fbpx

وسط تقاعس مصري… استمرار اعتقال الناشر أحمد الضيوف في السعودية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما زال مصير الناشر المصري أحمد ضيوف مجهولاً، إذ ألقي القبض عليه في السعودية من دون محاكمة أو توجيه تهم، في ظل صمت مصر عن مصير مواطنها خوفاً على الاستثمارات السعوديّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأ معرض القاهرة الدولي للكتاب، من دون أن يشارك فيه المصري أحمد ضيوف، مؤسس دار “كتوبيا” للنشر، بعد حبسه تعسفياً من السلطات السعودية من دون توجيه تهم واضحة. 

أُلقي القبض على ضيوف خلال مشاركته في معرض الرياض الدولي للكتاب قبل ثلاثة أشهر، ومن دون أي رد فعل واضح من اتحاد الناشرين العربي والمصري، أو موقف موحد من المثقفين المصريين، باستثناء أصوات فردية، ترافق ذلك مع تجاهل حاد من وسائل الإعلام المصرية، التي لم تتناول الموضوع أو تشر له.

وفقاً لزميله في دار النشر الكاتب والروائي أحمد إبراهيم عيسى، وأول من تحدث عن واقعة الاختطاف، ما حدث لم يكن اعتقالاً “بل هو اختطاف من معرض دولي”، وهو ما يراه عيسى “عاراً على مدّعي الحرية والأوساط الثقافية”، لكن بغض النظر عن كون ضيوف ناشراً ومثقفاً مصرياً، فهو بالدرجة الأولى “مواطن مصري له حق على مؤسسات الدولة كي تنظر في أمره”.

ظل اعتقال ضيوف من داخل جناح الدار في معرض الرياض منذ 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لغزاً لمدة شهرين، عندما جاء أحد أفراد الأمن السعودي إلى داخل جناح “كتوبيا”، وطلب من ضيوف أن يأتي معه، لمدة خمس دقائق، وبعدها لم يعد.

تقاعس مصري

أبلغت دار نشر “كتوبيا” آنذاك، اتحاد الناشرين المصريين والعرب بما حدث، ووجهت أسئلة عن مصير ضيوف الى إدارة المعرض، التي لم تكن لديها أي معلومة عن سبب اعتقاله، والأمر نفسه بالنسبة الى السفارة المصرية.

الناشط المصري أحمد الضيوف

لم تكن الدار هي المقصودة في اعتقال ضيوف، بدليل استكمال عملها حتى اليوم الأخير في المعرض، من دون المساس بها أو بكتبها، على وعد بالإفراج عن ضيوف خلال 24 ساعة، وهو ما لم يحدث.

وفقا لعيسى، فليس لضيوف أي نشاط سياسي، ولا ينتمي الى أي حزب، ويقتصر اهتمامه على القراءة والثقافة والاهتمام بالنشر، ولم تكن زيارته الأولى الى السعودية، فقد سبق له – وفق ما صرح به عيسى لـ”درج” – زيارة معرضي الرياض وجدة، ولم يواجه أي مشكلة.

أبلغت دار النشر لاحقاً السلطات المصرية، وأرسلت ثلاث رسائل إلى رئاستي الجمهورية والوزراء ووزارة الخارجية، ولم تتلقّ حتى الآن أي إشارة أو معلومة عن وضعه.

وصلت الى أسرة ضيوف تطمينات عن مصير ابنهم، كما طُلب منهم في البداية الصمت وعدم إثارة الموضوع، لمصلحة ضيوف نفسه، وفق ناشر مصري، فضل عدم ذكر اسمه، فالصمت يُسهل اتخاذ إجراءات قانونية للإفراج عنه، وهو ما ثبت خطأه لاحقاً، إذ اتُّخذ حجة للتقاعس من بعض الناشرين والمثقفين المصريين.

