fbpx

ماذا نفعل بالموهوبين “الحقيرين”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

واجبات الفنان تجاه المجتمع ليست كالسياسي أو النائب أو الرئيس، لكن تأثيره قد يكون مماثلاً لهم. نحن ننتظر من السياسيين أن يكونوا على صواب في آرائهم، لكن لماذا ننتظر من الفنانين أن يكونوا Woke أو واعين للأفكار العنصرية أو المهينة لفئات معينة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وفق أرقام “يوتيوب” الخاصة بي، كانيي ويست هو ثالث أكثر فنان أستمعُ إليه في عام 2022. يعتبر ويست شخصاً “حقيراً” بتصريحات غريبة مهينة تنضح بالكراهية، لكن للأسف لم أتمكّن من أن أبتعد من موسيقاه، فأنا أحبها وأراه من أكثر الأشخاص موهبة في الموسيقى وتصميم الأزياء. وللأسف، على رغم تصريحاته كافة، لم أتمكن من تغيير رأيي بموهبته أو مقاطعة موسيقاه، لكن خجلت حقاً من مشاركة أنّه ثالث أكثر فنان استُمع إليه لأنّني أعتبر نفسي شخصاً متيقظاً (Woke) حيال جميع أفكار ويست. 

ثقافة الإلغاء أو الـCancel Culture هي “شكل حديث من أشكال النبذ يتم فيها إخراج شخص ما من الدوائر الاجتماعية أو المهنية – سواء كان ذلك عبر الإنترنت أو على وسائل التواصل الاجتماعي أو وجهاً لوجه” وفق ويكيبيديا. لكن اليوم هي أكثر من ذلك، فهذه الثقافة تحدث جدلاً كبيراً، ويأتي هذا من فكرة أنّنا لا يمكننا أن نلغي أشخاصاً لأنّ آراءهم أو أفكارهم “سيئة”. قد تكون شخصية جوردان بيترسون في هذا الجدال مثالاً يمكن أن نناقش به. فبيترسون لا يمكن أن نصفه بـ”الحقير”، فإلى جانب نظرياته المثيرة للجدل والمتطرّفة، له نظريات جيدة ولا يمكننا أن ننكر قيمته كدكتور أو باحث، ولا يمكننا أن نلغيه حقاً لأنّه بطبيعة الأحوال عمل على أن يكون طبيباً جيداً، ولهذا يمكن أن نتناقش من اليوم حتى الغد إن كان عادلاً أن نلغي بيترسون. لكن، إن انتقلنا إلى أمثلة أخرى مثل سعد لمجرد، فمن الواضح أنّ إلغاءه أمر لا بدّ منه، فهو “مغتصب” ولا يمكن أن نسامح المغتصب ونروّج لأعماله ونستمع إلى أغانيه (وحتى إن كنّا نفعل ذلك بالسر، فهذا يأتي معه ذنب غريب)، لكن الموضوع سيختلف مع فضل شاكر الذي قد نسامحه على خياراته السابقة من دون أن نلغيه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نجوى كرم ونادين نجيم. في كل مرة تجري كرم مقابلة تلفزيونية، تُطرح أسئلة نسوية عليها لتجيب إجابات ذكورية، ويرتفع صوت الإعلام النسوي في اليوم التالي بأنّ كرم كارهة للنساء وذكورية، وتُلقَّن معنى حقوق المرأة ويتم إخبارها بأنّها تسيء الى النساء أجمع. لكن أحياناً، أحزن على كرم، فهي ضحية الإعلام الذي يستغل جهلاً ما بها، ومع هذا نسامحها. لا يمكننا أن نلغيها كمطربة موهوبة حقاً. 

 أحياناً، أحزن على نجوى كرم، فهي ضحية الإعلام الذي يستغل جهلاً ما بها، ومع هذا نسامحها. لا يمكننا أن نلغيها كمطربة موهوبة حقاً

جميع من ذُكروا تجمعهم ثلاثة أمور، هي الموهبة والتصريحات الحقيرة، ونحن المشاهدين الذين يقفون عاجزين، هل نلغيهم من حياتنا أو لا نفعل؟ واجبات الفنان تجاه المجتمع ليست كالسياسي أو النائب أو الرئيس، لكن تأثيره قد يكون مماثلاً لهم. نحن ننتظر من السياسيين أن يكونوا على صواب في آرائهم، لكن لماذا ننتظر من الفنانين أن يكونوا Woke أو واعين للأفكار العنصرية أو المهينة لفئات معينة؟ هناك أشخاص بالفعل يؤمنون بأنّ الفنان ليس موهبة، بل هو الـpackage كلّها، فنغضب من محمد رمضان وأبو تريكة بسبب تصريحاتهما الهوموفوبية، لكن هل حقاً كنّا ننتظر أن يكون أي منهما مثل لايدي غاغا؟ هل فعلاً ننتظر أن يكونا مع قضية مجتمع الميم/عين؟ هناك نوع من التوقعات العالية، وهناك مسؤولية تُرمى على الفنان، وعلى رغم أنّ هذه المسؤولية ضرورية لأنّ الفنان شخص مؤثر بطبيعة الأحوال مثله مثل السياسي والنائب، لكنّها غير عادلة لأنّ الفنان أحياناً ليس إلّا موهبة للأسف، وذكاؤه لا يشمل أموراً أخرى، فربما يحيطه نوع واحد من “الذكاء”، لا يشمل أكثر من فنّه.

