fbpx

“خليجي 25”: سوء تنظيم ومحاولات إخفاء فقر البصرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حاولت السلطات العراقية إخفاء حقيقة مدينة البصرة من أجل بطولة خليجي 25، فعبر لافتات ترحيب عملاقة ومشاريع موقتة، جهدت لطمس مآسي العشوائيات وتشتيت الأنظار عن الفقر والنفايات، لعل عدسات الكاميرات تلتقط صوراً أقل قتامة قدر المستطاع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أمضيت أكثر من 5 ساعات داخل السيارة متّجهة نحو البصرة، واحدة من أكثر المدن العراقيّة إثارة للطمأنينة، لكن شكل المدينة لفت نظري مذ دخلتها، اللافتات الترحيبية هائلة الحجم، تنتصب بوجه الزوار من الشمال ومن الجنوب، لافتات مصمّمة بطريقة عصرية وبسيطة، تحمل عبارات ودّية، “أهلا بيكم بالبصرة”، “البصرة ديرتكم”. 

تستضيف البصرة بطولة “خليجي 25” لكرة القدم، المناسبة الأولى التي يستضيفها العراق بعد انعزال كروي عن العالم لأكثر من 45 سنة، فالمرة الأخيرة التي احتضن فيها العراق بطولة إقليمية كانت عام 1979، حينها استضافت بغداد “كأس الخليج العربي”.

لافتات تغطي بيوت الصفيح

نُصدم حين نكتشف أن هذه اللافتات الترحيبية موزّعة في أماكن محددة، الهدف منها إخفاء العشوائيات، لا الترحيب بنا نحن زوار المدينة. تخفي عبارات الترحيب والتودّد  منازل عشوائية متهالكة، تسكنها عائلات معدمة من دون خوف من سقوط السقف، أو تهاوي الجدران.

أتلعثم! غيبوا هذه العائلات ونسوها، أهملوها وتركوها تسكن وسط النفايات في الأيام العادية، وها هم اليوم يغطونها ويخفونها بعيداً من الاحتفالات بـ”خليجي 25″ وجمهوره، وكأن سكان هذه العشوائيات ليسوا جزءاً من البصرة التي تنتج 4 ملايين برميل نفط يومياً، لكن قاطنيها يعيشون بين الصفيح وراء لافتات التأهيل والتسهيل.

أكّد كثر من سكان المدينة، أن هذه اللافتات وُضعت لئلا يرى الزوار تشوّه المدينة ومنازلها التي تختفي حالياً وراء قطع من النايلون الورقي المقوى، هذا التجميل السطحي كان وليمة للإعلام العراقي، المُتعطّش لعودة العراق إلى المحافل الكروية الدولية، إذ أعطى صورة مثالية، مدهشة وخالية من العيوب عن مدينة البصرة. 

سعت الإعلانات البصرية المنتشرة على التلفزيون ومواقع التواصل، إلى تشكيل صورة “فائقة الواقعية”، نشرت الحملة جمالاً أوروبياً للمدينة الفيحاء، وكأنها بُعثت من جديد. كنت متحمسة للغاية وأنا أشاهد الفيديوهات، والمفارقة أنني لم أجد مُعارضاً واحداً لهذا الترويج بمن فيهم أهل المدينة، البصرة حقاً عروس الخليج اليوم كما نراها على “الشاشة”.

أخذتُ استراحةً في حي يُدعى “الحيانية” حيث تسكن قريبة والدي، إذ لم أجد فُندقاً للسكن فيه، فأسعارُ السكن ارتفعت، وكذلك أسعارُ البطاقات، وكانت السوق السوداء وجهتي الوحيدة. 

كان الحيّ مُتأثراً بمطرٍ هطل لأكثر من أسبوع، ولم يحتمل الحيّ القديم هذا، إذ امتلأت أزقته وزواريبه بالمياه والطين ونفايات الصرف الصحي. كانت المنازل تقاوم ما يحصل، والماء مالح لا يصلح حتى لغسل الوجه، كما في كل أحياء البصرة. 

يكسبُ سكان الحيّ قوت يومهم في شكل متذبذب، فلا عمل ثابت، قابلت إحدى النساء هناك ، اسمها “أم  سجاد”، لديها خمسة أولاد، هي أرملة، بلا عمل، إذ رفض إخوة زوجها أن تمارس مهنة، فمنحوها بيتاً قديماً مساحته 35 متراً، وطالبوها بإيجار شهري، ردت عليهم: “من أين أجلب لكم ذلك؟”، أجابوها: “إذاً اخرجي من المنزل”. 

