fbpx

المنهبة الجديدة… سلامة يحاول “اقتناص” 16 مليار دولار من الدولة اللبنانية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يحق لسلامة وضع دين جديد على الدولة اللبنانية، ففي ذلك مخالفة للدستور ولقانون النقد والتسليف الصادر عام 1963، والذي يعتبر الركيزة الأساسية للجهاز المصرفي والمالي، إذ يرعى تنظيم النقد ودور المصرف المركزي وعملياته، وينظّم عمل المصارف إضافة إلى المهن التابعة للمهنة المصرفية ويمنع المصرف المركزي من إقراض الدولة اللبنانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خرج حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليطالب الدولة اللبنانية بدين جديد، بعد رفعه سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار، والذي صمد 30 عاماً، إلى 15 ألف ليرة لبنانية الدولار الواحد، منذ بداية شباط/ فبراير 2023. وهو تصريح ظهر ما يناقضه في مقابلة تلفزيونية لسلامة بعد أيام، أكد فيها أن “المركزي” لم يسبق أن قدّم ديوناً بالدولار للدولة اللبنانية… فكيف يطالبها الآن بـ16 مليار دولار؟

في التفاصيل، وخلال إعلانه عن الميزانية العمومية، صرّح سلامة بأن الدولة مدينة للمصرف المركزي بـ16 مليار دولار أميركي، محملاً إياها مسؤولية الخسائر. في المقابل، لم يصدر عن حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي أي تصريح أو اعتراض. 

هل من دين؟

أوضح سلامة أن هذا الدين متراكم على الدولة اللبنانية منذ عام 2007 وحتى عام 2020، ومجموع هذه الخسائر على الميزانية العمومية نتجت ما يسمى اقتصادياً بالالتزام السلبي، ومعنى ذلك أن المصرف المركزي دفع للدولة اللبنانية أكثر مما ينبغي، إنما ذلك لا يعتبر ديناً، ما يجعل الالتزام سلبياً. 

لكن الواقع يخالف بيانات حاكم المصرف، فخلال سنوات استقرار سعر صرف على الـ1500 ليرة مقابل الدولار، كانت الدولة تلجأ إلى مصرف لبنان للحصول على دولار مقابل الليرة اللبنانية وكان المبلغ يلغي بعضه، كما يوضح الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لوزير المالية هنري شاوول لـ”درج”. ويضيف شاوول أن مصرف لبنان لم يكن يسجل قيمة التصريف وعمولته، بوصفهما ديناً على الدولة، لأن سعر الصرف كان ثابتاً، وهو ما يعني أن ليس على الدولة اللبنانية سداد أي دين، مع ارتفاع سعر الصرف الآن.

هذا ما كان يفعله المودعون أيضاً، بسبب عدم الثقة بالليرة اللبنانية كان كثيرون ممن يتقاضى رواتبهم بالليرة اللبنانية، يلجأون إلى المصرف التجاري لتحويل المبلغ إلى دولار، كما كان التجار وأصحاب المصالح يفعلون ذلك للاستيراد وغير ذلك. وهو ما انتهى بالانهيار الذي بدأ عام 2019، مع انخفاض جنوني لسعر الليرة واحتجاز أموال المودعين، لا سيما حسابات الدولار. 

الدولة اللبنانية كما المودعين، كانت بحاجة إلى العملة الصعبة لدفع بعض المستحقات مثل استيراد النفط والأدوية، وبذلك كانت تصرّف ليراتها مقابل الحصول على الدولار من البنك المركزي، وهو ما يستغله الأخير الآن، لتحصيل المزيد من الأموال من الدولة اللبنانية، بحجة أنها مدينة له. 

صرّح سلامة بأن الدولة مدينة للمصرف المركزي بـ16 مليار دولار أميركي، محملاً إياها مسؤولية الخسائر.

مخالفة القانون

لا يحق لسلامة وضع دين جديد على الدولة اللبنانية، ففي ذلك مخالفة لقانون النقد والتسليف الصادر عام 1963، والذي يعتبر الركيزة الأساسية للجهاز المصرفي والمالي، إذ يرعى تنظيم النقد ودور المصرف المركزي وعملياته، وينظّم عمل المصارف إضافة إلى المهن التابعة للمهنة المصرفية  ويمنع المصرف المركزي من إقراض الدولة اللبنانية. 

