fbpx

بوتين… مطاردة الصحافة المستقلّة ودفع المجتمع المدني إلى سراديب الموتى

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يحارب الكرملين وسائل الإعلام المستقلة، يغلق مواقعها ويطارد الصحافيين والمحررين، ليحافظ على سرديته الرسميّة التي تصف الحرب على أوكرانيا، بعملية عسكرية نوعية هدفها الدفاع عن روسيا وشعبها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إن كنت تريد أن تعرف كيف ستكون روسيا في عام 2023، عليك أن تجمع روايتي “1984” لجورج أورويل و “أليس في بلاد العجائب” للويس كارول، لتفهم المقصود. إنه مزيج غريب، الأشياء معكوسة بطريقة غير مألوفة، فالحرب سلام والجهل قوة.

بنى الكرملين نوعاً من الواقع البديل، الذي يروّج له وينشره في وسائل الإعلام الحكومية ليلاً نهاراً، وتظهر فيه روسيا على أنها الضحية، أما أوكرانيا والغرب، فهما “المعتدون الذين بدأوا الحرب”.

الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الصحافة المستقلة، طاولت حتى وسائل الإعلام التي تنشط خارج روسيا، هرباً من قمع الكرملين وكراهيته للأصوات المستقلة التي تنتقد سياساته المدمّرة للمجتمع الروسي. 

 موقع ميدوزا الذي يحظى بشعبية واسعة في أوساط الروس في الاتحاد الفيدرالي، والأكثر متابعة وقراءة من أفراد الجاليات الروسية في جميع دول العالم مُستهدف، إذ أصدر المدعي العام الروسي قراراً حظر بموجبه الموقع في روسيا لأنه “يشكل تهديداً أمنياً للبلاد، وخطراً كبيراً على النظام الدستوري في الفيدرالية الروسية”. كما ورد في بيانه الذي وزّعته وكالة “تاس” الروسية، ما مفاده أن “ميدوزا” كيان غير مرغوب فيه”.

بدأت حرب بوتين على الصحافة الروسية المستقلة قبل شن الحرب على أوكرانيا، بوقت طويل، وفق ناشرة ومديرة تحرير “ميدوزا” المعارض غالينا تيمنشيكو، التي خاطبت في ندوة عقدت عبر الإنترنت، العالم داعيةً منظماته الحقوقية والصحافية إلى الضغط على النظام لوقف تهديد الصحافيين الروس الذين أُرغموا على الهجرة والعمل من الخارج.

 شارك في الندوة التي نظمها المعهد الدولي للإعلام – IPI في فيينا، بعنوان “هل ستصمد الصحافة المستقلة في مواجهة قمع الكرملين وملاحقاته؟”، عشرات من الصحافيين الروس المقيمين في الخارج، وممثلين عن الهيئات والمنظمات الصحافية  الأوروبية والدولية، وقالت تيمنشيكو في مداخلتها “حجبت هيئة الرقابة الروسية الموقع  بعد أيام معدودة من شن الكرملين الحرب على أوكرانيا، ما دفع عدداً كبيراً من المحررين والعاملين إلى مغادرة روسيا خوفاً من الملاحقة والسجن، في حين  قرر القليل منهم البقاء ومواصلة العمل على رغم الأخطار المحدقة، وكتابة التقارير الإخبارية والتحليلية من الميدان، وإيصالها الى القراء والمشتركين عبر برامج خاصة على الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي ويوتيوب”.

تحديات غير مسبوقة أمام الصحافة المستقلة

لم يمنع حجب الموقع القراء الروس من الوصول إليه والاطلاع على المحتوى، والمفارقة أن عدد متابعي الموقع ارتفع إلى أكثر من مليوني قارئ ومتابع.كما يعمل في الموقع مراسلون من داخل روسيا وآخرون في أوكرانيا بقيت هوياتهم ومناطق وجودهم سرية لحمايتهم وعائلاتهم من أي أخطار تهدد حياتهم أو عملهم.

يتضح من تقارير أعدها صحافيون مستقلون ومعارضون ما زالو في روسيا، أن السلطات الأمنية الروسية أعدت لوائح بأسماء الصحافيين والمحررين ممن يعملون في مؤسسات إعلامية مستقلة، حاصلة على تمويلات من مؤسسات دولية وأوروبية، لتصنيفهم كعملاء أجانب وفق  بنود القانون الروسي الجديد.

