fbpx

جندريس- عفرين: “هل أنا على قيد الحياة؟”… الزلزال الذي ابتلع المدينة وقاطنيها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رأيت بعيني سيدة حاملاً تحت الانقاض نجحت فرق الإنقاذ في انتشالها وتوليد الجنين لكن الأم ماتت، أما أنا فللحظات كنت سأصبح يتيماً بلا عائلة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“سألت من حولي تلك اللحظة، هل أنا على قيد الحياة، من شدة الغبار والأتربة على وجهي لم أكن أشعر بأي شيء، جلبت جارتي بعض المياه بسرعة، فمنزلهم عبارة عن حوش وطبقة واحدة فقط ولم يتعرض لأي ضرر”، هكذا بدأ وليد محمد بلو حديثه لــ”درج” وهو من ساكني ناحية جنديرس في عفرين، يتابع قائلاً: “نجونا بأعجوبة، الغالبية العظمى من الشقق والمباني الكبيرة سويت بالأرض، ولا تزال أعداد كبيرة من الأهالي تحت الأنقاض، فقدت ابنتي وزوجها في الزلزال”.

لجأ وليد برفقة مجموعة من الناجين إلى قرية “هيكجة” التي تبعد من مكان إقامتهم مسافة /15-20/ كلم، “لا سيارات تقل الناجين، فغالبيتها بقيت تحت الأنقاض، والبقية تساهم في إسعاف الجرحى والمرضى والقتلى، مشينا كل تلك المسافة سيراً على الأقدام، نجلس بين بساتين الزيتون تحت خيامٍ وضعها أهالي القرية، لا طاقة لنا للعيش بعد اليوم، بكاء النساء لا ينتهي والأطفال يخافون من النوم جراء الصدمة مما حصل. لا تمكن معرفة من مات أو من هرب أو من بقي تحت الأنقاض على قيد الحياة، عائلات بأكملها أزيلت من الوجود”.

 يتابع وليد الذي لم يتمكن من إخفاء صوته المبحوح بسبب البكاء، “لن تصدقوا أبداً ما نقوله، فمن رأي بعينيه ليس كمن سمع الحكاية وحسب.  لدينا عدد كبير من النساء والرجال المرضى لم يتمكنوا من الوصول إلى أدويتهم بخاصة مرضى الضغط والربو والقلب، لا أحد هنا قادر على مساعدتنا. في كل منزل هناك قتيل أو جريح”. 

ركام وحطام والعشرات تحت الحجارة

يقول محمد وهاب (29 سنة)، “لم أعد أرغب بالحديث عن عفرين، فمدينتي لم تسترح ولم تعرف طعم الاستقرار منذ عقود طويلة، والآن أتى الزلزال على جنديرس وغيرها من البلدات والقرى المنكوبة، ليضاعف همنا ومأساتنا”.

 يصف محمد لحظات الزلزال بعدما أمضى يوماً كاملاً في العراء برفقة عائلته في ناحية شيا  يقول: “في تلك الليلة استيقظت أكثر من مرة، وأنا المُلقب بتمساح النوم لأنني لا استيقظ إلا بصعوبة، في كل مرة أشعر بضيق وتوتر، كانت السماء تمطر وصوت العواصف الرعدية يبث الخوف في النفوس، أغفو ثم أستيقظ مجدداً. ظننت في البداية أنني أحلم، حتى بدأت الجدران بالتشقق، فكرت ما العمل؟ هل اتصل بالطوارئ؟ أم أحمل بعض النقود؟ أم هواتفنا؟ اكتفيت بإخراج زوجتي وحملت طفلي الصغير وهربنا، ما هي إلا لحظات حتى انهار المنزل، لم أكن أعلم إنني حافي القدمين، ولا زوجتي انتبهت إلى أنها لم تضع حجابها، وحده صوت بكاء طفلنا من البرد لفت انتباهنا لتلك التفاصيل التي كُنا نهتم بها كثيراً قبل الزلزال”.

