fbpx

العراق: سياسة ماليّة أميركيّة لإبعاد الدينار من النفوذ الإيراني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“نجد أن ورقة الضغط الأميركية تجاه الحكومة تتمثل بالجانب المالي والعمل على السيطرة عليه، والنتيجة النهائية كبح أي ميول للحكومة نحو الجانب الإيراني”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يواصل سعر صرف الدينار العراقي تراجعه أمام الدولار الأميركي نحو مستويات غير متوقّعة، طارحاً أسئلة كثيرة، حول من يقف خلف هذا التلاعب وقدرة الدينار على الصمود. علماً أن هذا الواقع يفرض على العراقيين خصوصاً ذوي الدخل المحدود تحديات معيشية خطيرة، ويهدد قدرتهم على تأمين أبسط حاجاتهم.

هذا فيما تبدو حكومة محمد شياع السوداني مرتبكة بالفعل وعاجزة وضعيفة لا سيما أن السوداني نفسه كان انتقد تخاذل حكومة مصطفى الكاظمي في آذار/ مارس 2021 ، يوم أصبحت كل 100 دولار تساوي 145 ألف دينار (بعدما بقي لسنوات عند عتبة 118 ألفاً). والآن يبدو السوداني سجين عجز الكاظمي ذاته، مع العلم أن الارتفاع وصل إلى 156 ألف دينار لكل مئة دولار. 

وفيما تواجه عائلات عراقية كثيرة أزمة معيشية كبيرة ويزداد كثيرون فقراً وتعباً، اتخذ المصرف المركزي إجراءات مصرفية محاولاً حماية العملة الوطنية، وصفها خبراء ومختصون بغير المجدية.

إجراءات الفيدرالي الأميركي

لعل أحد الأسباب المعلنة التي تقف خلف ارتفاع سعر الصرف، هو قرارات البنك الفيدرالي الأميركي المسؤول عن العملة الأميركية وتحركاتها في البنوك والمصارف حول العالم، إذ فرض إجراءات جديدة ومشدّدة على عملية تحويل الدولار بين المصارف الوسيطة والجهات المستفيدة، وهو ما قلّص من تداول الدولار في المصارف العراقية الأهلية، وحدّ من وصوله الى بعض دول الجوار ومنها إيران.

ومن خلال هذه القرارات، تمكّن الفيدرالي الأميركي من السيطرة على نافذة بيع الدولار في المصرف المركزي العراقي، وبالتالي انخفض مستوى مبيعات الدولار اليومي بالتزامن مع استبعاد أربعة مصارف عراقية أهلية من سوق مزاد بيع العملة، وفقاً للإجراءات الأميركية، وهذا بدوره أدى الى انخفاض نسبة سحوبات الدولار من البنك المركزي، وأربك الحركة التجارية في الأسواق المحلية.

وشهدت الأسواق المحلية في العراق ارتفاعاً كبيراً في الأسعار،  لا سيما أن معظم البضائع الموجودة في الأسواق مستوردة، بما فيها الخضروات التي سجلت ارتفاعاً بلغت نسبته 50 في المئة.

مستشار المصرف المركزي العراقي إحسان شمران الياسري، برر في تصريح صحافي، ارتفاع الدولار مقابل الدينار العراقي، قائلاً إن المصرف المركزي أوجد منصة إلكترونية لبيع العملة ترفع المصارف من خلالها طلبات شراء الدولار باسم أشخاص، ومن ثم يتم النظر فيها قبل موعد مزاد بيع العملة، ليُسمح بعدها للأشخاص المتقدمين بشراء الدولار. 

وأضاف أن طلبات الشراء التي تُرفع من خلال المصارف المجازة، يتم من خلالها تثبيت أسعار السلع، ويتم التواصل مع الجهات التي تبيع البضاعة المستوردة للتحقّق من تعاملاتها. وإضافة الى هذه القرارات، اتخذ المصرف المركزي العراقي إجراءات تضمنت توسيع عرض النقد الأجنبي لتلبية طلب الناس على شراء الدولار .