حل اللغز

استطاعت الأسرة ودار “كتوبيا” توكيل محام سعودي، وعرفوا منه التالي، بعد القبض على الضيوف من أفراد الأمن السعودي، توجّهوا به إلى محل إقامته في أحد الفنادق، وفتشوا أغراضه وحاسوبه وهاتفه المحمول، وحجزوا عليها قبل اقتياده الى جهة غير معلومة، حيث  أمضى شهراً ونصف الشهر في زنزانة حبس انفرادي من دون عرض على النيابة أو تحقيق رسمي أو اتهام واضح.  ونُقل لاحقاً إلى سجن الحائر في جنوب الرياض، من دون عرض على نيابة أو إخطار بالسفارة، ومن دون توجيه اتهام له.

أكد عيسى هذه المعلومات لـ”درج”، وأشار الى أن ضيوف اعتُقل بسبب تغريدة قديمة نشرها على حسابه عام 2018، نقلاً عن الـ”واشنطن بوست“، تفيد بمسؤولية النظام السعودي عن مقتل جمال خاشقجي، إضافة الى خبر آخر عن اعتقال الشيخ سفر الحوالي على يد أفراد الأمن السعودي، بسبب كتابه: “الإسلام والحضارة الغربية”، ومنشور آخر عن اعتقال ثلاثة من أفضل ممن كتبوا في الرقائق القرآنية على يد السلطات السعودية.

ما حدث، أنه بمجرد إعلان ضيوف عن سفره للمشاركة في معرض الرياض في 29 أيلول الماضي، قام أحد المواطنين السعوديين، ويدعى على “تويتر” مناظر السني، بالتنقيب في التغريدات القديمة لضيوف، ودعوة السلطات السعودية للقبض عليه، إذ كتب السني في التغريدة: “خذ بعد هذا الخسيس… أحد الخوارج ببلادنا يرتع ويهاجم الدولة… عدو لدود وأتوا به في مؤتمر الكتاب أرجوكم تفاعلوا واكشفوا أمره… نبغي نمنعه من معرض الكتاب؟”.

أغلق ضيوف حسابه على “تويتر”، لكن المواطن السعودي جمّع التغريدات في صور سكرين شوت. وكل من حاول التوسط لدى السلطات السعودية، للإفراج عن ضيوف وفقاً لعيسى، سواء من سعوديين أو المصريين، تصله رسالة مفادها أن عليه عدم التدخل في الأمر. حاول عيسى أيضاً التواصل شخصياً مع وزيرة الهجرة، لكن لم يحدث أي تحرك.

“لقمة العيش تحكم”

يقول زياد إبراهيم، صاحب دار “بيت الياسمين” وعضو اتحاد الناشرين المصريين، في تصريحات خاصة لـ “درج”، أن “كل التحركات داخل اتحاد الناشرين المصريين للإفراج عن ضيوف تمت فردياً، وليس بصفة رسمية تمثل الاتحاد المصري كمؤسسة، والذي لم يصدر حتى بيان واحد الى الآن”، وهو ما يراه ابراهيم “موقفاً مخزياً من الاتحاد يعبر عن ضعفه”.

سعيد عبده، عضو في اتحاد الناشرين المصريين، هو أحد الكتاب الذين تحركوا بشكل فردي، إذ تواصل مع السفير المصري في السعودية، لكنه لم يصل إلى أي نتيجة. وأثناء انتخابات التجديد النصفي للاتحاد، قُدمت وعود من نيفين التهامي عن دار “كيان”، ومحمد عبد المنعم من دار “سما”، بتحريك المسألة والاهتمام بها أكثر، والأخير  هو أكثر المتابعين لقضية ضيوف حالياً، وفق عيسى.

يقول إبراهيم لـ”درج”، إن أداء الاتحاد المصري للناشرين ضعيف في الأساس، بدليل حصوله على أسوأ الأماكن في معظم المعارض العربية، ففي معرض الرياض مثلاً يوضع الناشرون المصريون في خيمة ملحقة لا يصل إليها الجمهور.

