fbpx

الحرب على صانعي المحتوى في مصر… بتهمة الإرهاب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السلطات المصرية تسعى إلى حصار مساحات التعبير الجديدة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هو كده للي عايز يعرف، نكسر الشرطة ليه؟ عشان ناخد البلد. نكسر الجيش ليه؟ عشان ناخد البلد، أو نضيعها”… كلمات قالها الرئيس المصري خلال الاحتفال بعيد الشرطة، موجهاً حديثه إلى صناع السينما والدراما لتقديم أعمال تبرز دور الشرطة البطولي، من خلال أعمال قصيرة لا تتعدى الـ5 حلقات.

بعد أيام من هذا الحديث، ألقت قوات الأمن القبض على خمسة من مقدّمي المحتوى الساخر عبر الإنترنت، لتمثيلهم مشهداً بعنوان “الزيارة”، تظهر خلاله فتاة تزور رفيقها في السجن، ليصبح المشهد التمثيلي حقيقة بعد إلقاء القبض على أبطاله، واتهامهم بالإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة.

محمد حسام الدين المعروف ببسة، وبسمة حجازي المعروفة بوردة، وأحمد علي الخولي، وأحمد طارق الشهير بشيكولاته، هم أبطال المقطع الساخر، الذي لم يتجاوز الـ3 دقائق، وحقق آلاف المشاهدات. ألقي القبض عليهم في 25 كانون الثاني/ يناير، بعد نحو أسبوعين من نشر المقطع، ووجّهت إليهم نيابة أمن الدولة العليا، تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر أخبار كاذبة، على ذمة القضية 184 لسنة 2022، وقررت النيابة حبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات.

على رغم أن المقطع لا يحمل إسقاطات سياسية، أو تعدياً لفظياً على الداخلية، ولم يصوّر أي اعتداءات أو انتهاكات داخل السجون، إلا أنه صُنّف في خانة الخبر الكاذب واعتُبر مقدّموه منتمين إلى جماعة إرهابية، لم تحدد ما هي.

يأتي القبض على مقدّمي فيديو الزيارة، بعد يومين من القبض على “أنوش”، التي تصف نفسها بأنها مقدمة محتوى، يتركز غالباً على تفاصيل حياتها اليومية داخل المطبخ.

المحامي محمد حافظ، الذي حضر التحقيقات مع أحمد طارق، أوضح لـ”درج”، أنه “تم القبض على كل من ظهر في المقطع أو شارك في تصويره ورفعه على يوتيوب”، موضحاً أن موكّله سئل في التحقيق عن المكان الذي صوِّر المقطع فيه، وعن سبب التصوير ليردّ بأنه مجرد مقطع ساخر.

يتابع حافظ، أن التهم الموجهة الى الخمسة لا ترقي إلى نشر الأخبار الكاذبة أو الانضمام إلى جماعة إرهابية، لأن المحتوى بالأساس ساخر، ولم يتطرق إلى أمور سياسية، ليصار إلى معاقبة مقدّميه أمام دوائر الإرهاب، كما أنه لا يمكن التنبؤ بأن هذا التوجه أو تلك الاتهامات ستكون الاتجاه السائد مع مقدمي المحتوى في الفترة المقبلة.

يأتي القبض على مقدّمي فيديو الزيارة، بعد يومين من القبض على “أنوش”، التي تصف نفسها بأنها مقدمة محتوى، يتركز غالباً على تفاصيل حياتها اليومية داخل المطبخ، ليُلقى القبض عليها، بتهم الفسق والفجور وخدش الحياء العام.

لم تكن تلك حادثة القبض الأولى على أحد صانعي المحتوى في مصر، ولكن الجديد هو زجّهم في دائرة الإرهاب، وتوجيه تهم توجّه عادة الى معارضين وصحافيين وغيرهم.

في هذا الإطار، توضح أسماء دعبيس، مديرة “مؤسسة بنت النيل” المعنية بقضايا المرأة، أن الأمر هنا يتعلق بالمساس بوضع البلد وحقيقته، فمن يقدم أي محتوى يمس بذلك، سواء الحديث عن السجون أو ارتفاع الأسعار، سيواجه بتهم الإرهاب، مع الاستمرار في حبس نساء ناشطات على “تيك توك”، بالتهم المعتادة، وهي الفسق والفجور وهدم القيم الأسرية.