يخرج بعضنا، أي الأشخاص المتّهمين بالصوابية السياسية، إلى البحث عن فن بديل يمكن أن يعبّر عن آراء سياسية تشبهنا بالفعل، فيخبرني أحد الفنانين في المشهد البديل في إحدى محادثاتنا عن دور الفنان السياسي وأنّ الفنان الآن ليس مجرد موهبة، بخاصة في مشهد الموسيقى البديلة، بل هو مؤثر يجب أن يملك آراء ومواقف جيدة، فالمغني مثلاً اليوم يكتب ويغني، والكتابة يجب أن تعبّر عن رأي “جيّد”. وعلى رغم أنّ حادثة الموسيقي بشار سليمان (اتهمته إحدى الفتيات بأنه اغتصبها في إحدى حفلاته مع معازف) جعلتنا ندرك أنّ البديل مثله مثل الـcommercial، يبقى البعض منّا متمسكاً بهذا المشهد، لأنّه يعطي مساحة لفنانين أفضل بعض الشيء ومختلفين. شب – جديد مثلاً، صعد من فلسطين وأصبح أفضل من أي فنان عربي معروف، يغني قضايا سياسية، ويثير الجدل، وموسيقاه أكثر من جيدة، هي رائعة، مع هذا صعد  في أغنية سندباد وقال “شرطي شافني ماشي رحت اتفتش، ييي مسك بيضاتي شرطي شكله لوطي”. لم يتهم أحد شب – جديد بالهوموفوبيا ولم يُقارن بمحمد رمضان، على رغم أنّ الأخير شاب موهوب أيضاً. 

صعد فنّ الراب في العالم العربي من الـunderground وأصبح من الصعب وضعه في خانة البديل، على رغم أنّ الرابرز لا يخرجون في مقابلات إعلامية ولا يغنون في الهيلتون على رأس السنة. آراء الرابرز ليست واضحة، وليست في العلن، نسمع عن رابر يعاني من الهوموفوبيا، لكن لا نسمع تصريحاته، بل نعلم هذا من أشخاص عملوا معه. مع هذا، الراب مختلف، فهو يعتمد فناً صريحاً لا تحدّه الصوابية السياسية، ولهذا لا نشعر بضغط من الوعي والتيقّظ. مع هذا، ما زلنا نشعر هنا بأن ثقافة الإلغاء لن تنسحب على الفن البديل أبداً، إلّا إذا حدثت قصة “معازف” مرة أخرى. 

نحن ننتظر من السياسيين أن يكونوا على صواب في آرائهم، لكن لماذا ننتظر من الفنانين أن يكونوا Woke أو واعين للأفكار العنصرية أو المهينة لفئات معينة؟

هناك خوف من أن نحب فناناً ويتبين أنه “حقير”، نخاف من ذلك الخبر الذي سينتشر غداً أو بعده ربما، “فنانك المفضل يكره المثليين والنساء”، وسنضطر بعدها إلى مشاهدة أعماله والاستمتاع بأغانيه سراً. أو ربما يتحوّل إلى مجرد فنان، تكتفي بالاستماع إلى أغانيه متجاهلاً أخباره أو تصريحاته، وبذلك تصنع له صورة موهومة تناسبك. ويمكننا في الوقت نفسه، أن نفكر نحن الـWoke الخائفين على المرأة وعلى المثليين/ات والعابرين/ات، أننا لن نتمكن من أن نلغي أحداً، لا سيما أنّ مناصري الأفكار العنصرية أو المسيئة هم الغالبية، ولسنا سوى الأقلية. يخاف العالم المتطرف من ثقافة الإلغاء هذه، ويحمي أشخاصاً مثل أندرو تيت وسعد لمجرد، ويخاف من أن تصيب الـWoke culture أفكاره، حتى تصبح تهمة الإلغاء تهمة “حقيرة” ضدّ حرية الرأي والتعبير.

من الصعب أن نكره الموهوبين، فهناك شيء يحميهم، إذ لا يمكن أن نجد مثلهم كل يوم، مع هذا لا نعلم ماذا يمكن أن نفعل بهم إن كانوا حاملين أفكاراً متحجرة ومسيئة الى فئات واسعة في المجتمع؟ هل نرمي أعمالهم؟ هل نخفي أنّنا نحبها؟ هل نفصلهم عن أعمالهم أو نعاملهم كـpackage؟ بعيداً من الفنانين المسيئين إلينا والى كثيرين، هناك آخرون تمكنوا من أن يكونوا الـpackage كلّها، وهم بالفعل من يؤثرون في الأقليات، نحن نعتمد عليهم هنا، ونقدّرهم بالفعل. فمن منّا (كمثليين/ات – وعابرين/ات) لم يُغرم بليدي غاغا في الصغر، ومن منّا لم يشعر بأنّها المخلّص المنتظر، ليس فقط لأنّ أغانيها جميلة، وصوتها رائع، بل لأنّها أيضاً استخدمت مساحتها لتكون صوت مجتمع الميم/عين. نتمنى لو أن العالم يمتلئ بفنانين مثلها، لكن حتى ذلك الوقت، سأستمع الى كانيي ويست سراً.