fbpx

صحافيّون سوريون قضوا تحت الرّكام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصوات هؤلاء وُهِبَت يوماً ما لمعاناة الشعب السوري ولتوثيق جرائم رُدِمت تحت الدّمار.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“قبل الزلزال بنحو 14 ساعة، تواصل معي عمّار وأخبرني عن رغبته في تغطية حال الناس الموجودين في مخيّمات سلقين في إدلب، في ظل أحوال الطقس الصعبة وكثرة الثلوج عليهم”، بهذه العبارة، استذكر الصحافي السوري مصعب الأشقر، الحديث الأخير بينه وبين زميله وصديقه الصحافي عمّار الأسود، الذي راح ضحيّة الزلزال في مدينة أنطاكيا في ولاية هاتاي التركية، معبّراً عن غصّته لأنّه كان تواصلاً هاتفياً: “تمنّيت لو شفته بهيدا اليوم”. 

بعد وقوع الزلزال، استطاع الأشقر الخروج من منزله بحكم أنّه قريب من الطابق السفلي، وبعدما عاد إلى محيط منزله لاحظ أنّ المبنى الذي يقطنه عمّار قد انهار. عندها، “خلص الكلام وقلبي صار ينبض كتير بسرعة وما عرفت شو لازم أعمل”، وفق الأشقر. بقي الأهالي بانتظار استخراج جثث عمار وأشقائه وزوجاتهم أكثر من 48 ساعة، إلا أنهم في غالبيتهم خرجوا متوفّين، ولم يكن هناك إحصاء رسمي لأعدادهم.

الصحافي عمّار الأسود: تغطية ما يتغاضى عنه النظام

عمار الأسود هو صحافي سوري من ريف سلقين، سكن في محافظة الرقّة بحكم عمل والده في إحدى مؤسسات الدولة. عند اندلاع الثورة السورية في العام 2011، وتقدُّم التنظيم الإرهابي “داعش” وسيطرته على الرقة، نزح عمار وأهله وعادوا إلى محافظة إدلب. بدأ بالعمل الإعلامي في العام 2015 في مؤسسات محلية، وكان عضواً في مكتب حماة الإعلامي، وهو نقابة أُسِّست في العام 2017 وتضم أكثر من 70 صحافياً. وعمل مديراً للمكتب الإعلامي في جمعية “الرحمة الإنسانية” في العام 2019. ساهم عمّار في التغطيات الميدانية التي كان يتغاضى عنا إعلام النظام السوري، وهو كان وصولاً إلى أيّامه الأخيرة، يبدي حماسته لتغطية القضايا الاجتماعية والإنسانية وقصص الحرب السورية. يردف الأشقر: “منذ وصولي إلى مدينة سلقين في 2019، كنت أعرف عمّار هاتفياً فقط، وهو كان أول المستقبلين لي، وقدّم لي بعض الأثاث من منزله، وعندها بدأت صداقتنا الفعلية”.

منذ بدء الحرب السورية في العام 2011، خرج صحافيون كثر من مناطقهم لتجسيد واقع الحرب وتوثيق جرائمها، غالبيّتهم كانوا “مواطنين صحافيين”. شكّلت منطقة الشمال السوري والجنوب التركي، حيث وقع الزلزال، خطراً على الصحافيين الأجانب، خصوصاً بسبب الضغوط الشديدة للاشتباكات فيها وقصف النظام السوري وجهات متعدّدة أخرى. أما السوريون منهم، فلم تكن حالهم أقلّ سوءاً، العشرات منهم تعرّضوا للخطف والقتل والإصابة من دون أيّة تعويضات مالية أو تغطية صحيّة. تخطّى عدد ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا الـ22 ألفاً، ومنهم صحافيون غطّوا ميدانياً مناطق حسّاسة بـ”اللحم الحيّ”، وكانوا محطّاً أساسياً لإيصال صوت المعارضين لنظام الأسد.

الصحافي محمد دملخي: “ولي أنطاكيا”

من هؤلاء، هو المواطن الصحافي محمد نذير دملخي، الذي فارق الحياة مع عائلته، بعدما أمضوا يومين تحت الردم في أنطاكيا. “عمل نذير كمواطن صحافي في توثيق المعارك والقصف، خصوصاً كل ما عايشته مدينة حلب من أوائل العام 2016 حتى الحصار الأول”، يقول أحد أصدقاء نذير المقرّبين لـ”درج”. في أواسط هاتاي، كان يلقَّب نذير بـ”ولي أنطاكيا”، لأنه ملمّ باستعادة الحسابات المحذوفة والمهكّرة، حيث كان ركيزة أساسية للثوّار والناشطين لإعادة تشغيل حساباتهم على “فيسبوك”. بعد التهجير في العام 2016، عمل نذير في المجال الإعلامي، إلا أنّ صعوبة الوضع المعيشي جعلته يعمل في الإنشاءات، مهنة والده.