نشر الأخبار الكاذبة والإشاعات يعتبرها القانون جريمة، ويعاقب وفق المادة 188 من قانون العقوبات، بالحبس (مدة لا تتجاوز السنة) وبغرامة قد تصل إلى 20 ألف جنيه ولا تقل عن 5 آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقاً مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذباً إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

يوضح المحامي مكاريوس لحظي، أن هناك ثلاث مواد في قانون العقوبات تنظم تهم نشر أخبار وبيانات كاذبة وإذاعتها، وهي المواد  80 د، 102 مكرر، 188، وهي مواد فضفاضة تسمح للقاضي بالتحرك خلالها وحبس المتهمين من يوم وحتى خمس سنوات، إلى غرامة تتراوح من 100 جنيه وحتى 20 ألف جنيه، كما أن عبارات تكدير السلم العام أو الإضرار بمصالح البلاد العامة والقومية أو تكدير الأمن العام وغيرها من التهم، هي أيضاً فضفاضة وغير محدّدة.

ويضيف لحظي لـ”درج”، “أما تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية والمنصوص عليها في المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، فهي تهمة موحدة في النوع ده من القضايا، وغالباً هي تهمة صورية بتنزل بهدف منح الاختصاص لنيابات ومحاكم أمن الدولة، اللي المتهم فيها بيكون مجرد من الضمانات المتاحة في القضاء العادي، ويجري استخدامها مع السياسيين وحالياً مع صناع المحتوى”.

ويتّفق لحظي مع دعبيس وحافظ، في أن المحتوى المقدّم لا يتناسب مع التهم، فلا أخبار كاذبة في المقطع، لمواجهة المتهمين بها، كما لا نعرف ما اسم الجماعة الإرهابية التي يواجهون تهمة الانضمام إليها، ولا نعرف شيئاً عن نشاطاتها.

وترى دعبيس أن الأزمة الحقيقية تكمن في استخدام العقوبة القصوى، وغياب مبدأ التدرج في العقوبة، فوفقاً للقانون، هناك بدائل للحبس منها الغرامات المالية أو التدابير الاحترازية التي تفرض على الشخص كعدم مبارحة المنزل، أو زيارة قسم الشرطة في أوقات معينة لمتابعته، والتي يمكن أن يطلق عليها عقوبات صديقة للحرية، لكن لا يتم استخدامها أو اللجوء إليها، مشيرة إلى أن فترات الحبس الطويلة لا تكون رادعاً لمنع تكرار الجريمة، إذا تم الاتفاق على أنها جريمة تستوجب عقاباً، ولكن تأتي بمردود سلبي، فبعد تلك الفترات الطويلة من الحبس، يخرج الشخص محملاً برغبة في الانتقام وتكرار “الجريمة”.

“مؤسسة حرية الفكر والتعبير”، أعدت ملفاً بحثياً حول مقدمي وصانعي المحتوى وملاحقتهم أمنياً، وأوضحت أن النيابة العامة تقوم بدور رقابي لمستخدمات الإنترنت ومستخدميها، لتقييم سلوكهم الاجتماعي، بغرض إحالة من لا ترضى عن سلوكياتهم إلى المحاكمات.

في نيسان/ أبريل 2020، باشرت النيابة العامة حملة واسعة، ضد صانعات المحتوى على “تيك توك” ومن يساعدهن، نتج منها القبض على 15 شخصاً معظمهم من النساء. حرَّكت النيابة العامة دعاوى قضائية تباعاً ضدهم، ما وضعهم في مواقع قانونية مختلفة، طبقاً لسياق كل قضية ونوعية الاتهام الموجّه فيها. أخذت المحاكم المصرية تصدر أحكام إدانة، وصلت في بعض الحالات إلى الحكم بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة مالية بلغت 200 ألف جنيه، وفقاً لـ”مؤسسة حرية الفكر والتعبير”.

وأوضحت المؤسسة أن تلك الحملة الممنهجة غير المسبوقة التي قادتها النيابة العامة، والتي أدت إلى هذه الدعاوى، كشفت عن تقاطعات هذه القضايا مع حرية التعبير الرقمي، وهو الحق الذي تتضح أهميته وضرورة ترسيخه، فانتشار جائحة “كورونا”، أدى إلى مكوث المواطنين والمواطنات في منازلهم واللجوء إلى التخفيف عن أنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتوازي مع ذلك، كانت السلطات المصرية تسعى إلى حصار مساحات التعبير الجديدة… وهو حصار ممتد حتى الآن.