fbpx

التحقيق مع نقيب الصحافيين التونسيين: قيس سعيّد يضرب الحريات مجدداً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل سيغلق قريباً قوس حرية التعبير، أحد أهم مكاسب ثورة يناير إن لم نقل مكسبها الوحيد؟ تبدو الإجابة صعبة عن هذا السؤال في ظل مشهد سياسي ضبابي تسوده الريبة والقلق والترقب، إلا أن البوادر الحالية لا تنبئ بالخير.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تجمّع عدد من الصحافيين التونسيين في مقر “النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين”. كانت الوجوه ذاهلة من وقع الصدمة، فقد انتشر خبر فتح تحقيق ضد النقيب محمد ياسين الجلاصي بسبب مشاركته العام الماضي في تظاهرة ضد الاستفتاء.

 وعلى رغم محاولات البعض التندر والسخرية من الحملة الشعواء التي يشنها حالياً رئيس الجمهورية قيس سعيد، على المعارضين السياسيين وعلى الصحافة وكل مساحات التعبير والنقد، والتي استهلّها قبل نحو أسبوعين بسلسلة من التوقيفات التي طاولت وجوهاً بارزة من المعارضة، إلا أن إحساس الخوف كان يسود الجميع مع سؤال واحد في الذهن: من التالي؟ 

نعم، من التالي في قائمة من سيقع عليهم عقاب “فخامته”، الذي قرّر بعد انتخابات تشريعية فاشلة لم يشارك فيها سوى 11 في المئة من التونسيين، وأمام أزمة اقتصادية خانقة لا أفق للخروج منها قريباً، أن يُسلّط جام غضبه على المعارضين محملاً إياهم مسؤولية كل ما حصل.

عبثاً حاولنا كمجموعة من الصحافيين قدمنا إلى النقابة لمساندة النقيب، أن نخفف من هول ما حدث، لكن في داخل كل منا كانت هناك قناعة بأن رئيس الجمهورية لن يقف عند هذا الحد، وأن توقيفات جديدة في الانتظار، وأن قوس حرية التعبير في تونس قد ينغلق قريباً، لنعود إلى ما قبل 14 كانون الثاني/ يناير 2011، أي ما قبل الثورة التونسية.

علم النقيب بفتح تحقيق ضده بالصدفة، عندما تم استدعاء أحد الناشطين المدنيين وهو متهم في القضية ذاتها، ليكتشف أن اسمه، محمد ياسين الجلاصي، وموجود ضمن قائمة من 8 أشخاص كلهم من الناشطين السياسيين والمدنيين، قدمت ضدهم مجموعة من الأمنيين شكوى بـ”الاعتداء على حرية التجوال والدعوة إلى العصيان وهضم جانب موظف عمومي”، وذلك على خلفية مشاركتهم في تظاهرة حصلت في 18 تموز/ يوليو الماضي، قبيل الاستفتاء على الدستور الذي نُظّم في الشهر ذاته. 

أعتبر أن السلطة اليوم لا تبتدع أساليب جديدة للتصدي للآراء المخالفة، إذ تُعوّل كعادتها على إشاعة مناخ من الخوف والترهيب. وما حصل مع النقيب يؤكد أنه ليس من صحافي محميّ حالياً“.

“يومها نزلت لتغطية التظاهرة، بصفتي صحافياً في موقع “نواة” وليس بوصفي نقيباً. رفع المتظاهرون شعارات مناهضة للاستفتاء، ولا أتذكر أنه كان هناك أي تبادل للعنف مع البوليس”، يقول النقيب محمد ياسين الجلاصي، مضيفاً، “أعتبر أن الاتهامات ضدي جاءت في إطار استهداف نقابة الصحافيين التي لم يخبُ صوتها في التنديد بالمس بالحقوق والحريات، بخاصة حرية التعبير، سواء مع منظومة الحكم السابق أو الحالي. واليوم، يبدو أن مواقفها أزعجت السلطة فتحركت لمحاولة إسكات هذا الصوت”.  

يأتي خبر فتح تحقيق ضد نقيب الصحافيين بعد أقل من أسبوع على تنظيم نقابة الصحافيين يوم غضب للصحافة التونسية في 16 شباط/ فبراير، أمام ساحة الحكومة في القصبة في تونس العاصمة، وذلك احتجاجاً على “محاولات تصفية قطاع الإعلام وتدجينه” واستهداف حرية الصحافة. وقفة شارك فيها كثر من الصحافيين الذين كمّموا أفواههم، في إشارة رمزية إلى ضرورة رفع اليد عن حرية الصحافة في تونس.

في تعليقها على ما حصل لنقيب الصحافيين، تقول منية العرفاوي، صحافية في جريدة “الصباح”، “أعتبر أن السلطة اليوم لا تبتدع أساليب جديدة للتصدي للآراء المخالفة، إذ تُعوّل كعادتها على إشاعة مناخ من الخوف والترهيب. وما حصل مع النقيب يؤكد أنه ليس من صحافي محميّ حالياً”. 

