fbpx

وائل غنيم فين؟ وجوه كثيرة لـ”رمز” الثورة المختفي منذ عودته إلى مصر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“وائل غنيم فين؟”، يتصدّر هذا السؤال وسائل التواصل الاجتماعي المصرية دون إجابة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“وائل غنيم فين؟”، يتصدّر هذا السؤال وسائل التواصل الاجتماعي المصرية دون إجابة، فالسلطات المصرية التي تلاحقها اتهامات باعتقاله وتعذيبه منذ عودته إلى القاهرة في زيارة عائلية في 10 أيلول/ سبتمبر- بعد غياب دام 8 سنوات- لم تسعَ إلى تبرئة ساحتها وكشف سر اختفائه باعتباره مواطناً مصرياً مختفياً على أراضيها.

لم تصدر أسرته بياناً، ولم يقدم أصدقاؤه والنشطاء المقرّبون منه أي إجابة حيال اختفائه ولا الحالة الصحية لغنيم، الذي مرّ بحالة نفسية سيئة خلال السنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير.

في ذلك الوقت، شرع غنيم في انتقاد رموز أنظمة عربية كالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعبد الله بن زايد، وزير خارجية دولة الإمارات، وشخصيات عامة وضباط تابعين للنظام المصري، على رأسهم محمود السيسي، إذ اتهمه باختطاف شقيقه، الذي اعتقل عام 2019 في ظروف غامضة ودون سندٍ قانوني، ثم أطلق سراحه لاحقاً.

طوال السنوات الماضية، كان غنيم يتّهم السلطات المصرية بـ”التنكيل بعائلته” ثم توقّف فجأة وكأنه يجري مراجعات ويتعافى من اضطراب ألمّ به. ومع عودته إلى مصر، لم يذكر أي ضمانات حصل عليها قبل العودة، وإن حصل تواصل أو وساطة بينه وبين رموز النظام كي يدخل القاهرة آمناً دون القبضِ عليه أو مساءلته.

الناشط المصري وائل غنيم

خلال الفترة الماضية، عاد الكثير من رموز ثورة 25 يناير إلى مصر ضمن الانفتاح الشكلي المُصاحب للأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها مصر حالياً، فضلاً عن ما يُعرف بـ”الحوار الوطني”، وذلك بعد بقائهم طويلاً في المنفى الاختياري في الخارج، خوفاً من التنكيل بهم حال العودة، وعلى رأسِهم الباحث السياسي، عمرو حمزاوي، الذي حلَّ ضيفاً على فضائيات عدة، وعاد إلى الكتابة في صحيفة “الشروق” المصرية، والمخرج خالد يوسف، الذي تنتج له إحدى الشركات التابعة للنظام المصري، حالياً، مسلسلاً رمضانياً، لكن الموقف الأكثر غموضاً يحيط بوائل غنيم.

كان وائل غنيم، طوال السنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، في الخيال الشعبي المصري، هو الشاب المهذّب، الوسيم، الذي يعرف طريقه جيداً، وينجح في أوساط المال والأعمال، حتى إنه التحق بالعمل في شركة “غوغل” العالمية مبكراً، وتولّى منصب مدير إقليمي لتسويق منتجاتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد نأى بنفسه عن السياسة والثورة وفضّل التفرغ لأعماله واختفى حتى ظهر في صورة شاب نحيل، حليق الرأس والحاجبين، عاري الصدر، يتكلم بهستيريا ويهذي بكلام غير مفهوم حول التسامح والمحبة والسلام والاحترام لبسط الاستقرار بين الدول، ثم يهاجم شخصيات عامّة ونشطاء ومُعلقين على صفحته، في مشهد يناقض الصورة الذهنية التي رُسمت له على مدار سنوات.

وبثّ غنيم مقاطع فيديو من محل إقامته في سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، مثّلت صدمة للجميع في مصر، إذ كان يدخّن الماريجوانا، ويتحدث بغضب عمّا فعلته الثورة بالناس، ويبكي أخطاءه السابقة ويعلن انفصاله عن زوجته بسبب خياناته لها.

رداً على اتهامه بالجنون والمرض النفسي، ردّد غنيم أنه ليس مجنوناً، إنما “أنا أجرب طريقة جديدة في التعامل مع الحياة عموماً، طريقة مختلفة عن النسخة القديمة مني، والإنسان دائماً يجدّد نفسه ويطوّرها، ويزيل أموراً يراها صحيحة ويؤمن بأمور أخرى حتى يفهم جيداً معناها وقيمتها”.