الصحيفة المستقلة الثانية التي كانت تقضّ مضاجع بوتين بتحقيقاتها الاستطلاعية عن فضائح الفساد ضمن هرمية السلطة، ومؤسسات الدولة والأوليغارشيا المرتبطة بالحكم، هي “نوفايا غازيتا“، التي أصدرت محكمة روسية حكماً، بإيعاز من بوتين، لإلغاء ترخيص وامتياز صدورها، في إطار عقوبات صارمة، سببها اتخاذ هيئة تحريرها موقفاً صريحاً ينتقد الحرب على أوكرانيا ويدينها. ووُجهت إلى الصحيفة تهمة عدم الالتزام والتقيد بالتعليمات الرسمية بتسمية (العملية العسكرية الخاصة) بالحرب. كما حظرت السلطات الموقع الإلكتروني للصحيفة، الذي أسسه عدد من الصحافيين المستقلين الذين فروا من روسيا. وقال رئيس تحرير الصحيفة ديمتري موراتوف، الحائز جائزة نوبل للسلام”، إن الرسالة الأكثر أهمية اليوم، هي أن يفهم الناس أنّ هناك حرباً جارية، علينا مساعدة الأشخاص الأكثر عرضةً للمعاناة، وبخاصة اللاجئين الأطفال مع أسرهم”. 

الحرب التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الصحافة المستقلة، طاولت حتى وسائل الإعلام التي تنشط خارج روسيا.

أدرج الكرملين موقع “ميدوزا” في العام 2021، تحت بند (عميل اجنبي) في روسيا،  بموجب قانون الجهات (غير المرغوب فيها)، الذي يتضمن عقوبات بالسجن قد تصل الى 6 سنوات، أو دفع غرامات مالية باهظة على كل  مواطن روسي، سواء كان صحافياً أو قارئاً عادياً.

هذه البنود القانونية تشمل جميع مواقع الإعلام المستقلة، بما فيها تلك التي هاجرت الى الخارج مثل “ميدوزا”، كما استُخدم هذا التصنيف بشكل واسع ليشمل جميع المعارضين والصحافيين والناشطين الحقوقيين في روسيا. 

آخر ضحايا هذا القانون “مجموعة موسكو هلسنكي”، التي تعد أقدم منظمة حقوفية روسية، إذ أمرت محكمة في موسكو بإغلاق هذه المنظمة، سبقها قرار رسمي بوقف عمل “منظمة مموريال غير الحكومية” الحائزة جائزة نوبل للسلام، التي عملت لثلاثة عقود على فضح حملات التطهير الستالينية ثم عمليات القمع في عهد بوتين، قبل أن تصبح هي نفسها ضحية لها. 


يلزم القانون المدعي العام، وهيئة الرقابة (روسكومنادزور)، الحجب الفوري لأي موقع تُوجَّه إليه تهمة نشر الأخبار الكاذبة، أو المس بهيبة الدولة، وفرض غرامات مالية عقاباً على نشر أخبار كاذبة، تتراوح قيمتها من 30 حتى 500 ألف روبل (من 460 حتى 7750 دولاراً تقريباً)، حسب تهمة المخالف.

ومنعت هيئة الرقابة على وسائل الإعلام (روسكومناندزور) خلال العام الماضي وحتى الآن، أكثر من 82 ألف موقع وصفحة على الإنترنت. وأدت قرارات قمع الصحافة المستقلة الى تراجع روسيا من المرتبة 150 إلى المرتبة 155، لتكون سوية مع بيلاروسيا وأفغانستان، في مؤشر حرية الصحافة الذي أعدته منظمة “مراسلون بلاد حدود” في العام  2022. 

الاستقالة ارحم من السكون والسجن

ماريانا ريبو(34 عاما)، صحافية روسية اضطرت للاستقالة بعد عشر سنوات من العمل في مجلة روسية متخصصة بالعلوم والثقافة والتاريخ في موسكو، سبب استقالتها كان طلب رئيسها في العمل منها شطب ما كتبته من انتقادات وإدانات للحرب على أوكرانيا في شبكات التواصل الاجتماعي.

تقول ريبو التي تحمل درجة دكتوراه في الفلسفة، أنها لم تتطرق في كتاباتها في المجلة الى أي موضوع سياسي، واقتصرت مقالاتها على قضايا ثقافية وتاريخية وفلسفية، وتضيف “وجهت منذ اليوم الأول انتقادات للحرب، وأعلنت رفضي لها على وسائل التواصل الاجتماعي ومن ضمنها يوتيوب. وما أثار سخط رئيسي وزملائي في العمل هو مواصلتي التعبير عن موقفي الرافض على رغم الضغوط، وازدادت حدة الترويع  بعد توقيعي على مذكرة جماعية ترفض الحرب… توقفت عن الكتابة الآن، لا بسبب خسارتي وظيفتي، وإنما تحسباً للغرامات والعقوبات الواردة في القانون التي قد تصل حد السجن”.

