fbpx

فضيحة “قطرغيت” والشاهد الإيطالي… من تلقى 1.5 مليون يورو رشوة من قطر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خروج الفضيحة إلى العلن حصل في خضم بطولة كأس العالم الأخيرة وما تخللها من حملات صوبت على السياسة القطرية، لا سيما على صعيد ملف حقوق الإنسان، دون إغفال التداعيات المستمرة للحرب الروسية – الأوكرانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من البدهي أن تحظى فضيحة “قطرغيت” بصدى إعلامي وشعبي واسع، ليس لكونها الأولى من نوعها التي تعصف بالبرلمان الأوروبي، بل لمفاعيلها التي تدفع إلى التشكيك وإعادة النظر بجملة من القيم المؤسساتية. 

ملف “قطرغيت”، كما بات يعرف، هو تحقيق فساد يطاول مجموعة أفراد، من ضمنهم نواب أوروبيون، بشبهة تلقي رشاوى من الدوحة لقاء التأثير في قوانين البرلمان الأوروبي المتعلقة بقطر. عمليات التفتيش والمداهمة التي قامت بها الشرطة الفيدرالية البلجيكية أدت إلى مصادرة مبالغ مالية بلغت 1.5 مليون يورو. وتتربع الاشتراكية اليونانية إيفا كايلي، نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي السابقة، على رأس المتهمين بعد مداهمة شقتها ومصادرة 150 ألف يورو إلى جانب 500 ألف يورو كانت بحوزة والدها. 

رغم المنصب الذي تحتله كايلي، إلا أنها ليست “العقل المحرك” لهذه الشبكة، انما البرلماني الإيطالي السابق أنطونيو بانزيري الذي ترأس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي بين عامي 2017 و2019. امساكه بخيوط اللعبة حفز القضاء البلجيكي على عقد صفقة معه، تعهد بانزيري بموجبها بتقديم بيانات مهمة والإفصاح عن آلية عمل شبكة الفساد هذه وكشف هوية المتورطين، لقاء اعتباره “شاهد ملك” وتخفيف عقوبته. 


يوم الثلاثاء 25 كانون الثاني/ يناير وفي إطار مقابلة مع مكاليس ديميتراكوبولوس، محامي إيفا كايلي، أوضحت شبكة Euractiv الإعلامية أن بحوزة بانزيري أسماء إضافية  سيفصح عنها وتتناول برلمانيين ألمان وفرنسيين وإيطاليين وبلجيكيين. البرلمان الأوروبي عقد راهناً، جلستي استماع لنائبين أوروبيين اشتراكيين، البلجيكي مارك تارابيلا والإيطالي أنطونيو غوزولينو، في إطار إجراءات رفع الحصانة عنهما بعد اتهامهما بالتورط من قبل بانزيري. لكن ديميتراكوبولوس شكك، خلال المقابلة، في صدقية بانزيري، مدعياً أنه لم يعد سيد قرار نفسه، بل طوّعه القضاء البلجيكي، ما يعني أن البرلماني الإيطالي السابق سيعترف “بما يطلب منه”.

وتوقع المحامي اليوناني انهيار الاتفاق، إذ سيبادر نواب وجه بانزيري اتهامات إليهم، إلى الكشف عن أمور سعى الأخير إلى التستر عنها، ما يؤدي إلى ملاحقته بتهمة تضليل العدالة وفقاً لديميتراكوبولوس. لكن مصدراً قضائياً أوضح لشبكة Euractiv، أن الاتفاق ينص على ضرورة كشف بانزيري لكل ما بحوزته، كما أن أي انهيار محتمل للاتفاق المعقود يتوقف على سلوكه واعترافاته حصراً.  

التداعيات الفعلية لـ “قطرغيت” ليست في توتر العلاقات الأوروبية- القطرية، بل في توظيفها من قبل مناهضي الاتحاد الأوروبي لتسجيل نقاط سياسية.