يعتبر ابراهيم أن اعتقال ضيوف حادثة غير مسبوقة، فيما تشهد السعودية جواً من الانفتاح والحريات، تكاد معه مسألة الرقابة المعتادة ومنع الكتب أن تختفي، خصوصاً بعد منع تدخلات هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، التي ظلت لسنوات تحظى بنفوذ وهيبة كبيرين في الشارع السعودي، إذ كان عناصرها يراقبون عن كثب تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في المملكة، قبل تجريدهم عملياً من صلاحياتهم في عام 2016، وقد كانت تدخلاتهم في منع كتب المعارض ومصادرتها، أمراً روتينياً.

ويلفت عيسى لـ”درج”، الى أنه خلال أيام، سيصدر بيان من الاتحاد الدولي للناشرين للإفراج عن ضيوف، ويأمل بأن يشجع ذلك البيان الاتحادين المصري والعربي على اتخاذ خطوات أكثر فاعلية.

لا يتفاءل أحد أعضاء الاتحاد المصري (فضّل عدم ذكر اسمه) بموقف الاتحاد، ولا يتوقع أي شيء “حفاظاً على مصالح الناشرين في معرض الرياض” أو “لقمة عيشهم” على حد تعبيره، ويرى أن الإفراج عن ضيوف يتطلب موقفاً موحداً من الدولة والناشرين المصريين، فحتى لو كان بإمكان السلطات السعودية” منع ناشر أو اثنين من المشاركة في المعرض، فليس باستطاعتها إلغاء الكتاب المصري بأكمله أو  منعه”.

تاريخ من اعتقال المصريين داخل المملكة

أنفقت السعودية في السنوات الأخيرة، مليارات الدولارات على الفعاليات الثقافية والفنية والرياضية، لكن هذا الانفتاح، في ما يبدو، ليس إلا تجميلاً لوجه النظام، ففيما يتهافت النجوم المصريون على مواسم الرياض وحفلات توزيع الجوائز، ويعلنون أن السعودية هي “عاصمة الفن الجديدة”، يتواصل اعتقال مصريين بتهمة التعبير عن آرائهم أو عن تراثهم الثقافي، في ظل تقاعس ملحوظ من الحكومة المصرية التي لا تتدخل لإيقاف أحكام قاسية، أو لتحسين ظروف الحبس الصعبة في السعودية.

 وفقاً لصفحة معتقلي الرأي، المهتمة بالمعتقلين داخل المملكة العربية السعودية، يواجه المعتقلون ظروفاً قاسية داخل السجون، من بينها: العزل الانفرادي، الاختفاء القسري، المماطلة في المحاكمات، المنع من توكيل محام، والتضييف في الزيارات والتواصل مع الأهل.

ما حدث مع ضيوف سبق أن واجهه ثلاثة مصريين في كانون الثاني/ يناير 2020، إذا عتُقل طبيب وشقيقته وزوجها المهندس بتهمة الحديث في السياسة، على خلفية بلاغات كيدية مزيفة، ولم ينكشف خبر القبض عليهم إلا بعد ثلاثة أشهر من الحبس في العزل الانفرادي في سجن ذهبان السعودي، من دون تحقيق أو توجيه اتهام، وقد كُشفت القصة بعدما نشرت صفحة معتقلي الرأي استغاثة بخط يد أهل المعتقلين لإنقاذ ذويهم، وجاء في الرسالة:

“لقد طرقنا جميع الأبواب من وزارة الخارجية المصرية والسفارة المصرية والقنصلية المصرية بجدة، وغيرها دون جدوى، وآخر علمنا أنه تم إيداعهم سجن ذهبان بجدة، وتم نسيانهم حتى الآن دون أي حقوق، لا محامين ولا علاج ولا زيارات”

Text, letter Description automatically generated

قضت محكمة سعودية في تشرين الأول/ أكتوبر 2022،  بسجن 10 مصريين من النوبة لفترات مختلفة وصل أقصاها  إلى 18 عاماً، لمحاولتهم تنظيم فعالية لإحياء ذكرى حرب أكتوبر 1973، في العاصمة الرياض قبل ثلاثة أعوام.

