fbpx

زلزال في الشمال وقصف في الجنوب… لا هدنة لموت السوريين!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المأساة السورية ممتدة من أقصى مدينة في الشمال حتى آخر بقعة في الجنوب، يعلو صراخ السوريين من تحت الركام والقذائف، بينما تتلاشى أحلامهم يوماً بعد يوم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انقطع الاتصال فجأة وأنا أتحدث مع صديقي الذي يسكن في دمشق، تمام الساعة 00:22 دقيقة من فجر الأحد (19 شباط/ فبراير)، ظننته انقطاعاً روتينياً في شبكة الانترنت كما جرت العادة في سوريا، لكنني لا أخطئ أصوات القصف، أعرف تلك الأصوات جيداً وهي رافقت لحظات انقطاع الاتصال. 

محاولات عدة للاطمئنان أو الاستفسار عما حصل،  انتهت برسالة صوتية من صديقي قال فيها: “أنا منيح بس في ناس ماتت”. 

مرة أخرى سوريا تحت نار ما، وهذه المرة أتت على شكل قصف إسرائيلي، بعد أيام من الزلزال المدمّر في الشمال، وكأن الموت بأسوأ أشكاله لا يتوقف في سوريا ولو للحظة واحدة.

“بس صار يهز البيت حملت غراضي وركضت بعدين اكتشفت انو هي مضادات بالسما، احترت ساعتها ارجع فوت على البيت الي عم يهز او اهرب لبرا الي عم ينقصف؟“.

لا استراحة بين القصف والزلزال

المأساة السورية ممتدة من أقصى مدينة في الشمال حتى آخر بقعة في الجنوب، يعلو صراخ السوريين من تحت الركام والقذائف، بينما تتلاشى أحلامهم يوماً بعد يوم. إنها البلاد التي تُقصفُ بدم بارد ولا يكترث لقهرها أحد، وكأن الزلزال ليس كافياً لوقف القصف والقتل والألم ولو لشهر، لسنة، وإن كان الزلزال عاجزاً عن منح الأطراف المتصارعة برهة للاستراحة، فما الذي سيوقفهم إذاً؟

استهدف الهجوم إسرائيلي من اتجاه الجولان السوري بعض النقاط في مدينة دمشق ومحيطها، من ضمنها أحياء سكنية مأهولة بالمدنيين إضافة إلى موقع في مدينة السويداء. 

أتى الهجوم الاسرائيلي بعد ساعات من استهداف صواريخ مهبط الطائرات في  حقل العمر في دير الزور والذي يعتبر من أكبر القواعد العسكرية الأميركية في سوريا، وبرغم عدم تبني أي جهة العملية، إلا أن أصابع الاتهام تشير إلى إيران. 

تختلط الأمور والحوادث في سوريا، لدرجة لا يمكن فهمها أو مجاراتها، لكن الشي المؤكد الوحيد أن السوري هو الخاسر في النهاية.

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، استهدفت الصواريخ الإسرائيلية مواقع تابعة لميليشيات إيرانية و”حزب الله” اللبناني، في منطقة واقعة ما بين السيدة زينب والديابية في ريف دمشق، ما أدى إلى حرائق وانفجارات في الأماكن المستهدفة، إضافة إلى استهداف منطقة ومدرسة إيرانية في كفر سوسة، ما أسفر عن تدمير مبنى وسقوط خسائر بشرية. كما سقط صاروخ عند دوار المزرعة، وتحدثت معلومات عن مقتل امرأة. ووثق المرصد مقتل 15 شخصاً، من بينهم مدنيون وهي الحصيلة الأعلى في دمشق نتيجة قصف مماثل للمنطقة.

 تقول ريم (اسم مستعار): “بس صار يهز البيت حملت غراضي وركضت بعدين اكتشفت انو هي مضادات بالسما، احترت ساعتها ارجع فوت على البيت الي عم يهز او اهرب لبرا الي عم ينقصف؟”.

