fbpx

الدبلوماسية الإيرانية والارتهان بأوامر المرشد… معضلة الدولة و”الثورة” 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تمثل حالات اختطاف المعارضين الإيرانيين في الخارج، نمطاً يقع ضمن أدوات نظام الملالي السياسية، وعقل النخبة في إدارة الحكم، الأمر الذي يتخطى دور الأجهزة الأمنية إلى المؤسسات الدبلوماسية التي تضطلع بمهمة قصوى في صناعة العنف بينما توفر الحماية للنشاطات المشبوهة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يمكن القول اليوم، وفي الذكرى الـ44 للثورة الإيرانية، أن حدّة آليات نظام الملالي القمعيّة في استهدافه للمعارضة السياسية خارج طهران لم تختلف أو تخفت حدتها، إذ يواصل الملالي حملاتهم الأمنية العابرة للحدود الوطنية، الأمر الذي يجري بواسطة الأجهزة الأمنية وحتى الدبلوماسية، بل أن البعض يصف سفارات إيران في أوروبا بأنها مراكز للتخطيط للعمليات الإرهابية، وأن الدبلوماسيين هم إرهابيون مقنعون يخططون لاعتداءات على أراضي القارة العجوز.

 دشن الخميني في عام 1983 وزارة الاستخبارات والأمن القومي. واللافت أنّ المرشد الإيراني هو من يقوم بتسمية الوزير بهذا الجهاز الأمني، كما يتم تعبئة الأفراد من ذوي الخلفيات الدينية لضمان ولاءاتهم الأيدولوجية مثل طلاب “مدرسة حقاني” أو جامعة الإمام محمد باقر التي أسستها الوزارة عام 1984.

نهاية ثمانينات القرن الماضي، شهدت فيينا أولى حوادث الاغتيال التي طاولت معارضي النظام في طهران، إذ  تم اغتيال المعارض الكردي عبد الرحمن قاسملو، وفي مطلع التسعينات اغتيل آخر رؤساء الحكومة الإيرانية في فترة حكم الشاه، شابور بختيار، في باريس. وفي التسعينات كذلك، حدثت أشهر عملية تصفية للمعارضين ببرلين، والتي نفذها وكلاء للاستخبارات الإيرانية مع عناصر تابعين لحزب الله اللبناني، حيث تم تفجير مطعم “ميكونوس”، الذي تسبب في صدور مذكرة اعتقال بحق وزير الاستخبارات الإيرانية علي فلاحيان. 

أعاد تقرير منظمة العفو الدولية الصادر شباط/ فبراير 2023، حقائق، ربما، لا تبدو كلها جديدة، تحكي دور دبلوماسيين إيرانيين سابقين وحاليين في التعتيم سواء على إعدامات عام 1988 إثر فتوى المرشد الإيراني، وقتذاك، الإمام الخميني، أو قمع الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد أفراد دورية “شرطة الأخلاق”.

ووفق المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، فإنّ امتناع السلطات الإيرانية الاعتراف بـ”مجازر السجون”، ثمانينات القرن الماضي، وضمان غياب المساءلة، نجم عنه إدامة للخروقات الحقوقية. فيما لمحّ التقرير إلى “تفاصيل الدور الخطير الذي لعبه الممثلون الدبلوماسيون للجمهورية الإسلامية في نفي وقوع المجازر، ونشر المعلومات الزائفة، ومعارضة التحقيق الدولي في مواجهة تزايد الأدلة الموثوقة”.

يمكن القول اليوم، وفي الذكرى الـ44 للثورة الإيرانية، أن حدّة آليات نظام الملالي القمعيّة في استهدافه للمعارضة السياسية خارج طهران لم تختلف أو تخفت حدتها.

عرجت “العفو الدولية” على حادث مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني، مشيرة إلى أنّه “بعد مرور ما يزيد على أربعة عقود، لا يزال المسؤولون الإيرانيون يستخدمون استراتيجيات مشابهة للتستر على الجرائم التي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويستمرون في إضعاف الردود الدولية عليها، بينما يحاولون سحق الاحتجاجات المستمرة في شتى أنحاء البلاد”.