اعتُبرت مقاطع وائل غنيم شهادة وفاة لثورة يناير، فقد كان رمزها الأنيق، وأبرز وجوهها منذ اليوم الأول لاندلاعها بفضل صفحة “كلنا خالد سعيد” التي أسَّسها بعد مقتل الشاب خالد سعيد في الإسكندرية على أيدي أفراد من الشرطة وارتبطت باسم غنيم، الذي استساغ الناس أن يعتبروه معادلاً للثورة لقلّة ظهوره ونُدرة أخطائه، وحديثه المنضبط طوال الوقت. عاد عام 2019 ليعيد النظر في الثورة، ويقيّمها من جديد، ويتراجع عنها. وبظهوره واختفائه المريبين، يكشف أنه كما كان معادلاً للثورة في انتصاراتها، صار معادلاً لها في سقوطها أيضاً.

هل كان وائل غنيم “مفجر الثورة” حقاً؟

بدأت مراجعات غنيم مبكراً، حين نشر مقطعاً من كتاب “المؤمن الصادق” للباحث إيريك هوفر، الذي لا يفترض خيراً من وراء الثورات والحركات الجماهيرية، وكان المقطع يقول: “المؤمنون الصادقون الذين تجتذبهم الحركات الجماهيرية ليسوا أولئك الذين يحبون أنفسهم ويحرصون على تطويرها، بل أولئك الذين يودون التخلص من أنفسهم نهائياً. إنهم ناس فقدوا الإيمان بأنفسهم ويحاولون التعويض بالإيمان بقضية مقدسة”.

لم ينطبقْ ذلك على غنيم، الذي كان محبّاً لذاته، وحريصاً على نجاحه حتى تولى منصباً مهماً في واحدة من أهم شركات التكنولوجيا العالمية قبل اندلاع ثورة يناير، وخرج منها ليؤسّس شركته الخاصة “بارليو” للتواصل الاجتماعي والحوارات الهادفة، قبل أن تستحوذ عليها شركة “كورا” العالمية عام 2016، في صفقة ضخمة لم يُعلن عن قيمتِها.

توقيتُ الصفقة يكشف أن غنيم كان يباشر أعماله في الولايات المتحدة، ويتعافى مما ألم به خلال الثورة وما بعدها، لكن شخصيته الهشّة أعادته إلى المربع صفر مرة أخرى.

طوال السنوات الماضية، كان غنيم يتّهم السلطات المصرية بـ”التنكيل بعائلته” ثم توقّف فجأة وكأنه يجري مراجعات ويتعافى من اضطراب ألمّ به.

وفق شهادة المترجمة المصرية إكرام يوسف (والدة الناشط زياد العليمي) على الأحداث التي سبقت 25 يناير، لم يكن وائل غنيم طرفاً أساسياً في الحَشْد للثورة أو الترتيب لها، تقول: “وائل عمره ما كان مسيساً أو صاحب وعي سياسي، هو تأثر بقضية خالد سعيد وتحمّس للمساعدة التقنية في الصفحة التي أنشأها آخرون باسم خالد سعيد، وهو نفسه قال في لقائه مع منى الشاذلي إنه لم يكن متحمّساً للدعوة للتظاهر في 25 يناير، ورفضها في البداية، لكن أصحاب الصفحة أقنعوه، ثم قُبض عليه فور وصوله من الإمارات في بداية الثورة وتم إخفاؤه 12 يوماً، بما يعني أنه لم يشارك فعلياً في الثورة، ولا أحد يعرف ماذا فعلوا به”.

وتروي ما حصل بعد خروجه: “انطلق إلى الميدان فاستقبله الشباب بحب طبيعي، وهو أمر منطقي مع واحد كان مختفياً قسرياً، فوقف على المنصة وقال (المهمة أنجزت) ليطرده الشباب من الميدان، وانتهت علاقته بالثورة منذ ذلك اليوم، سافر، وألّف كتاباً، وشاف شغله، يعني لم يكن زعيماً ولا مفجراً ولا رمزاً… مجرّد شاب حاول أن يشارك في حلم أصحابه ولم يقدر أن يكمل، وهذا حقه”.

وتسجّل إكرام ملاحظة بأن “إعلام مبارك هو الذي كان حريصاً على نجوميته وتلميع صورته وجعله رمزاً للثورة حتى حين يتمَّ تشويهها تُشوّه الثورة”.

