fbpx

هبة تعليم اللاجئين السوريين في لبنان… أين تبخّرت الأموال؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بلغ عدد التلاميذ اللاجئين في عمر الدراسة (3-18 سنة) خارج أي نوع من أنواع التعليم 300 ألف عام 2020 وحده. وتعطلت فرص حوالى 30 ألف طفل ممن كانوا يحصلون على تعليم غير رسمي بسبب جائحة “كورونا”، فيما تمكن عدد قليل جداً من متابعة التعليم من بعد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“مساعدات ما عم ناخد، لكن أول مرة، سلمونا 3 دفاتر وقلمين، وثاني مرة، 4 دفاتر وقلم”، تقول أمل (13 سنة)، وهي تلميذة سورية لاجئة في لبنان. أمل واحدة من بين حوالى 321 ألف طالب سوري مسجّلين لدى مفوضية اللاجئين للعام الدراسي 2020/2021، وكانت قد سُجلت قبل أربع سنوات عبر وزارة التربية والتعليم العالي بمدرسة “المنية المقالع الرسمية” (شمال لبنان)، بعدما ارتادت مدرسة “النبي يوشع” بطرابلس وتركتها بسبب بُعدها عن البيت وعدم قدرة أسرتها على دفع نفقات المواصلات. 

رحمة، الطالبة السورية في مدرسة حلبا التكميلية في عكار، لديها تجربة مشابهة في التنقل بين المدارس، تقول: “لا مساعدات غير الكتب”، بينما عمر، التلميذ في المدرسة الجديدة للصبيان في طرابلس، فيكشف أنه تلقّى مساعدة من اليونيسف تقدر بـ 20 دولاراً شهرياً لمدة 5 أشهر. 

هذه عينة صغيرة تعكس التفاوت الكبير في تلقّي المساعدات التعليمية المخصصة للاجئين السوريين في لبنان، والتي بلغت في الفترة بين 2017 و2021، أكثر من 1.12 مليار دولار لبرامج التعليم المدرجة في “خطة لبنان للاستجابة للأزمة”. وتم توجيه أكثر من نصف هذه الأموال مباشرة إلى وزارة التربية والتعليم اللبنانية، في حين صرفت اليونيسف مساعدة نقدية مقابل التعليم لحوالى 90 ألف طفل خلال العام الدراسي 2021-2022. شملت المساعدات الأطفال المسجّلين في الصفوف ذات معدل الالتحاق المنخفض نسبياً، في المدارس الحكومية في الدوام المسائي.

وتشير الأرقام، التي حصل عليها مركز الدراسات اللبنانية من وزارة المالية، إلى أنّ وزارة التربية استفادت من 1.2 مليار دولار على شكل منح قروض سنوية. 

لكن الحكومة اللبنانية التي ترفض منح اللاجئين السوريين صفة “اللجوء”، وتكتفي بوصفهم بـ”النازحين”، تقود حملات مستمرة تشكو فيها التكلفة الاقتصادية الباهظة لوجودهم من دون تقديم بيانات واضحة حول عددهم أو الخدمات التي تقدمها لهم. آخر تلك المطالبات المالية كانت في شهر أيار/ مايو الفائت قبيل انعقاد مؤتمر بروكسل السادس للدول المانحة، حيث طالب وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار بمبلغ يتراوح بين 3 و3.5 مليار دولار للاستجابة لـ”أزمة السوريين”، بينما قارب إجمالي الميزانية العامة للحكومة اللبنانية لعام 2022 الـ 41 تريليون ليرة (1.2 مليار دولار) في الإنفاق العام. 

وأكمل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة التربية، ما بدأه الوزير السابق الياس بو صعب من مطالبات مستمرة بالحصول على الأموال الدولية من دون أن تصل كاملة الى مستحقيها. فقد طالب الوزير السابق مروان حمادة (2016- 2019) خلال مؤتمر بروكسل الأول في نيسان/ أبريل 2017، المجتمع الدولي بـ”تمويل خطة RACE بالكامل بـ 350 مليون دولار سنوياً لضمان دعم متوازن للبنانيين والسوريين”. ثم طالب الوزير أكرم شهيب (شباط/ فبراير 2019 – كانون الثاني/ يناير 2020)، برفع كلفة التلميذ في الفترة المسائية من 600 دولار إلى 1100 دولار، علماً أن الأساتذة المتعاقدين لتعليم اللاجئين ومديري المدارس لم يحصلوا على حقوقهم كاملة من تلك الميزانيات. 