تقول ميس قات، الصحافية السورية المتخصصة بتغطية مناطق النزاع، بخاصة في الشرق الأوسط، أنّ المؤسسات الإعلامية حول العالم كانت تعتمد على المواطنين الصحافيين الموجودين داخل سوريا كمصدر أساسي للمعلومات. إذ إنّ إرسال مراسليها الى داخل سوريا كان يشكّل خطراً. “عمل المواطنون الصحافيون في مناطق الشمال السوري، في غالبيّتهم، لصالح مؤسسات محلية أو عربية أو دولية بموجب القطعة(فريلانس)، ومن دون عقود وأي شكل من أشكال التأمين الصحي”. 

كان يلقَّب نذير بـ”ولي أنطاكيا”، لأنه ملمّ باستعادة الحسابات المحذوفة والمهكّرة، حيث كان ركيزة أساسية للثوّار والناشطين لإعادة تشغيل حساباتهم على “فيسبوك”.

فيما صرّح أقارب الصحافيين المفقودين، بأنّ لا مؤسسات صحافية أو حقوقية تابعت أحوالهم. وعلى رغم أنّ المنطقة منكوبة بالكامل، إلّا أنّ أحدهم قال لـ”درج”: “النعي اقتصر على منصات التواصل الاجتماعي، ولا مساعدات مخصّصة حتّى اللحظة”. 

وتضيف قات، أنّ هؤلاء الصحافيين الذين عملوا على تغطية الحرب لسنوات طويلة في الداخل، هم في الأساس منكوبون. وقد وثّق تحقيق نشره “درج”، ظروف عمل الصحافيين في بيئة النزاع في سوريا، وتعامل الجهات الإعلامية معهم في مجالات الأمن والسلامة والأجور والعقود والتعويضات. وتبيّن في استطلاع رأي أجراه معدّ التحقيق مصعب الياسين، لـ40 شخصاً يعملون في مجال الصحافة شمال غربي سوريا، أنّ 18 منهم تعرّضوا لانتهاكات تشمل الاعتقال والاعتداء والإصابات الجسدية، واحد منهم فقط تكفّلت المؤسسة التي يعمل لديها بمصاريف العلاج، بينما أصدرت مؤسستان بيانات تضامن مع صحافييها، فيما لم يتلقَّ الـ15 الآخرون مساعدة أو تعويضاً يُذكر.

“اليوم هم بأمسّ الحاجة الى أنّ يقوم المجتمع الصحافي بالواجب تجاههم، ويدعمهم سواء بالتشبيك أو بتقديم مساعدة مهنية أو بإيصال أصواتهم عبر المؤسسات الإعلامية، أو على الأقل تقدير بتقديم التعاقدات المهنية الواضحة والمستحقات المالية المنصفة لهم”، تردف قات.

الصحافي يمان الخطيب: “آخر الرجال في حلب”

وإلى جانب عمّار الأسود ونذير دملخي، فُقد الصحافي السوري يمان الخطيب، بعد تضارب في المعلومات حول ما إذا كان تمّ إنقاذه أم لا. إذ نشر شقيق يمان، فادي، خبراً تلقّاه من أحد الأشخاص في المنطقة، يزعم بأنّ يمان وابنه تم إنقاذهما وهما على قيد الحياة. لكنّ سرعان ما نشر زملاء الخطيب بوستات غاضبة، وكتب شقيقه: “في ناس خبرونا عن خروج أهلنا، ولحد الآن ما وصلنا لحدا منهم، ويمكن تكون الأخبار غير صحيحة عن خروج أهلي، كل حدا صار يقول شي وصار يتشبه وصار يكذب. الله لا يسامحكم متل ما عطيتونا أمل إذا كنتوا عم تكذبوا. إنتوا عم تقتلوني مرة تانية بعد موتي أول مرة”. 

يمان الخطيب

حاول “درج” التواصل مع أقرباء يمان أو أصدقائه المقرّبين، إلّا أنّهم امتنعوا في غالبيتهم عن الرّد “حتّى يعرفوا مصيره”، في ظل ظروفٍ نفسيّة صعبة يعيشونها. يمان الخطيب (32 سنة)، هو معتقل سابق لدى النظام السوري حين كان يبلغ 20 عاماً، أي في العام 2011 في أثناء الثورة. عمل صحافياً مع جهات إعلامية عدة، منها مركز حلب الإعلامي، قناة أخبار الآن، وشبكة بلدي نيوز. كذلك ارتكز في عمله على توثيق الأحداث منذ بداية الثورة في مدينة حلب وإدلب. وكان من المشاركين في إنتاج أكثر من فيلم وثائقي، منها “آخر الرجال في حلب”، وفق ما ذكره مصدر إعلامي مقرّب منه لـ”درج”.

يعتبر كثيرون أنّ جرائم القتل التي طاولت الصحافيين في شمال سوريا، ما هي إلّا “عمليّات منظّمة”. والطاقم الإعلامي نفسه اليوم، كان من متضرّري الزلزال المدمّر. يستغيث الآلاف من تحت الأنقاض، ومنهم من لم يُعرف مكانه أبداً. اليوم، نحن أمام كارثة هي الأكبر عالمياً، طاولت أشخاصاً عملوا على تغطيات صحافية تحت رصاص الحرب القاتمة. أصوات هؤلاء وُهِبَت يوماً ما لمعاناة الشعب السوري ولتوثيق جرائم رُدِمت تحت الدّمار.