fbpx

من هو أندرو تيت الذي حشد جيشاً من الذكوريين الغاضبين؟ 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بالنسبة إلى شبان يمرون بمرحلة عمرية حساسة تتشكل فيها شخصياتهم، شكل تيت نموذجاً جاذباً يُحتذى به لتحقيق شهرة وثروة كتلك التي حققها، خصوصاً أن المحتوى الذي يقدمه بمتناول يد الشبان بشكل مستمر، نتيجة نشاطهم الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“إذا أقحمتِ نفسكِ في وضعية تُعرضك للاغتصاب، فعليكِ تحمل جزء من المسؤولية”، “توقفوا عن التعامل مع تصرفات الرجال الطبيعية على أنها اغتصاب”، “النساء ملكية الرجال”، هي بعض مواقف صانع المحتوى البريطاني- الأميركي المليونير أندرو تيت، أو “ملك الذكورة السامة” كما يسميه منتقدوه، والذي اكتسب شهرة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة بسبب فيديواته وآرائه المثيرة للجدل والكارهة للنساء والأفكار النسوية وأفراد مجتمع “الميم/ عين”، حتى أصبح ثالث أكثر شخصية بحث عنها الناس حول العالم على محرك البحث “غوغل” عام 2022.

من هو أندرو تيت؟

برز اسم تيت (36 سنة) للمرة الأولى مع احترافه رياضة الكيك البوكسينغ، وكان من أشهر لاعبي الوزن الخفيف وحقق ألقاباً عالمية قبل أن يتقاعد وينتقل للعمل في مجال التلفزيون.

عام 2016، شارك تيت في برنامج تلفزيون الواقع المشهور “بيغ بروذر” وتعرض للإقصاء، بسبب فيديو له وهو يعتدي بالضرب على امرأة. 

قرر تيت حينها الانتقال إلى عالم الانترنت حيث سيتمكن بكل حرية من نشر مواقفه المؤيدة للهيمنة الذكورية المطلقة، وأرائه الميسوجينية المحتقرة للنساء وانتقاداته اللاذعة للحركات النسوية، إلى جانب نصائحه للشباب عن النجاح وجمع الثروات، ومنها أنه “يمكن لأي شخص أن يشتري سيارة فيراري أو لامبورغيني”.

في فيديواته التي حصدت ملايين المشاهدات، يقول تيت إن “النساء اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي يجب أن يتحملن بعض المسؤولية”، معتبراً أن المرأة “تُمنح للرجل وهي ملكيته”، ومتباهياً بأنه يفضل “مواعدة النساء اللواتي يبلغن من العمر 18 و19 سنة لأنه يستطيع أن يترك بصمة عليهن”. 

إلى جانب ذلك، روج تيت نفسه على أنه خبير في التنمية الذاتية للرجال، وأسس أكاديمية رقمية تقدم دروساً مدفوعة تساعد الرجال على اكتساب مهارات الأغنياء”، بحسب ما يدعي.

اللافت كان تسجيل حوالي 127 ألف اشتراك في الأكاديمية، التي أكد خبراء التسويق، أنها تقوم بالاحتيال على المشتركين حيث يقوم كل عضو بالحصول على عمولات إذا نجح في إقناع أعضاء آخرين بالانضمام للاستفادة من الدروس ومشاركة مقاطع فيديو التي ينشرها تيت، بحسب صحيفة “الغارديان”

إضافة إلى مواقفه الحاقدة على النساء، هاجم تيت الأشخاص الذين يتلقون علاجاً نفسياً، قائلاً إن “الاكتئاب ليس حقيقياً”، مشيراً إلى أن بإمكانه علاج الناس باستخدام “حيل العقل”. 

تابع الملايين حول العالم حسابات تيت على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل عدد المشاهدات لفيديواته على منصة “تيك توك” إلى حوالى 11 مليار مشاهدة، وبسبب مواقفه المتطرفة تعرضت حساباته للحظر من قبل منصات “تويتر” و”فيسبوك” و”انستغرام” و”تيك توك”.

