fbpx

انقلبت العينان وتدلى اللسان مُبتلاً:
“وجه الشهوة” الياباني علامة لجيل انستغرام  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ينتشر حالياً وجه الشهوة أو Ahegao المقتبس من البورنوغرافيا اليابانيّة، هذه الملامح جزء من صورة الجيل Z، الذي يُنتج محتواه البورنوغرافي-الهاوي، ضمن صناعة قيمتها 2 مليار دولار.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ينتشر حالياً ما يُعرف بجماليات الإنستغرام، المقصود أن الصور لمْ تعد تُنشر باعتباطيّة أو عشوائية، فلا بد من ضبط المكياج وسماكة الحاجبين وزاوية النظر والإضاءة واختيار الفلتر المناسب، لتبدو الصورة عفويّةً في شكل اصطناعي. يُعرف هذا الأسلوب باسم “التجميل الفائق” ‘Hyper-Esthétique وفق أيف ميشو، الأسلوب الذي جعل كل ما حولنا يميل نحو “الممتع” و”ما يبعث على المرح”.

لن نخوض في عوالم التجميل الفائق، بل نركّز على ما يسمى التجربة الممتعة والمرحة والجماليات الخاصة بها، إذ لم تعد الكاميرا الهاوية تلتقط الوجه كما هو، جهود “التجميل” تقع على الصورة والوجه على حد سواء، فالفلاتر التي أسر أحدها الأمير هاري ودفعه الى الحديث مع ميغان ماركل، لم تعد مجرد إضافة فوق الصورة للتلاعب بالملامح والمُحيّا.

هناك جراحات تجميل لما يُسمى أنف الإنستغرام، وعدسات خاصة للعينين كي تتّسع الحدقية، وشفاه تُملأ شحماً وبوتوكس كي تلتمع على الشاشة، الأمر هنا مُجندرٌ حُكماً، وإلا ما تدفقت الأخبار حول سعي إنستغرام الى إخفاء الإعجابات على الصور المنشورة وغيرها من التقنيات التي تحاول عبرها المنصة حماية مشاعر الفتيات وصورتهن أمام أنفسهن.

أحد هذه الأوجه الـ Ahegao، حيث اللسان متدلٍّ، يعتليه اللعاب الطازج، والعينان انقلبتا الى الأعلى، يسود البياض على لونهما، تحدق بالكاميرا وكأنها تسخر من المتصفح أوّ تستفز ماءه أو ماءها. لا زمن دقيقاً لتحوّل هذا الوجه إلى أسلوب متداول خارج مجتمعات ألعاب الفيديو. يُقال أنه انتشر في الثمانينات، يظهر حالياً بشكل خجول في عالم مشاهير الترفيه (بيلي إليش وتايلر سويفت وظّفتا هذا الوجه في بعض صورهن)، لكن انتشاره الأوسع يرتبط بالبورنوغرافيا الهاوية-المنزلية.

يتهم رواد الـReddit والمعلقون على ثقافة الإنترنت الجيل Z بتبنيه هذه الملامح وشرعنتها علناً، هو الجيل المولود مطلع الألفيّة الثالثة، أولئك الذين عرفوا وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها جزءاً من شرط العصر، لا يعرفون الإنترنت البطيء، أو الهاتف ذا السلك، الذين وظفت فئة منهم ومنهن التكنولوجيا الجديدة للـ”عمل”، ونقصد عارضي الإنستغرام وعارضاته ومؤدّي/يات الـOnly Fans.

 هل تقتبس عيون الشهوة المعاصرة من البورنوغرافيا اليابانيّة فعلاً ؟ هل النماذج المرسومة لإثارة الشهوة هي مرجعية فتيات وفتيان الانترنيت E-boys و E-girls ؟،

محاولة فاشلة للتأصيل

نفترض تخففاً من وطأة الترجمة، أن الكلمة المستمدة من البورنوغرافيا اليابانيّة هي ذاتها بالعربيّة (أهيغو)، وتشير إلى ملامح أحدهم أو إحداهنّ لحظة النشوة الجنسية. لن نبحث في المعاجم العربيّة استسهالاً، علماً أن العربية قد تحوي في أحد مصنفاتها إحالة إلى هذا الوجه، فهناك الرفث، وهو الكلام المشين أثناء الجماع، ورعشة الإنزال، وشبقة الإيلاج، ولا بد إذاً من اسم لملامح الوجه في تلك اللحظة، ونفترض أن اسمها بالعربيّة “وجه النشوة”.