إذاً، لا تعد التقارير الحقوقية الموثقة بشأن تورط دبلوماسيين إيرانيين في إدارة العنف أمراً عرضياً أو مباغتاً. فثمّة سوابق عديدة تفضح توظيف النظام الإيراني كافة المراكز الثقافية، والمؤسسات الديبلوماسية، في عواصم عربية وغربية، لخدمة طرف محدد داخل السلطة والذي يصر على أن تكون دولة “غير طبيعية”، على حد تعبير قادتها المعممين. هذه الدولة أو بالأحرى “الجمهورية الإسلامية” أخفقت، على مدار أربعة عقود، في الانتقال الهادئ والسلس من “الثورة” إلى الدولة. بل إنّها تواصل (تأبيد) مقاربتها التي وضعها المرشد المؤسس، الإمام الخميني، حين قال إنّه يهدف إلى “خلق نظام عالمي جديد مستند إلى الإسلام المحمدي النقي”. 

عمدت النخبة السياسية والدينية المؤدلجة إلى تصفية مؤسسات الدولة المدنية، كالجيش والإعلام والبرلمان، ثم دشنت مؤسسات بديلة لها الفاعلية والقدرة على التأثير. فتأسس الحرس الثوري الذي يحوز عبر المؤسسات الإعلامية والاقتصادية، إمكانيات ونفوذ تتجاوز قدرات الجيش الإيراني الذي كان قائماً في الفترة البهلوية قبل نجاح ثورة عام 1979، وتحديداً في ما يخص الامتيازات الاجتماعية وكذا المخصصات والنفقات المالية والاقتصاديات المرتبطة به (يملك 80% من الاقتصاد الإيراني). 

فضلاً عن تسيد الحرس الثوري قمة الصورة الإعلامية والفنية بإيران التي تمنح شخصياته دور البطولة والتفوق والقوة والانتصار لقيم “الثورة” ومبادئ “الجمهورية” من خلال حشد وتعبئة الصورة القومية والطائفية.  ورغم بقاء البرلمان المنتخب الذي تحول إلى “مجلس الشورى الإسلامي”، إلا أنّه، في واقع الحال، تظل صناعة القرار في قبضة مكتب المرشد الإيراني. 

هذه التناقضات والمزاحمة بين الأجهزة في ظل النظرة الولائية تتحكم أو تلاحق مقاربة النخبة الحاكمة في إيران، لضمان فعالية سياساتها، محلياً وخارجياً، وتمتد لكافة المؤسسات التي تشكلت على تخومها بدائل نجحت في إضعاف مماثلها القديم، وتضييق نشاطها لحدود الهامش. ومن بين هذه المؤسسات السفارات التي لاحقها ممثلين لمكتب المرشد الإيراني. ففي العديد من العواصم هناك مكتب ممثل المرشد الإيراني لمتابعة السياسة الخارجية الإيرانية.

بالعودة لتقرير منظمة العفو الدولية، قالت ديانا الطحاوي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “ظلت السلطات في الجمهورية الإسلامية في إيران تُحكم قبضتها على السلطة طيلة عقود عن طريق ارتكاب الفظائع تلو الفظائع مع الإفلات التام من العقاب. وتستمر بشكل ممنهج في إخفاء مصائر وأماكن آلاف المعارضين السياسيين الذين قتلتْهم خارج نطاق القضاء في الثمانينات من القرن الماضي، ودفنتْهم في قبور مجهولة. كما أنها تُخفي أو تدمر مواقع القبور الجماعية، وتضايق أقرباءهم”.

وتابعت: “في الفترة بين عامي 1988 و1990، أصدر دبلوماسيون إيرانيون في شتى بلدان العالم ومسؤولون حكوميون في إيران تعليقات متشابهة وأحياناً متطابقة، نفوا فيها الأنباء المتعلقة بعمليات الإعدام الجماعية التي ارتُكبت في عام 1988، وعدوها دعاية من جانب جماعات المعارضة. وادعوا أن عمليات القتل كانت قد وقعت في سياق الهجوم المسلح الذي شنته منظمة (مجاهدي خلق) الإيرانية”.

ومن بين الشخصيات الديبلوماسية التي نجحت المنظمة في تجميع أدلة تثبت تورطهم في عمليات قمع خارج نطاق القانون وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي، أحد أبرز المستشارين للمرشد الإيراني علي خامنئي. وبالإضافة إلى ولايتي، نائباه منوشهر متكي (وزير الخارجية في زمن محمود أحمدي نجاد) ومحمد حسين لواساني.

تشمل القائمة  أيضاً مسؤولين سابقين، منهم محمد جعفر محلاتي ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وسيروس ناصري ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، ومحمد علي موسوي القائم بأعمال السفارة الإيرانية في كندا، ومحمد مهدي آخوندزاده القائم بأعمال السفارة الإيرانية في لندن، ودبلوماسياً سابقاً في السفارة الإيرانية بطوكيو يدعى رييسي نيا.