مجموعات إعلاميّة ضد الكرملين

أنشئت المجموعات المناهضة  للكرملين وحربه على أوكرانيا في  شهر تموز/ يوليو 2022 الماضي، مؤسسة “روسكومسفوبودا”، التي تتبع المعلومات المحظورة عبر الإنترنت، وقد تمكنت من رصد أكثر من 5.300 موقع وروابط محظورة، ويأتي جهد المنظمة بمواجهة  المدعي العام الروسي الذي أعلن عن خضوع  138 ألف موقع إلكتروني للرقابة العسكرية. كما غُرِّم الصحافيون وحوكموا لنشرهم “أخباراً كاذبة” عن الجيش و”تشويه سمعة” القوات المسلحة. وفي أوائل شهر أيلول / سبتمبر، حُكم على الصحافي إيفان سافرونوف بالسجن 22 سنة لنشره تقريراً عن صفقات الأسلحة العسكرية الروسية والجيش الروسي.

 وصول المواطنين الروس إلى المعلومات البديلة، يساعد بفعالية في تقويض دعاية الكرملين التي نجحت في خداع المجتمع، إذ يرى نصف من شارك في الاستطلاع الذي أجراه مركز  “ليفادا”  المستقل، “أن المعلومات التي تنشر في مواقع روسية مناهضة للنظام “تضليلية” و”مزيفة”، فيما يرى ثلثهم أنها قد لا تكون مزيفة وكاذبة، ولكنها تخدم أعداء روسيا، أما من تبقى فلم يكن يبالي بما يحصل.

يكشف الاستطلاع  عن كيفية تمكُّن الكرملين من إدارة المجتمع، منذ بدء الحرب، كما يعكس تبلور وتشكّل بعض التوترات الأساسية، التي بدأت بالظهور على سطح  العلاقات المجتمعية وتوجهات الرأي العام. ويرى معدا الاستطلاع أندريه كوليسنيكوف من “مركز كارنيغي” ودينيس فولكوف من “ليفادا“، “أن بوتين خلال 23 سنة من سيطرته على الحكم، لم يرسخ نظاماً شديد الوحشية فحسب، بل نجح أيضاً في تنويم كثر من الشعب الروسي، الى درجة أنه تمكن من دفع المجتمع المدني الى حد كبير، إلى سراديب الموتى، ويبدو أن حكمه ثابت لا يتزعزع”.

الدعاية البوتينية وتوجهات الرأي العام الروسي

 ضمن هذا المناخ الملتبس للغاية في نهج الكرملين السياسي، يتسم موقف الرأي العام الروسي من الحرب بالتعقيد، إذ اظهر الاستطلاع الذي أجري في الفترة بين شباط/ فبراير – آب / أغسطس من عام 2022، “أن 70 في المائة من الروس يدعمون حرب بوتين في أوكرانيا”، وهي حالة مماثلة لتلك التي تشكلت بعد احتلال القرم عام 2014، حينها ارتفعت نسبة التأييد والدعم الشعبيين لزعيم الكرملين بشكل هائل، ويشير الاستطلاع إلى “أن العقوبات الغربية وقيود السفر، لم تترك تأثيرات سلبية ملموسة حتى الآن في شعبية بوتين” .

يقدم الروس عند سؤالهم عن سبب دعمهم “العملية الخاصة”، أسباباً متنوعة وفق الاستطلاع السابق، إذ أعرب بعضهم عن دعمهم الصريح لشن الحرب، وزعموا أن روسيا ليس لديها خيار آخر سوى غزو أوكرانيا، في حين هناك فئة تفضّل اتباع الحكاية الرسمية بصورة سلبية.

تصبح هذه الاختلافات أكثر وضوحاً عندما يُطلب من الروس وصف مشاعرهم في شأن الحرب. إذ وفق الاستطلاع الذي أُجري في شهر آذار/ مارس، قال المستطلعون في غالبيتهم – 51 بالمئة – إن الحملة العسكرية في أوكرانيا أثارت مشاعر “الفخر بروسيا”، وأنهم يدعمونها “بشكل مطلق”، غير أن عدداً آخر  كانت لديه آراء مختلفة بشكل واضح، إذ قال 19 في المئة إنهم شعروا “بالغضب والانزعاج” و”العار” أو “الاكتئاب واليأس”. بينما شعر 31 بالمئة “بالقلق والخوف والرعب”؛ في حين شعر 12 بالمئة “بالصدمة”. وفي المحصلة، تتناقض هذه المجموعة من المشاعر السلبية التي عبر عنها ما يقارب نصف المستطلعين مع نسب سنة 2014، عندما كان الروس إيجابيين للغاية في شأن ضم شبه جزيرة القرم.

يمكن القول إن الإعلام الروسي المستقل في الخارج، وعلى رغم التحديات التي يواجهها، يلعب دوراً مهماً في التصدي للبروباغندا البوتينية، وسياسات ما بعد الحقيقة التي تهدد إدراك “الشعب” حقيقة الحرب على أوكرانيا، خصوصاً أن جهود الكرملين لا تتوقف عند منع وسائل الإعلام المستقلة، بل تتعداها أيضاً  الى إنتاج حكايات عن الحرب بوصفها “عملية عسكرية خاصة” هدفها الدفاع عن روسيا وشعبها.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.