خروج الفضيحة إلى العلن حصل في خضم بطولة كأس العالم الأخيرة وما تخللها من حملات صوبت على السياسة القطرية، لا سيما على صعيد ملف حقوق الإنسان، دون إغفال التداعيات المستمرة للحرب الروسية – الأوكرانية. أتت هذه القضية لتزيد الأمور تعقيدا فيما يخص صورة قطر السلبية ، في وقت لا تدخر الدول الأوروبية أي جهد للبحث عن مصادر بديلة للطاقة تعوض النقص في إمدادات الغاز الروسي. كما أدت الفضيحة إلى بلبلة في أروقة البرلمان الأوروبي الذي كان بصدد مناقشة قوانين خاصة بالعلاقات الأوروبية- القطرية، أبرزها إعفاء القطريين من تأشيرة الدخول إلى منطقة الشنغن. 

لكن التداعيات الفعلية لـ “قطرغيت” ليست في توتر العلاقات الأوروبية- القطرية، بل في توظيفها من قبل مناهضي الاتحاد الأوروبي لتسجيل نقاط سياسية. 

يتصدر اليمنيون المتطرفون جبهة المناهضين للشراكة الأوروبية، هم من المشككين في نجاعة هذه المسار وما انبثق عنه من مؤسسات. غايتهم استعادة الدول لكامل سيادتها بعدما سلبها الاتحاد الأوروبي، على حد تعبيرهم. ولا يتوانون عن التصويب على خصومهم، أوروبيي الهوى، واتهامهم بالتفرغ لمصالحهم الشخصية. 

لم يكن مستغرباً إذاً استغلالهم لهذه الفضيحة بغية توسيع قاعدتهم الانتخابية على مسافة 16 شهراً من انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة. اعتمدوا في هجومهم على التعميم للإيحاء بأن جميع الشخصيات الأوروبية مشكوك في نزاهتها، ما يسهل عليهم التصويب على مؤسسات الاتحاد الأوروبي البعيدة عن المصلحة العامة. في هذه الحالة، البديل الطبيعي هو الحد من الاندماج عبر الاقتراع لأحزاب “سيادية”، تتولى زمام القرار على المستويين الإقليمي والوطني.  

خطاب يجد آذاناً صاغية في الشارع الأوروبي بسبب التخبطات الاقتصادية التي تتيح انتشار خطاب يشير بأصابع الاتهام إلى الاتحاد الأوروبي وسياسته الاندماجية، كما إلى الحكومات الوطنية المتعاقبة “المبددة للسيادة الاقتصادية”. 

“قطرغيت” أماطت اللثام أيضاً عن طبيعة العلاقة التي تجمع البرلمان الأوروبي بمجموعات الضغط، أي الـ Lobbying.

أوروبياً، تم تعريف مجموعات الضغط بالجهات التي تمارس “أنشطة تهدف من خلالها إلى التأثير على سياسات الاتحاد الأوروبي”، سواء كانت شركة ربحية أو منظمة غير حكومية، مع الإشارة إلى عدم ظهور الجهات الرسمية في الصورة بشكل مباشر، بل لجوئها إلى مؤسسات صورية وآليات غير مباشرة لفتح أي خط اتصال ترغب به.  

التواصل مع مجموعات الضغط ليس ممنوعاً، على العكس يعتبر قيمة مضافة في مسار بلورة القوانين الأوروبية، إذ يسمح للبرلمانيين بالاطلاع على وجهات النظر المختلفة. 

إدراكاً منه لما قد ينتج عن هذا التواصل من فساد وتعويم للمصالح الشخصية، سعى الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2011، إلى ضبط هذه العملية عبر استصدار قوانين وقواعد سلوكية لضمان أكبر قدر ممكن من الشفافية: يوصي الاتحاد مجموعات الضغط، بتدوين بياناتها في “سجل الشفافية”

هي ليست خطوة إلزامية، لكن لا مفر منها إذا كانت المجموعات المذكورة راغبة بامتلاك أدوات العمل اللازمة:  فسجل الشفافية هو المدخل لمنح الاعتمادات الخاصة بدخول المقار الأوروبية ولقاء أصحاب القرار داخلها (من أفراد ولجان عمل). في بداية عام 2023، بلغ عدد مجموعات الضغط المصرح عنها نحو 12000، حتى لقبت بروكسيل بـ”عاصمة  الـ Lobbying”. 

