fbpx

“شو في يا خيي الأبو حميد؟”… عن جدل تنميط الشيعة في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أشعل محمد الدايخ وحسين القاووق الجدل في لبنان، نكتة سمجة جعلتهما محط التهديد أحياناً والتسفيه أحياناً أخرى، لكن ألم يكسرا عزلة “الضاحية” التي ترعرعا فيها؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا جديد في حملة الكراهية والتحريض على الممثل الكوميدي حسين القاووق والمخرج محمد الدايخ، إذ شهدنا حملةً مماثلة بعد مقال نُشر في جريدة “الأخبار” في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، ينتقد مقطعاً من برنامجهما على قناة “الجديد”، ويتّهمهما بـ”تنميط” البيئة الشيعية. أما اليوم فالوضع مختلف، إذ لم يقتصر الاتهام على تنميط البيئة، بل وصل إلى حدود “المسّ بالمقدّسات الشيعية”. بدأت الحملة بعد عرض الحلقة الأولى من برنامجهما الجديد على قناة الـLBCI “تعا قلّوا بيزعل”، إذ أثار “اسكيتش” بعنوان “تعلم اللغة الشيعية” حنق البعض، ويؤدي فيه محمد الدايخ دور الأستاذ الذي يردد وراءه التلاميذ بعض العبارات “الشيعية”، في محاولة لتعلّم اللهجة. 

نشر الدايخ وقاووق لاحقاً، مقطعاً مصوّراً على صفحتهما على موقع “إنستغرام”، يوضحان فيه قصدهما من المشهد، كما شرحا النية الحقيقية من المقطع، منعاً لأي التباس. يقول الدايخ أن النية كانت تعريف عامة اللبنانيين على الشيعي بطريقة كوميدية لكسر الحواجز الطائفية، بخاصة أن برنامجهما هو أول برنامج يُعرض على تلفزيون مسيحي من إعداد شيعيين، أما حين استخدم عبارة “وحياة الحسين” في إشارةٍ إلى طريقة الحلفان الشيعية، فلم يقصد أبداً المساس بالمقدسات الشيعية أو التقليل من شأنها. 

الحق بالتمثيل وكسر الصورة النمطيّة

إن أخذنا خطوةً إلى الوراء ونظرنا إلى أعمال الثنائي السابقة، وأهمّها المقاطع المصوّرة القصيرة المنشورة على “إنستغرام”، والتي ظهرت من خلالها شخصية “علي علي علوية” و “الكوثراني” و”حبّودي”، نلاحظ أن الثنائي نجح في ابتكار شخصيات تشبه البيئة الشيعية الضاحيوية، التي لطالما تجنّبها المجتمع اللبناني ككل، إذ كانت تصوَّر على أنّها مربع أمني محكم الإقفال تسكنه حصراً البيئة الشيعية المنغلقة. والأهم من ذلك، والأخطر في رأيي، أنهما تمكّنا من كسب حب هذا الجمهور وهذه البيئة قبل غيرها، التي وجدت نفسها الآن ممثلةً على التلفزيون وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كما هي، بلهجتها ويومياتها وتفكيرها وهواجسها التي لا يمكنها غالباً التعبير عنها. 

تتحرك في المتخيّل الشيعي فكرة الاستضعاف والثأر لاستعادة القوة المسلوبة، التي باتت اليوم تشكّل فائضاً من القوة في المجتمع اللبناني. فالمواطن الشيعي في لبنان اليوم، بخاصةً إن كان منتسباً إلى “حزب الله” ويتقاضى راتباً شهرياً بالدولار الأميركي، يتعامل مع  مجموعة من المؤسسات التي تُغنيه عن وجود الدولة وما تديره من مصارف وتعاونيات ومراكز صحية، ما شكّل لدى بعض الأفراد شعوراً بالقوة بالوجود الذي كان مفقوداً، وأسّس لحركة المحرومين ولذاكرة شيعية ما زالت موجودة ومتناقلة لدى العائلات الشيعية التي عملت سابقاً في مهنٍ متواضعة في بيروت، وسكنت الضاحية لقربها من العاصمة وزهد أسعارها.

تتحرك في المتخيّل الشيعي فكرة الاستضعاف والثأر لاستعادة القوة المسلوبة، التي باتت اليوم تشكّل فائضاً من القوة في المجتمع اللبناني.

لسنا هنا لنفصّل تاريخ الشيعة في لبنان، ولا لندرس ما ورائيات هجوم أبناء البيئة على أبناء البيئة ذاتها، فلطالما ذكّر الثنائي بأنّهما ترعرعا في حيي “ماضي” و”الصفير”، وأنهما لا يقصدان الإساءة الى المنطقة وناسها. نحن هنا لنركّز على حملات التخوين والتهديد التي يتعرّض لها أبناء الطائفة حينما يغرّدون خارج السرب، ويحاولون كسر التنميط: ليس كل الشيعة منتمين إلى الحزب أو الحركة حصراً، وليس كل الشيعة من “الزعران”. ما يحاول الثنائي قوله وشرحه، أن هذه البيئة تعاني، ككل اللبنانيين، من الفساد والمحسوبية والتنميط والاستبعاد، نحن هنا لنركّز على أن كل شيعي، يحكي ما لا يناسب القيادة الشيعية، “الحزباللهية” تحديداً، سيتعرض لحملات الكراهية والتكفير والتهديد. الأمثال كثيرة وإن كنا لا نتفق مع أفكارها كلها، ومنها ديما صادق، نديم قطيش وصولاً إلى لقمان سليم الذي تعرض للاغتيال. أي ببساطة، من يخرج عن قواعد اللعبة المتفق عليها، سيواجه أسراباً من الشتائم ويصبح مرتدّاً خارجاً عن قواعد البيئة الثابتة. 

منع الحزب، منذ دخوله إلى البيئة الشيعية، كل مظاهر الفن والثقافة والأدب والرقص والكوميديا تطبيقاً لشريعة ولاية الفقيه، وحلّت مكانها المجالس العاشورائية والسواد الدامس واللطم والحزن خلال شهر محرّم وخارجه، ليصبح “خارجاً” عن البيئة كل من يتعاطى الفنون ويعبّر عن فكرة مختلفة أو نظرة مختلفة إلى هذه البيئة وأهلها، وبذلك يسهل تهديد فنان أو مواطن لإسكاته.

ربما لم ينجح الدايخ في هذا المشهد، للأمانة، وربما كانت كتاباته السابقة أجمل، لكنّ النقاش ليس هنا، بل في فكرة التهديد ومحاولات المنع واستسهالها. نستطيع أن نسأل الدايخ “شو في يا خيي الأبو حميد؟”، نستطيع أن نناقش، أن نعترض، أن نسجّل نقداً للفكرة، أن نعتبر الأمر تنميطاً وابتذالاً للترويج لبرنامج ساخر عبر “أل بي سي” بعدما غادرها الإعلامي هشام حداد… كل شيء مقبول إلا محاولات الإسكات!

إقرأوا أيضاً: