fbpx

ضربة أصفهان وحرب الظل بين إيران وروسيا 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أوروبا كما الولايات المتحدة، لا تهدف إلى الصدام النهائي والمباشر مع روسيا، بينما تتّجه، على رغم الدعم العسكري الهائل لكييف، إلى تقييده عند مستوى لا يجعل الأمور تتخطى هذه النتيجة الصعبة من المواجهة المباشرة التي تؤثر في توازنات القوى العالمية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فرضت الحرب الروسية – الأوكرانية انعطافة جديدة في الأولويات والمقاربات الغربية والأميركية تجاه ملفات إقليمية، منها إيران، بما يجعل الدور الإسرائيلي (والوكلاء الآخرين في المنطقة) ضرورياً إلى جانب الضغوط الاقتصادية بفعل سلاح العقوبات. فالمسيرات الإيرانية التي اعتمدت عليها موسكو في تدمير البنية التحتية في أوكرانيا، ترشّح وجود مستوى تعاون غير مسبوق بين البلدين، وذلك بداية من الحصول على أنظمة دفاعات جوية من موسكو، مروراً بالاستفادة من العلماء الروس في تطوير المشروع النووي الإيراني، وقد ساهمت الأخيرة بتزويد إيران بالوقود في محطة بوشهر النووية. كما كشف البرلمان الإيراني، عن اقتراب تسليم موسكو إيران مقاتلات “سو-35″، فضلاً عن أنظمة دفاع جوي ومروحيات.

هذه الشراكة الأمنية والعسكرية والتكنولوجية الممتدة الى نطاقات متفاوتة واستراتيجية، منها الاقتصاد والتجارة والطاقة، تجعل التهديدات الجيوسياسية والأمنية التي تواجه الغرب، أولوية قصوى وملحّة. وكان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، قال: “تُقدم روسيا لإيران مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري والتقني الذي يغيّر علاقتهما”. 

على رغم إعلان وزارة الدفاع الإيرانية أن هجوم أصفهان “فاشل”، إلا أنّ المصادر الغربية وصفته بـ”الدقيق”.

ضربة أصفهان

لا تبدو الضربة التي استهدفت إحدى المنشآت العسكرية في مدينة أصفهان، مباغتة. لكن هناك جملة سياقات تبعث بدلالات جمّة، منها تنامي التعاون العسكري الروسي – الإيراني، والمخاوف من انتقال الصواريخ الباليستية بعد المسيرات الى الحرب في أوكرانيا، التي أعلنت عدم قدرتها الدفاعية الجوية على التصدّي لها.

وفيما لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها المباشرة عن الاستهداف، فإنّ صحفاً أميركية نقلت عن مسؤولين أميركيين، ضلوع “الموساد”، وهو ما أكده البنتاغون أيضاً. كما أنّ مستشار فريق المفاوضات النووية الإيراني، محمد مرندي، لمّح إلى دور ضمني لإسرائيل، وهدّد بضربات قوية في المقابل.

تزامنت الضربة مع بدء زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، المنطقة، ووجود مدير المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، في إسرائيل. وإلى جانب التوقيت المهم لناحية التطورات السياسية في إسرائيل وحكومة بنيامين نتانياهو اليمينية، فالضربة العسكرية التي نُفذت بثلاث مسيّرات بينما لم تستهدف منشأة نووية، كما جرت العادة، حدثت في اليوم ذاته لزيارة (غير معلنة) مدير المخابرات الأميركية إلى تل أبيب. 

على رغم إعلان وزارة الدفاع الإيرانية أن هجوم أصفهان “فاشل”، إلا أنّ المصادر الغربية وصفته بـ”الدقيق”.

تزامن الحدث مع هجمات أخرى في مناطق عدة، جميعها يتصل بالدور أو بالأحرى الدعم العسكري الإيراني لروسيا في حربها ضد كييف. وهو ما يؤشر إلى وجود إدارة سياسية لهذه الحوادث بينما تستعين بقوة صلبة وعمليات خشنة لتحقيق هدف محدّد. إذ استُهدف أحد مستودعات الأسلحة التي تنقل إلى روسيا في مدينة رشت المطلة على بحر قزوين، شمال إيران. والاستهداف الثاني كان في مدينة همدان وطاول “قاعدة نوجيه الجوية”، والتي كانت قاعدة للقوات الروسية عام 2016 لضرب أهداف في سوريا. وضمت هذه القاعدة، التي سهلت على الطيران الروسي التزود بالوقود وغيره من الأمور اللوجيستية، طائرات سوخوي 30 وفق الصفقة الروسية – الإيرانية، راهناً. والاستهداف الثالث كان لمواقع تابعة للحرس الثوري، شرق طهران، مخصصة لتطوير الصواريخ الباليستية.