ونفذ مديرو المدارس في عهد الوزير طارق المجذوب (كانون الثاني/ يناير 2020 – أيلول/ سبتمبر 2021) اعتصاماً أمام وزارة التربية للمطالبة بدفع مستحقاتهم بالدولار، وهددوا بعدم تسجيل اللاجئين. لكن لم تتم الاستجابة لمطلبهم، وبقيت الوزارة تتلقى المساعدات بالدولار وتصرفها بالليرة اللبنانية التي كانت فقدت قيمتها بسبب الأزمة الاقتصادية والتضخم الهائل. فعلى سبيل المثال، بلغ معدل التضخم بين شهري حزيران/ يونيو 2019 وحزيران 2021 نحو 281 في المئة. وارتفعت أسعار الغذاء وحدها 550 في المئة بين آب/ أغسطس 2020 وآب 2021. فيما فقدت العملة الوطنيّة 90 في المئة من قيمتها، وواصلت المصارف فرض قيود تعسّفية على السحب نقداً. وتقول سناء (معلمة لغة عربية بدأت تعليم اللاجئين السوريين منذ عام 2017-2018)، إنها تحصل على رواتبها فصلياً، مرتين في السنة، بينما الأموال تصل بشكل مباشر شهرياً بالدولار وعبر المصرف. 

مساعدات ما عم ناخد، لكن أول مرة، سلمونا 3 دفاتر وقلمين، وثاني مرة، 4 دفاتر وقلم”

إلا أنّ المفارقة، كانت بوقوف وزير التربية عباس الحلبي (منذ أيلول 2021) إلى جانب الأساتذة في مواجهة المانحين. وهدد في اجتماع ضمّ مديرة المكتب الإقليمي لليونيسكو، وممثلاً عن اليونيسف وممثلاً عن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بتعليق الدراسة في دوام بعد الظهر الخاص باللاجئين في حال عدم دفع المبالغ مسبقاً، على حدّ قوله. 

وتتحدث الدكتورة مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية بالجامعة اللبنانية – الأميركية في بيروت، عن أنّ “الفساد في هذا الملف انطلق في عهد (الوزير إلياس) بو صعب”، إذ سمح آنذاك بتلقّي تحويلات ضخمة على حسابات خاصة، وكان يفترض أن تذهب مباشرة الى تعليم اللاجئين. 

منظمة اليونيسيف في بيروت تقول إنه منذ صيف 2021 تتم “معالجة ما يقرب من 50 ألف دفعة من مستحقات المعلمين بموجب العقود الخاصة، إلى جانب توفير معلمين للمشاركة في برامج المدارس الصيفية”. كما ذكرت أنه بعد التحقق من صحة البيانات التي تتلقاها وزارة التربية والتعليم العالي، تصرف “يونيسف” المستحقات مباشرة إلى المعلمين والمدارس وصناديق الآباء والمدارس، استناداً إلى صندوق تعليم التحول والقدرة على الصمود (TREF). 

وسبق لمنظمة “يونيسف” أن رفضت عبر ممثلتها آنذاك، تانيا شابوزات (2015-2019)، فكرة تحويل المساعدات المرتبطة بتعليم اللاجئين إلى حسابات خاصة وفق تحقيق للصحافي رياض قبيسي بعنوان “مدارس من رمل“. 

ويكشف التحقيق أنه بدءاً من عام 2013 بدأ “تضخيم أعداد الطلاب السوريين بحوالى 15 ألف طالب”، سُجلوا بصورة وهمية، وهو ما يعني اختفاء ما يقارب 9 ملايين دولار سنوياً. ووفق بيانات مفوضية اللاجئين، فإن عدد الطلاب في العام الدارسي 2020/2021 بلغ 187 ألفاً في المدارس الرسمية، مقابل 190 ألفاً ذكرهم تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، و195 ألفاً و165 طالباً، وفق أرقام اليونيسف (43386 في الدوام الصباحي و151774 في المسائي). بالتالي، مع احتساب هامش خطأ بسيط، يبقى هناك فارق 5 آلاف في عدد الطلاب اللاجئين الذين تتلقى الحكومة اللبنانية مساعدات مقابل كل واحد منهم. 

وتواصلت معدتا التحقيق مع مديرة أمانة سر تطوير القطاع التربوي ندى منيمنة (في عهد الوزير بو صعب)، التي رفضت الحديث وقالت إنّها “لا تملك معطيات جديدة حول هذا الملف”، وإنها ذكرت ما لديها في تحقيق قبيسي. 

الأدلة تختفي من دون تفسير 

خلال رحلة البحث عن المعلومات والبيانات الرسمية للدولة اللبنانية، لاحظنا أن موقع وزارة التربية والتعليم لم يذكر أي بيانات أو أرقام خاصة بتعليم اللاجئين السوريين، كما أن مشاركة الوزارة في اجتماعات دولية مع المانحين لا تكشف أي معلومات أو تفاصيل غير الخبر المجرد. 

