fbpx

حبيسات المنازل  في الأردن: فتيات في سجن العائلة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قُيدت حرية عائشة منذ الطفولة فقط لأنها انثى،حبست في المنزل لأسباب وحجج منها حمايتها وصون العادات و التقاليد، ولكن الخناق ازداد ضيقا عندما وقعت في غرام شاب تواصلت معه عن طريق الهاتف فقط ، كان عمرها آنذاك 21 عاما، وحتى حتى الآن لا تستطيع الخروج من المنزل بدون مرافق بعد أن عرف أهلها بعلاقتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

” 8 سنوات لم أخرج من المنزل ما عدا 3 اشهر ترجيت والدي ليوافق على عملي بهم ” هكذا بدأت شمس  حديثها  حين شاركتني قصتها ، واضافت ” كوني أنثى كان سببا كافيا لوالدي لسلب حريتي  لذلك اعتبر  من  النساء حبيسات المنازل”.

تبلغ شمس (اسم مستعار) من العمر الآن 30 عاما  تسكن مع أشقائها بعد انفصال والديها تقول : ” بتذكر من لما كان عمري سبع سنين كنت عادي إني أروح الدكان، بس من لما مرت عمي تدخلت، منعوني أهلي أطلع على الدكان بحجة إنهم بدهم يحموني”. منذ ذلك الحين وشمس تعاني من حجز حريتها، بل وازداد الأمر تعقيدا إلى أن منعت من حضور جنازة جدها، وتتابع: ” وصل الأمر أيضا إلى أنني لا أستطيع  زيارة والدتي. 


الخروج إلى المستشفى أيضاً مشروط بأمر والد شمس،إذ لا يمكنها الذهاب لمراجعة الطبيب مثلا إلا بموافقة والدها و بمرافقة أشقائها، دون ذلك ستمنع من العلاج أيضا، فالحياة كما تؤكد شمس متوقفة على مزاج والدها.

حبيسات أم جليسات؟

أنجز مركز المعلومات والبحوث ومؤسسة الملك الحسين بالتعاون مع مؤسسة إنقاذ الطفل الدولية  في عام 2013  دراسة بعنوان “الفتيات جليسات المنازل في الأردن”، أضاءت على العرف المتداول، الذي بناء عليه تُحبس الفتيات تحت سن الثامنة عشر في المنزل، سواء كنا نتحدث عمن انسحبن من المدرسة بمفردهن، أو تم سحبهن من قبل الوالدين، ليقضين أيامهن كعاملات في المنزل أو جليسات فيه. يؤكد الحقوقيين أن كل فتاة وإمرأة تمنع من اتخاذ قراراتها الشخصية كاختيار التعليم أو العمل وغيرها أو تقييد حرية تنقلها وتحديد مواعيد او مواقع للذهاب إليها و تحديد قطاعات العمل المسموحة  تعتبر حبيسة منزل. 

” كوني أنثى كان سببا كافيا لوالدي لسلب حريتي  لذلك اعتبر  من  النساء حبيسات المنازل”.

افكار انتحارية وأذى للذات

تقول سمر “اسم مستعار” ابنة الـ 18 عشر عاما “بدأت أحرم من حريتي بالخروج بدون مرافق عندما وصلت سن البلوغ بعمر 11 سنه، فقدت بعدها كل قراراتي بالحياة، تغير لبسي، حرمت من الخروج الى الدكان، وبدأ التقييد على وقت خروجي من المنزل”

السلطة التي تحرم سمر  من خروج المنزل لا تقتصر على  الأب، إذ تقول أيضاً “أخي الكبير أيضاً يتحكم بحياتنا أنا وأخواتي بمنطق او غير منطق، هو يمنعنا من الخروج ويسمح لنا كما لو أنه هو من أنجبنا إلى هذه الحياة، بل يتحكم ايضاً  بأمي  كونه  الأخ الأكبر بين الذكور”.

تضيف “عندما اقارن حياتي بحياة اخي أشعر بالرغبة بالانتحار فهو لديه مطلق الحرية، أما أنا فلا أملك أي خيار بحياتي من لبسي، خروجي من المنزل حتى الوقوف أمام باب المنزل يعرضني للعقاب والمساءلة فالأماكن المسموح لي الخروج إليها محدودة ومع مرافق من العائلة، ومن الطبيعي أن احبس بالمنزل لأشهر متواصلة لا أرى فيها الشارع بعيدا عن ايام الدوام المدرسي، كما أنهم يقررون مستقبلي الجامعي بحسب المسافة بين المنزل والجامعة لا التخصص الذي سيفيدني بالمستقبل”. 