وفي خطوة أثارت المزيد من الجدل حوله، أعلن تيت في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 اعتناقه الإسلام وظهر في فيديو وهو يؤدي الصلاة في أحد المساجد في دبي. 

قال تيت: “يجب على أي مسيحي يؤمن بالخير ويفهم المعركة الحقيقية ضد الشر أن ينتقل إلى الإسلام”، خطوة تيت تلك ساعدته على حصد المزيد من المعجبين في العالم العربي، وهو ما تمكن ملاحظته من خلال رصد التعليقات العربية الداعمة له، والتي تدافع عنه بشراسة أمام منتقديه.

في فيديواته التي حصدت ملايين المشاهدات، يقول تيت إن “النساء اللواتي تعرضن للاعتداء الجنسي يجب أن يتحملن بعض المسؤولية”

تأثير تيت أبعد من مواقع التواصل الاجتماعي 

في تقرير “الغارديان” بعنوان “كيف توغلت أيديولوجيا تيت الملتوية إلى المدارس البريطانية”، عبر أولياء أمور طلاب بعض المدارس والمعلمين في بريطانيا عن تخوفهم من انتشار تيت كظاهرة محبوبة لدى الطلاب الصغار والمراهقين، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الطلاب يتابعونه على منصة “تيك توك”، ويعتبرونه أيقونة لأنه “قوي وغني”. 

ظاهرة تيت دفعت ببعض المدارس البريطانية إلى تخصيص ورش عمل للتلامذة والمعلمين، تركز على تيت والمحتوى الذي يقدمه، وتهدف إلى تثقيفهم حول العنف القائم على النوع الاجتماعي وأساليب التلاعب النفسي التي يمكن أن يتعرضوا لها، وتشرح لهم معنى كلمة الاغتصاب التي يرددها الأطفال الأصغر سناً نقلاً عن تيت دون أن يفهموا خطورة معناها الحقيقي.

ونشر موقع “بي بي سي” البريطاني نصائح بعنوان “كيف تتحدّث مع أولادك عن أندرو تيت؟” وفيها توجيهات للأهل حول كيفية التحدث مع أطفالهم عن تيت وما يقدمه من محتوى، وتوعيتهم عن مخاطر خطابه الذي يحرض على العنف والتمييز ضد النساء، وعن ضرورة مساءلة كل ما يرونه على الإنترنت، خصوصاً إذا ما شعروا بأن المحتوى يصل إليهم عن طريق خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي المخصصة لترويج المحتوى المثير للجدل.

تقول عالمة الاجتماع جانجا لاليش لمجلة “نيوزويك” الأميركية، إن تأثير تيت على الفتيان والمراهقين يعود لكونه نجح في تقديم نفسه على أنه شخصية مميزة، فهو مشهور وغني، ويتمتع بالنفوذ الذي يمكنه من الحصول على ما يريد، بالإضافة إلى ادعائه أنه يملك كل الحلول لمشاكل الذكور بفعل “خبرته الغنية”.

بالنسبة إلى شبان يمرون بمرحلة عمرية حساسة تتشكل فيها شخصياتهم، شكل تيت نموذجاً جاذباً يُحتذى به لتحقيق شهرة وثروة كتلك التي حققها، خصوصاً أن المحتوى الذي يقدمه بمتناول يد الشبان بشكل مستمر، نتيجة نشاطهم الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي.

في كلمة لها داخل البرلمان البريطاني، أشارت عضو “حزب العمال” أليكس دايفس-جونز إلى التأثير الخطير والضرر الذي قد تلحقه أفكار تيت ومواقفه على الصغار والمراهقين الذين يتابعونه، وتلقت إثر ذلك تهديدات بالاغتصاب والقتل، في ما يبدو وكأنه إشارة واضحة على أن الضرر الذي حذرت منه جونز قد وقع بالفعل.

