fbpx

الشرطة المصرية ومسلسل التعذيب قبل الثورة وبعدها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ربما قامت ثورة يناير أساساً ضد تجاوزات جهاز الشرطة، لكن المؤكد أن هذا الجهاز لم تختلف ممارساته بعد الثورة باستثناء تغيير اسم أمن الدولة إلى قطاع الأمن الوطني، ومصلحة السجون إلى قطاع الحماية المجتمعية، أما السياسات والتجاوزات فما زالت على سوئها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فيما كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكاديمية الشرطة، يحتفل مع أفرادها بعيدها الـ 71، ويكرم  ضحايا واقعة الإسماعيلية عام 1952،كانت صفحات السوشيل ميديا تتداول فيديو لسيدة مسنّة من مدينة المنصورة في الدلتا، تستنجد فيه بالرئيس بعد اضطرارها للهرب من منزلها لمدة 6 أشهر، بسبب الحكم عليها في قضية “ملفقة”، متّهمة ضابطاً في القسم يدعى حمدي الطنبولي بتلفيق تهمة البلطجة على رغم بلوغها 72 عاماً، ومعاناتها من أمراض مزمنة.

التعذيب في أقسام الشرطة 

قبل 8 سنوات، وجهت الإعلامية المصرية لميس الحديدي، ضمن برنامج حواري بعنوان “مصر تنتخب”، سؤالاً للرئيس السيسي، الذي كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية آنذاك،  حول موقفه من ثورة كانون الثاني/ يناير، فوصفها بأنها إرادة تغيير وثورة، وأن ثورة 30 حزيران/ يونيو جاءت لتكملها وتصوّبها.

إلا أن هذا الموقف سرعان ما تلاشى، إذ حمّل السيسي الثورة أسباب التردي الاقتصادي، وأزمة سد النهضة، قبل أن ينهي علاقته بها بوصفها مؤامرة ضد مصر وضد وزارتي الداخلية والدفاع، لأنهما مركز الثقل الذي يحمي الدولة من السقوط. وعاد مرة أخرى ليعتبرها بمثابة إعلان شهادة وفاة الدولة المصرية، وذلك خلال جلسة نقاشية حول حقوق الإنسان، حضرها عدد من الإعلاميين المصريين.

إلا أن رأي السيسي في المؤامرة ضد الشرطة يخالف رأي “الهيئة العامة للاستعلامات”، التي ذكرت في موقعها أسباباً مباشرة لقيام الثورة، منها كما ورد نصاً “عنف الشرطة… تمادت الشرطة في استخدام الصلاحيات التي أوجبها العمل بقانون الطوارئ على مدار 30 عاماً، حيث ازداد عدد السجناء السياسيين بشكل مطرد، فضلاً عن استخدام العنف المفرط ضد المعارضين لنظام الحكم، وضد النشطاء، وكانت أبرز الأحداث التي حركت الشعور الشعبي بالسلب، وزادت من الاحتقان ضد رجال الشرطة، حادث مقتل الشاب السكندري خالد سعيد بحجة حيازته مواد مخدرة، تبعه حادث مقتل الشاب السيد بلال أثناء احتجازه في مباحث أمن الدولة في الإسكندرية، وترددت أنباء عن تعذيبه بشدة، وانتشر على نطاق واسع فيديو يُظهر آثار التعذيب في رأسه وبطنه ويديه”.

صدر حكم استثنائي بسجن 9 رجال شرطة، 3 سنوات، قبيل الذكرى العاشرة لثورة يناير، لكن سرعان ما تم الإفراج عن 5 أمناء شرطة من المدانين بقتل مكين، في عفو رئاسي في نيسان الماضي.

شهدت الفترة ما قبل كانون الثاني، موجات احتجاجية مهّدت الطريق للثورة، كان التعذيب المحور الأساسي فيها، بداية من قضية عماد الكبير في قسم بولاق الدكرور عام 2006، الذي تعرض لأشكال مشينة من التعذيب داخل سجنه، وقد استطاع أحد الحاضرين في حفلة من حفلات التعذيب تصوير المشهد وتوثيقه ونشره على صفحات الإنترنت،  ما أثار الرأي العام، كما حُكم على الضابط إسلام نبيه وضابط آخر، بالسجن 3 سنوات، ليخرجا بعد ثلاثة أرباع المدة، ويعودا لممارسة عملهما مرة أخرى، لأن المحكمة لم تعزلهما من عملهما بسبب حداثة سنّهما!

