fbpx

أردوغان يستعجل الانتخابات الرئاسيّة…تحضيراً لولاية ثالثة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تمكّن رجب طيب أردوغان من تغيير موعد الانتخابات الرئاسيّة، مُقصياً الأحزاب المعارضة له ومستفيداً من التعديلات القانونية التي تمنع تصويت أتراك كثر، فهل سيترأس تركيا لولاية ثالثة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي ستعقد قبل أكثر من شهرٍ من الموعد الذي كان محدداً لها، لأسباب سبق أن اعتبرها “موسمية”. تحوّلت قضية الانتخابات المبكّرة إلى مصدرِ خلافٍ جديد بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم الذي يتزعّمه أردوغان، والأحزاب التي تعارضه. فما الذي يحصل؟ ولماذا هذا الجدل حول توقيت الانتخابات؟ ومن المستفيد من تقديم موعدها؟

طالبت أحزاب المعارضة التركية بإجراء انتخاباتٍ مبكرة منذ نحو ثلاث سنوات، لكنها لم تتمكن من تحقيق رغبتها آنذاك، باعتبار أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لا يمكن أن تُعقد قبل موعدها إلا بحالتين، الأولى بتصويت 360 نائباً في البرلمان، رقمٌ أعلى بكثير من عدد مقاعد الأحزاب المعارضة في البرلمان. الحالة الثانية تطبَّق بإيعازٍ من رئيس الجمهورية حصرياً، الأمر الذي لم يفعله أردوغان لرفضه إجراء انتخاباتٍ مبكّرة حينها على خلفية تزامن دعوة المعارضة إليها مع صراعات داخلية تعاني منها البلاد كالأزمة الاقتصادية، وأخرى خارجية، مثل توتر علاقات أنقرة مع حلفائها الغربيين، والتي كانت تستغلها المعارضة لزيادة شعبيتها بين الناس. إلا أن الرئيس التركي حرم المعارضة من الاستفادة من هذه الثغرات، نتيجة رفضه الانتخابات المبكّرة.

اللافت أن أردوغان نفسه يطرح حالياً، من تلقاء نفسه، مسألة تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مشيراً إلى أنها ستُعقد في 14 أيار/ مايو عوضاً عن 18 حزيران/ يونيو 2023، أمرٌ أورده سابقاً نائبه في الحزب إركان كانديمير، وتطرّق إليه قبل ذلك محمد أوتشوم، كبير مستشاري الرئيس التركي ونائب رئيس “مجلس السياسات القانونية لدى الرئاسة التركية”. أجمع هؤلاء على اختيار موعد الانتخابات، ليكون ما بعد السادس من نيسان/ أبريل المقبل، وهو تاريخ مهم بالنسبة إلى الحزب الحاكم وحليفه حزب “الحركة القومية” اليميني المتطرّف.

كمال أوزكيراز، رئيس مركز “أوراسيا للأبحاث العامة”، والذي يجري بشكلٍ دوري استطلاعاتٍ للرأي حول الانتخابات، كشف لـ”درج” أن “قانون الانتخابات الجديد الذي نُشر في الجريدة الرسمية في 6 نيسان 2022 بعدما أقرّه البرلمان، سيدخل حيّز التنفيذ في التاريخ نفسه من 2023، وقد اختار التحالف الحاكم عقد الانتخابات بعد هذا التوقيت، بخاصة أن بنود القانون الجديد تصبّ في مصلحته”.

تحوّلت قضية الانتخابات المبكّرة إلى مصدرِ خلافٍ جديد بين حزب “العدالة والتنمية” الحاكم الذي يتزعّمه أردوغان، والأحزاب التي تعارضه.


يمنع القانون الجديد انتقال النواب من حزبٍ إلى آخر، وهو ما كان يحصل سابقاً ويمنح الأحزاب الجديدة والصغيرة فرصة انضمام 20 نائباً من أحزابٍ كبيرة إليها، بهدف المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حتى لو لم تكن تفي بشرطين آخرين، كعقدِ مؤتمراتها الاعتيادية قبل 6 أشهر من موعد الانتخابات أو وجود مقرّات لها في أكثر من نصف ولايات البلاد. وهذان شرطان إلزاميان في القانون الجديد، ويهدفان إلى منع أحزابٍ جديدة أسسها حلفاء سابقون لأردوغان من المشاركة في الانتخابات المقبلة.

أضاف أوزكيراز أن البندين يستهدفان منع حزبي “الديمقراطية والبناء” و”المستقبل” اللذين يقودهما حليفان سابقان لأردوغان، استقالا من حزبه قبل أكثر من 3 سنوات، وهما الوزير السابق علي باباجان ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، من المشاركة في الانتخابات المقبلة، فالحزبان لا يملكان 20 نائباً، وسيكون من الصعب تأمين مكاتب لهما في أكثر من نصف الولايات التركية.

وقد تمّ أيضاً تخفيض العتبة النيابية بموجب التغييرات التي طرأت على قانون الانتخابات، إلى 7 في المئة بعدما كانت 10 سابقاً، وهي النسبة المطلوبة من أصوات الناخبين التي ينبغي لأي حزب مشارك في الانتخابات الحصول عليها كي يتمكن من تشكيل كتلةٍ نيابية داخل البرلمان لاحقاً.

الهدف من هذا التخفيض وفق رئيس مركز “أوراسيا للأبحاث العامة”، المساهمة في عودة الحزب اليميني المتطرّف المتحالف مع الحزب الحاكم إلى البرلمان، بعدما بيّنت استطلاعات الرأي استحالة حصوله على 10 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة.

