fbpx

“عودة” شرطة الأخلاق الإيرانيّة…
هجمة مرتدّة على النساء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شدد النظام الإيراني إجراءاته ضد المحتجين، خصوصاً النساء، محذّراً إياهن من دخول المتاجر بلا حجاب، ومهدداً حريتهن بكاميرات مراقبة في الشوارع وقطارات الأنفاق لضبط أي مخالفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دافع علي خان محمدي، المتحدث الرسمي باسم مقر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن إغلاق المحال التجارية بسبب وجود زبائن نساء من دون حجاب، وطلب من أصحاب المتاجر أن “يحذّروا” زبائنهم من النساء ويملوا عليهن التالي: “إذا أردتن زيارة هذا المكان، فعليكن الامتثال للقانون”.

تتوارد الأخبار عن انقضاض النظام الإيراني على المتظاهرين، وارتداده على مكتسبات حققتها الانتفاضة المستمرة منذ ثلاثة أشهر ضد الحجاب الإلزامي، فبعد شيوع خروج إيرانيات متمردات على غطاء الرأس القسري، نُشرت أنباء عن عودة “شرطة الأخلاق” في إيران بشكل مباغت. 

وأكدت المنصات الإعلامية الرسميّة بشكل مباشر وفوريّ، عودة جهاز شرطة الأخلاق، في تناقض مع حالة التلكؤ المتعمّدة حين أعلن المدعي العام محمد جعفر منتظري التعطيل الموقت لهذه الدوريات أو توقيفها تماماً. تناقض يفسّر بوصفه محاولة لاستيعاب الغضب الذي تلا مقتل مهسا أميني.

تنامي الاحتجاجات إثر مقتل الفتاة الكردية الإيرانية على يد دوريات “شرطة الأخلاق”، أدى إلى غياب الأخيرة تلقائياً، لا سيّما أنّها قبل مقتل أميني متورطة في انتهاكات وثّقها مواطنون عاديون وحقوقيون، ما أدى إلى شن حملة عبر منصات التواصل الاجتماعي (تحديداً “تويتر” و”إنستغرام”) ضد ممارساتها العدوانية، كملاحقة عناصرها “الحجاب السيئ” في الأماكن العامة والحافلات وفي المدارس والجامعات.

الحملات الحقوقية ضد خروقات أفراد “شرطة الأخلاق”، لم تصل إلى نتيجة سوى الكشف عن الاستقطاب المجتمعي الحاد تجاه  قضية الحجاب التي تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، حينها فرض زعيم الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني قيمه الأيديولوجية، فارضاً الحجاب كجزء من “أخلاق” الجمهورية الجديدة.

تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين الحجاب والسلطة، لم تنشأ بعد الثورة الإسلاميّة، فمطلع عام 1936 أصدر رضا شاه مرسوماً يمنع أشكال الحجاب المختلفة والثياب التقليديّة للرجال، في محاولة لإدخال إيران ضمن ركب “الحضارة”، وتغيير صورتها أمام “الغرب”.

مطالب رسمية بإجراءات استثنائيّة

صعّد النظام الإيراني تحركاته ضد المحتجين، ووصف المعارضين بأنّهم “عملاء” لأميركا وإسرائيل نافياً عنهم وطنيتهم، كما بدأ بتنفيذ أحكام الإعدام بالمعتقلين متجاهلاً الضغط الدولي، وأفادت تقارير بتركيب كاميرات مراقبة في الشوارع وقطار الأنفاق لمراقبة النساء وضبط من تخالف القانون.

واعتبر المرجع الشيعي المتشدد في قم، آية الله جعفر سبحاني، أنّ الإساءة الى الحجاب تتطلب تعاملاً خارج النطاقات التقليدية التي يحددها القانون لعناصر الشرطة، ودعا إلى ضرورة الخروج على القانون لإنهاء ما وصفه بـ”التشهير بالنظام والإسلام”. 

وقال سبحاني، وفق وكالة أنباء “مهر” الإيرانية، ما مفاده: “وضع الحجاب أصبح غير لائق في قم وبعض المدن الأخرى، يبدو أنّ من يرتدين الحجاب يحاولن التشهير بالنظام والإسلام، وعلى الشرطة أن تتعامل مع الحجاب بأساليب مختلفة، وعلى قوى الشرطة أن تتعامل مع هؤلاء الأشخاص بأسلوب خاص وحاسم”. وتابع: “أنّ نطاق مسؤولية قوة الشرطة يحدده القانون، لكن من الضروري تجاوز القانون في بعض الحالات الخاصة”.