استمرّ التعذيب في عهد وزير الداخلية حبيب العادلي لسنوات، قبل أن تأتي الواقعة التي قسمت ظهر البعير، وهي واقعة خالد سعيد بالإسكندرية، الذي قتل في حزيران 2010، بعدما قبض عليه شرطيان في أحد مقاهي الإنترنت، وقاما بتعذيبه حتى الموت، فيما قالت الشرطة إن وفاته جاءت نتيجة ابتلاعه لفافة من نبات المخدر البانغو. واندلعت وقفات احتجاجية أسبوعية بسبب حادثة خالد سعيد الذي اعتُبر رمزاً للثورة المصرية.

وفي المحافظة نفسها، احُتجز الشاب المصري سيد بلال، على خلفية تفجير كنيسة القديسين، قبل أن يُقتل تحت التعذيب في كانون الثاني 2011، وقبل أيام من الثورة، إلا أن العدالة كانت أسوأ في حالته، فبعد الحكم على الضباط المتهمين بقتله، أُعيدت محاكمتهم ليتم تبرئة عدد منهم، وحُكم على ضابط واحد بالسجن لمدة 3 سنوات في 2016.

ما بعد الثورة 

الحال لم تختلف كثيراً بعد كانون الثاني، إلا في التعتيم على وقائع التعذيب بعد سيطرة الدولة على الإعلام، فلم يكن يُنشر الكثير من وقائع التعذيب إلا إذا صاحبها ضغط حقوقي وشعبي كبير، وهو ما حصل في واقعتين، الأولى واقعة قتل المواطن مجدي مكين، وهو بائع سمك قبطي من منطقة الأميرية، أحد الأحياء الفقيرة في محافظة القاهرة، احتجزته قوات الشرطة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، ثم طلبت من أسرته الحضور لاستلام جثته، إلا أن الأسرة تقدمت ببلاغات ضد القسم بسبب آثار التعذيب على جثته.

أشعلت واقعة مجدي مكين الخوف، بخاصة أن القصة لا يمكن طمسها وسط مخاوف من اشتعال ثورة جديدة لسبب الثورة الأولى نفسه، لا سيما أنه قبل ذلك بأشهر قليلة سجلت القاهرة احتجاجاً أمام مديرية الأمن، بسبب إطلاق شرطي النار على سائق إثر خلاف على الأجرة، وتعرض الشرطي لضرب مبرح، ما دفع الرئاسة إلى إصدار بيان حول نيتها عرض تعديلات تشريعية تكفل ضبط الأداء الأمني. كما عقد رئيس الوزراء آنذاك شريف اسماعيل، اجتماعاً مع وزير الداخلية ومساعديه للوقوف على نتائج التحقيقات في تجاوزات الشرطة، ومعاقبة المخالفين، وخطة الوزارة للارتقاء بأداء جهاز الشرطة.

وحمّلت وسائل إعلام تابعة للنظام مسؤولية تجاوزات الشرطة إلى العائدين من الفصل والمقدّر عددهم آنذاك بـ 3 آلاف شرطي.

إثر ذلك، اضطرت الدولة إلى التعامل بجدية مع قضية مكين، إذ صدر حكم استثنائي بسجن 9 رجال شرطة، 3 سنوات، قبيل الذكرى العاشرة لثورة يناير، لكن سرعان ما تم الإفراج عن 5 أمناء شرطة من المدانين بقتل مكين، في عفو رئاسي في نيسان الماضي.

أما الواقعة الثانية فحصلت في 2018، إذ قتل الشاب محمد عبد الحكيم المشهور بـ”عفروتو”، بعد الاعتداء عليه بقسم المقطم، إثر اتهامه بتجارة المواد المخدرة وتعاطيها، وهي الواقعة التي تسببت في اشتباكات داخل دائرة القسم، وانتهت بسجن معاون مباحث قسم شرطة المقطم ثلاث سنوات، وأمين الشرطة ستة أشهر.