تؤكد الأخصائية النفسية الدكتورة رحاب اللحام أن طرق التجاوب لمثل هذه الظروف متفاوت بحسب شخصية الحالة المتعرضة للظرف، إذ من الممكن أن تصل الحالة إلى مرحلة العجز المتعَلَم، وهو عندما يصل الإنسان إلى مرحلة الاستسلام واليأس نتيجة الظروف التي يعيشها مما ينتج عنه التكيف والتأقلم السلبي. وتزيد اللحام: “إن ازدياد فترة الحبس المنزلي للشخص تؤدي إلى الاكتئاب والقلق بسبب عدم معرفة ما سيحدث بالمستقبل ومن الممكن أن تصل الحالة إلى التفكير بالانتحار وأذى الذات”. 

تشير الاخصائية النفسية إلى أن توقيت الحبس يلعب دورا هاما في التأثير على بناء الخبرة المعرفية فكلما حبس الشخص بعمر صغير كلما أصبح الخلل في بناء الخبرة المعرفية أكبر، فالخبرة المعرفية تتشكل من خلال التواصل والتعامل مع الآخرين ومع مواقف الحياة المختلفة وهكذا تتكون شخصية الإنسان.  وتشير اللحام إلى أن هناك سيدات لا يستسلمن لمثل هذه الظروف يلجأن للتمرد عليها، إلا أن هذا التمرد يمكن أن يعرضهن لعنف أكبر، كما أن من يمارس مثل هذه الممارسات على النساء هو شخص غير سوي على حد تعبيرها.

وتختم اللحام: “من خلال خبرتي فإن الضحية الأبرز في مثل هذه الأسر المختلة التي تتكون من أب متسلط وأم بلا قرار، هم الأطفال، إذ أن أول خبرة يكتسبها الطفل مع العالم هي خبرته مع والدته فإذا كانت خبرة الطفل المكتسبة سلبية فسيعمم هذه الخبرة إلى المجتمع كونه لا يدرك ما هي الطريقة السليمة في التواصل، فالطفل بهذه الحالات إما أن يكون متنمر أو متنمر عليه.

شمس والتمرد 

تعرضت شمس إلى صدمة نفسية بعد أن قتلت إحدى قريباتها من ذات الأسرة لمحاولتها الهرب من المنزل الذي حبست فيه لفترة طويلة، وازدادت شدة صدمة شمس بعد أن نجى الجاني من العقاب. لكن تمردت شمس على واقعها، من خلال إنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم ومؤازرة النساء وما يتعرضن له من عنف بأشكاله كافة.

تقول شمس: ” ليست طبيعتي الاستسلام لبيت معنف، فأنا لم أأتي للحياة عبثا، وعندما قررت إنشاء الصفحة كانت الغاية منها في البداية هي نشر أفكاري والتعبير عن ذاتي إلا أن العديد من السيدات أصبحن يتواصلن معي من خلال الصفحة لمساعدتهن بحل مشاكلهن أولا، وأيضا هناك من كانت تتواصل لأجل الفضفضة فقط لكونها حبيسة وليس لديها مساحة أخرى، وبدون تخطيط تحولت الصفحة إلى مساحة آمنة لمساعدة آلاف النساء وذلك بالتعاون مع مؤسسات حكومية ومنظمات معنية بقضايا المرأة وحقوقها، فضلا عن تشكيل شبكة متطوعات ليتمكن من الذهاب لفتيات معنفات ومساعدتهن”.

تؤكد شمس وجود العديد من الحالات الشبيهة لحالتها، رغم الأقاويل بأنها حالات قليلة، كما وتؤكد ابنة احدى مناطق العاصمة عمان شيوع الكثير من الحالات في المنطقة ذاتها، فضلا عن مئات الحالات في باقي محافظات المملكة. وتضيف أنه ومن خلال الصفحة النسوية تعرفت على الكثير من الحالات لنساء معنفات، وعند لجوئهن للقانون يتم إحتجازهن في دور رعاية، ويبقى المُعَنِف حرا طليقا، وبعد تقييم الحالة من قبل المختصين من جهات معنية حكومية، بأن الحالة لا يوجد عليها  خطر(القتل)، يتم إرجاعها لأسرتها التي بدورها تضيق عليها الخناق  أكثر من السابق والاكتفاء بكتابة تعهد خطي من العائلة. 

الرقابة خارج وداخل المنزل

“أشعر بأن الخوف يفقدني القدرة على الحركة كلما نادتني اختي لأتوضأ واجلس امام اقدام والدي على الأرض لكي يقرر ما هو مصيري ، الحياة أو الموت”. هكذا تصف عائشة  (اسم مستعار)  ذات الـ29 عاماً الحدث المتكرر الذي تختبره في المنزل حين يدعوها والدها  للحديث معها،  هي فتاة بلا حرية ولا قرار، حتى انها مراقبة عند استخدامها  الهاتف حتى عند اغلاق باب غرفتها،  تواصلها معي كان بصعوبة بالغة فلم نستطع تحديد موعد للمكالمة الهاتفية كونها حبيسة منزل، ولا تستطيع الخروج كما باقي الحالات التي قابلتها ، فاستخدام عائشة للهاتف يمكن أن يعرضها للخطر. 