تمكنت بعدها “أم سجاد” من السكن في حيّ فقير، وصارت تصنع الكعك والحلوى، علماً  أن شراء الكعك والحلوى بمثابة رفاهية بالنسبة إلى سكان الحي، لكنها تحاول أن تجمع مبلغاً ضئيلاً لرعاية أولادها المهدّدين بترك مدارسهم بسبب عدم وفرة المال. لا أعلم إن كان محافظ البصرة، أسعد العيداني، يدرك  أن “أم سجاد” موجودة في حي الحيانية القريب جداً من ملعب جذع النخلة!

لا أطرح السؤال السابق رفضاً لبطولة نريدها ونبحث عنها منذ سنين في العراق، لكن الترويج للبصرة على أنها مدينة الحلم، يتجاهل جوع هذه العائلات التي لا تمتلك ثمن أجرة سيارة للتوجه الى الكورنيش. 

نُصدم حين نكتشف أن هذه اللافتات الترحيبية موزّعة في أماكن محددة، الهدف منها إخفاء العشوائيات، لا الترحيب بنا نحن زوار المدينة.

الوجه الحقيقي وراء وسائل التواصل الاجتماعي

تفتقرُ البصرة إلى أبسط وسائل الراحة في المدن، فالبلدية لم تكلف نفسها عناء تنظيف الشوارع والأرصفة، حيث تتكدس النفايات في شكل صادم. سألت سائق السيارة الذي يقلّني: “ما هذا؟”، أجاب السائق: “ماذا تظنين؟ احمدي ربك، هي الآن أفضل بكثير من السنوات السابقة، النفايات أقل”، سألته: “كيف سترى الوفود الخليجية هذه النفايات المكوّمة حول برك المياه والبحيرات الصغيرة؟”، فضحك مؤكداً أن الجانب العراقي لن يجلب الكويتي والسعودي إلى هذا الشارع، يكفي أن يرسلهم إلى الكورنيش أو شارع الجزائر، وهما أكثر شارعين “رُقّعا” قبل البطولة. 

بنت السلطة صورة مثالية عن مدينة هشّة، عاجزة عن استضافة البطولة، وغرقت في وهم تصويرها كمدينة حديثة تضاهي المدن النظيفة، فالحقيقة عكس ذلك، والعراقي الآتي من محافظات أخرى، يُدرك زيف ما يحصل، لأنه يستطيع بكل بساطة التجوّل في محافظة أخرى بسهولة واكتشاف ما وراء “الإعلانات”، بعكس الخليجي الذي يبدو متخوفاً وغير قادر على اكتشاف شيء سوى المناطق السياحية التي تعج بالمشجعين والخليجيين.

تعليمات عامة: لا تنشروا الأفكار السلبية!

دفعتني شدة استغرابي إلى سؤال أحد أصدقائي الصحافيين في البصرة  عن سر رغبة الإعلام في نقل صورة وهمية عن مدينة البصرة الفقيرة والمنهكة، أجابني: “كما ترين الحياة في البصرة ما زالت عشوائية، لكنهم أخبرونا أنه لو وقعت قنبلة نووية في البصرة، فالصورة في الإعلام ستكون مثالية تهيمن عليها صورة الكرم وحسن الضيافة والترحيب والطيبة والنظافة، هكذا كانت التوجيهات، ورجونا أن نلتزم بها، علينا عدم نقل أفكار سلبية مطلقاً، يريدون إنجاح البطولة فحسب…”.

أقاطعه: “وإن على حساب الوضع الحقيقي للمدينة؟”.

أجاب: “افهمي، نحن نحارب منذ سنوات لنيل هذه البطولة، ومجلس التعاون الخليجي لا يثق كثيراً بحكومة يتبع رؤساؤها دولة مثل إيران. علينا ألّا نمنحهم أي تبرير لعرقلة البطولة، وأن نكون على قدر المسؤولية والثقة. كما تعلمين، يريد الخليج إعادة ضمّ العراق الى حضنه من قبضة إيران، فماذا نفعل؟ يجب أن نُظهر الحياة هنا بوصفها خالية من الشوائب، في أي شكل من الأشكال، ومن يكتب العكس، سيواجه هجوماً إلكترونياً مدوياً يُسقط تاريخه الصحافي والإعلامي! وهذا ما حدث لبعض الصفحات والمؤثرين الذين كانوا يتحدثون عن السلبيات، تم الإبلاغ عن صفحاتهم التي هُددت بالإلغاء بحجة نشر السلبيات، وترك الإيجابيات، التي تلخَّص بشيء واحد: كرمُ أبناء البصرة”.