استهداف مواقع ترتبط بالدولة العميقة في طهران، التي تضطلع بدور مباشر في شأن استمرار التعاون العسكري الروسي- الإيراني، يبدو عملية مقصودة ومتعمّدة، في ظل الإصرار الإيراني الذي، في ما يبدو، لن يتنازل عن خططه في هذا الاتجاه، بل يسرع الوتيرة في مقابل سياسة العقوبات الأوروبية والأميركية. وعلى رغم الاتجاهات المعارضة في صفوف بعض النخب الحاكمة في إيران، على خلفية الضغوط الاقتصادية والأزمات السياسية، فضلاً عن العزلة الديبلوماسية، ما زال جناح المرشد الإيراني والحرس الثوري يرى استفادة في تطوير العلاقات مع موسكو لهذا المنحى الاستراتيجي والحصول على تقنيات متطورة من الأسلحة، كالصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية.

نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين قولهم، إنّ “إسرائيل مسؤولة عن هجوم سري بطائرات مسيّرة استهدف مجمعاً دفاعياً في إيران”. غير أنّ كيربي، رفض التعليق على الأمر، على نحو مباشر، وهو نفسه الموقف الغامض الذي يحمل تأويلات متفاوتة. وقال كيربي إنّ التدريبات العسكرية المشتركة بين القيادة المركزية الأميركية والجيش الإسرائيلي في المنطقة، ينبغي أن تكون بمثابة “رسالة إلى أيّ شخص في المنطقة يريد دعم الإرهابيين، وللذين يريدون تطوير برنامج صاروخي باليستي خطير، ويريدون تحدّي الأمن في المنطقة أو تهديده”.

في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، أشار كيربي: “يسعدنا أن نكون قادرين على القيام بهذا التدريب، وسنواصل العمل بشكل وثيق مع شركائنا في جيش الدفاع الإسرائيلي لمواجهة التهديدات والتحديات المشتركة، ومن دون شك، التهديد والتحدي الأكثر شيوعاً في المنطقة الآن، ينبع الخطر الأكبر من طهران”.

يكاد لا يختلف هذا الموقف عن ردود فعل إسرائيلية بشأن مواجهتها المتشددة احتمالات تزويد إيران روسيا بصواريخ باليستية. حتى إن وكالة الأنباء الإيرانية “مهر” نشرت مقالاً، قبل وقوع الهجمات الأخيرة بأيام، لمّح إلى تصعيد إسرائيلي محتمل ضد إيران، على خلفية التعاون العسكري بين طهران وموسكو. وجاء في المقال: “في الظاهر، لا يبدو للمتابعين الجديّين أنّ هناك ارتباطاً مباشراً بين تنفيذ تل أبيب اعتداءً مفاجئاً على طهران، يسبق حصول الأخيرة على قاذفة استراتيجية مثل “سوخوي 35″ الروسية، وبين إعادة تحريك عجلة الاتفاق النووي وتخطّيه التعقيدات الأخيرة”.

وعليه، فالمنشأة التي طاولها الهجوم في أصفهان هي لصناعة الطائرات المسيرة شاهد “136”، وهي تعد ضمن المسيّرات التي قدمتها إيران لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. الأمر الذي يبعث برسالة مباشرة مفادها أنّ هذه الضربة تختلف عن كل حروب الظل بين طهران وتل أبيب، ولا تعنى بتقويض المشروع النووي الإيراني، مع العلم بوجود أربع منشآت نووية في أصفهان، بقدر ما تتجه إلى روسيا، وتسعى إلى مضاعفة كلفة المساعدات المتبادلة بين الأخيرة وموسكو.  

في ما يبدو، ينقل التعاون العسكري بين موسكو وطهران، على تخوم الحرب الروسية – الأوكرانية، الصراع إلى مستوى آخر خارج أوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط. وتتخذ إسرائيل خطوات إجرائية عنيفة بالتزامن مع ارتفاع مستوى التنسيق العسكري مع الولايات المتحدة، في ظل تراجع الاهتمام بإحياء الاتفاق النووي.

