت هذه المسألة أهميتها بعدما عصفت الأزمات بالبلاد. لكنها لم تتلاشَ تماماً.

فعندما تتزايد حدة التوترات بين الدول المغاربية وباريس، تتعالى أصوات الأطراف السياسية الفاعلة التي تنادي بأن تحل اللغة الإنكليزية محل الفرنسية.

كان أحدث مثال على ذلك هو حالة المغاربة الغاضبين بشأن القيود المفروضة على التأشيرات الفرنسية. زاد الخلاف من الأزمة التي أججها بالفعل استياء الرباط، ما اعتبرت أنها مواقف فرنسية مبهمة بشأن النزاع السياسي في الصحراء الغربية.

فُرضت هذه القيود على التأشيرات عام 2021، وكانت بمثابة ردٍ على موقف الدول المغاربية “غير المتعاون” من ترحيل المهاجرين غير المرغوب فيهم أو غير الشرعيين. وحتى قبل ذلك، قررت فرنسا عام 2019 زيادة الرسوم الجامعية على الطلاب من خارج الاتحاد الأوروبي بمقدار عشرة أضعاف. كان فحوى الرسالة الموجهة إلى الشباب المغاربي، “غير مرحب بكم في فرنسا”.

وبينما تضع فرنسا أنظارها على أفريقيا جنوب الصحراء والمستقبل الواعد للغة الفرنسية الذي تراه هناك، ستكتشف على الأرجح أن عليها أن تضع الواقع المتغير على جانبي الصحراء في الحسبان.

ففي حين كانت منشغلة بمتابعة الحملات العسكرية المشؤومة، خسرت فرنسا حصتها في السوق العالمية لمصلحة المنافسة الصينية والهندية والتركية والأوروبية. وفي الوقت ذاته، رفعت الأجيال الأفريقية الشابة المنفتحة على الإنترنت أصواتها مطالبة برؤية جديدة للعالم.

لهذا، ربما تكون المعركة من أجل الاستحواذ على قلب المغاربة والأفارقة أكثر تعقيداً مما كان يظنه ماكرون.

هذا المقال مترجم عن الرابط التالي.