كما دانت منظمة العفو الدولية، المسؤولين الإيرانيين على خلفية دورهم المتعمد في تشويه صورة المحتجين، ووصفهم بأنّهم “مثيرو شغب”، وهي الأوصاف ذاتها التي استخدمها النظام في تمرير إعدامات الثمانينات. وقالت: “يُنكرون (تقصد المسؤولين الإيرانيين) ضلوعهم في مئات عمليات القتل غير القانونية، ويرفضون الدعوات إلى إجراء تحقيقات دولية وفرض المساءلة”.

وتردف: “قام مسؤولون إيرانيون في جنيف بتوزيع تقارير مطوَلة وضعت المسؤولية عن عمليات قتل المحتجين على عاتق (إرهابيين مأجورين)، أو نسبتها إلى عمليات (انتحار) أو (حوادث)، أو شككت في وفاة بعض الضحايا”.

حسب ديانا الطحاوي فإن “الحكومة الإيرانية وممثليها الدبلوماسيين حول العالم يستمرون منذ عقود في تنظيم حملات منسقة لنفي وقوع عمليات القتل، ونشر معلومات كاذبة تهدف إلى تضليل المجتمع الدولي وحرمان المتضررين والمجتمع ككل من الحق في الكشف عن الحقيقة”.

يبدو أنّ العقل السياسي والأيدولوجي بإيران يعيد إنتاج مقولة الخميني، ويصنع لها سياسات مقاربة. فالمرشد الإيراني، علي خامنئي، يؤكد أنّ طهرن لن تكون مطلقاً دولة “عادية”، واعتمد المقولة ذاتها المرجع الشيعي المتشدد عضو مجلس خبراء القيادة ومؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، محمد مصباح يزدي، والذي قال إنّ نظام الولي الفقيه “يحمل رسالة مقدسة”. 

تتخطى الديبلوماسية الإيرانية التي تتورط، بين الحين والآخر، في عمليات قمع، منها الخطف أو محاولات الاغتيال وكذا تنفيذ تفجيرات لمؤتمرات المعارضة بالعواصم الأوروبية، هذا الدور المؤقت بينما تتجه لاعتباره ضمن أدوات الخارجية الإيرانية وتعميمه كجزء من سياسات “الجمهورية الإسلامية”. فمع مطلع، ثمانينات القرن الماضي، دشن الخميني مكتباً يتولى مبدأ “تصدير الثورة” داخل وزارة الخارجية بينما ترأسه المرجع الشيعي هادي خسروشاهي (مات إثر إصابته بفيروس كورونا) والذي كان سفيراً لإيران في الفاتيكان ثم مصر، والمعروف بعلاقاته وارتباطاته الواسعة بجماعة الإخوان المسلمين. 

يحفل سجل النظام الإيراني بحوادث عديدة ودموية، تتصل باستدراج واختطاف مواطنين إيرانيين، كما حدث مطلع العام مع مساعد وزير الدفاع السابق، علي رضا أكبر، وكذا الصحفي روح الله زم، نهاية عام 2019، فضلاً عن آخرين. وجميعهم ارتبطت بهم تهم “تجسس” لصالح أطراف إقليمية ودولية. كما جرى تسجيل اعترافات قسرية لهم، وفي النهاية إصدار أحكام بالإعدام. ومنذ عام 2021، يقضي الديبلوماسي الإيراني، أسد الله أسدي، عقوبة السحن لمدة لمدة 20 عاماً، في بلجيكا، على خلفية إتهامه بالتخطيط في تفجير اجتماع للمعارضة الإيرانية بالخارج.

وتكاد لا تختلف هذه الوقائع وملابساتها عن تقييم للمخابرات الأميركية، عام ١٩٨٧، والذي ذكر: “يعمل القسم ٢١٠ التابع لوزارة الخارجية (الإيرانية) كمركز رئيسي لعمليات التنسيق مع ضباط المخابرات الإيرانية الذين يعملون في الخارج، وغالباً ما يُستخدم لتوجيه ضباط المخابرات حول العمليات الإرهابية. أمّا “الحرس الثوري”، الذي يشكّل الأداة الرئيسية للإرهاب الإيراني في لبنان، فيستخدم موارده الخاصة، بالإضافة إلى المنظمات الدبلوماسية والاستخباراتية، لدعم أعمال الإرهاب ورعايتها وتنفيذها”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.