تقديم موعد الانتخابات كان “ضرورياً”، لا سيما أن الدستور التركي يمنع انتخاب الرئيس لأكثر من دورتين متتاليتين، لكن الحزب الذي يقوده أردوغان يرى أن الأخير، بعد إعادة انتخابه عام 2018، عقب عامٍ من استفتاء نَقل البلاد إلى النظام الرئاسي عوضاً عن النظام البرلماني، “بات يحكم لفترةٍ أولى بعد تلك التعديلات”، على رغم أنها تعتبر فعلياً ولاية ثانية، إلا أن “العدالة والتنمية” يصرّ على أن أردوغان كان رئيساً لتركيا لولايةٍ واحدة بعد تغيير نظام الحكم.

لجأ الحزب الحاكم، كي يتخطّى مأزق الدورتين المتتاليتين من ترؤس أردوغان البلاد، إلى تقديم موعد الانتخابات. لكنه سيواجه عقبة أخرى، إذ يجب أن يدعو البرلمان إلى هذا التقديم بعد تصويت 360 نائباً، وهو خيار مستبعد، ذلك أن عدد نواب الحزب الحاكم مع نواب حليفه اليميني يبلغ 337، ولا يمكن لكلَي الحزبين كسب الدعم من نواب حزبٍ معارض، فحزب “الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد، الذي كان يراهن أردوغان على عقد “صفقةٍ انتخابية” معه، رفض طلباً منه بلقاء قادته، اعتراضاً على محاولة السلطات حظر الحزب وحرمانه “بشكلٍ مؤقت” من الميزانية المالية المخصصة له خلال العام الحالي.

عجزَ “العدالة والتنمية” عن إجراء صفقةٍ مع حزبٍ معارضٍ، ما ترك أمامه خياراً وحيداً تمثّل في دعوة الرئيس شخصياً إلى إجراء الانتخابات قبل موعدها، وفي هذه الحالة، بإمكان أردوغان أن يكون مرشحاً عن حزبه الذي لا يعترف بولايته الرئاسية الأولى عندما كان حُكم البلاد برلمانياً.

 تحجج الرئيس التركي للاستفادة من القانون الجديد بأسبابٍ “موسمية تجعل تقديم موعد الانتخابات أمراً منطقياً”، كتزامن موعد الانتخابات في حزيران/ يونيو مع انتهاء العام الدراسي وموسم الحصاد وقدوم عيد الأضحى. كلها مناسبات ترغم كثراً من سكان البلاد على الانتقال من المدن إلى الأرياف، الأمر الذي لم يرغب التحالف الحاكم في حصوله مع منع قانون الانتخابات الجديد مشاركة كل من غيّر عنوانه قبل أقل من 3 أشهر من موعد الانتخابات من التصويت فيها.

وقال أوزكيراز في هذا الصدد، “هناك أسباب أخرى غير موسمية أرغمت الحزب الحاكم على تقديم موعد الانتخابات، هو يخشى أن تصبح سياساته الشعبوية مثل رفع الحدّ الأدنى للأجور من دون جدوى، إن أجريت الانتخابات في موعدها السابق مع استمرار التضخم وعدم استقرار سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، ولهذا سيعقد الانتخابات بعد أشهرٍ قليلة من رفع الحدّ الأدنى للأجور نتيجة استمرار التضخم وعدم استقرار العملة المحلية، وبالتالي الحزب الحاكم هو المستفيد الوحيد من تقدّيم موعد الانتخابات”.

أمام محاولات الحزب الحاكم الاستفادة من الثغرات الممكنة لضمان فوز مرشحه بدورة رئاسية ثالثة، ترفض أحزاب المعارضة التركية، وفي مقدّمها حزب “الشعب الجمهوري” الذي يعد حزب المعارضة الرئيس في البلاد، تقديم موعد الانتخابات، لكن الرئيس التركي وضعها أمام واقعٍ جديد، صعّب من مهمّتها بعد تأكيده موعد الانتخابات، فالأحزاب المعارضة الآن مُرغمة على اختيار مرشحها في وقتٍ قريب والبدء بالدعاية الانتخابية.

أخطأت المعارضة التركية منذ البداية، بعدم أخذ تلميحات أردوغان حول تقديم موعد الانتخابات على محمل الجد، على رغم أنها جاءت بعد نحو شهر من إقصاء منافسه المحتمل أكرم إمام أوغلو، عمدة مدينة اسطنبول الذي ينتمي الى حزب “الشعب الجمهوري”، من المشاركة في الانتخابات المقبلة كمرشّح عن المعارضة، إذ صدر حكمٌ بإدانته في قضية إهانة أعضاء “اللجنة العليا للانتخابات”، ما يعني منعه من الترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في حال إدانته من محكمة “الاستئناف” التركية أيضاً.

وجاء تقديم موعد الانتخابات بعد نحو أسبوعين من صدور قرار من “المحكمة الدستورية العليا” بحرمان الحزب المؤيد للأكراد من الميزانية المالية المخصصة له، والتي تبلغ أكثر من 28 مليون دولار تستخدم أكثر من 80 في المئة منها لأغراضٍ انتخابية، وحرمان الحزب منها قد يعني الحدّ من تأثيره في الانتخابات المقبلة.

المؤكد اليوم أن أردوغان أبدى كامل جاهزيته للانتخابات، وأن الوقت ينفد أمام المعارضة، فالانتخابات ستقام في 14 أيار وهو التوقيت الذي أشار إليه الرئيس التركي راهناً من دون أن يذكره حرفياً، إذ قال إنها ستُجرى في ذكرى مرور 73 عاماً على هزيمة حزب “الشعب الجمهوري” أمام الحزب “الديمقراطي” في انتخابات عام 1950.