fbpx

الزلزال الذي أخذ مني صديقتي… النحيب شأن حميميّ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن وصف الحطام بالكلمات، ولا الحيوات التي سُحقت تحته، الأجساد، الصور، الجدران التي انهارت، كاشفةً غُرف النوم وغرف المعيشة، المنازل أصبحت “خارجاً” أو كومة من حطام، مشيت بينها عارفةً أن هناك من قضوا تحت الركام، وهناك من ينتظر أن يسمع أحدٌ صراخَه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عدت إلى تركيا  من إجازتي الطويلة التي امتدت شهراً في الكويت، باشرت عملي في بداية شباط/ فبراير، استغرق الأمر بعض الوقت كي أرجع إلى روتين العمل في أنقرة بعد إجازة بين الأهل والأصدقاء.

انتابني شعور جديد حين عدت، مختلف عن ذاك الذي راودني حين وصلت أنقرة للمرة الأولى، هذه المرة أنا سعيدة بمساحتي الشخصية، تلك التي افتقدتها حين عدت إلى بيت أهلي في الكويت، على رغم أنني كنت سعيدة بوجودي معهم، إلا أنني اشتقت إلى شقتي ومساحتي الخاصة، و الهدوء الذي اعتدت عليه.

قبل أن أسافر، شغل بالي موضوع مرض صديقة عزيزة، التي تم تحويلها الى العناية المركزة بسبب الإهمال الطبي، حرصت قبل سفري بيوم على زيارتها في المستشفى، ولكنني لم أستطع أن أرى سوى طيفها من فتحات ستائر الغرفة، التي ساعدتني أمها على التلصّص منها. كنت أخاف أن أرحل ولا أراها ثانية.

 ماذا يعني أن يتأمل واحدنا صور الكارثة، وهو يعلم أنه متّجه نحوها بعد ساعات؟

لحظة الكارثة

صحوت فجر يوم الاثنين 6 شباط على أخبار الزلزال، ظننته في بادئ الأمر واحداً من الزلازل التي تحدث في تركيا بصورة متكررة، فأخبار الزلازل حدث طبيعي في تركيا، لكن بعد ساعات أدركت حجم الفاجعة!

زلزالان متتاليان، ضربا 10 ولايات متفرقة في تركيا، المباني سُويت بالأرض، الأجساد عالقة تحت الركام، الأطفال، الكبار، الأمهات، الجدات، جميعهم تحت رحمة الله، وتحت الأرض و بين الأنقاض، الخسائر البشرية كانت مرعبة، وُصف الزلزال بأنه يعادل 500 قنبلة نووية! 

وصلني في اليوم ذاته نبأ وفاة صديقتي… 

أسبوع اختبرت فيه آلاماً مختلفة في حرارة انخفضت إلى 10 درجات تحت الصفر. بقيت  في سريري عاجزة عن الحركة أتابع أخبار الزلزال، أشاهد صور الضحايا وأتألم، أذكر صديقتي و أدخل في حفرة سوداء تبتلعني.

 لم أجد سبيلاً للخروج من الحفرة سوى بنشاط ميداني. 

أتاني نبأ زيارة وفد رسمي كويتي إلى غازي عنتاب، وكان علي أن أتابع المسألة. تمكنت خلال 24 ساعة، من حجز تذكرة  فندق، من دون أن أعلم كيف أتنقّل هناك.

تأخر موعد إقلاع الطائرة، وانتظرت في المطار فيما الخوف يملأني وأنا أتأمل صور الأبنية المدمرة في غازي عنتاب، أعداد القتلى والمصابين تتصاعد أمامي،  ماذا يعني أن يتأمل واحدنا صور الكارثة، وهو يعلم أنه متّجه نحوها بعد ساعات؟

النحيب شأن حميمي

ما إن وصلت إلى غازي عنتاب حتى  تواصلت مع زميلي، سألته بعفوية، في أي فندق تسكن؟ أجابني بسخرية “فندق كرة الطائرة”، ثم قال “أروى افتحي الكاميرا بسرعة”، وإذ به مع أفراد الفريق في خيم بلاستيكية صغيرة وسط ملعب لكرة الطائرة، لم يستطيعوا حتى الاستحمام، فلا دورات مياه، وقد امتدت مهمتهم حتى الرابعة فجراً، وكان عليهم المشاركة في البحث عن أجساد قد تُكتب لها النجاة. صمد الفريق لعشرة أيام من دون استحمام، وبالملابس ذاتها، ينامون في خيم رقيقة في درجات حرارة متدنية.

التقيت بصديق إعلامي سعودي قبيل عودتي إلى أنقرة، روى لي أنّه كان يتمشّى بين الجثث التي أحاطت به أثناء تغطيته الإعلامية، ولم يستطع النوم من يومها، فرائحة الجثث لا تغادر أنفه. لم تقتصر الكارثة على الضحايا من الأتراك والسوريين وغيرهم، فقد مسّ الزلزال الجميع، حتى الذين لم يتعرضوا لمكروه بالفعل، فدائرة الرعب لم ترحم أحداً.

لا يمكن وصف الحطام بالكلمات، ولا الحيوات التي سُحقت تحته، الأجساد، الصور، الجدران التي انهارت، كاشفةً غُرف النوم وغرف المعيشة، المنازل أصبحت “خارجاً” أو كومة من حطام، مشيت بينها عارفةً أن هناك من قضوا تحت الركام، وهناك من ينتظر أن يسمع أحدٌ صراخَه.

شاهدت ناجين يحتسون الشاي، يجلسون على أطراف الحطام، بعضهم يتبادل أطراف الحديث، وبعضهم الآخر غارق في الصمت، وآخرون دعونا إلى شرب الشاي والقهوة.

أرادوا أن يخبرونا قصصهم، لكنهم رفضوا أن نصوّرهم، كانت مشاعري مختلطة، أشاهد  أطفالاً يلعبون، كباراً يتسامرون، ومراهقة نكست رأسها حين رأتنا وبكت، و لجهلي باللغة لم أستطع سوى مواساتها بلغة الجسد، أعتذر لها إن أحرجها وجودنا مع الكاميرات، الحضور الإعلامي الكبير يومها اقتحم خصوصية نحيبها، فحاولت قدر المستطاع تحاشي الحزن إن لم يرد أصحابه مشاركته.

عدت إلى أنقرة، رافقتني طوال الرحلة وجوه الضحايا، وطيف صديقتي التي فقدتها، تلك التي تلصصت عليها من بين الستائر، غواية العودة إلى السرير والانغماس في الحفرة السوداء داخلي راودتني، لكن لا، عدت إلى مكتبي، أعمل ، أكتب، أنقل الأخبار، ربما تعرّف أحدهم إلى صورة بيته، أو وصله أمل بأن أحباءه أحياء، أجلس وراء مكتبي وأنا عارفة دوري في الكارثة، أتجاوز ألمي، أكتب، وأنقل ما رأيته لمن ينتظر خبراً ما يعيد الحياة إلى روحه.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.