ثانياً، يذكر شاوول أن الحكومة اللبنانية كانت تقترض عبر اليوروبوندز، وهذا هو الدين الحقيقي الوحيد الذي تتحمل الدولة اللبنانية مسؤوليته، وقد حصلت عليه من المصارف التجارية التي بدورها ديّنت المصرف المركزي، ليُقرض الدولة اللبنانية. 

وعلى مدار 13 عاماً، لم يتطرق سلامة الى موضوع هذا الدين، لأنه من الأصل ليس موجوداً وعبارة عن تحويلات من الليرة اللبنانية إلى الدولار، إلا إذا حصلت اتفاقات “سرية” بين وزراء المالية المتعاقبين منذ عام 2007 مع حاكم مصرف لبنان.

تواصلنا مع وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف خليل، لنسأله إن كانت وزارته على علم بالموضوع، فكان رده موجزاً: “ليس لدي أي أرقام، بإمكانكم التواصل مع مصرف لبنان، لا أستطيع إفادتكم اليوم لدي اجتماعات متواصلة”. 

اللافت أن خليل لعب دوراً أساسياً على مدى سنوات في مصرف لبنان، إذ عمل خبيراً اقتصادياً منذ عام 1982، وكان عيّن مديراً تنفيذياً لإدارة العمليات المالية في مصرف لبنان قبل استلامه وزارة المالية عام 2021. 

وفي حال وجود اتفاق بين المعنيين منذ عام 2007 حتى اليوم، فلماذا لم تصرح عنه وزارة المالية ولماذا لا تطرحه في اجتماعات مجلس الوزراء؟ الجواب إما عدم وجود الدين أساساً، وهذا هو المرجح، أو غياب الشفافية وإخفاء الحقيقة عن اللبنانيين الذين يتحملون وحدهم عبء الخسائر، التي كان يفترض أن يتحملها المصرف المركزي والمصارف التجارية. وذلك بسبب تصريفها العملة الوطنية إلى العملة الصعبة على السعر الثابت الوهمي (1500 ليرة)، وهو مخالف لقانون النقد والتسليف.  

زد على ذلك، إن هذه الخطوات التي يتبعها مصرف لبنان تتنافى مع متطلبات صندوق النقد الدولي، وبالتالي السير في إقرار قوانين خارجة عن الدستور وزيادة ديون وهمية، تؤكد أن الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان لا يسعيان إلى التوافق مع “صندوق النقد الدولي”، ما يعني غياب أي خطة توقف النزيف الاقتصادي. 

بيع الأصول 

يتجه بعض المسؤولين في المجلس النيابي والحكومة اللبنانية، أمثال نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، بطرح بيع أصول الدولة اللبنانية التي يملكها الشعب اللبناني بهدف دفع أموال المودعين المحجوزة في المصارف ولجم الخسائر. 

هذا الحل، بحسب شاوول وخبراء اقتصاديين، يعتبر شعبوياً وغير منصف للشعب اللبناني، كما أنه مرفوض كلياً بالنسبة إلى “صندوق النقد الدولي”. الحكومة اللبنانية تفيد بأنها تريد دفع نحو ملياري دولار إضافة إلى سندات خزينة لسداد الخسائر، التي لن تتبخر كما يوضح شاوول، لأنه سيبقى على الدولة قيمة 5 مليارات دولار. 

على الحكومة اللبنانية رسم خطة واضحة عبر المساءلة والتدقيق الجنائي لمعرفة كيفية توزيع هذه الخسائر وأي فئة من المودعين يحق لها استرجاع أموالها بشكل كلي أو جزئي. 

في نهاية المطاف، لا يحق لمصرف لبنان مطالبة الدولة بـ16 مليار دولار تكاد تكون من نسج الخيال، أو محاولة لكسب المزيد وتجيير الأزمة لمصلحة المركزي والمصارف التجارية. وهي محاولة لتعبيد الطريق أمام بيع أصول الدولة باعتبارها الحل الوحيد للتعافي الاقتصادي. في الحقيقة، بيع هذه الأصول تعني بيع ما تبقى للبنانيين من الدولة إلى طرف غريب، وبيع كل ممتلكات اللبنانيين من دون موافقتهم على ذلك. عبر هذه الخطوة، يحاول سلامة تحميل الدولة المتمثلة بالشعب والمودعين