fbpx

المخدّرات في لبنان(2): السياسة أقوى من العلاج ومن القضاء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تلعب السياسة المتشددة في ملف المخدرات لناحية إطالة أمد التوقيف الاحتياطي وبطء سير المحاكمات وإجراءات التدقيق في ملفات الموقوفين الدور الأبرز في اكتظاظ السجون بالموقوفين بشكل كبير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تلعب السياسة المتشددة في ملف المخدرات، لناحية إطالة أمد التوقيف الاحتياطي، وبطء سير المحاكمات وإجراءات التدقيق في ملفات الموقوفين، الدور الأبرز في اكتظاظ السجون بالموقوفين بشكل كبير وشبه هستيري.

وإذ يمكن القول إن الملاحقات التي يقوم بها مكتب مكافحة المخدرات ورجال الضابطة العدلية لا تحقق دوماً الغاية المرجوة، فالسبب في ذلك يعود إلى ضعف الإمكانات البشرية والمادية من جهة، وإلى الضغوطات السياسية.

التقى “درج” رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، العقيد جوزيف مسلّم، الذي أكد، “لا شك في أن مكتب المخدرات لا يملك الإمكانات الكافية للعمل على المستوى المطلوب مقارنة بكبر مشهد المخدرات في لبنان، إلا أن الموارد البشرية في المكتب، هي عناصر مميزة استطاعت أن تنجز الكثير في مجال عملها، نتكلم عن ضبط شبكات واعتقال مروّجين ومتعاطين. فعلياً هناك جهد كبير في قوى الأمن الداخلي وغير محصور بمكتب المخدرات، فآلية عمل المكاتب الأخرى وتعاونها مع مكتب المخدرات يخففان من عبء ضعف الإمكانات المادية والبشرية”. ويضيف مسلّم، “إن عمل مكتب المخدرات يبدأ عند تلقيه الأمر من النيابة العامة بملاحقة المشتبه به، وينتهي عند تسليمه… فهنا لا مجال للتدخل السياسي ولا يمكن ردع المكتب عن تأدية المهمة”.

ويوضح أنه “بحسب متابعتنا لملف المخدرات واطّلاعنا على التوجه الدولي في محاربة المخدرات وخصوصاً في الولايات المتحدة، ارتأينا أن علينا العمل كسائر الدول في مجال المخدرات، لجهة صرف الوقت والجهد على العلاج والحد من الطلب لتجميد العرض أو تخفيفه… من هنا قمنا بالتواصل مع المدارس والجامعات بالتنسيق مع الجهات المعنية للقيام بحملات توعية على أكثر من مستوى، عبر ندوات ومطبوعات وتقارير مصورة”.

هناك تجار عالميون يستعملون لبنان محطة ترانزيت وتصريف، خصوصاً للبضاعة الآتية من أميركا اللاتينية

تأثير التدخّل السياسي في ملف المخدرات

يقول أحد الضباط العدليين المتقاعدين الذي عمل لفترة طويلة في مجال مكافحة المخدرات (ب.ق) لـ “درج”، إن “هدف المروجين تصريف البضاعة، التي يبتاعونها أو يلتزمون بتصريفها للتجار الكبار… الأسماء كثيرة ومنها خرج إلى الإعلام إما عبر بيانات صادرة عن الأمن اللبناني أو وزارة الداخلية، لكن هذه الأسماء لا تهم طالما لا أحد يجرؤ على توقيفها، علماً أن هناك أسماء في الخفاء لن يحاسبها أحد ولن يقدر أحد على تسميتها”. ويوضح، “التجار أنواع ومراتب، هناك التجار المحليون وهناك تجار عالميون يستعملون لبنان محطة ترانزيت وتصريف، خصوصاً للبضاعة الآتية من أميركا اللاتينية، تحديداً البرازيل، ويتم إدخال المخدرات إما عبر البر أو البحر أو المطار، طبعاً بموافقات سياسية أو بفساد أمني في المراكز الحدودية، من دون علم القيادة الأمنية، فيتم تسهيل وصول البضائع عبر عناصر مرتشين أو فاسدين”.

