fbpx

قضية انفجار مرفأ بيروت: غسان عويدات أيضاً كان يعلم!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قرارات عويدات تلك، أتت كرسالة إلى البيطار واللبنانيين عموماً، بأن أيّ مسّ برموز السلطة سيؤدي إلى إغلاق ملف التحقيق نهائياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رسالة رقم1:

“يُطلب إليكم بغية تأمين حراسة للعنبر رقم 12 وتعيين رئيس مستودع للعنبر المذكور، وصيانة كافة الأبواب ومعالجة الفجوة في الجدار الجنوبي، بالإضافة إلى إقفال الأبواب بإحكام بسبب وجود مواد خطرة من نوع نيترات الأمونيوم التي يتم استخدامها لصناعة المتفجرات”.

رسالة رقم2:

“بعد مراجعة مختصين بالكيمياء، اتضح أن مادة النيترات قد تتسبب بانفجار ضخم بحال اشتعالها وستكون نتائجه شبه مدمرة لمرفأ بيروت”.

رسالتان من الأمن العام اللبناني إلى النائب العام التمييزي غسان عويدات، قبل أشهر من انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، تؤكّدان معرفة عويدات بالشحنة التي تسبّبت بوقوع  الجريمة. 

عويدات المشتبه به وفق قاضي التحقيق طارق البيطار، رأى أن خير وسيلة للدفاع عن نفسه هي السطو على صلاحيات المحقق العدلي في انتهاك واضح للقانون، وإخلاء سبيل جميع الموقوفين المشتبه بهم في معزل عن الشبهات ضدهم بطريقة غير قانونية وغير شرعية، وفق نقابة المحامين ونادي القضاة. ليس هذا وحسب، بل باشر عويدات بملاحقة المحقّق العدلي طارق البيطار، الذي تجرّأ على الادعاء عليه مُصدِراً قراراً بمنعه من السفر. هذه الإجراءات غير القانونية تحصل وسط ترحيب واسع من القوى المتضرّرة من التحقيق، والتي دأبت منذ أكثر من سنة على تعطيله، لا سيما “حركة أمل” التي لا يُوفّر نائباها علي حسن خليل وغازي زعيتر (المشتبه بهما في الجريمة)، فرصة للتقدّم بدعاوى ضد البيطار، آخرها كان تقدُّم زعيتر وخليل “بطلب نقل دعوى للارتياب المشروع بحياد المحقق العدلي”. كما تقدّم خليل بشكوى ضد البيطار أمام النيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي، بسلسلة طويلة من الجرائم، وهي: “إساءة استعمال السلطة، الإخلال بالواجبات الوظيفية، مخالفة القرارات القضائية، إثارة النعرات المذهبية والعنصرية، الحضّ على النزاع بين الطوائف، جرم اغتصاب السلطة القضائية، وانتحال صفة النائب العام التمييزي وصفة محقق عدلي غير مكفوفة يده”. بذلك، فاق عدد الدعاوى المُقامة ضد البيطار الـ44، وهي سابقة قضائية لا مثيل لها.

تأتي هذه التطورات إثر مواجهة قضائية تواصل فيها السجال بين النائب العام والمحقق العدلي، إثر قرار عويدات إحالة البيطار إلى هيئة التفتيش القضائي، كما كلّف عويدات المباحث الجنائية بتنظيم محاضر وإحالتها الى القضاء. قرارات عويدات تلك، أتت كرسالة إلى البيطار واللبنانيين عموماً، بأن أيّ مسّ برموز السلطة سيؤدي إلى إغلاق ملف التحقيق نهائياً. 

حرب القضاء على القضاء

المعركة اليوم باتت مباشرة بين مدعي عام التمييز، الذي يترأس جميع النيابات العامة بموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية المعدل في العام 2001، والمحقّق العدلي في ملف المرفأ، ويستند كل منهما إلى تفسيرات قانونية خاصة به. ففي نظر القاضي عويدات، يعتبر البيطار مكفوف اليد “بحكم القانون”، و”لم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو رفض ردّكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم”، كما جاء في الكتاب. أما في نظر البيطار، فإنه يتمتّع بسلطة مُطلقة في الملف، أعطته إياها السلطة التنفيذية، وبات الملف مرتبطاً به، بقوله أمام مراجعيه، إن “شخص المحقق العدلي مرتبط بالقضية التي ينظر فيها، فإذا أقيل المحقق العدلي تنتهي القضية”. ويستند البيطار إلى المادة 357 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي ورد فيها أن “القانون نصّ على ردّ أعضاء في المجلس العدلي، لكن لا وجود لأي نص قانوني يتحدث عن ردّ المحقق العدلي، ما يعني عدم جواز ردّه، وبالتالي لا قيمة لدعاوى الردّ المقدمة ضده”. 