 يحار السوريون بأنفسهم، هل يراقبون اهتزاز الأرض طوال الوقت أم يحملون أغراضهم ويهربون من المنازل؟ أم يهرعون لفتح النوافذ كيلا تحطمها الانفجارات؟ في أي اتجاه سيهربون، إن كان القصف أمامهم والزلزال من خلفهم؟ 

النجاة في سوريا باتت أمراً مرهوناً بالحظ، فللموت أشكال وأحجام وأوقات مختلفة لا يمكن توقعها، الجوع، القهر، القتل، الكارثة، القصف الإسرائيلي… فبينما يهرب السوريون من الزلازل في الشمال، تتلقاهم القذائف في الجنوب. السخرية أن الكثير من سكان مدن اللاذقية وحلب وحماة فرّوا إلى دمشق بسبب تصدع منازلهم، ولم تمضِ أيام حتى اختبروا هلعاً جديداً.

طائرات المساعدات تهرب بعيداً 

منذ بداية الحرب يقف العالم مكتوف الأيدي دون محاولة جديّة لمساعدة السوريين، وكانت القرارات اللوجستية والسياسية وما تحمله من عقوبات مبرراً لعجز معظم الدول عن مد يد العون. 

وبعد زلزال 6 شباط/ فبراير، تحركت بعض الدول  بمساعدات خجولة بعد مناشدات  السوريين المنكوبين، كما رفعت بعض العقوبات لمدة ستة أشهر وهي تشمل بشكل أساسي تحويل الأموال. كما توجهت عشرات الطائرات نحو سوريا، وبالتحديد نحو المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، بينما بقيت مناطق المعارضة تعاني تحت وطأة العزلة، وفيما يحاول السوريين الوقوف على أقدامهم، وجدوا أنفسهم تحت قصف صواريخ إسرائيلية، تهاوت فوق رؤوسهم ليكتمل مشهد الدمار السوري. وتبعاً لمصادر برامج تتبع الطيران، فقد تم إخلاء الأجواء السورية من كل الطائرات بعد الهجوم الإسرائيلي بساعات، وهو ما سيؤثر قطعاً وبشكل كبير في مسألة إمداد سوريا بالمساعدات وتحديداً المناطق المتضررة من الزلزال أو سيؤجلها في أفضل الأحوال.

قلعة دمشق مستهدفة أيضاً

هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها إسرائيل مناطق داخل دمشق منذ فترة طويلة، إذ كانت غالبية هجماتها تسقط في محيط العاصمة، ويرجح السبب إلى وجود أهداف عسكرية داخل المنطقة. وليست دمشق وحدها المستهدفة، ففي مدينة السويداء قُصف موقع رادار تابع للجيش السوري في تل المسيح قرب مدينة شهبا، ما أدى إلى دماره بشكل كلي، وفق المعلومات المتوفرة.

لكن الصادم والجديد هو استهداف قلعة دمشق تحديداً، وتحدثت أنباء عن أضرار كبيرة في القلعة، لا يعرف للآن حجمها، إذ قال المدير العام للآثار والمتاحف في دمشق، نظير عوض، إن أحد صواريخ العدوان الإسرائيلي فجر الأحد، استهدف قلعة دمشق، وأدى إلى أضرار كبيرة في المكان. وبحسب عوض لا تمتلك القلعة أي وظيفة عسكرية، وهي مكان أثري تعليمي ثقافي. وتسبب الصاروخ في تهدم المعهد المتوسط للفنون التطبيقية، الذي يعتبر مؤسسة تعليمية تدرس طلاب الفنون نهاراً، وقد دُمر كل ما في المعهد من أثاث وأجهزة مسح وحواسيب وعدة التصوير السينمائي. لكن حتى الآن لا يمكن الجزم بأن الصاروخ الذي استهدف القلعة هو إسرائيلي، إذ تحدثت مصادر عن فشل في إطلاق صواريخ الدفاع السورية أو انفجارها، ما تسبب في سقوط شظايا على أماكن سكنية.

في كل الأحوال، قلعة دمشق تعتبر من أهم الآثار السورية والدمشقية، وتحطيمها جزء من عملية محو التاريخ السوري بكل ما فيه من بشر وحجر، وبينما تضررت قلعة حلب في الشمال بسبب الزلزال، فقد تضررت قلعة دمشق في الجنوب بسبب القصف.

حين عاود صديقي الاتصال بي كي يطمئنني، كان صوته خافتاً، وقد سمعت صوت سيارات الإسعاف وصراخ الناس في الشوارع، قال: “عن شو كنا عم نحكي؟”، صمتنا بعدها مدة طويلة ولم نستطع تذكر حديثنا السابق، لكننا على يقين من أنه كان بعيداً من قصص الموت في هذه البلاد التعيسة، قريباً من وجهة الحلم…