ورأى الخبير الاقتصادي منار العبيدي، أن الخطوات الأميركية الأخيرة كانت وراء هذا الارتفاع الكبير بالدولار، فقد رصدت حركة تحويلات الدولار، وحدّت من وصوله إلى دول محددة كإيران وسوريا وتركيا. في وقت يعد العراق دولة استهلاكية أساسية لمنتجات دول الجوار. وأكد أن الإجراءات والقرارات التي يتخذها المصرف المركزي العراقي حالياً للحفاظ على سعر صرف الدولار بعدما شهد ارتفاعاً واضحاً، هي إجراءات غير جذرية.

يُرجّح احتمالية عودة سعر الصرف الى سابق عهده، خصوصاً إذا التزمت المصارف بالقرارات الجديدة التي اتخذها للمصرف المركزي العراقي، والتزم الأخير بدوره أيضاً بتعليمات الفيديرالي الأميركي لتجنّب العقوبات.

ورأى مستشار التنمية الصناعية والاستثمار عامر الجواهري، أن مبيعات المصرف المركزي أصبحت تعادل حالياً نصف ما كانت عليه قبل شهر، مع تزايد الطلب على الدولار بعد الإجراءات الأخيرة. إضافة الى المضاربات التي يقوم بها بعض تجار العملة من دون محاسبة. وتابع أن محاولات الحكومة مكافحة الفساد دفعت بأصحاب الأموال غير الشرعية الى تسريع محاولة إخراج أموالهم من العراق لتلافي إجراءات مكافحة الفساد.

ولم يستبعد الكاتب أحمد الحداد معاناة دول الجوار، بما فيها إيران، من صعوبات اقتصادية، فسعت إلى شراء الدولار من العراق بأساليب مختلفة وتهريبها عبر منافذ حدودية غير مسيطر عليها، فيما كان البنك المركزي يوفر إمكان شراء الدولار بطرائق بسيطة وسهلة.

وقال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن التعديلات التي فرضها الفيدرالي الأميركي على التحويلات المالية بالدولار الأميركي، تضمنت المرور بنظام سويفت، والعمل على التدقيق في مصادر الأموال حتى وصولها بالشكل النهائي. وقد وجاءت هذه الإجراءات والتعليمات بعد حادثة سرقة القرن في العراق (تورط مسؤولين في سرقة مليارات الدنانير من مصلحة الضرائب العراقية)، وبالتزامن مع استبعاد أربعة مصارف عراقية أهلية كانت تستحوذ على ما يعادل 40 في المئة من مزاد مبيعات العملة، ما تسبّب بنقص العملة في السوق.

أستاذ العلوم السياسية نجم عبد طارش، أكد أن إخراج أربعة مصارف من مزاد العملة، وهي “القابض” و”آسيا” و”الشرق الأوسط” و”الأنصاري”، بسبب الإجراءات، أثر في عملات دول مجاورة للعراق كإيران وتركيا ولبنان، والتي كانت تحصل على العملة الصعبة من بيع المزاد، لذا فإن هناك عمليات شراء كبيرة من السوق لمصلحة دول الجوار بعد تشديد إجراءات مزاد العملة، التي تزيد الضغط على المعروض وترفع سعر الدولار.

ورجّح طارش احتمالية عودة سعر الصرف الى سابق عهده، خصوصاً إذا التزمت المصارف بالقرارات الجديدة التي اتخذها للمصرف المركزي العراقي، والتزم الأخير بدوره أيضاً بتعليمات الفيديرالي الأميركي لتجنّب العقوبات.

الباحث السياسي قاسم الربيعي، رأى أن الحكومة الحالية التي يرأسها محمد شياع السوداني، هي حكومة الإطار التنسيقي وتُحسب على المحور الإيراني، وأن المعطيات السياسية وزيارات السفيرة الأميركية في بغداد المتكررة لرئيس الحكومة أثناء التكليف وبعده، أثارت استفهامات عدة، فقد حملت رسائل خاصة بالسياسة الأميركية وتبعتها إجراءات اقتصادية خاصة بالجانب المالي، لذا “نجد أن ورقة الضغط الأميركية تجاه الحكومة تتمثل بالجانب المالي والعمل على السيطرة عليه، والنتيجة النهائية كبح أي ميول للحكومة نحو الجانب الإيراني”.