 تجاهلت  السلطات المصرية الأمر، على رغم أن ما فعلوه لا يخص السياسة السعودية بل هو تعبير عن تراثهم الثقافي، كما تم حرمانهم من الحق في الزيارات والمراسلات، بعدما حاول ذووهم التواصل مع مسؤولين حكوميين مصريين.

ترجع وقائع القضية إلى 25 تشرين الأول 2019 حين اعتزم 10 مواطنين مصريين نوبيين في الرياض تنظيم ندوة للاحتفاء بأبرز النوبيين المشاركين في حرب أكتوبر 1973، ووضع إعلان الندوة صورة المشير طنطاوي، والصول أحمد إدريس وجنود النوبة المشاركين في الحرب.

تم اعتقال العشرة قبيل الندوة، تم إخفاؤهم قسرياً والتحقيق معهم بدون حضور محام، دارت التحقيقات حول آرائهم السياسية فيما يتعلق بقضية عودة النوبيين المهجرين من مساكنهم خلال عامي 1963 و1964 أثناء بناء السد العالي، وسبب وضع صورة المشير طنطاوي دون صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رغم أنه شأن مصري خالص.

 أتى ذلك في ظل غياب تدخل الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الخارجية، أو وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، أو القنصلية المصرية في الرياض منذ بدء القضية وحتى اللحظة الحالية رغم حميمية العلاقات بين قيادات البلدين.

أفرجت السلطات السعودية عن 6 من المحتجزين في نفس اليوم، بينما استمر احتجاز الأربعة الباقين لمدد متفاوتة وصل أقصاها إلى شهرين. أثناء فترة الاحتجاز أجرى الدكتور فرج الله يوسف عدة عمليات طبية ومنها عملية بتر في قدمه بسبب وضع القيود فيها، ما أدى إلى إصابته بالقدم السكّري، ثم تمت إعادة اعتقالهم جميعا في يوليو 2020، وتعرضوا إلى الاختفاء لمدة 5 أشهر، وأجرى أحد المعتقلين أول اتصال بأسرته في ديسمبر 2020.

تعرض المعتقلون إلى التعذيب بحسب مذكرة الدفاع المقدمة في يناير مطلع العام الجاري، لكن الادعاء اعترض وأجبرته المحكمة على تعديل مذكرة دفاعه التي تتضمن ذكر كلمة “تعذيب”، كما احتجزوا في سجن عسير الذي يبعد عن مقر المحاكمة ومقر أسرهم في الرياض بقرابة 950 كم، كما منعت الزيارات والاتصالات الهاتفية عن أغلبهم، ولم يسمح لهم الانفراد بمحاميهم، أو التحدث مع ذويهم بمعزل عن الرقابة الأمنية، وهي الأمور التي تؤكد عدم نزاهة أو عدالة المحاكمة.

بالعودة إلى ضيوف، نعلم أنه حلقة في سلسلة من الاعتقالات قررت وزارة الخارجية المصرية فيها عدم الضغط على الجانب السعودي من أجل مواطنيها، في ظل مساعدات تتلقاها الدولة المصرية بانتظام من الحكومة السعودية، والتي قررت في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تمديد أجل وديعة بقيمة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري، ووقعت السعودية في شباط/ يونيو 2022 اتفاقات بقيمة 7.7 مليارات دولار مع مصر، بما في ذلك بناء محطة طاقة بقيمة 1.5 مليار دولار، وقالت إنها تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة “حليف قديم يواجه ضعف العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية”

لكن هل تعني تلك المساعدات، القبول بإخفاء مواطنين مصريين قسرياً وحرمانهم من أبسط حقوق التقاضي ومعاملتهم كرهائن، حتى لو افترضنا جدلاً أنهم ارتكبوا مخالفات قانونية على أرض السعودية؟ أو إصدار بيان من الحكومة السعودية بأسباب القبض عليه؟