fbpx

لبنان على وقع الانهيار… وطن النجوم والمنجّمين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يستخدم ميشال حايك رزانته ليوحي بما هو أبعد من النبوءة، إنه ذكاء المنجم في جعل المزاج قادراً على التفاعل الوجداني معها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ليلة رأس السنة الميلادية نجوم كثر، لكن المنجمين هم الأكثر جاذبية. محرك البحث في وسائل الإعلام المرئية يثبُت على وجوههم التي تنزوي وراءها وجوه أخرى، غالباً ما يكون الفنانون متنها. السياسيون في المناسبة هم الشريحة الأكثر انزواءً في الحضور التلفزيوني، لكنهم أيضاً المادة الأساسية على مائدة المنجمين.

 ونحن، كلبنانيين طبعاً، وفي كل بداية عام جديد، الشعب الأكثر خضوعاً لنبوءة تسقط من أفواه المنجمين، فكيف والحال أننا نستقبل عام 2023 ضيفاً مثقلاً بمآسي الأعوام التي سبقته.

  غالبيتنا تستدرجها معرفة المستقبل. إنه غالباً فضول المغلوبين على أمرهم، واللبنانيون لا ريب منهم. وفي استدراج كهذا، وفي أحوالنا، هناك ما يعفينا أيضاً، ويعفي المنجم، من قراءة المستقبل المختفي بين خيوط أكفنا الممدودة. فنحن شعب متّحد في المأساة، فكيف لا تتكفل الأخيرة في انصهار الأكف في كفٍّ واحدة يقرأ فيها هؤلاء المنجمون.

  يقدم المنجم نفسه لنا سياسياً من خارج السياسة، وهو ما يعفيه من ضريبتها. وتكثيف الأخيرة في نبوءاته متلازم بالضرورة مع كونها الطقس الأكثر تأثيراً في راهننا ومستقبلنا. 

في ليلة رأس السنة الميلادية نجوم كثر، لكن المنجمين هم الأكثر جاذبية.

 ليست مبالغة إذاً أن يتصدر منجمون كليلى عبد اللطيف وميشال حايك وماغي فرح ومايك فغالي وسمير طنب، وسائل الإعلام المرئية. ولا مبالغة أيضاً في أن يتسمّر اللبنانيون أمام الشاشات ليعرفوا طالع أيامهم من أفواه هؤلاء، وليس من أفواه السياسيين. وغالب الظن أن اللبنانيين في الحالتين يتكثفون كضحايا. مرةً من السياسيين، كمكرهين، ومرةً حين يساقون بإرادتهم إلى تقصّي أقدارهم في نبوءة منجم.

وتكثيف المنجم في الوعي هو مزاج أكثر مما هو رأي. إنه البحث عن ردم الواقع بالوهم، وهو ما يوفره منجم محترف في ملامسة فراغ عقلي ناتج من اجتناب السياسة وخيباتها. ففي استطلاع أمزجة سبق “ليلة المنجمين” عن المنجم الذي سيحظى بالمتابعة، تصدرت ليلى عبد اللطيف أمزجة المستطلَعين، تلاها ميشال حايك. وغالب الظن أن حظوة عبد اللطيف في أمزجة المشاهدين مردها أن الأخيرة هي الأكثر حضوراً في يومياتهم. بمعنى آخر، ليلى عبد اللطيف منجمة شهرية وليست سنوية، وهي تتشارك في ذلك مع المنجم مايك فغالي.

قبل عشر سنوات، لم يكن اسم ليلى عبد اللطيف يعني اللبنانيين كثيراً، المنجم ميشال حايك كان ضالتهم، وهو من باشر التوغل باكراً في أمزجتهم. نجومية عبد اللطيف التي تكثفت في العقد الأخير، هي على الأرجح النموذج الأكثر دلالة على ما سببته السياسة من انسداد أكره اللبنانيين على البحث عن مؤشر حياتهم في التنجيم. ففي إعلام مرئي يبحث عن استقطاب المشاهدين، ومع ملامسة تأثر أمزجة اللبنانيين بالتنجيم، تحولت تلك المهنة مع ليلى عبد اللطيف ومايك فغالي، وميشال حايك، إلى مؤشر يدلو في السياسة من خارج السياسة، من دون إغفال مدلول آخر عن التواطؤ الضمني بينهما.

  فمقابل “عونية” مايك فغالي الفاقعة. تختبئ ليلى عبد اللطيف في “كف” الممانعة. والمرء حين لا يستعصي عليه التبصر في ولاء الأول، فهو في حالة الثانية عليه تقمص مهنتها ليتبصر موقعها، ومدى توظيف تنبؤاتها في السياسة. 

وخارج الأمزجة التي تتواطأ عليها ليلى عبد اللطيف، هناك مزاج آخر يتفاعل طرداً مع ظاهرتها، والظواهر الأخرى التي تشكلها. 

 تبدو شخصية ليلى عبد اللطيف أقرب إلى  نسخة مدنية وحداثوية شمولية عن “أم زكي” في المسلسل السوري باب الحارة، رغم ضيق الهامش التنجيمي عند الأخيرة واقتصاره على طقوس الحمل والزواج. وتلامس شخصيتها أيضاً “عرَّافات” النمط المصري في التنجيم، مع الحفاظ على الهامش الحداثوي في المقاربة، فكيف والحال أن عبد اللطيف تتفشى بيولوجياً من أواصر ثلاثة، أب مصري، جدة سورية، وأم لبنانية ألهمها أب روحي لبناني هو المنجم الآخر سمير طنب، والذي لا يبدو راهنه “الرؤيوي”، إلا كظل لماضٍ كنا نقرأه في “الشبكة” و”المختار”، ومن باب التسلية.

  في مايك فغالي يبدو كل شيء غريباً. وبين المنجمين الحاليين يظهر فغالي الأكثر مواءمة بين المهنة وطقوسها. يرتدي غالباً ما يشي بأنه من عالم آخر. هو كمن يجثم على كرسي النبوءة آتياً من أحد الكواكب التي يستقرئ طالعنا من خلالها. وغالب الظن أن “العونية” التي تسكنه تستدرج المرء إلى التباس مشهدي وعقلي بين من هو الأكثر تأثيراً في الآخر، “العونية” أم “نبيّها” الملهم.

 يستخدم ميشال حايك رزانته ليوحي بما هو أبعد من النبوءة، إنه  ذكاء المنجم في جعل المزاج قادراً على التفاعل الوجداني معها. عدا أن حايك، وكمنجم يُسقط علينا تنبؤاته فقط  في مطلع كل عام، وفي محاولة تشي بالتماهي بين الرؤية وصدقها، وتكثيف الزمن.

قبل انتشار المنجمين على الشاشات، كانت قراءة الأبراج عادة يومية يلجأ إليها مواطنون لبنانيون غالباً من باب التسلية، وأحياناً قليلة كمزاج يفضي إلى استقراء طالع يتهافت مع طالع يومي جديد، ومن دون الغوص في تركيبات فلكية ونفسية.

 راهناً، تتكفل ماغي فرح بمجلدات عن مآل تركيبات كهذه قد تفضي بقارئها على الأرجح إلى رؤية النجوم، وفي عز الظهر.