محاولات تيت للإفلات من العقاب

“أنا لست مغتصباً، ولكن تعجبني فكرة أن أتمكن من فعل ما يحلو لي”، يقول تيت في أحد فيديواته شارحاً سبب انتقاله من بريطانيا إلى رومانيا حيث “سيتمكن من الإفلات بكل سهولة من تهم الاغتصاب في حال وجهت إليه”، وذهب تيت إلى أبعد من ذلك قائلاً إنه في حال اتهمته امرأة بخيانتها والاعتداء عليها، سيقوم بضربها على وجهها والإمساك بها من عنقها.

محاولات تيت للإفلات من العقاب بالانتقال إلى رومانيا، باءت بالفشل. فهناك، اعتقلته السلطات الرومانية وشقيقه تريستان، ووجهت إليه تهم الاتجار بالبشر والاغتصاب والانتماء إلى جماعة إجرامية منظمة تستهدف النساء وتعرضهن لأعمال عنف جسدي ومعنوي، وتستغلهن جنسياً لإجبارهن على العمل بالجنس بهدف جني الأموال.

إلقاء القبض على تيت جاء بعد سلسلة من التغريدات المتبادلة بينه وبين ناشطة المناخ السويدية غريتا تونبرغ بعد أن نشر صورة لنفسه وهو يملأ الوقود لسيارته الفارهة وتفاخر بأنّه يمتلك 33 سيارة، وفي أحد ردوده استعان المليونير بفيديو قام بتصويره.

ولكن تيت الذي يعتد بنفسه باعتباره حاد الذكاء، لم ينتبه لوجود علب بيتزا كتب عليها باللغة الرومانية في الفيديو، وبسبب ذلك، تأكدت الشرطة الرومانية من وجود تيت على أراضيها وتمكنت من إلقاء القبض عليه.

منذ أيام، رفض القضاء الروماني الطعن الذي قدمه تيت لإطلاق سراحه، وأمر بتوسيع التحقيق في الاتهامات الموجهة له، مع توافر المزيد من الأدلة ضده.

وتعليقاً على ذلك، نشر تيت تغريدة على “تويتر” حملت اقتباساً عن الرئيس الأسبق لجنوب افريقيا نيلسون مانديلا، يقول فيها إن طريقه نحو الحرية لا تزال طويلة، ليرد أحد المغردين عليه: “هناك فرق كبير بينك وبين نيلسون مانديلا، لأنه سجن لدفاعه عن حرية الناس، وأنت سُجنت لأنك سلبتهم حريتهم”.

وسخر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من تيت معتبرين أنه وصل إلى درجة متقدمة من الهذيان بسبب الاعتداد بالنفس جعلته يقارن نفسه بأحد أشهر المناضلين ضد نظام الفصل العنصري في العالم. 

كيف بنى تيت جيشاً داعماً له؟

عام 2017، خرجت إلى العلن فضيحة المنتج الأميركي هارفي واينستين بعد شهادات تقدمت بها عشرات النساء عن تحرشه بهن وقيامه بالاعتداء عليهن جنسياً، وانطلقت بعدها حملة عالمية في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “Me Too” أو “أنا أيضاً”، وكشفت بفضلها ملايين النساء عن حوادث تحرش واعتداء جنسي تعرضن لها، وكشفن عن أسماء المعتدين أيضاً.

شكلت الحملة علامة فارقة إلى حد ما لأنها تمكنت من خلق تضامن نسوي عالمي عابر للحدود، ومنحت النساء إحساساً بالأمان للبوح بما تعرضن له بعدما اضطررن لإخفائه لسنوات بسبب الخوف من الضغط الاجتماعي والمهني. 

 الحملة استفزت كثيرين ممن اعتبروا أن التضامن العالمي مع النساء وقضاياهن ليس سوى جزء من “أيديولوجيا نسوية جديدة” مضادة للرجال تهدف إلى شيطنتهم وتعريضهن للنبذ الاجتماعي، باعتبار أن الحملة تروج أن الرجال كلهم متحرشين ومعتدين جنسياً وتُسقط عنهم حقهم في أن يكونوا أبرياء إلى أن تثبت إدانتهم. 