وجه النشوة هذا ليس حقيقياً بل مُقتبس، يراهن على فحش اللحظة للغواية، اللافت أن وجه اللذة في تاريخ الفنّ خفيّ، أي يُشيحُ من يرتعش بوجهه بعيداً، ولا يُحدق بمن يحملق به، فالرسومات التي رافقت نسخة “الفلسفة في المخدع” للماركيز دي ساد، لا تحوي شبقيين يحدقون بنا، وأونان المُستمني الذي أهدر ماءه في التراب أمام ثمار ابنة داوود، ينظر بعيداً، لا ملامح لوجهه. تنظر القديسة تريزا بعيداً في تمثال شهوتها الذي أنجزه بيرنيني في القرن السابع عشر. الاستثناء هو لوحة “أوليمبيا” التي أنجزها إدوارد مانية عام 1863، إذ تحدق “بنا” عاريّةً من دون أي تعبير.  

اختلطت البرونوغرافيا مع مختلف قطاعات الثقافة حالياً، الأوجه الشبقة تحدّق بنا دوماً، وهنا يظهر الـ Ahegao  المُقتبس من البورنوغرافيا اليابانيّة وامتزج بعالم ألعاب الفيديو، وثقافة الـ MEME السائدة التي تشكّل الذاكرة البصرية لجيل الـZ، هي أدوات تقلّد وتَقتبِس وتُتداول وتُشَتِتُ السياقَ لخلق “المتعة” و”الضحكة”، تتُبنى مرة أخرى كعلامة على اللذة، وهنا يمكن الإحالة إلى شرط العصر عبر قراءه هذه الجماليات.

يتبنى هذا الوجه العاملون ضمن عالم البورنوغرفيا الهاوية من منازلهم، إذ تحولت غرفة النوم إلى استوديو، قبلها  على سبيل المثال  كانت صور الـPin Up في الأربعينات الصورة ضمن المنزل علامة على اختراق الخصوصية، وتُستعرض وكأنها مأخوذة خلسة، يتجلى ذلك ملامح المفاجئة على وجه عارضة الأزياء، فالكاميرا تتسلل داخل المنزل لالتقاط الصورة، بعكس كاميرا الموبايل التي نوافق على انتهاكها لخصوصيتنا، ناهيك أنها متداولة ومتوافرة بيد الجميع، ويمكن لأي واحد أن يبث “وجهه” للـ”جميع” في لحظة واحدة، التلصص هنا لا يرتبط بانتهاك الكاميرا للخصوصيّة، بل بالاستعداد للأداء أمامها، ولا مفاجأة في وجودها، بل دعوة للمشاركة والتحديق.

تاريخ مُرتجل للنظرات

لا يمكن ضبط تاريخ للعيون أو تأليف أنطولوجيا شاملة عن تنويعاتها، لكن يمكن تتبع بعض اللحظات المرتبطة بها، عيون الشهوة الأخيرة مثلاً وإن كانت علامة على اقتحام الكاميرا للفضاء الخصوصيّ، هي أيضاً دعوة لإعادة النظر في علاقة مواجهة بين عين الكاميرا وعين الفرد، تشكيل للذات على الشاشة بغرض اللذة التي تؤدّى لا تُنتج أو تكتشف، بل تُحاكى.

يكشف تاريخ الفن عن تنويعات مختلفة لوضعية العين، إذ “تُشرط”  في الكلب الأندلسي لسيلفادور دالي وبونويل، تُسلخ العين نصفين فاتحة الباب أمام المخيلة داخل قمرة العين نحو الشاشة، لرولان بارت مقال شهير بعنوان “مجاز العين”، تتطابق فيه العين مع الفم والدائرة والشرج، لا أي شرج، بل “الشرج الشمسيّ” ذاك الذي تحدث عنه جورج باتاي،  للتونسي أيمن الدبوسي مجموعة  قصصية بعنوان “انقلاب العين”، يبحث فيها ضمن فضاءات اللذة الدونيّة، والدونيّ هنا، إحالة إلى الخِصِبِ المُبتل،الممزوج شهوةً وطيناً.