إلا أن القضايا التي لم تنل تغطية إعلامية فكثيرة، كان آخرها قضية الشاب مصطفى منتصر حامد المشهور بــ ديشة، في 2 آب 2022، والذي اتُّهم مع اثنين من أصدقائه بتكوين عصابة، وهو ما نفته الأسرة قائلة إن الشاب كان متوجهاً للتنزه مع أصدقائه على البحر، وقد تلقت خبر وفاته داخل قسم المنتزه. واتهمت الأسرة ضباط القسم بتعذيبه حتى الموت، إلا أن النيابة المصرية نفت ذلك وقالت إنه مات لأسباب طبيعية، وأنه كان يتعاطى المواد المخدرة.

من الثورة إلى الحرب على الإرهاب 

أوضح محمد الحلو، المستشار القانوني بالمفوضية المصرية لحقوق الإنسان، لـ”درج”، أن “الشرطة المصرية مرت بمراحل عدة بعد ثورة يناير، كانت تعاني من حالة انكسار، وحاولت التصحيح من خلال تأسيس كيان باسم (ائتلاف ضباط يناير)، أقام ورشة طرح فيها رؤيته لما يحدث، حيث شكا الضباط من ظروف العمل الضاغطة، وتحميل الجهاز مهمات غير شرطية مثل الحج والجوازات، لكن هذه الظروف لا تبرر التعذيب إطلاقاً، حيث رأوا أن هناك خللاً في السياسات والتدريبات، وأن ثورة يناير هي فرصة لتصحيح ذلك”.

“على رغم قيام جهات أخرى بضبط الأمن في مراحل معينة مثل الجيش، إلا أن وقائع التعذيب التي تُكشف غالباً ما تخص الشرطة، وذلك بسبب الاحتكاك اليومي مع المواطنين، لذلك فإن الوسيلة الوحيدة لإنهاء فوضى التعذيب هي تغيير عقلية رجل الشرطة، سواء بالاختبارات النفسية والعلاج أو بدراسة حقوق الإنسان دراسة حقيقية، لا سيما بعدما أعطت الحرب على الإرهاب فرصة أكبر للشرطة للتصرف على هواها، وانتهاك حقوق المواطنين، في ظل حماية تشريعية أكبر مع تعديل قانون هيئة الشرطة الذي وافق عليه مجلس النواب، وحصّن قرارات التأديب الصادرة عن هيئة الشرطة التي يرأسها وزير الداخلية من التعقيب”.

ما قاله الحلو يظهر جلياً في الدعم الفني والإعلامي لجهاز الشرطة، بداية من الجزءين الثاني والثالث لمسلسل “الاختيار” الذي قدم صورة نموذجية عن ضباط الشرطة، لا سيما قطاع الأمن الوطني المرادف لجهاز أمن الدولة في عهد مبارك، وتكريم الممثلين الذين شاركوا في العمل من الرئيس المصري في احتفالية عيد الفطر.

الدولة الأمنية 

“الشرطة المصرية لم تحِد عن سيرتها الأولى، بل قامت بـ(ريمونتادا) بالتعبير الكروي”، بهذه الكلمات بدأ المحامي الحقوقي عادل سليمان حديثه لـ”درج”، بعدما اضطر لاختيار المنفى الإجباري بسبب دوره في قضية “تيران وصنافير”.

يقول سليمان، “الشرطة عادت أكثر قسوة مستعينة بمقولة أنها جزء من الدولة الأمنية، كما أصبح القضاء جزءاً من هذه الدولة ومن 30 يونيو، لا سيما بعد مقتل النائب العام هشام بركات، وحديث السيسي الشهير بأن يد العدالة مكبلة بالقانون. بعدها أصبح القضاة أنفسهم متسامحين مع إطلاق يد العدالة بعيداً من منظومة القانون، وأضحت السلطة القضائية كالدولة غير مهتمة بالقانون”.

بعد 12 عاماً من الثورة، ازدادت تصرفات الشرطة وممارساتها سوءاً،  مقابل غض الطرف عن التعذيب، واستبدال السجن الاحتياطي بالاعتقال الإداري، وسيطرة الشرطة على منظومة العدالة بالكامل.

ربما قامت  ثورة يناير أساساً ضد تجاوزات جهاز الشرطة، لكن المؤكد أن هذا الجهاز لم تختلف ممارساته بعد الثورة باستثناء تغيير اسم أمن الدولة إلى قطاع الأمن الوطني، ومصلحة السجون إلى قطاع الحماية المجتمعية، أما السياسات والتجاوزات فما زالت  على سوئها.