 يبكي محمد في اتصاله مع “درج”،يتلعثم يطلب منا التوقف عن الحديث ثم سرعان ما يكمل سرد قصته لعلها تصل إلى المنظمات الإنسانية. “سمعت صوت جارتنا تنادي علينا، حاولت برفقة بعض الجيران عبر إشعال فلاش الهاتف، العثور على مدخل البناء والدرج، لكن لا أثر لهما، المبنى لم يكن سوى ركام وحطام مع عشرات القابعين تحت الحجارة”.

ذاكرة كاملة مسحت خلال 40 ثانية

أكد الناشط جوان عبدو (29 سنة) لـ”درج”  أن “الوقت بدأ  ينفد أمام المئات من العائلات،وتتضاءل كل دقيقة فرص البقاء على قيد الحياة، رأيت بعيني سيدة حاملاً تحت الانقاض نجحت فرق الإنقاذ في انتشالها وتوليد الجنين لكن الأم ماتت، أما أنا فللحظات كنت سأصبح يتيماً  بلا عائلة، ما زلت تحت وطأة الصدمة، كنت خارج المنزل في ذلك الوقت، عدت مسرعاً، ومصادفة التقيت بزوجتي، كانت تحمل ابني وتسند أمي، وأبي يقف حافي القدمين في البرد. لم أستطع العثور على إخوتي وجيراني كلهم، قبل أن ينهار المبنى في الهزة الثانية. لا أدري من نجا ومن مات ومن بقي تحت الأنقاض، الوجوه كلها كانت محملة بالأتربة والغبار. البكاء والعويل في كل مكان. كان جاري بجانبي يبكي منادياً على زوجته وأولاده، ظنّ أنه فقدهم، مع أنهم كانوا بجانبه… كان المشهد مؤثراً بالفعل”.

 أكد جوان أن شوارع وأرصفة جنديرس مليئة “بجثث لأطفال ونساء ورجال مجهولي الهوية بعضهم غابت ملامحهم بسبب الزلزال وآثاره على الوجوه ولم يتمكن أحد من التعرف عليهم ومنهم من رحلت عوائل بأكملها، الواقع في جنديرس هو الموت أو المصير المجهول، لا اصدقاء ولا أقارب، ذاكرة كاملة مسحت خلال 40 ثانية”.

الدماء تغطي كل مكان

يروي ريباز سلو (45 سنة) من قاطني  جنديرس  لــ”درج” ما حصل ليلة الزلزال قائلاً: “استيقظت على الحركة والهزة العنيفة،  تفقدت ابنائي الاربعة. كنت محتارا بين الخروج الى الشارع حيث الابنية الكبيرة والكثيرة التي يُمكن أن تُهدم بأي لحظة، أو أن أبقى في المنزل مع أسرتي، قررت البقاء في البداية وبدأت تزداد سرعة الاهتزاز مع تساقط قطع الجبس التي زُينت بها حواف سقف غرفتنا. لم تتوقف زوجتي وأبنائي عن البكاء. شبابيك الغرفة وأدوات المطبخ تساقطت كلها… حين هدأت العاصفة أخرجت عائلتي إلى ساحة قريبة، وهناك وجدنا العشرات قد تجمعوا”. 

يتابع ريباز: “حين هدأ كل شيء، أدخلت عائلتي إلى أحد البيوت الأرضية وركضت باتجاه منزل أهلي لأطمئن عليهم… المناظر التي شاهدتها في الطريق كانت مرعبة، دماء وأبنية متساقطة وصراخ، حتى إن معالم الطرق تغيرت في لحظات. واصلت الركض حتى عثرت  على منزل أهلي الذي هُدم قسم كبير منه… لم أستطيع تحديد الشقق التي هدمت من تلك كانت ما زالت صامدة. استجمعت قواي وعلى مبدأ النداء الأخير، صحت عليهم بأعلى صوتي،  رد علي أخي من بعيد، كانوا متجمعين في إحدى الزوايا كلهم باستثناء أبي السبعيني الذي لم أجده، بحثت عنه دون أي فائدة، فلا درج يوصلنا إلى الطبقة الثانية حيث هو.”. 