إيقاف مدير إذاعة خاصة لمساءلته حول الخط التحريري

على رغم هذا المناخ العام، إلا أن قيس سعيد نفى عنه تهمة استهداف الصحافيين وحرية الصحافة، وصرّح في لقاء له برئيسة الحكومة، في يوم غضب الصحافة التونسية، أنه “لم يتم حجب أي صحيفة أو منع برنامج واحد”، كما “لم تتم ملاحقة أي صحافي من أجل عمل يتعلق بحرية التعبير”. 

جاء تصريحه هذا بعد ثلاثة أيام من إيقاف نور الدين بوطار، مدير أكثر الإذاعات استماعاً في تونس، إذاعة موزاييك، إذ تم التحقيق معه حول “الخط التحريري لإذاعته”، وعن “اختياره الصحافيين والمعلقين الذين يشتغلون فيها”. وقد جاء في أوراق القضية التي اطلع عليها محاموه، أنه من بين التهم الموجّهة إليه، “توظيف راديو موزاييك وتوجيه خطه التحريري للإساءة إلى أعلى هرم السلطة ورموز الدولة قصد تأجيج الأوضاع والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”.

ولئن اتُّهم مدير الإذاعة بعد ذلك بتبييض الأموال، وهي تهمة لم تثبت إلى الآن، بحسب تصريح أيوب الغدامسي أحد محاميه، فإن هذا الأخير صرّح بأنه يعتقد أنه تتم معاقبته بسبب بث برنامج حواري، ينتقد بشكل صريح أداء الرئيس قيس سعيد وحكومته. وهو “ميدي شو”، برنامج ناقد يتناول الأحداث السياسية والعامة في البلاد والسلطة السياسية ورجالها المتعاقبين منذ عام 2011.

تقول هاجر التليلي، وهي صحافية في إذاعة “موزاييك”، “هناك نوع من التراجع عن حرية التعبير التي نعتبرها من أهم المكاسب التي حصلنا عليها بعد الثورة في تونس. هذا المكسب حاولت السلطات باستمرار المس به، ولكن الصحافيين حاولوا قدر المستطاع صدّ ذلك، اليوم أصبح لدينا الإحساس بأن الأمور تغيرت، وزادت الضغوط على قطاع الإعلام، ولا أدل على ذلك مما حصل لمدير إذاعة موزاييك”. 

وحول مدى تدخل هذا الأخير في عمل الصحافيين في الراديو والمحتوى المقدم،  أكدت هاجر أن “الإدارة لا تتدخل في المضمون التحريري للبرامج، وأن الإذاعة تلتزم بميثاق تحريري منذ 2013، كما أنها تمتلك موفقاً إعلامياً يقوم بإعداد تقرير شهري لرصد أي أخطاء مهنية قد يقع فيها الصحافيون، من أجل معالجتها”. 

تضاف هذه التوقيفات والتحقيقات ضد الصحافيين إلى جملة من المضايقات التي يتعرضون لها منذ 25 تموز 2021، حين واجه كثيرون محاكمات عسكرية واعتداءات، أثناء تغطيتهم التظاهرات الاحتجاجية ضد قيس سعيد، إضافة إلى إحالة الكثير منهم إلى التحقيق  بمقتضى المرسوم 54 الصادر في أيلول/ سبتمبر 2022، والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، والذي يتضمن إجراءات عقابية لمقاومة الأخبار الزائفة. 

أصبح هذا المرسوم كسيف ديموقليس معلقاً على رقاب الصحافيين وكل معارضي قيس سعيد، إذ تصل العقوبة في الفصل 24 منه، إلى السجن 5 سنوات بتهمة الثلب أو الشتم أو نشر الأخبار المزيفة، ويمكن أن تصل إلى 10 سنوات إذا تعلق الأمر بموظف عمومي. 

يرى  أستاذ قانون الإعلام في معهد الصحافة وعلوم الإخبار أيمن الزغدودي، أن “هذا المرسوم يشكل خطراً حقيقياً وجدياً على الحق في حرية التعبير، لأنه يحتوي على عقوبات سالبة للحرية، بخاصة في الفصل 24 منه، لا تتناسب مع ما جاء في الدستور الذي ينص على مبدأ التناسب في تقييد الحقوق والحريات. كما أنه لا يأخذ في الاعتبار ما جاء في المرسوم 115 لتنظيم حرية الصحافة والطباعة والنشر الصادر في 2011، والذي يعاقب أيضاً الثلب والشتم ونشر الأخبار الكاذبة. هذا المرسوم يكرس  من وجهة نظري، مقاربة زجرية قمعية، تفيد ترهيب المواطنين والمواطنات الذين يريدون ممارسة حرية التعبير، عبر الفضاء الرقمي، وسيشمل أيضاً السياسيين والفنانين وكل من يعمل في الفضاء العام، ولا يقتصر على الصحافيين”.

فهل يمكن الحديث اليوم عن عودة تدريجية إلى مربع الدكتاتورية من خلال هذا الاستهداف الممنهج للإعلاميين والمعارضين السياسيين لإسكات أي صوت مخالف؟

وهل سيغلق قريباً قوس حرية التعبير، أحد أهم مكاسب ثورة يناير إن لم نقل مكسبها الوحيد؟ تبدو الإجابة صعبة عن هذا السؤال في ظل مشهد سياسي ضبابي تسوده الريبة والقلق والترقب، إلا أن البوادر الحالية لا تنبئ بالخير.