fbpx

المزحة السمجة عن تقارب الأسد وأردوغان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا نتائج ملموسة على المدى القريب في التقارب السوري-التركي، ربما نحن أمام طيش سياسي، أو محاولة لحسم ملفات حدودية ضحيتها السوريون مهما كانت الصفقة التي ستُبرم بين الأسد وأردوغان.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تقول النكتة السمجة أنَّ لقاءً سيتمُّ بين أردوغان والأسد قريباً، بهدف إحلال السلام في المنطقة، النكتة أن أردوغان سيلتقي بواحدٍ من أكثر رؤوساء الأنظمة دموية، لأنه الطريق الوحيد للسلام. يبدو أن الرئيس التركي يحتاج توضيحاً لمعنى السلام ومن هم  القادرون على إحلاله، خاصة حين يتعلق الأمر بنظامٍ لا يعرف سوى لغة القتل والتعذيب. 

ستُنسى كل الشتائم المتبادلة بين النظامين وتذهب أدراج الرياح، فهل “أردوغان اللص” كما وصفه الأسد في عام 2019 لم يعد لصاً!، أم أنه أصبح لصاً لمصالح سياسية يجنيها من هذا التقارب. ترتبط النكتة السمجة في الحقيقة بتصريحات أطلقها الرئيس التركي  رجب طيب أردوغان قبل سنوات، حين هاجم النظام السوري قائلاً: “نحن لا نعتبر مطلقاً أن قتل الشعب السوري بالدبابات والمدافع عملٌ انسانيّ”، لا بل كان متأكداً من رحيل الأسد إذ قال: “تستطيع أن تبقى في السلطة بالدبابات والمدافع فقط لفترة معينة ليس إلا، وسيأتي اليوم الذي سترحل فيه أنت أيضاً”، فهل التقارب جزء من خطة ترحيل الأسد عن السلطة!.

 يعكُس التصريحان جزء من موقفٍ تركي امتدَّ لسنوات، كانت فيه تركيا واحدةٌ من أكبر الداعمين للثورة السورية ومناهضة لحكم الأسد، أمّا اليوم يصرح أردوغان أنه ربما يلتقي الأسد من أجل السلام في المنطقة، لكن ما الذي تغير بعد كلّ هذا الوقت، وكيف تحولت العداوة مع الأسد إلى هدفٍ منشود!.

لا مفاجأة من حدوث لقاءٍ عالي المستوى بين الأسد وأردوغان، إذ مهدت العديد من التصريحات خلال العام الفائت لهذا التقارب الذي توّج في روسيا، راعيةُ السلام الأولى، والتي تنشط ماكينة القتل فيها على جميع الجبهات، في أوكرانيا وسوريا معاً. استضافت روسيا اللقاء على مرأى من العالم، في رسالة لأهمية الدور الروسي في هذا التقارب، فبوتين الذي يحلم بثقلٍ عالميّ أكبر، لن يوفر فرصة ليقول أنه ترك أثراً سياسياً في الشرق الأوسط.

فشل الأسد وأردوغان في إضحاكنا، وكمراهقين يتقاتلان على لعبة فيديو، يعودان للتصالح، وتشغيل اللعبة مجدداً، اللعبة التي يصدف أننا داخلها.

نحن أمام تحوّلٌ مدهش في الموقف التركي من نظام الأسد، فالانتقالُ من دعم الثورة إلى دعم النظام الذي قامت ضده الثورة يلفت الانتباه، الانتقال من دعم الضحية إلى مصافحة الجلاد،  أمر لا نستطيع إلّا التوقف عنده.  لطالما رفض النظام التركي سياسة القمع والتهجير التي اتبعها الأسد وحَمَلَ راية الإنسانية واستقبال ملايين اللاجئين السوريين، لكن فجأة ومن دون سابق إنذار أدرك هذا النظام، بطريقة أو بأخرى، أن خيار “الإنسانية” ليس الأفضل، وبخاصة في ظل التعقيدات الداخلية والمعارضة المتزايدة لسياسة أردوغان في التعامل مع اللاجئين السوريين، ووجود حزب العمال الكوردستاني على حدوده مع سوريا. يبدو أن أحد الحلول التي خطرت على بال أردوغان هو تسليم هذه المهمة لنظام الأسد، حتى لو لم يحصل هذا الأمر في القريب العاجل، لكنه تخلّص من “مصيبة” وترك الأسد يتكفّل بها.