وتشرح شعيب المسار الذي اتبعته الدولة لإخفاء البيانات والمعلومات، قائلة: “اختفت صفحة وحدة إدارة تعليم اللاجئين (Pmu unit) التي تظهر بيانات تعليم الطلاب السوريين، والتي لم تُحدَّث منذ عام 2019″. وأضافت: “عندما سألنا الوزارة، كان المعنيون سعداء بذلك، لأن الكيان الذي أنشأه إلياس بو صعب في الوزارة قد دُمّر كله”، سائلة: “لماذا لم تتم مشاركة موضوع البيانات معنا؟ أو لماذا لا يتم وضعها في قسم من الموقع الرسمي لوزارة التربية والتعليم؟”.

أما بالنسبة إلى الأدلة الأخرى، فذكرت أنّ أرقام وزارة التربية والتعليم، تظهر أن أكثر من 50 في المئة من الأطفال السوريين تلقوا تعليماً رسمياً وغير رسمي. وعندما فحصت شعيب هذه البيانات، التي أزيلت من الموقع، ظهر ما يلي: “عندما وصل هؤلاء الطلاب إلى الصف التاسع، كان عددهم أقل من 1 في المئة، وتحديداً 0.5 في المئة أو حوالى 200 طالب، مقارنة بالبنين المتعلمين، وهذه نتائج مخزية وتدل على سوء إدارة الملف”.

وتشير شعيب، بناء على مقابلات أجراها مركز الدراسات اللبنانية مع جهات مانحة، إلى أنّ الغالبية لا تشترط “الكشف عن كيفية استخدام الأموال”، وذلك من منطلق أنها لا تخضع لقانون المحاسبة العمومي، لأنها لا تدخل ضمن مالية الدولة اللبنانية. وأجريت هذه المقابلات مع كل من اليونيسيف ومفوضية اللاجئين والبنك الدولي في سياق دراسة حول “شفافية التعليم في لبنان” تنشر قريباً، فيما امتنعت اليونيسكو عن التجاوب بحجة أنها غير معنية بالملف. 

وعلى رغم أن هذه الدول تتحدث عن الشفافية في إدارة أموالها، لكنها لا تفرضها على الدولة التي تتلقاها، ما يساهم في ظهور الفساد وعدم محاسبة الفاعلين. وتقول شعيب إنه بعد ضغوط كثيرة، “طالبت الدول المانحة وزارة التربية والتعليم بميزانيات مفصّلة لهذه المبالغ، لكن لن تتم إتاحتها للجمهور”. وتواصلنا مراراً مع اليونيسف والجهات المانحة الأخرى المذكورة أعلاه من دون تلقي أي إجابات منها. 

إجراءات ترفع التسرّب المدرسي

طوّرت اليونيسف والمفوضية العليا للاجئين واليونسكو، مبادئ توجيهية على موقعها تنص على عدم وجود وثائق تمنع هؤلاء الطلاب من التسجيل وإكمال تعليمهم، وهي “كذبة” وفق شعيب، إذ ليس بإمكان أي طالب سوري  تقديم الامتحانات الرسمية من دون جواز سفر. وهو ما قمنا بالتأكد منه على موقع وزارة التربية والتعليم العالي، حيث ذكرت ضرورة وجود “جواز سفر الطالب أو الطالبة مرفقاً بإثبات الإقامة خلال كامل فترة الدراسة مع صورة عن كل منهما”، إضافة إلى “جواز سفر ولي أمر الطالب أو الطالبة مع إثبات الإقامة خلال كامل فترة الدراسة مع صورة عنهما”.

 لكنّ، بعد التواصل مع اليونيسف، زودتنا بملف حول المعلومات المتعلقة بالطلاب السوريين، وهو ملف يعدّ سنوياً، وشاركت فيه وزارة التربية ومفوضية اللاجئين أيضاً، وهو لا ينص على وجود جواز سفر للطلاب، بل أوراق ثبوتية، أو ما يعرف بشهادة تعريف عنه من المفوضية، تكون كافية لخضوعه للامتحان.

واللاجئون السوريون في معظمهم، لا يستطيعون الحصول على جوازات سفر، إما لغلاء أسعارها، إذ يصل سعر “الباسبور” العادي إلى 325 دولاراً، والمستعجل نحو 825 دولاراً، وفق السفارة السورية في لبنان، وإما لأنهم لا يملكون أصلاً الوثائق الضرورية لاستصدار جوازات سفر أو حقوق إقامة، وتبلغ تكلفة هذه الأخيرة وحدها 500 دولار للفرد. 

وبطبيعة الحال، تنتج من هذه المشكلة، آثار عدّة، منها: التسرب المدرسي. فوفقاً للمفوضية، بلغ عدد التلاميذ اللاجئين في عمر الدراسة (3-18 سنة) خارج أي نوع من أنواع التعليم 300 ألف عام 2020 وحده. وتعطلت فرص حوالى 30 ألف طفل ممن كانوا يحصلون على تعليم غير رسمي بسبب جائحة “كورونا”، فيما تمكن عدد قليل جداً من متابعة التعليم من بعد. وتشير المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين دلال حرب، إلى أن”30 في المئة من الأطفال السوريين لم يذهبوا إلى المدرسة أبداً”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.