fbpx

حسين الحسيني… عراب الطائف وضحيّته   

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رحل الرئيس الحسيني على إرث معلن في سيرة سياسية ودستورية وازنة، وإرث مطوي في محاضر ذلك الاتفاق الذي سعى إليه. فهل يتيح الموت أمام اللبنانيين فرصة الاطلاع على تلك المحاضر التي جعلها الرجل بإرادته، أو بإرادة غيره، سراً كثَّف سيرته في السياسة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مات الرئيس حسين الحسيني. وموت شخصية ارتبط اسمها باتفاق الطائف الذي رُوِّج له كمؤسس للسلم الأهلي من مخاض الولادة، حتى رفعه دستوراً جديداً، يفضي راهناً إلى هذه المبالغة في السردية الحميدة عنها.

  كان الحسيني، ومن موقعه رئيساً للمجلس النيابي في تلك المرحلة، مساهماً بارزاً في ذلك الاتفاق عام 1990. هذا أمر يُحسب له. لكن المغالاة في السردية المذكورة تتأتى أيضاً، وهذا ليس تفصيلاً، من مقاربة المرء المسار السياسي الذي سلكه لبنان بعد إزاحة الرجل من رئاسة المجلس النيابي، وبالتالي من السلطة، وقد آل مآلها إلى زعماء الحرب.

 خرج الحسيني من الرئاسة الثانية عام 1992 بقرار من النظام السوري، تماماً كما دخلها نبيه بري حينها بالقرار ذاته. وقرار إخراج الحسيني من رئاسة السلطة التشريعية لم تفضِ إليه الخصومة مع ذلك النظام. ما أفضى إليه على الأرجح هو مقاربة تتحكم بالعقل الحاكم في سوريا، ونظرته الدائمة إلى لبنان.

  كان اتفاق الطائف منحة عربية أسست بعد الشرعية العسكرية، لشرعية وصاية سياسية سورية على لبنان. وحسين الحسيني كان في صلب هذا التأسيس من موقعه السلطوي. لكن مآل الاتفاق، وتسييله في السلطة، وعلى الإيقاع السوري، كانا يقتضيان إزاحة شخصية وازنة سياسياً، إنما تفتقر الى ما كان يملكه نبيه بري.

  حالة سياسية توغل بكثافة في وجدان الشيعة، وميليشيا عسكرية هائلة، أقصت بالحروب كثراً من خصوم النظام السوري في لبنان، وشخصية تدين بالولاء المطلق لهذا النظام ذاته. العوامل الثلاثة لم تترك مجالاً للمفاضلة بين “رجل الطائف”، والرجل الذي سيتكفل لاحقاً في تكثيف “سورنة” المسار الذي سيسلكه الاتفاق.

 عموماً، لا يزال النظام السوري معياراً واقعياً ومتصدراً في بلوغ دولة الطائف انحدارها الراهن. ومعيار كهذا يفترض بالضرورة قياس “الوطنية” من موقع الضد وليس المع، وهو ما يُباشر من خلاله تفكيك تلك المغالاة في مديح الأحياء والراحلين، والحسيني آخرهم.

   كان حسين الحسيني “رجل دولة” على ما يقول ناعوه. لكن استغراق المرء في تشريح دولة الطائف وطوائفها اللبنانية، سيفضي على الأرجح إلى تفكيك المبالغة.

عام 1992، ضاقت على الرئيس الحسيني كرسي رئاسة المجلس النيابي، واتسع له فقط مقعد كنائب طبع تلك المرحلة من حياته السياسية، بمعارضة رفيق الحريري ونبيه بري.

 قدح الذاكرة على تلك المرحلة يثري لا شك سيرة الرجل بمطالعات دستورية وقانونية راجحة. لكنها افتقرت غالباً إلى الجرأة في مقاربة أهم أسبابها. كان الحسيني كحال كثر من المعارضين (زاهر الخطيب، نجاح واكيم، الرئيسان سليم الحص وعمر كرامي) الذين تكدست في عقولهم اعتلالات وطنية وعروبية ومقاوِمة أحجمت عن تفنيد مسؤولية النظام السوري في الكثير من خطايا تلك المرحلة، والتي تكثفت غالباً في  سلطويي ما بعد اتفاق الطائف كحسنات في سجلهم السياسي عند نظام حافظ الأسد. كانت معارضة “الترويكا” ديدن الرجل الذي غفا متعمداً عن أن الأخيرة هي صناعة سورية لإدارة بلد بدا فيه حلفاؤها، ومعارضوهم “الوطنيون”، متساوين لدى نظامها الذي باشر باكراً صرف الاتفاق كنفوذ سياسي واقتصادي في خدمته، وأكثر بكثير مما اقتضته المصلحة اللبنانية.

غالب الظن إذاً، وفي ذكر محاسن الموتى، أن تقديم الراحل يفترض أن يغرف من عودتين اثنتين. فهو حين يستقطب تفوقاً أخلاقياً في الوجدان اللبناني الذي صار عارياً من السياسة في لحظة الانهيار الكبير بكل أسبابها ومسببيها، لا يُسقط عنه الموت أثراً رجعياً أنه ظل أقرب إلى معارض سلطوي استعان بالصمت عن مواجهة أكبر مسببات تفكك أوصال الدولة، ثم سقوطها.

   كان حسين الحسيني “رجل دولة” على ما يقول ناعوه. لكن استغراق المرء في تشريح دولة الطائف وطوائفها اللبنانية، سيفضي على الأرجح إلى تفكيك المبالغة. كان الحسيني يعرف أكثر من غيره أن أقصى ما أنتجه الطائف هو سلم هش، وأن مآله مرهون بالخضوع لمشيئة سوريا ونظامها، كما للمحاربين، وقد كانت كلفة استراحة حروبهم استباحة الدولة.

   قد يصح أكثر بالرئيس الحسيني مقام الضحية. ضحية اتفاق الطائف أولاً، ثم ضحية دولته. ومن دون تجريده من سمة أخيرة هي حسن النيات التي تحولت إلى وجع مكبوت في رجل الاتفاق الذي كان كل بند من بنوده مشاعاً للنيات الشريرة التي جعلته  نصوصاً بلا روح كتلك التي غادرت جسده.

  رحل الرئيس الحسيني على إرث معلن في سيرة سياسية ودستورية وازنة، وإرث مطوي في محاضر ذلك الاتفاق الذي سعى إليه. فهل يتيح الموت أمام اللبنانيين فرصة الاطلاع على تلك المحاضر التي جعلها الرجل بإرادته، أو بإرادة غيره، سراً كثَّف سيرته في السياسة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.