قُيدت حرية عائشة منذ الطفولة فقط لأنها انثى،حبست في المنزل لأسباب وحجج منها حمايتها وصون العادات و التقاليد، ولكن  الخناق ازداد ضيقا عندما وقعت في غرام شاب تواصلت معه عن طريق الهاتف فقط ، كان عمرها آنذاك 21 عاما، وحتى حتى الآن لا تستطيع الخروج من المنزل بدون مرافق بعد أن عرف أهلها بعلاقتها.

عائشة ممنوعة من التحرك وحدها، حتى أن العائلة ترسل معها مرافق إلى جامعتها،  ومنعت من الذهاب الى المستشفى لوحدها، كما تتم مراقبتها عند استخدام هاتفها وتحرم ايضا منه احيانا، كما انهم رفضوا من تحب عندما تقدم لخطبتها، لتكون حياتها بلا اي معنى، فلا تملك متنفس ولا قرار، كما أنها تهدد بالموت كل يوم كونها جلبت العار لعائلتها حسب قولهم.

تصف لي عائشة بؤسها بحزن لا يوصف، عمرها الآن 29 عاماً، ولا تعرف اي شي عن الحياة خارج المنزل بعد أن أنهت دراستها، فلم يسمح لها بالعمل، لتبقى حبيسة المنزل و تخدم ذكور العائلة. سألتها لماذا لم تلجئي لجمعية حماية الأسرة قالت : “اعوذ بالله فكرت باللجوء إليهم من قبل ولكن عند فهمي للإجراءات فهي ستكون اما معتقل باسم ملجأ أو يعيدوني للقتل ” 

وجهة نظر القانون

التقينا مع  المحامي الدكتور صخر الخصاونة شرح  الذي شرح القانون كالتالي  “هناك  فرق بين فتاة عمرها 18 سنة وما دون 18 سنة ، ما دون ال 18 سنه تحكمها قوانين بسبب التعليم الإلزامي الذي يطبق لغاية 16 سنة، فإذا تم حجزها ومنعها من الذهاب الى المدرسة تصبح هذه جريمة يعاقب عليها القانون لذلك يجبر الأهل على إرسال بناتهن إلى المدارس، أما فوق ال 18 سنة فيعتبر القانون أن الفتاة بالغة عاقلة راشدة و بموجب أحكام القانون وحريات الإنسان لها حرية الحركة” .

ويزيد الخصاونة : “إذا كانت الفتاة موجودة داخل المنزل ومحجوزة ( أي مغلق عليها الباب) يسمى هذا الشيء جريمة حجز حرية،  إما إذا كان الباب مفتوحا وهي لا تخرج نتيجة قيود وتعليمات بالتالي هذا الموضوع يعود عليها”.  يؤكد الخصاونة في ما يخص عملية خروج الفتاة من المنزل بدون موافقة أولياء الامور أنه بهذه الحالة تعميم اسم الفتاة لأنها متغيبة، وبعد أن يتم العثور عليها يتم التعامل معها من خلال تحقيقات الأمن العام و يعرضها للمسائلة: اين كانت ؟ ومع من ؟ و اين كان مبيتها؟.

يشير الخصاونة الى انه من الممكن أن تتعرض الفتاة في هذه الحالة الى فحص طبي كما من الممكن أن تتعرض الى ضغوطات، وإذا شكل الأمر خطر على حياتها يتم تحويل الفتاة الى الحاكم الاداري من أجل توقيفها، وتصبح موقوفاً إدارياً خوفاً على حياتها من أهلها.

الجدير بالذكر أن التوقيف الإداري هو  إجراء إداري و قانوني يتخذ من قبل الحكام الإداريين من هم في رتبة متصرف أو محافظ، لغايات حفظ الأمن المجتمعي والأسري من خطر الأشخاص ذوي السوابق والخطيرين ومرتكبي الأفعال الإجراميّة بصورة متكررة ، ويحجز الشخص استنادا الى قانون منع الجرائم رقم 7 لسنة 1954 ،لكن هل هناك عيب قانوني أم أن النساء يعانين من الرهبة والخوف من اللجوء إلى هذا الإجراء؟  هل هناك توعية كافية النساء بحقوقهن ؟ أم أن النساء اعتدن هذا النمط من المعيشة باسم العادات والتقاليد؟.

إقرأوا أيضاً:

No posts

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.