هل هناك تدخل السياسة في القضاء؟

يوضح (ب.ق) أن “من الطبيعي في بلد مثل لبنان، أن تحصل تدخلات حزبية في بعض القضايا تحت ما يسمى الغطاء السياسي، لذلك قد تعترض عملنا أحكام قضائية متناقضة، مثلاً يحكم شاب بخمس سنوات سجن لتقاضيه ثمن سيجارة حشيش من متعاط آخر، فيما يخرج مروج من السجن بعد ٩ أشهر، علماً أنه يوم ضبط كان بحوزته كيلو كوكايين!”.

٥٠ كيلو كوكايين والحكم مُخفض!

ضبطت مجموعة من المروجين مع أكثر من 50 كيلو كوكايين وحوكموا بحسب المادة 125 وتم تخفيض الحكم اسناداً إلى المادة 253.

وهنا مثل آخر، من فقرة الحُكمية، لقضية ترويج هيرويين، يحاكم فيه المروجون بحسب قانون المخدرات من دون أي تخفيض…

تبعاً لما ورد في المستندين وللشهادة التي قدمها (م.ن) في الجزء الأول نرى كيف تختلف الأحكام ضمن القانون الواحد من دون أي تفسير…

الجمعيات المختصة في علاج الإدمان

تقول مسؤولة قسم السياسات المتعلقة بالمخدرات في جمعية “سكون”، ساندي متيرك، في حديث مع “درج”، “نعالج جميع أنواع الإدمان، ولا سيما حالات مدمنين على الهيرويين والكوكايين. ونعمل في هذا المجال منذ نحو 13 عاماً، للأسف لا توجد مراكز علاج حكومية، من هنا تم تأسيس جمعيات خاصة تعنى بعلاج الإدمان… وليس هناك سبب واضح لغياب الحكومة عن الموضوع، وعدم اهتمامها بالجانب الصحي، فيما تصب جهودها على الجانب الأمني… أي المكافحة”. وتتابع: “كل الاموال تذهب للمكافحة والعقاب، ولا سياسات ثقافية تعنى بالعلاج لدى مؤسسات الدولة. دائماً الاستثمار بآليات العقاب، وليس بآليات العلاج”، مضيفةً: “افتتحوا في مستشفى ضهر الباشق- قسم علاج التسمم الادماني، تنظيف الدم فقط وهو مرحلة مختصرة من مراحل العلاج ولكنها ليست كافية”. وتوضح متيرك أن “هناك ٨ منظمات لا تبغي الربح في مجال معالجة الإدمان، بالطبع هناك مؤسسات خاصة ولكن خدماتها باهظة الثمن، بالنسبة إلى المدمنين الذين يودون العلاج خصوصاً أولئك المدمنين على المخدرات الرخيصة مثل الهرويين”.

وتشير متيرك إلى “تفعيل لجنة الإدمان التي ترأسها القاضية ريما خليل، عام 2013، التي بدأ بعض القضاة بالاعتماد عليها عبر تحويل بعض الموقوفين إليها، وهي بدورها تنسّق معنا لاستلام حالات الإدمان، إلا أن اللجنة منذ بدء عملها أي منذ خمس سنوات لم تحول للجمعيات المرتبطة معها في هذا الملف سوى 500 حالة! علماً أن توقيفات السنوية في مجال المخدرات تتخطى هذا الرقم بأضعاف”.

وتتابع متيرك، شارحةً، “نحاول جاهدين أن نضغط على الدولة للتركيز على مفهوم العلاج كحل أولي للمخدرات فيكون العقاب حلاً ثانوياً… إلا أنه كلما فُتح هذا الموضوع، تضعنا الأجهزة الأمنية أمام معادلة سلامة المجتمع… ما نريده فعلياً فهم القوانين وتطبيقها بوضوح”، مضيفة: “هل هناك من يجرأ على مراجعة موازنة وزارة الصحة والتدقيق بالأموال المحددة للجمعيات المعنية بعلاج الإدمان؟ هل هناك من يتحقق ما إذا كانت كل الجمعيات التي تحصل على التمويل موجودة على الأرض وليست مجرد أوراق ومستندات وفواتير وهمية؟ لجنة الإدمان حالياً تتعامل مع 3 جمعيات وهي “إم النور” و”سكون” و”عدل ورحمة”، ويقسم العمل بين الجمعيات بحسب الحالات، مثلاً الموقوفون المحتاجون إلى علاج داخلي تتولاهم أم النور، أما نحن فنتولى الحالات التي يناسبها العلاج الخارجي الذي يعتمد على جدول مواعيد للعلاج ولا يتطلب من المدمنين المكوث في مركزنا… أما جمعية عدل ورحمة فتعمل على صحة الموقوفين وحقوقهم داخل السجون”.