تتماشى شهادة المترجمة إكرام يوسف مع اعتراف وائل غنيم في كتابه الشهير “الثورة 2:0“، الذي روى خلاله تجربته في الترتيب للثورة والأيام التي أمضاها معتقلاً مع اندلاع التظاهرات، بأنه اعترف لضباط المخابرات المصرية بكل شيء يعرفه عن الثورة والحشد لها وتنظيمها وطريقة التواصل مع المتظاهرين، بدءاً من أسماء أصدقائه الذين شاركهم الدعوة حتى كلمة سر صفحته على فيسبوك”.

لاحقت غنيم اتهامات مستمرة بأنه باع الثورة، وصار عميلاً للمخابرات (دون تحديد أي مخابرات)، بخاصة أنه حين ألقي القبض عليه، سعى حسام بدراوي، الأمين العام الجديد للحزب الوطني في ذلك الوقت، للإفراج عنه ثم دخل الميدان يمسك به في يده ويمنحه هديةً للثوار ليتراجعوا عن ثورتهم، ثم أطلق غنيم صيحته التي لا تُنسى “المهمة أُنجزت” مطالباً المتظاهرين بالرحيل.

وسواء كان غنيم شريكاً أو لا، كان ما فعله جانباً من المشهد، الذي رُسمت تفاصيله بعناية كي تنفضّ الثورة في ذلك اليوم: عزل أمين الحزب الوطني المغضوب عليه وإبعاد أمين سياساته جمال مبارك لمنع سيناريو التوريث، تقديم تنازلات وإصلاحات من النظام، خطاب حسني مبارك العاطفي، دعوات إلى إخلاء الميدان لأن التظاهرات حقّقت أهدافها و”المهمة أُنجزت”.

اتهامات العمالة للأجهزة الأمنية بحق غنيم تضاعفت حين انفجر غضبه وبدأ يسبّ الجميع على “فيسبوك” في بث مباشر استمر لساعات، ثم هدأ بمرور الوقت وبدأ يعتذر ويطلب من أجهزة المخابرات والأمن الوطني الاتصال به مجدداً لأن “معه أسرار يريد أن يكشفها”.

في كتابه “الثورة 2:0“، عبّر عن خوفه من المخابرات. وتحوّل الخوف، بمرور الوقت، إلى رغبة في التقرّب منها كي يأمن شرّها، وهو مضمون الرسائل التي  كشفتها مقاطعه اللاحقة. وخلال صفحات كتابه الوحيد، يعلن دهشته من اعتباره بطلاً، ويقول: أجد ذلك مضحكاً، منحت جوائز عدة، وسمتني مجلّة «تايم» من بين أكثر الشخصيات تأثيراً خلال العام الماضي، لكنني أجد كلّ ذلك محرجاً، خصوصاً أنني لم أكن وحدي خلف الصفحة.

وائل والجماعة

اقترب وائل غنيم من جماعة الإخوان المسلمين خلال دراسته الجامعية، كان يقيم الصلوات في وقتها ويميل للجماعة بسبب نشأته في أجواءٍ متدينة ومحافظة في المملكة العربية السعودية، حتى اكتشف أنه أداة في يدِ مجموعة من الشيوخ، الذين يفرضون عليه طقوساً وأفكاراً لا يقتنع بها، وهو الذي يشقّ طريقه نحو العالم الجديد، فغادر الجماعة، خاصة أنه لم يكن ابن أسرة تدين بالولاء للإخوان، إنما كان اندفاعه إلى صفوفها تمرّداً ذاتياً على الأوضاع.

شاب تقليدي متديّن خلق له شغفه بالإنترنت مستقبلاً آخر، فأسَّس في مراحله الأولى موقعاً إسلامياً يدعى “إسلام واي” عام 1988، كي يصبحَ إسهامه ومشروعه الذي يصل به إلى العالمية، ومنحه تعريفاً يقول: “مشروع إسلامي يأمل في المساهمة بقوة في الإعلام الإسلامي ومجاراة التقدم التكنولوجي الهائل في العالم”.