واشنطن وتل أبيب، شاركتا في الفترة الأخيرة، في أكبر تدريب عسكري، انخرط فيه أكثر من 7500 فرد من الجانبين، لجهة اختبار إمكاناتهما على تدمير أنظمة الدفاع الجوي وطائرات التزود بالوقود، “في خطوة قد تكون تمهيدية لضربة عسكرية كبيرة ضد إيران”، وفق صحيفة “جيروزالم بوست” الإسرائيلية. كما ذكرت الصحيفة الإسرائيلية أنّ معظم أجهزة الاستخبارات الغربية والمصادر الإيرانية نسبت الفضل إلى الموساد في هجمات مماثلة، منها منشأة نطنز النووية، الإيرانية، في تموز/ يوليو 2020، ومرفق نووي مختلف في نطنز، في نيسان/ أبريل 2021، ومنشأة نووية أخرى في كرج، في حزيران/ يونيو 2021، إضافة إلى تدمير قرابة 120 طائرة إيرانية من دون طيار أو أكثر في شباط/ فبراير 2022.

وبينما لمّحت تقارير غربية إلى دور بطاريات وصواريخ “أس 300” الروسية في تطوير الدفاعات الجوية الأرضية لإيران، والتي توفر الحماية لبنيتها النووية، فإنّ احتمالات حصول الأخيرة على “أس-400” الروسية قد تضاعف قدراتها الدفاعية الجوية بعيدة المدى، فضلاً عن صفقة الطائرات المعلقة “سو-35”. 

وضمن هذا السياق، كان لافتاً انخراط مستشار الرئيس الأوكراني، مخايلو بودولياك، في ردود الفعل التي صدرت في أعقاب الهجوم الذي حدث في أصفهان، وذكر أنّ ما حدث في إيران له ارتباطات مباشرة بما يجري في كييف.

وغرد بودولياك على حسابه الرسمي على “تويتر”: “منطق الحرب لا يرحم وفتاك. يحاسب المسؤول والمتواطئ بحزم… ليلة متفجرة في إيران… إنتاج مسيّرات وصواريخ ومصاف نفطية. حذرناكم”.

وتبرز التحولات الطارئة ما هو أبعد من الاستفزازات التي عُرفت بحروب الظل المتبادلة بين إيران وإسرائيل. فنتانياهو كشف عن تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاعية، وتحدث عن نقل الولايات المتحدة مخزوناً من ذخيرة المدفعية (المخصصة لإسرائيل) إلى كييف.

وقال إنّ “الولايات المتحدة أخذت جزءاً كبيراً من الذخائر المخصصة لإسرائيل ومررتها إلى أوكرانيا، وبصراحة فإنّ إسرائيل أيضاً تتصرف بطرق لن أفصلها هنا ضد مصانع الأسلحة الإيرانية التي تستخدم ضد أوكرانيا”.

كما أنّ توسع نطاق الصراع في ظل الاستقطاب الدولي على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية، يبدو المتغير الجديد هنا. وثمّة ملامح تؤكده، بداية من استقبال روسيا، قادة فصائل عسكرية عراقية ولائية، مصنفين على قوائم الإرهاب، ومدعومين من إيران. مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه الزيارة أو بالأحرى الاستضافة الروسية، لا تتضمن أفراداً من الدوائر الحكومية والرسمية الممثلين في “هيئة الحشد الشعبي”. وهنا تتبدى عملية ظهور الوكلاء ضمن النزاع الدولي المحتدم، وبالدرجة ذاتها يبدو منطقياً الاحتكاك والصدام بين طهران وتل أبيب.

في المحصلة، فإنّ أوروبا كما الولايات المتحدة، لا تهدف إلى الصدام النهائي والمباشر مع روسيا، بينما تتّجه، على رغم الدعم العسكري الهائل لكييف، إلى تقييده عند مستوى لا يجعل الأمور تتخطى هذه النتيجة الصعبة من المواجهة المباشرة التي تؤثر في توازنات القوى العالمية. وقد أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، استبعاد تقديم طائرات “إف 16”. وعوضاً عن الوقوع تحت وطأة مغامرة غير مضمونة العواقب، تبدو دائرة استنزاف روسيا أكثر حيوية وعملية في مناطق ليست من بينها أوروبا أو ما يهدد مصالحها الجيوسياسية. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.