من جانب آخر، يُطلَبُ من المفوضين الأوروبيين، ومعاونيهم، الكشف عن كل لقاء يعقدونه مع أي مجموعة ضغط لاطلاع الرأي العام على طبيعة الدور الذي تلعبه كل جهة في مسار صياغة وإقرار أي قانون. 

أما على خط البرلمان الأوروبي، فُرِضَ على رؤساء اللجان ومقرريها الالتزام بهذه القواعد وذلك منذ عام 2019. في المقابل، نجد أن النواب الأوروبيين غير ملزمين باحترام هذه التوصية، ما عزز إحساسهم بالإفلات من الرقابة.

“منظمة الشفافية الدولية”، إحدى مجموعات الضغط الفاعلة في بروكسيل، أشارت إلى نسبة النواب الأوروبيين الذين يصرحون عن لقاءاتهم: 37 في المئة فقط. كما توقفت المنظمة عند التفاوت بين النواب الملتزمين بالتوصية وأولئك غير الملتزمين، استناداً إلى الثقافة الديمقراطية التي تحكم بلدانهم الأصلية: 92 في المئة من النواب الفنلنديين ألزموا أنفسهم بهذه الشفافية، كذلك 90 في المئة من النواب السويديين، 76 في المئة من النواب الألمان، 63 في المئة من النواب الفرنسيين. على المقلب الآخر، 9 في المئة فقط من النواب اليونانيين التزموا بهذه القاعدة، فيما لم يصرح أي نائب قبرصي أو كرواتي عن لقاءاته مع مجموعات الضغط. 

معظم النواب “المقصرين” يعزون السبب إلى ضيق الوقت أو اعتبار هذا المعيار انتهاكاً لحرية العمل البرلمانية، فيما ترى “منظمة الشفافية الدولية” أن السبب الفعلي هو الحرج الذي تسببه بعض اللقاءات: هوية عدد من مجموعات الضغط وطبيعة أنشطتها، يؤدي إلى طرح علامات استفهام تلقائية عما إذا كانت اللقاءات المذكورة تخفي شيئاً ما.  

عدم إلزام النواب الأوروبيين بقاعدة العمل هذه والكشف عنها في سياق “قطرغيت”، ولد انطباعاً بأن البرلمان الأوروبي، الذي يفترض أن يدافع عن مصالح الشعوب الأوروبية، ليس إلا مؤسسة هامشية على خارطة الاتحاد الأوروبي وكأن المواطنين الأوروبيين لا وزن لهم ولا قيمة. 

وتعزز هذا الانطباع مع طرح بعض المحللين والصحافيين أسئلة حول الجدوى من رشوة نواب أوروبيين منتمين إلى مؤسسة “لا حول لها ولا قوة” على صعيد العلاقات الدولية. عبر صحيفة Libération الفرنسية، اعتبر جان كاترومير أن النائب الأوروبي يبقى مديناً لحزبه الوطني الذي رشحه ما يجعله ملتزماً بتوصياته، بخاصة إذا كان الحزب الحاكم، لضمان إعادة ترشيحه، ما يعيقه عن أداء عمله التشريعي. بالتالي، الأنسب هو رشوة المشرعين الوطنيين وليس الأوروبيين. 

من جهته أشار الصحافي البلجيكي نيكولا فاندنشريك إلى لجوء الأحزاب لترشيح شخصيات لا وزن لها أو من المتقاعدين أو حتى اعتبار البرلمان الأوروبي المنفى الأنسب “للمتمردين”.

مناخ إعلامي يدفع بالرأي العام الأوروبي إلى السؤال عن الجدوى من هكذا مؤسسة هامشية لا تؤدي المطلوب منها، واستطراداً عن مدى حرص الاتحاد الأوروبي على أخذ آراء الشعوب في الاعتبار.