fbpx

تمثال السيد المسيح “يُهدد بخسف” الأردن!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أزالت السلطات الأردنية تمثال للمسيح من بلديّة الفحيص خوفاً من (الفتنة)، متجاهلةً حق مسيحيي الأردن في التعبير عن معتقداتهم التي يضمنها الدستور.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحاول المملكة الأردنية عبر السياسة من جهة، وعبر الأعراف والتقاليد الاجتماعية من جهة أخرى أن ترسم صورة للمجتمع بوصفه “منفتحاً ومتآخياً” حين يتعلق الأمر بالمكون المسيحي الأردني، الذي يحرص أيضاً على أن يتعامل مع هذا (التآخي) بالمثل. إذ تُستعرض المظاهر الدينية المسيحية على الملأ بخجل وحذر، احتراماً للمؤسسة الحاكمة، وتجنباً  للـ(فتنة الدينية)، التي قد تضاف إلى ما يحويه الأردن من مناكفات عشائرية ومناطقية وإقليمية.

يتجرأ أحياناً مسيحيو الأردن على الخروج من دائرة الحذر، فتتلاشى فجأة صورة (التآخي) والتكافل الإسلامي المسيحي المجتمعي، وتُمزق الصورة الشهيرة التي تظهر مع كل احتفال بعيد الميلاد ، تلك التي تجمع بين رجل دين مسلم ورجل دين مسيحي تحت ظل شجرة الكريسماس، وتضيع (المواطنة) بين أصوات الكراهية والتمييز والفتنة، التي تظهر فجأة وتختفي أيضاً فجأة، كيف ؟ عبر تدخل الدولة ومؤسساتها التي تضبط المشكلة بسرعة.

أحدث الأمثلة على هشاشة التآخي الظاهري، ما حصل في بلدية الفحيص الأردنية، ذات الأغلبية المسيحية، إذ قام مجموعة من الشباب وبمبادرة شخصية بنصب تمثال للسيد المسيح وسط بلدية الفحيص، وما إن انتشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن حتى بدأت (الفتنة) وتحركت الدولة.

سارعت بلدية الفحيص إلى إزالة التمثال ونقله إلى المقبرة بعد أقل من 24 ساعة على نشر الصور والسبب هو الكم المرعب من التعليقات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، كاشفةً عن آراء لم تكن تُقال، لكنها تظهر بقوة مع كل خطوة (جريئة) يقوم بها مسيحيون أردنيون  للتعبير عن هويتهم، إذ وصل الأمر  إلى قيام مديرية الأمن العام بتوقيف شخصين بثا فيديو لهما من أمام تمثال السيد المسيح ينشران عبره الكراهية ويحضّان على العنف ضد مسيحيي الأردن.

“فتنة” وسائل التواصل الاجتماعيّ

قال الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام ضمن بيان صحافي وصل لـ”درج”: “إنّ وحدة الجرائم الالكترونية تتبعت فيديو نُشر عبر أحد مواقع التواصل ، قام فيه شخصان قرب دوار العذراء في منطقة الفحيص بأفعال وأقوال تحمل في طياتها إهانة للشعور الديني. جرى تحديد هوية الشخصين اللذين قاما بتصوير الفيديو، وألقي القبض عليهما وتوقيفهما، تمهيداً لإحالتهما للقضاء”.

“شكله الأردن رح ينخسف فينا عن قريب” هذا واحد من التعليقات على تمثال الفحيص، نقرأ في تعليق آخر: “رفع  التماثيل يخالف عقيدة الغالبية في البلد ،وهو ليس مقبولاً في الإسلام، إقامة الأنصاب والأوثان تعيد البشرية إلى عبادة الحجارة، نرفض التمثال ونطالب بإزالته فوراً”.

اتهم أحد التعليقات “مخابرات الملك”، بوضع التمثال في الفحيص، في إشارة إلى حرص العاهل الأردني في المحافل الدولية المحلية، على استعراض “أبهى صور” علاقة الأردن بمسيحييه.

“بيكفي شرشحة”

تكمن المفارقة أن “الحرب” على تمثال الفحيص، جاءت بعد أيام قليلة من المقابلة التي أجرتها قناة “سي إن إن” مع العاهل الأردني، التي قال فيها: “الأردن كان ملاذ المسيحيين الأوائل والسيد المسيح بنفسه، وأعتقد أن هذا أمر من صلب تراثنا، وجدي الشريف الحسين بن علي، رحمه الله، وفر ملاذا آمنا للمسيحيين الأرمن في الأردن حين كانوا يبحثون عن الأمن والأمان”.

تكمن المفارقة أن “الحرب” على تمثال الفحيص، جاءت بعد أيام قليلة من المقابلة التي أجرتها قناة “سي إن إن” مع العاهل الأردني، التي قال فيها: “الأردن كان ملاذ المسيحيين الأوائل والسيد المسيح بنفسه”،”.