أخبرني أحد الباعة الجوالين أن الوضع سيعود كما كان،  فَالكورنيش النظيف جداً الآن، سيتّسخُ بسرعة، وستُهمِل بلدية البصرة الشوارع الرئيسة. ننتظر دوماً أي مناسبة مهمة مثل الانتخابات أو المهرجانات حتى تحظى المدينة ببعض الاهتمام الموقت والترقيعيّ.

التنظيم الصادم 

كانت الصدمة الأكبر يوم افتتاح البطولة، فمنذ لحظة دخولنا أرض المدينة الرياضية، أُجبرنا على السير أكثر من كيلومتر ونصف الكيلومتر للوصول إلى البوابات التي تقلّنا إلى داخل ملعب “جذع النخلة”.

أقل ما يوصف به الافتتاح بأنه عشوائي ومزعج وبائس، كان مسؤولو البوابات ينتظرون أن يحتشد الناس بالآلاف، حتى يفتحوا لهم منفذاً صغيراً يتدافع حوله الصغار وكبار السن، الأقل قدرة على تخطي الحشود، كما لم تتوافر حافلات لنقل المشجعين في هذه المسافة الطويلة التي استغرقت أكثر من ساعة ونصف الساعة من المشي، قبل أن  نقف في طابور، يتخطاه أشخاص يحملون بطاقات تعريفية خاصة حصلوا عليها عبر الواسطة. باختصار، كان الافتتاح مذهلاً، لكن التنظيم كان سيئاً ومضحكاً.

المؤلم في الافتتاح، أن المئات من الحضور، ومن ضمنهم وفود خليجية، لم يتمكنوا من دخول المدرجات ورؤية الافتتاح بسبب اكتظاظ الملعب، والسبب دخول كثر من دون بطاقات، كما تجاوز عدد البطاقات المُباعة قدرة الملعب الاستيعابية، والذي يبلغ عدد مقاعده 65 ألفاً. الأهم، لم يُدرك المشجع الخليجي أن سوء التنظيم اضطره إلى الاتجاه نحو الملعب عند الساعة الثانية عشرة ظهراً كي يدخل المدرجات في الخامسة عصراً. قال لي أحدهم: “وصلت إلى الملعب عند الرابعة عصراً، اعتقدت أنني سأجد مقعدي بسبب حجزي، لكنني لم أتوقع أبداً أن يكون الباب مُغلقاً. صرفتُ الكثير من الأموال للحصول على تذكرة السفر وحجز الفندق وشراء البطاقة، لكن هكذا كانت النتيجة!

مُنعت العائلات من إدخال الطعام، وصودر المكياج من النساء، أخبرهن الحراس عند الباب، “بعد خروجكن من المدرجات عدن، وسنعيد لكن مكياجكن”. عادت كثيرات لاستعادة أغراضهن، بعضهن لم يجدن شيئاً،  أما ما تبقى من مساحيق،  فكان مُلقى على الأرض…

تخللت الفعاليات شجارات كثيرة بين الحرس والمواطنين، إذ عمد الحرس إلى محاسبة المشجعين على أمور تكاد تكون مضحكة، كمنع السجائر والطعام في حين تركوا حشود  المشجعين الشباب تتسابق في القفز فوق الجدران. 

من حظي بالمقاعد الأهمّ ؟

ما يثير الضحك أن مقصورة الـvip المخصصة للمسؤولين العراقيين، كانت مكتظّة بأولاد أعضاء مجلس النواب، بينما قطع كثيرون مسافات طويلة لمشاهدة الحدث ودعم بلادهم من دون أن  يجدوا مكاناً للجلوس، فعادوا أدراجهم يتأملون “صناع المحتوى” يقتحمون الملعب بسيارات “مظلّلة” ودعوات خاصة، لإظهار الوجه المثالي للبصرة أمام ملايين المتابعين مقابل مبلغ ماليّ.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.