fbpx

4 حالات وفاة خلال شهرين… سجون جديدة بممارسات قديمة في مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“في أول زيارة لبابا بعد نقله لسجن بدر، أنا مصدومة وخايفة على حياة أبويا، أحواله النفسية والصحية في تدهور، ده كله فوق الحبس الانفرادي والعزلة التامة ومنعه من التريض”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في نهاية عام 2021، افتتحت وزارة الداخلية المصرية مجمّعاً جديداً للسجون في منطقة “بدر” (تقع على بعد 300 كلم غرب القاهرة تقريباً)، باسم “مركز الإصلاح والتأهيل بدر”، وبعد أشهر من افتتاحه، توفي 4 سجناء داخله بسبب نقص الرعاية الصحية، وذلك خلافاً لما روّجت له الحكومة المصرية بأنه خاضع لاستراتيجية جديدة تكفل توفير ظروف ملائمة للسجناء.

“بداية جديدة” عنوان فيلم تسجيلي أنتجته وزارة الداخلية للإعلان عن افتتاح المركز، إلا أن البداية كانت في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مع وفاة السجين السيد محمد عبد الحميد الصيفي (61 سنة)، أحد المتهمين في قضية اغتيال النائب العام هشام بركات.

وبعد أيام، توفي السجين علاء محمد عبد الغني السلمي (47 سنة)، بعد شهرين من دخوله في إضراب كامل عن الطعام احتجاجاً على ظروف حبسه، التي وصفها بغير الإنسانية وغير القانونية. وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، توفي السجين مجدي عبده الشبراوي (58 سنة)، بعد تدهور حالته الصحية خلال الأشهر الأخيرة نتيجة إصابته بفشل كلوي، وعدم تلقّيه الرعاية الصحية اللازمة. ليموت في الشهر نفسه السجين حسن دياب حسن، المحكوم عليه في قضية عسكرية، داخل زنزانته بعد إصابته بغيبوبة سكر استمرت ساعات، لم تستجب خلالها إدارة السجن لمطالب زملائه بإسعافه، أو نقله إلى مستشفى السجن لتلقّي الرعاية الطبية.

المحامي نبيه الجنادي، الذي علم بوفاة السجين الرابع، قال إنه عرف بالخبر من زملائه أثناء حضوره جلسات نظر في سجنهم بالمحكمة، وقد أكدوا له أنه توفي بعد محاولتهم الاستغاثة بإدارة السجن لنقله الى المستشفى ومحاولة إسعافه، والتي لم تستجب لهم، فلفظ أنفاسه الأخيرة.

وعلى رغم وفاة أربعة سجناء خلال شهرين، إلا أن النيابة العامة لم تخرج ببيان حول ملابسات وفاتهم، في ظل إدانة مراكز حقوقية كثيرة ذلك، والمطالبة بفتح تحقيق للوقوف على حقيقة الأمر، وبتوفير الرعاية الطبية والصحية للسجناء.

أحد أصدقاء حسن دياب تحدث لـ”درج” مفضلاً عدم ذكر اسمه، فقال إنه كان على اتصال مستمر بأسرة السجين التي تقيم في محافظة القليوبية، والتي كانت تؤكد له باستمرار تدهور حالته الصحية. وأضاف أن دياب كان محتجزاً في سجن المنيا، لكنه نُقل إلى سجن “بدر” الجديد، ولثلاثة أسابيع متتالية لم تتمكن أسرته من زيارته أو الاطمئنان عليه، وإنما علمت من زملائه في السجن، وخلال جلسات محاكماتهم، بأن حالته الصحية غير مستقرة في ظل غياب الرعاية الصحية داخل السجن.

على رغم وفاة أربعة سجناء خلال شهرين، إلا أن النيابة العامة لم تخرج ببيان حول ملابسات وفاتهم، في ظل إدانة مراكز حقوقية كثيرة ذلك، والمطالبة بفتح تحقيق للوقوف على حقيقة الأمر، وبتوفير الرعاية الطبية والصحية للسجناء.

ويأتي نقل السجناء من سجن الى آخر، برغم تدهور حالتهم الصحية أو كبر سنهم، ضمن خطة أعدّتها الدولة لإخلاء عدد من السجون واستغلالها في مشاريع استثمارية، نظراً الى تميّز موقعها. ووفقاً لما تقوله الدولة في العلن، يتم نقل السجناء إلى أماكن أفضل، ولكن الواقع غير ذلك.

ومع نقل السجناء، أملت العائلات بتحسن الأوضاع والحد من الانتهاكات التي كانت تمارس في السجون القديمة، في مقدمها غياب الرعاية الصحية، المنع من التريض، التعنت ورفض دخول الكتب، وهي أمور منصوص عليها بلائحة السجون، لكن الممارسات القديمة ظلت كما هي في السجون الجديدة.

الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس “حزب مصر القوية”، والمرشح الرئاسي السابق، البالغ من العمر 71 سنة، نُقل من سجن المزرعة الى سجن “بدر” الجديد، ويقول نجله حذيفة، إنه نقل من دون “ملابس ولا غطاء ولا أي متعلقات شخصية، ووُضع في زنزانة انفرادية بمرتبة (فرشة) على الأرض بلا أي تجهيزات، من دون سرير ولا حتى كرسي أو ثلاجة ولا كانتين. فقط أكل التعيين. زنزانة مراقبة بالكاميرا 24 ساعة، وإضاءة 24 ساعة”.

والأمر نفسه بالنسبة الى الناشط السياسي أحمد دومة، المحكوم بالسجن 15 عاماً. يؤكد شقيقه محمد أن أحمد بدأ يفقد وزنه بشكل ملحوظ، مع غياب الرعاية الطبية ومعاناته من تضرّر الكلى، وحاجته إلى إجراء حقن في مفاصل الكتفين بسبب الخشونة، ليقابل هذا الأمر بنومه على الأرض، لا يفصل بينه وبينها سوى مرتبة فقط.

ولا يختلف الوضع بالنسبة الى صفوان ثابت البالغ من العمر 76 عاماً، مالك شركة جهينة، قُبض عليه ونجله بتهمة تمويل الإرهاب، ولم يُحالا إلى المحاكمة حتى الآن، وبدورهما نُقلا من سجن طرة إلى سجن “بدر” الجديد.

وكتبت مريم، ابنة صفوان ثابت، في منشور على “فيسبوك”: “في أول زيارة لبابا بعد نقله لسجن بدر، أنا مصدومة وخايفة على حياة أبويا، أحواله النفسية والصحية في تدهور، ده كله فوق الحبس الانفرادي والعزلة التامة ومنعه من التريض، المروحة شغالة 24 ساعة. وبابا بردان حتى باللبس الشتوي، النور النيون مفتوح 24 ساعة، مش عارف الليل من النهار ومش بينام”. وأضافت: “كاميرا 24 ساعة! شيء غير آدمي، سحبوا منه حتى المصحف، بابا رفض كل الأكل اللي جبناه ومع الأسف رجعني بيه”.

سوء الرعاية الصحية وغيابها ليسا الانتهاك الوحيد في السجن الجديد، بل تضاف إليهما انتهاكات أخرى، إذ أعلنت 6 منظمات حقوقية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، تعرّض السجين عمر محمد علي، لتحرش جنسي داخل سجن “بدر” من أفراد شرطة، وطالب البيان المشترك النيابة العامة بفتح تحقيق حول الواقعة، وإدراجه ضمن قوائم العفو.

وأوضح بيان المنظمات أن الواقعة حصلت في 2 تشرين الأول الماضي، حين وصل علي إلى “بدر” مرحّلاً من سجن مزرعة طرة، حيث نزع ثلاثة من أفراد الشرطة ملابسه بالقوة وهو مكبّل اليدين، وتحرشوا به بشكل متكرر، برغم وجود مفتش مباحث السجن. وأضاف البيان أن الواقعة سجلتها كاميرات مراقبة السجن، مطالباً بالتحفظ على تلك التسجيلات وبتقديم المسؤولين للمحاكمة.

ووفقاً لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، إحدى المنظمات الموقعة على البيان، تمثل هذه الواقعة مؤشراً خطيراً إلى حجم الانتهاكات التي يواجهها سجناء في سجون مصر عموماً، وسجن “بدر” الجديد بشكل خاص. 

“مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب”، أطلق حصاده الشهري لأخبار السجناء في تشرين الأول 2022، ورصد من خلاله “تكدير” 15 سجيناً، منهم 12 في سجن “بدر” الجديد، وحصد المركز 17 استغاثة للرعاية الطبية بأماكن الاحتجاز، منها 8 حالات في “بدر”.

تأتي تلك الممارسات، مع تأكيد حقوق السجناء في الحصول على رعاية صحية داخل السجن، وتنص المادة 33 من قانون تنظيم السجون، على وجوب توافر، في كل ليمان أو سجن غير مركزي، طبيب أو أكثر، أحدهم مقيم تناط به الأعمال الصحية وفقاً لما تحدده اللائحة الداخلية، ويكون للسجن المركزي طبيب، فإذا لم يعين له طبيب كلف أحد الأطباء الحكوميين أداء الأعمال المنوطة بطبيب السجن، وتتبعها المادة 34 والتي تنص على أن تلتزم المنشآت الطبية الحكومية والجامعية بعلاج المساجين، وفقاً للضوابط والشروط التي يصدر بها قرار من وزيري الصحة والتعليم العالي بالتنسيق مع وزير الداخلية.