“صفحة وتم طويها لماذا تستمرون في الحديث عنها؟” هكذا أبدى رئيس بلدية الفحيص عمر العكروش حذره عند سؤاله عن أسباب القرار السريع الذي اتخذته البلدية في إزالة تمثال السيد المسيح، مبدياً في الوقت ذاته تنصله من الموافقة على نصب التمثال، الذي تم بمبادرة شبابية “تطوعية”، وختم حديثنا معه بقوله: “نحن المسيحيون جزء من نسيج الوطن، ولا يوجد أي مبرر لإحداث أي فتنة.. بكفي شرشحة!”.

ترى بسمة سلايطة، نائب رئيس بلدية مادبا ذات الأغلبية المسيحية أيضاً، أن فكرة نصب التمثال من الأصل “خاطئة”، مبررة ذلك بقولها: “نحن  في بلد مسلم أولاً، ولأننا كمسيحيين لن نخلص من الشتائم ثانياً”. استشهدت سلايطة بما يحدث خلال الصلوات الدينية أثناء الأعياد المسيحية، وما يليها من “إهانات وشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي”، لافتة إلى أنه لا أمل من احترام خصوصية الفحيص كمدينة مسيحية. أبدت سلايطة استنكارها من موقف الحكومة الأردنية، التي كان تصرفها تجاه التعليقات المليئة بالفتن وخطاب الكراهية والتحريض على العنف، هو إزالة التمثال، واصفة هذا الفعل بـ”الجبان”.

تضيف سلايطة: “نحن شعب لا يتقبل الآخر، هذه حقيقة ثابتة حتى لو تم إخفاؤها”،وذكرت في ختام كلامها حادثة وقعت عام 2020، عندما نشر موقع إلكتروني أردني مقالاً ذُكر فيه أن بعض الكنائس أصبحت “مرتعاً للدعارة والشياطين”، حينها قامت برفع قضية على الموقع بتهمة إهانة الشعور الديني، وقالت: “أنصفني القضاء حينها، وأنا أكيدة أنه سُينصفنا في القضية التي رفعت على شابين حرضا على العنف ضد المسيحيين في الفيديو الذي بثوه، لكنني لا أثق لا بالحكومة ولا بالمجتمع فيما يخص احترام عقيدتنا”.

تجانس الشعب الأردني الهشّ

علّق المفكر والباحث عمر عطعوط على ما حدث لـ”درج”، بقوله: “لا بد من الإشارة إلى أن الشعب الأردني شعب متجانس، هكذا عشنا ونتمنى أن نستمر،  ولا يوجد انقسامات على أسس دينية وطائفية، كما يخلو الخطاب الرسمي تاريخياً  من التشجيع على الانقسام، قد يشجع على انقسامات من نوع آخر، ولكن بالتأكيد لا يدعو إلى التفرقة على أسس دينية وطائفية”.

أضاف عطعوط: “تأثر الأردن كغيره من دول المنطقة بالمدّ الوهابي في العقود الماضية، الأمر الذي توسع ليشمل مناهج التربية والتعليم، بالذات في الفترة التي تبعت أحداث أيلول في السبعينات ،عندما تم تسليم التربية والتعليم إلى الإسلام السياسي، ما أثّر على المجتمع، كما أن الفقر والبطالة والأوضاع الاقتصادية السيئة جعلت الإنسان يتجه نحو المجهول، والمجهول هنا  يتجلى بالتمسك بغيبيات لا علاقة لها بالدين الصحيح، ومن هنا بدأنا نرى في العشرين سنة الأخيرة تنامي خطاب الكراهية في الأردن بشكل لم نألفه قبل ذلك”.

يعلق عطعوط على حادثة تمثال السيد المسيح في بلدية الفحيص قائلاً: ” شخصياً لا أشجع وجود المظاهر الدينية في الفضاء العام، فالدين أياً كان،  علاقة مقدسة وجميلة بين الإنسان وربه، ولا وسيط بينهما، فالدين لله والوطن للجميع، إلا أن المظاهر الدينية منتشرة في الأردن في جميع المحافظات، بما فيها العاصمة عمان وفي الفضاء العام، مدينة الفحيص مسيحية الطابع والسكان، ولا يوجد في الديانة المسيحية ما يمنع  تجسيد السيد المسيح على شكل تمثال منحوت أو صورة ، كما أن الدستور الأردني يلزم الدولة بحماية شعائر الأديان والعقائد، ولا أرى سبباً لإزالة تمثال السيد المسيح”.

حادثة التمثال تعيد إبراز معضلة تاريخية في الأردن وفي كثير من دولة المنطقة تتعلق بتراجع دولة المواطنة والمساواة لصالح دول الطوائف الأقوى التي تسيطر على الخطاب والحقوق.