المضحك المبكي في الصلح التاريخي بين الأسد وأردوغان أن قيمته عدميّة، يبدو كإنجاز للوهلة الأولى، لكن في الحقيقة، لا يتجاوز الأمر مصافحةً  فوق طاولة دمّ السوريين، يتلقى بعدها الثنائي عبارات التهنئة من أنظمة ليست أقل دموية. بكلمات أخرى،  قتلة ودكتاتوريون  يتصالحون بين بعضهم البعض، بينما السوريون يمرون بأوقات هي الأسوء عليهم اقتصادياً. المراوحة في المكان عنوان هذا التقارب والذي قد تكون تبعاته بلا أي قيمة للجانب التركي، أما النظام السوري فيكسب مزيداً من التعويم وضغطاً أكبر على المجتمع الدولي لفكّ الحصار والقطيعة معه، أما السوريون، فبطبيعة الحال لا ناقة لهم ولا جمل في هذه العلاقات سوى الضغوط التي قد تزداد على اللاجئين السوريين في تركيا.

تخبط داخلي تركي، وانتخابات يأمل أردوغان الفوز بها، بينما نقاط القوة التي يمتلكها قليلة ولا أفضل من البطاقة الأخيرة: “اللاجئين السوريين”، لكن هل هذه البطاقة ذات قيمة حقاً ؟ وإلى أي مدى يمكن الاستفادة منها على أرض الواقع؟. تأتي هذه الأسئلة في ظل عدم رغبة نظام الأسد الجدية في إعادة اللاجئين الذين قد يشكلوا عبء اقتصادياً جديداً عليه. من ناحية أخرى، من يرغب بالعودة إلى بلد تُفتح لكَ فيه بوابة الزنزانة قبل باب منزلك ؟. تبدو جميع التفسيرات لهذا التقارب غير مقنعة تماماً وذات أثر بسيط أمام الخطوة الكبيرة. ما يدفعنا للجزم  بأن هذه الخطوة ليست إلا طيشاً سياسياً، يعكس تخبطاً تركياً.

بدأ الأمر مع الإمارات ومن بعدها تركيا، ما يعني أن دولاً أخرى ستسير على طريق التصالح مع الأسد، لكن غياب وجود الإيراني ضمن كل هذا يثير أسئلة وتكهنات أخرى، فهل هو تحييد لدورها في الملف السوري؟.  تشي التطورات الأخيرة بالتركيز على طرفين أساسيين وهما التركي والروسي وخروج الإيراني بطريقة ما من المثلث الذي كان يدير القضية السورية، ساعد في ذلك ربما انشغال إيران بمشاكلها الداخلية وعدم رغبة روسيا وتركيا في توسيع نُفوذهما، ما يعزز هذه الفرضية، أزمة الوقود الأخيرة في سوريا، والتي لم تقدّم فيها إيران أي مساعدة. يمكن أيضاً تدليل فرضية أخرى،  لو مدت إيران سوريا بالنفط، فالثمن سيكون  تنازلات سيادية ستشكلُ عبء  لا يستطيع الأسد تحمّله.

لا يمكن تجاهل الغموض الذي يلفّ عودة العلاقات السورية – التركية، وبخاصة ألّا مكتسبات مهمة أو حتى كبيرة على المدى القريب، إلّا إذا كان هناك خطط سوسيولوجية بعيدة المدى تتعلق بالطموح التركي بالدرجة الأولى الذي يود أردوغان أن يكون جزء منه بطريقة او بأخرى.

يحتفل مؤيديو الأسد  بانصياع أردوغان أخيراً لـ”أسدهم”، بينما تُتهم المعارضة تركيا بخيانتهم، ليبدو التقارب التركي السوري، كمزحة سمجة، يلقيها أحدهم ويضحك كثيراً، إلّا أننا لا نجد فيها حتى سذاجة للضحك عليها. 

فشل الأسد وأردوغان في إضحاكنا، وكمراهقين يتقاتلان على لعبة فيديو، يعودان للتصالح، وتشغيل اللعبة مجدداً، اللعبة التي يصدف أننا داخلها.