يواصل ريباز: “بكاء الجيران على ابنتهم شتت مخيلتي أضأت فلاش القداحة وبحثت عن أبي ولم أجد أي أثر تحدثت إلى أهلي وقلت لهم ربما كان تحت الانقاض. بحثت عن صديقي الذي يسكن الى جوار والدي صحت عليه سمعت صوته اقتربت حيث كان عالقاً من خصره الى الأسفل تحت الأنقاض فيما جزؤه العلوي فوق الأنقاض وزوجته تحتضنه تحت الأنقاض. صاح علي وطلب مني البحث عن أولاده شعرت بالعجز الكلي لم اتمكن من فعل أي شيء، فالسقف منطبق على الأرض في بعض الغرف، جاء بعض الناس لمساعدة صديقي وانا ذهبت لأبحث عن والدي، لكني لم أجده، ثم رجعت للاطمئنان عن أولادي وزوجتي وانا ابكي في الطريق منهار القوى فاقد الأمل. صحت على ابنائي وزوجتي لاكتشف ان والدي عندهم جاء للاطمئنان علينا قاطعا تلك المسافة”.

وجه المدينة المدمّر

تواصل  “درج” مع الإعلامي مصطفى قادري من سكان قرية “قرمتلق” الذي أكد أن  ” قرابة 70-80 في المئة من جنديرس تهدمت وسويت بالأرض، المعالم تغيرت كلها، ويصعب تحديد أماكن الأبنية التي كانت، الركام في كل مكان”. ويشير إلى أن عمليات الإنقاذ مستمرة، لكنها بدائية وتفتقد إلى الآليات الثقيلة حديثة، كما أن فرق الإنقاذ قليلة، والأهالي تبرعوا بالخيم والخبز وتطوع الشباب من بقية القرى في الدفاع المدني”. ويتابع: “تضررت أيضاً ناحية شيا حيث دمر أكثر من 100 منزل ما بين الكلي والجزئي، وهدم الجامع في قريتنا، علما ً أن معظم من فقدوا حياتهم هم من قرى عفرين، استقروا في جنديرس للعمل والدراسة”.

نشر الدفاع المدني أو “الخوذ البيض”  في 8/2/2023  أخباراً عن 320 حالة وفاة و 850 إصابة جراء الزلزال المدمر، مشيراً إلى أن جنديرس باتت مدينة منكوبة، والعدد مرشح للارتفاع بشكل كبير فمئات العائلات ما زالت تحت الأنقاض.

قال الصحافي شيار خليل (43 سنة) إن ” تركيا منعت دخول المساعدات من طريق الحدود مع عفرين، والمعونات التي تصل إلى عفرين وادلب محلية، كما تطوع الناس والياتهم المحلية والصغيرة البسيطة لمساعدة بعضهم بعضاً. الآن وصلت بعض الآليات من الباب وغيرها، لكن الآليات الثقيلة التي كانت موجودة في شمال غرب سوريا، اخذت الى انطاكيا والمساعدات الآتية من أوروبا لم تدخل الى عفرين”. وأكد مسؤولون على معبر باب الهوى لوسائل إعلام مختلفة أن ” المساعدات لم تصل إلى الآن”. 

تواصل “درج” مع الناشط روهلات محمد من عفرين وقد أكد أن “الفصائل المسلحة منعت دخول المساعدات المقدمة من مؤسسة البارزاني الخيرية لأهالي عفرين، المطاعم غير المتضررة توزع الطعام بالمجان وبعضها رفع الأسعار. ولا تزال الهزات الخفيفة تحدث بين الحين والآخر، ونتيجة لانقطاع التيار الكهرباء لا تتمكن الأجهزة الطبية في المشافي من العمل نتيجة نقص حاد في الوقود والعشرات من الجرحى بحاجة للعناية المركزة”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.