وفق المحامية ليال صقر، “اجتهاد البيطار أتى بدعوة الضرورة، لا سيما بعدما شهدت القضية تعسفاً في استعمال دعاوى الردّ والمخاصمة”. وترى صقر أن اجتهاد البيطار غايته “الوصول الى العدالة”، حتى ولو اختلفت حوله الآراء القانونية، لكن لا شك في أنه يهدف الى المصلحة العامة. أما عن ممارسات عويدات، فهي مخالفة حكماً للقانون، وفق صقر. إذ إن إفراج الأخير عن الموقوفين في القضية يتعارض مع صلاحياته، على اعتبار أن مذكرات التوقيف قدّمها المحقّق العدلي، وله وحده الحق بالبتّ في قرارات إخلاء السبيل. 

عويدات المشتبه به وفق قاضي التحقيق طارق البيطار، رأى أن خير وسيلة للدفاع عن نفسه هي السطو على صلاحيات المحقق العدلي في انتهاك واضح للقانون.

واعتبر “نادي قضاة لبنان” في بيان، أن “قرار المحقق العدلي، مهما كانت الملاحظات القانونية عليه، والتي بالإمكان معالجتها وفق الأصول، لا يبرر ردة الفعل التي تبعته، والتي جاءت للأسف خارجة عن الضوابط والأصول بشكل صارخ”. ودعا النادي “كل من ارتضى ألا يتصرف كقاضٍ ورهن نفسه لخدمة السلطة السياسية واللاعدالة، أن يبادر إلى الاستقالة تمهيداً للمحاسبة والمساءلة”.

وفق دراسة قانونية لمنظمة “ريفورم”، فإن النائب العام التمييزي “اغتصب صلاحيات ليست ممنوحة له قانوناً، ما يرتّب عليه مسؤوليات قانونية منصوص عليها في المادتين 376 من قانون العقوبات اللبناني، وتفيد بأن كل موظف أقدم بقصد جلب المنفعة لنفسه أو لغيره أو بقصد الإضرار بالغير على فعل لم يخصّ بنص في القانون ينافي واجبات مهنته، يعاقب بالحبس من شهر الى ثلاث سنوات وبالغرامة والمادة 377 من قانون العقوبات اللبناني التي نصت على إساءة استعمال السلطة أو النفوذ المستمدين من وظائفهم”. 

وربما لا حاجة هنا إلى التذكير بـ”المنفعة” التي قدّمها عويدات الى “غيره” عبر الانقلاب القضائي على المحقّق العدلي. إذ بات معلوماً أن “حزب الله” و”حركة أمل” يقودان عبره ثورة ضد البيطار.

فوضى القضاء من فوضى البلد…

السجال القضائي والضبابية التي تسيطر على قصر العدل في لبنان، ليسا سوى انعكاس لما يُهيمن على لبنان من فوضى وانهيار. 

وانحلال القضاء الذي ظهر في ملف انفجار مرفأ بيروت، امتدّ إلى قصر عدل بعبدا أيضاً. فقد أخلى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، سبيل 13 موقوفاً في ملف النافعة (أحد أكبر ملفات الفساد التي كُشفت مؤخراً في لبنان)، بعدما صدّقت الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي ربيع الحسامي، قرار منصور بالأكثرية. وعلى رغم أن إطلاق سبيلهم اقترن بإبعادهم من وظائفهم لأشهر عدة، ومنعهم من السفر ودفعهم غرامات مالية كبيرة، إلا أن هناك تخوفاً من أن يستمر هذا المسار وصولاً إلى إخلاء سبيل المتورطين الكبار.

على وقع الإفراجات العشوائية، سُربت مقاطع مُصوّرة لعدد من النزلاء في سجن رومية، يهدّدون فيها القضاء اللبناني بالانتحار الجماعي، إذا لم يُباشر في عمله، مستأنفاً جلساتهم والتحقيق معهم، ومحاكمتهم بصورة قانونية ولائقة، مستنكرين العدالة الاستنسابية. ووفق ما رواه أحد السجناء لـ”درج”، “هناك موقوفون تجاوزت مدة سجنهم 12 عاماً من دون محاكمة ومن دون إصدار قرار ظني في ملفاتهم”، ويُضيف، “ما بيعاملونا معاملة موقوفي ملف المرفأ لأنه ما في جهات سياسية ولا سفارات تطالب فينا”، لا سيما أن 85 في المئة من النزلاء غير محكومين حتى اليوم. وتتجاوز نسبة الإشغال في سجن روميه الـ380 في المئة، مع ما يتبع ذلك من أمراض جرثومية وجلدية منتشرة، طعام ومياه ملوّثين، وغياب الطبابة والكهرباء. 

في هذا السياق، تقول صقر إن المماطلة مهيمنة على الجسم القضائي، “إلا في حال الضغط السياسي، حينها فقط يسترجع القضاء نشاطه وسرعة اتخاذه الإجراءات، وهذا ما شهدناه في ملف المرفأ”. 

ذلك كله يأتي في ما لا يزال الشرخ قائماً داخل مجلس القضاء الأعلى، ولم يُحدد بعد موعد الجلسة المقبلة للمجلس… لبنان بعيد إلى هذا الحدّ من تحقيق العدالة.