وتوضح أنه “عندما نفهم موضوع المخدرات كمادة ادمان ضمن حياتنا البيولوجية كإدماننا على الدخان والقهوة، نستطيع عندئذ فهم أن العلاج هو الحل وليس فقط العقاب… التشدد لبسط السلطة لم يولِّد سوى المزيد من الحالات”.

الأحكام والتعاميم… الخروقات القانونية

حدد قانون المخدرات وملحقاته، على سبيل الحصر المواد المخدرة التي يعاقب على الاتجار فيها وتعاطيها وترويجها وزراعتها وكل ما يتصل بتصنيعها، بحيث فرض القانون العقوبات الجنائية والجناحية المقررة لهذه الأفعال والتي تتراوح بين الحبس البسيط والسجن المؤبد.

هناك مواد جديدة تتم اضافتها إلى جداول قانون المخدرات والسلائف والمؤثرات العقلية، بحسب المادة 7 والتي تنص على:

“تعتبر الجداول الأربعة الملحقة بهذا القانون مادة تنظيمية يمكن تعديلها بإدراج قيد جديد أو بالشطب فيها أو بالنقل من جدول إلى جدول آخر وذلك بمرسوم يصدر بناء على اقتراح وزير الصحة”

مثلاً مادة الكيتامين، لم تكن مدرجة ضمن المواد المخدرة، كونها كانت تستعمل بنجاً للحيوانات في العيادات البيطرية، لكن بعد اكتشاف استعمالها او وجودها لدى المتعاطين تم ادراجها في اللائحة الخاصة بالمواد المخدرة الممنوعة… فعندما تبين للدولة مدى انتشار هذه المادة بين المتعاطين، كان للتجار دور في إدخالها في “السيلفيا”.

هناك أدوية كانت موجودة في الصيدليات على أنها أدوية عادية، لكن بيعها من دون وصفة طبية هو خرق لقانون مهنة الصيدلة، كما أن تحويلها تجارة بين المتعاطين، جرم يحاكم عليه القانون…

وتوضح رئيسة لجنة العلاج من الإدمان، القاضية ريما خليل، لـ “درج”، “ربما نحتاج إلى حملات توعية مكثفة حول عمل لجنة الإدمان، وحتى يعي الجسم القضائي وكذلك المشتبه بهم بوجودنا وبدورنا، إذ يستطيع الموقوفون أن يستفيدوا من فرصة العلاج”. وتتابع قائلةً، “الخطأ في موضوع الإحالة للجنة الإدمان يمكن ربطه بأكثر من نقطة، بكل وضوح ربما هناك محامون ليست من مصلحتهم إحالة المشتبه به إلى لجنتنا، كما يعتبر بعض القضاة أن إحالة أي مشتبه به للجنة الإدمان، هو بمثابة نقص في الملف أو ربما يساهم في عرقلة التحقيق من جهة جمع المعلومات”.

وفي موضوع مراكز العلاج، تقول ريما، “فعلياً نحن نتعامل مع ٣ جمعيات “سكون” و”عدل ورحمة” و “إم النور”، لكن وزارة الصحة متعاقدة مع جمعيات أخرى، لكن كلجنة، نكتفي بالجمعيات الثلاث التي كسبت ثقتنا، علماً أن المؤسسات الأخرى لا تملك أسر عمل أو لم تتوافق مع الشروط اللازمة التي نطلبها… والسؤال هنا لمَ كل الأموال التي توزعها وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة لتصرف على الجمعيات، بينما يمكن أن تكون حجر أساس لبناء مستشفى حكومي متخصص في العلاج من الإدمان”.

المسكّنات عوضاً عن استئصال الورم…

المخدرات ليست فقط مصدر دخل للتجار والمروجين، لكنها تؤمن دورة اقتصادية كاملة بفعل الفساد المنتشر في لبنان، بدءاً من الرشى للسلك الوظيفي الرسمي وصولاً إلى جمعيات وهمية تجد نعيمها في موازنات وزارة الشؤون الاجتماعية والسلك الوظيفي الذي يتقاضى رواتب عالية في الجمعيات، حيث تبقى خطط المعالجة مقتصرة على الورق.

إقرأ أيضاً: الجزء الأول – المخدرات في لبنان… بضاعة الفقراء ومقبرة شبابهم