نذكر هذه الإحالات لمحاولة فهم شرط العصر في الألفية الثالثة، المحاكاة التي تقوم على أساسها اللذة أشبه بتاريخ من الاقتباسات، وهنا السؤال، هل تقتبس عيون الشهوة المعاصرة من البورنوغرافيا اليابانيّة فعلاً ؟ هل النماذج المرسومة لإثارة الشهوة هي مرجعية فتيات وفتيان الانترنيت E-boys و E-girls ؟، نسأل هنا لمُحاولة فهم المُتخيل الذي تحيل إليه هذه الملامح، تلك التي يموضع فيها الفرد لحمه وملامحه بوصفه “مُشتهى”، ناهيك أن الوضعية  التي نتأمل فيها هذا الشبق  تتبنى وجهة نظر “الرجل”،  الحملقة الذكورية تطالب “الصورة” بأن تلتقط لحظة ما قبل الارتعاش.

يفسر البعض انتشار هذا الوجه بنوع جديد من الشهوة، مرتبط بالعالم الرقمي الحالي، فالأفاتارات تمارس الجنس ، والرسوم كرتونيّة فائقة التأنيث والتذكير أصبحت جزء من المتخيل الشهوانيّ، يمكن الاستطراد في التأوّل هنا والإشارة إلى شرط العصر الثقافي، لم تعد البورونوغرافيا ذات الإنتاج المُكلف والمؤدين المحترفين هي السائدة، الهواة وصناع المحتوى المنزلي أصبحوا طبقة جديدة، حوالي 5 مليارات دولار أنفقها المشتركون العام الماضي على المؤدين  في غرف نومهم ونومهن على منصة Only fans.

المحتوى الجديد وجمالياته قائم على أساس السيادة على الجسد، وتحويل وضعياته إلى شكل اقتصادي شخصي بعكس البورنوغرافيا التقليديّة التي تخضع لشروط الإنتاج وتقلبات السوق، بصورة أخرىن لكل مستخدم صوره الخاصة حسب طلبه، في هذا السياق بالذات يظهر وجه الشهوة كمرجعية تدّعي الابتعاد عن الأعراف التقليدية للذكورة والبورنوغرافيا، والرهان على اللعب والمرح الخصوصي في المخدع.

تساؤلات حول سوء التفسير

يفترض عدد من المعلقين على الظواهر السايبرية أن الكثير من مستخدمي وموظفي هذا الوجه لا يدركون تاريخه المستمد من تاريخ الفيتيش الياباني والعنف الشبقيّ حد الاغتصاب. هذا الوجه يرسخ سطوة الرجل عبر حملقته من أعلى، ليظهر مجاز العين هنا مرة أخرى، يمكن التحذلق والإشارة إلى معضلة الحفر الأنطولوجيّة، هي موجودة خارج ذاتها، مساحة يحدّها ما حولها، دون أن توجد حقيقة، وفي حالة وجه الشهوة، إن افترضنا أن الحفرة هنا تتطابق مع الفم، فيفسرها ما حولها، أي الوجه والملامح، وانتزاعها من صفحة البورنوغرافيا نحو الشاشة يعني ترسيخ سطوة التحديقة نفسها دون سياقاها، أي ما شكل الممارسة أو الرهز كي يصل الواحد أو الواحدة إلى هذا “الوجه”، الخنق ؟، شدة الوطء؟

 لا نحاول تصنيف اللذة أو إدانتها أو حتى تفضيل واحدة على أخرى، لكن وجه الشهوة أو ahegao علامة على النهاية، مُلخص لاقتباس عن عنف على البدن انتهى بحفرة مبتلة، وعينان انقلبتا شهوةً اصطناعيّة، لا مساحة للتفكير أو المخيلة، فما معنى أن نرى وجه الشهوة بدايةً إن كان علامة على النهاية ؟. أي إن كان العتبة الأولى، ماذا بعده؟، ماذا بعد لحظة الارتعاش؟ الجواب عادة “اشترك وادفع” كي تحصل على صور أكثر.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!