الهجوم على حملة “Me Too” بدا وكأنه يهدف إلى التشويش على الحملة ومواجهة التضامن غير المشروط مع النساء، وتصديق الناجيات دون أي شك، وفي ذلك محاولة لحرف النقاش عن آليات العدالة التي يجب تفعيلها لحماية النساء ومحاسبة المرتكبين، واختلاق مظلومية للرجال، في عالم لا تزال تحكمه منظومات أبوية ذكورية تساوم على حقوق النساء التي تبدأ بالتمثيل السياسي وشروط العمل غير العادلة، ولا تنتهي عند انعدام الأمن بسبب الاعتداءات الجنسية.

ظهور تيت بخطابه المعادي للنساء، وإن جاء بعد سنوات من الحملة، جعل منه صوتاً لملايين الرجال “المظلومين والمنسيين” بسبب استيلاء قضايا النساء على النقاش في الحيز العام، فتابعه الملايين ممن يحملون أفكاره المتطرفة، وهم وإن قاموا بتفكيك جدي لخطابه فلن يجدوا فيه أي قراءة جدية وواعية للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية، بل سيجدون خطاباً مدفوعاً بالكراهية يسعى لإثارة الجدل وحصد ملايين المشاهدات.

ولحصد المزيد من المعجبين أيضاً، اعتنق تيت الإسلام ليواجه الاتهامات التي طالته بالعنصرية وبأنه يحمل أفكاراً يمينية متطرفة، خصوصاً بعد إعلانه دعمه لأفكار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وبفضل حركته الاستعراضية تلك، نال تيت إعجاب متابعيه من المسلمين في العالم العربي والعالم، خصوصاً الذكوريين منهم، والذين يبحثون عن نموذج غربي ذكوري يركنون إليه: “حتى الغرب المتحرر لا يحترم النساء”، وفي ذلك أيضاً اختزال للنقاش النسوي الذي لا يدعي أن الغرب تفوق في منح المرأة حقوقها كاملةً. 

حصد تيت الميسوجيني، ملايين المشاهدات في العالم العربي عام 2022، وهو العام نفسه الذي يمكن اعتباره من الأعوام الأكثر دموية في العالم العربي، ففيه ذُبحت نساء لأنهن رفضن الارتباط عاطفياً برجال لا يتبادلن معهم مشاعر الحب، فعن أي مظلومية يتحدث الرجال العرب المحتفون بتيت؟ وأي امتيازات يريدون سحبها من النساء؟ 

في تقرير نشرته مجلة “جي كيو” الأميركية، أرجعت المجلة شهرة تيت على مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما سمته “اقتصاد لفت الانتباه”، وبموجبه لا يوجد فرق كبير بين الناقد والمعجب على مواقع التواصل الاجتماعي. فالمتابعة هي متابعة، سواء كانت بدافع الحب أو الكراهية أو الفضول، وفي الحالتين تساهم في زيادة نسبة المشاهدات لفيديوات تيت.

يعني ذلك أن منتقدي تيت ساهموا أيضاً في انتشاره بشكل واسع بسبب مشاهدتهم محتواه ومشاركتهم في انتقاده على صفحاته وفي الحديث الدائر عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، فتصدر اسمه العناوين والأوسمة، إلا أن الحل لا يكمن في تجاهل تيت، بل بمواجهة خطابه الخطير بخطاب مضاد، وبالضغط على منصات التواصل الاجتماعي لتحمل المسؤولية الاجتماعية تجاه المحتوى السام الذي يغزوها.

ساعدت خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي تيت على الانتشار، فهي توصي المتابعين بشكل دوري بمشاهدة فيديواته التي حصدت ملايين المشاهدات، بغض النظر عن محتواها الذي يفترض أنه لا يتماشى مع معاييرها الرافضة للتمييز الجندري والعرقي وخطاب الكراهية كما تدعي.

ويكون بذلك تيت قد أرسى نموذجاً لنوع من الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي في عالمنا اليوم، ينطبق عليه ما تقوله “جي كيو”: “قد لا يكون مشرِّفاً أن تكون حقيراً، لكن ذلك بالتأكيد سيساعدك على جمع ثروة هائلة”.