محاولة خفض حدة الاحتجاجات عبر الإعلان الغامض عن حل شرطة الأخلاق لم يحقق أغراضه الموقتة، والانعطافة الاضطرارية التي لجأ إليها النظام لم تؤدِّ إلى تشتيت الاصطفاف المجتمعي الرافض إلزامية الحجاب، الأمر الذي وصل ذروته مع مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، وانتهى إلى موجة احتجاجات قصوى لنبذ النظام السياسي برمته.

توتر قبل الجريمة

تزامن الحراك الذي سبق مقتل أميني، مع ظهور نتائج عدة لقياس اتجاهات الرأي العام من مؤسسات وأجهزة رسمية (لم يكشف عن بعض الجهات)، أوضحت في مجملها رفض قرابة 70 في المئة فرض الحجاب قسراً.

محاولة خفض حدة الاحتجاجات عبر الإعلان الغامض عن حل شرطة الأخلاق لم يحقق أغراضه الموقتة.

وشككت الصحف المحافظة بهذه النتائج ورفضت بعضها، إلا أنّ مهدي نصيري، رئيس التحرير السابق لصحيفة كيهان المقربة من المرشد الإيراني علي خامنئي، أكد ما ورد في الاستطلاعات خلال ندوة في جامعة باقر للعلوم بطهران عام 2020. 

وقال نصيري أنّ “نسبة معارضة أنصار الحجاب الإلزامي في المدن الدينية إما أكثر أو متساوية مع المدن الأخرى”،  وتابع: “محافظة قم معقل المرجعيات الشيعية والحوزة العلمية، تعد من المحافظات المعارضة للحجاب الإلزامي، حوالى 70 في المئة من الناس في المجتمع لا يرتدون الحجاب الديني أو يعارضون فرضه على النساء. بعد 40 عاماً من انتصار الثورة في المجتمع الإيراني، نواجه اليوم ظاهرة الحجاب الفضفاض والميل إلى عدم وضع الحجاب. 40 عاماً من الخبرة أظهرت أن التزام الحكومة بالحفاظ على الحجاب أضعف الحجاب نفسه. عندما تكون غالبية الناس في المجتمع ضد قانون الحجاب الإلزامي، فعلى الحكومة التخلي عن القانون لأنّه غير قابل للتطبيق”.

تمييز على أساس الحجاب

نقلت وكالة أنباء “فارس”، عن “مسؤول كبير” في الشرطة، على حد وصفها، عودة الرسائل النصية التي تتعلق بالحجاب الإلزامي لأصحاب السيارات، فيما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أنّ “المرحلة الجديدة من مشروع ناظر-1” قد بدأت في جميع أنحاء إيران.

وتبعاً لهذه المرحلة، تُبعث رسائل نصية تحتوي على “تذكير” لمالكي السيارات التي تخلع فيها النساء حجابهنّ، وهاجمت عضوة مجلس بلدية مدينة تبريز حكيمة غفوري، أيّ محاولة للتهدئة أو المهادنة في صدد مسألة الحجاب، وقالت في جلسة علنية بالمجلس المحلي أنّ “كل من يرانا يشكو من عدم الالتزام بالحجاب، وينبغي تنظيم اجتماع مع القوى المعنية والمنظمات في هذا الصدد”.

وطالبت غفوري السلطات في إيران بضرورة “ألا تتراجع خطوة إلى الوراء” في فرض الحجاب الإجباري، وشددت على “إصدار أمر صريح بمنع من لم يلتزمن بالحجاب من ركوب الحافلات”. وأيّد الناطق الرسمي باسم مقر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علي خان محمدي، عمليات غلق المحال التجارية على خلفية وجود زبائن من دون الحجاب الإجباري، وصرّح بدوره قائلاً: “علينا أن نولي اهتماماً جاداً بهذه المسألة، على سبيل المثال، في أيام كورونا، أغلقوا متجراً لأنّ العملاء هناك لم يرتدوا أقنعة ولم يتبعوا البروتوكولات”.

وتشير الاحتجاجات الراهنة إلى تطورات سياسية وأيديولوجية، تفرض وجودها وتأثيراتها في الأجيال الجديدة في إيران، فمقاومة النساء تختلف تماماً عن تلك التي واجهت دوريات “جند الله” في الثمانينات، وحتى المراحل التالية التي تفاوتت فيها درجات التشدد كما هي الحال مع حكومة “الإصلاحات” أو الأصوليين، ومع طرح القضايا الحقوقية، وتوسيع مجال الحريات المأزومة، تبدو فرصة إيجاد بدائل سياسية لإزاحة هيمنة نفوذ “الولي الفقيه” ممكنة.