وحين توسّع الموقع المختصّ بالصوتيات الإسلامية، حتى صار واحداً من أشهر المواقع الإسلامية على الإنترنت في العالم، وبلغ حداً لم يقدر على إدارته مع زيادة تكلفة الاستضافة، تبرّع به إلى جمعية إسلامية في الولايات المتحدة. في ذلك الموقع، تعرّف إلى زوجته الأميركية، التي انفصل عنها لاحقاً، وأكّد في كتابه أنه كان يحب انفتاح الثقافة الأميركية فقرر الزواج منها: “فضلت الزواج من امرأة أميركية اعتنقت الإسلام، فكنت أعتقد أن أي شخص يغيّر دينه بعد فترة من التأمل هو شخص مميز، حين بدأت أراسل وحدة رفضت اقتراحي بأن تأتي إلى القاهرة من كاليفورنيا – حيث تعيش – كي نلتقي ونتزوج، فتوقف التواصل بيننا، وحين سافرت إلى الولايات المتحدة عام 2001 لإهداء الموقع إلى منظمة خيرية، عرّفتني صديقتي إلى امرأة كانت تبحث عن زوج مسلم، وهي إيلكا، وكانت أيضاً من كاليفورنيا، تزوّجتها خلال أسابيع، دون أن أخبر والديّ، اللذين لم يكونا راضيين عن هذه الطريقة في الزواج، واستغرقت والدتي وقتاً في تقبل الأمر”.

سواء كان غنيم شريكاً أو لا، كان ما فعله جانباً من المشهد، الذي رُسمت تفاصيله بعناية كي تنفضّ الثورة في ذلك اليوم.

ذلك التاريخ “الإسلامي” لوائل غنيم أوحى للأجهزة الأمنية المصرية، التي اكتشفت تأسيسه صفحة “كلنا خالد سعيد” واعتقلته حين جاء ليشارك بالثورة، بأنه أحد أذرع جماعة الإخوان للسيطرة على الحكم، خاصة أن اسم أبرز شركائه في الصفحة، عبد الرحمن منصور، ارتبط بالجماعة، وكان أحد شبابها.

وتزامناً مع الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة، انضمّ إلى الحملة الانتخابية للمرشح ذي الخلفية الإسلامية، عبد المنعم أبو المفتوح، الذي انشقّ عن جماعة الإخوان، وكان ذا كلمة في الحملة، وعندما احتدمت المعركة بين محمد مرسي وأحمد شفيق، خلال السباق الانتخابي، انحاز إلى مرسي، وحضر مؤتمر “فيرمونت” الشهير لدعمه.

ومع عدم استيعابه الألاعيب السياسية وقلة وعيه السياسي كما تشير المترجمة إكرام يوسف في شهادتها، اقتنع بشعارات الجماعة وبشعارات السلفيين، بأنهم بلا أجندة سياسية، ولن يهتموا بمنع الخمور أو تعليم الناس الدين، إنما سينصبّ اهتمامهم على مساعدة الناس اقتصادياً وتحسين حياتهم، وقال ذلك خلال جولات الترويج لكتابه عن الثورة.

صدّق وائل غنيم تلك التصريحات الإعلامية، التي سبقت الانتخابات، لكن صفحة “كلنا خالد سعيد” فضحت الكثير مما حصل في عهد مرسي، ونشر غنيم مقطع فيديو يطالب فيه مرسي بالاستقالة ليلة 30 حزيران/ يونيو 2013.

وما بين حضوره مؤتمر فيرمونت ودعوته مرسي للاستقالة، هادت نغمة الهجوم عليه من جديد من جانب أنصار جماعة الإخوان المسلمين ، واعتبروه ذراعاً للمخابرات المصرية، ويريد – عبر ظهوره – الإلهاء عن الثورة التي يقودها المقاول محمد علي.

لم يكن وائل غنيم منذ ظهوره الأول خلال ثورة 25 يناير شخصاً واحداً، فكل فصيل كان يرى فيه شخصاً مختلفاً، الثوار رأوه ثائراً لأجل الحرية في البداية وتبرّأوا منه حين طلب التواصل مع الأمن الوطني، والإخوان المسلمون اعتبروه واحداً منهم ثم انقلبوا عليه، والأجهزة الأمنية سمحت له بالعودة إلى مصر ضمن العائدين بعد الانفتاح السياسي المزعوم في مصر، بعدما اعتقلته الأجهزة ذاتها قبل نحو 12 عاماً وأطلقت سراحه، برغم أنه وجّه حديثاً جارحاً للسيسي، خلال حديثه المفاجئ قبل أربع سنوات. واختفى في ظروف غامضة منذ عودته حتى الآن، ليخلّف شكوكاً وأسئلة حول مصيره: هل نصبت له أجهزة الأمن فخاً حتى تعيده من الخارج وتعتقله؟ بينما لم يعد أي فصيل يبحث عنه “بجدية” لاعتقاد كلِّ فصيل أن وائل غنيم خان العهد معه.