fbpx

“السينما المصرية خارج الرقابة”… أرشيف ما أغفله مقصّ السلطة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ناقشت الصفحة مسألة جسد الرجل العاري، سواء من خلال دور نور الشريف في فيلم ليلة البيبي دول، الذي لعب فيه دور أحد المعتقلين في سجن أبي غريب والذين تم الاعتداء عليها جنسيا، أو من خلال فيلم “حمام الملاطيلي” لصلاح أبو سيف الذي قدم جسد الرجل باحتفاء ودون خجل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ملصقات جريئة لأفلام السبعينات، حوارات نقد سياسي، قبلات ومشاهد حميمة، تزخر صفحة السينما المصرية خارج الرقابة بمقاطع وافيشات من تاريخ مصر السينمائي، الذي يبدو اليوم متقدماً عما نراه حالياً، إذ نرى في المنشور أدناه، من فيلم “جسر الخالدين” المُنتج في الستينات، حواراً لافتاً:

https://www.facebook.com/profile/100085513803466/search/?q=%D9%83%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%83%20

إذا فكرنا في هذا المقطع المنشور عام 2022، نعرف ضمناً أن الفيلم يأخذ موقفاً ضد شارب الخمر، لكن وضع المشهد مبتوراً من سياقه يُوحي بعكس ذلك، وهذا ما يدركه بدقة مؤسس الصفحة ذو الهوية المجهولة، إذ يرى أن مبادرته نجحت بشكل كبير “في تحريك المياه الراكدة ووعي المتابعين، ولاقت صدى لافتاً في الأوساط السينمائية والصحافية، حتى إن بعضاً من متابعي الصفحة لم يعودوا فقط من صناع السينما المهتمين بل صار بينهم أعضاء من مجلس النواب المصري”.

بدأ نشاط الصفحة في أيلول/ سبتمبر 2022، على “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تويتر”، وبدت أنها غير مهتمة بالإثارة السطحية المعتادة، إذ تحركها رؤية تسعى الى إثارة من نوع آخر، استدعاء القلق الذي يميز التفكير وأسئلة الحريات عادة.

تتجاوز الصفحة مفهوم الرقابة على المشاهد الجنسية، إلى ما هو أوسع، فتحتَفي بمشاهد تُفلَتُ بها السينما المصرية بأسئلة عن الدين والجندر وحرية النساء والسياسة والحريات العامة والمثلية الجنسية والجسد العاري للرجل، أسئلة عن التقدم مقابل الانغلاق والجمود الفكري، كما تنشغل بمفهوم التحرش الجنسي واستغلال المرأة داخل مجال صناعة السينما، إذ تجمع الصفحة ما يشبه الأرشيف لما أسماه مؤسسها “فلتات” السينما المصرية التي نجت من مقص الرقابة.

أثارت الصفحة التي لم يمر على تأسيسها ستة أشهر، حراكاً جذب آلاف المتابعين، من بينهم، وفق مؤسس الصفحة في حواره مع “درج”، سينمائيون معروفون مثل داود عبد السيد وأمير رمسيس وعمرو سلامة ومحمد دياب وشريف البنداري، والممثلون ناهد السباعي وصبري فواز والموسيقار راجح داود و”آخرون يفضلون الاحتفاظ بخصوصيتهم”.

نشر شاب سلفي يُدعى زياد عماشة فيديو، بعد أقل من شهر من إطلاق الصفحة، يدعو فيه إلى تكفير مؤسس الصفحة، مُعلقاً على منشوراته وتعليقاتْ المتابعين ،التي يرى أنها تحوي سخرية من الدين، كما اتهم الصفحة بالتحريض على نشر الفسق والفجور.

يمكن القول أن موهبة هنيدي  تراجعت، لكنه لم يقدم منذ البداية كوميديا ذكية بما يكفي لنقد المجتمع.

حرص مؤسس الصفحة على إبقاء هويته غير معلنة، لا بسبب الإسلاميين فقط، فأسئِلة الصفحة تجعل منه خصماً للجميع، السلطة السياسية والسلطة المحافظة للمجتمع، بل وربما سلطة صانعي السينما أنفسهم، الذين يميلون منذ بداية الألفية إلى تبني مفهوم السينما النظيفة، التي ارتبطت بصعود تيارات ما بعد إسلامية، لا ترفض السينما من حيث المبدأ، لكنها تروج لسينما تراعي أحكام الدين، وهو شعار تمسّك به المنتجون، بعد إدراكهم أن رفع شعار أخلاقي كهذا يجذب العائلات لا الأفراد فقط الى قاعات العرض، ما يعني ببساطة أرباحاً أكثر، من دون أن تكون للأخلاق أو الدين علاقة بالأمر.

الرقابة منذ الصغر

ليس بالغريب أن يوجه بعض النقاد السينمائيين الى الصفحة الاتهام المكرر بأنّ صاحبها “يملك أجندة “، وهو ما يعلق عليه ساخراً، باقتباس الكاتب الأميركي لمايكل كريشتون: ” الكل لديه أجندة، إلا أنا”.

يهتم صاحب الصفحة بفكرة العلاقة مع الرقابة منذ الصغر حسب قوله، في حكاية أقرب إلى فيلم “سينما باراديسو –  Nuovo Cinema Paradiso”، الذي يحكي عن مخرج صنع فيلماً عن كل القُبل التي كانت تحذف من السينما حين كان صغيراً،  إذ بدأت علاقة مؤسس الصفحة مع الرقابة  منذ الصغر، حين كان يشاهد الأفلام بصحبة عائلته على شاشة التلفزيون، لتقوم والدته أو والده فجأة بتغيير القناة معترضين على ما يظنانه غير لائق، ما دفعه إلى البحث عما منعه أهله من مشاهدته وقصه والاحتفاظ به في أرشيف، بعد ذلك صار يشارك أصدقاءه  في المدرسة الفرجة على ما جمعه، ليديروا معاً جلسة نقاش سينمائي صغير حول “المحذوف”.

يقول مؤسس الصفحة لـ”درج”، “صاحبتني فكرة تأسيس صفحة مختصة بالأرشيف الذي جمعته لفترة طويلة، لكنها ظلت فكرة مؤجلة بسبب انشغالي وعدم استعدادي نفسياً للتعامل مع ردود الفعل المتوقعة، فكنت أكتفي بنشر مقاطع نادرة من حين الى آخر على بروفايلي الشخصي، مع كتابة تعليقات تحكي عن حكايات صراعات السينما مع الرقابة، إلى أن تشجعت بدافع من أصدقائي المقربين لتأسيس الصفحة”.

أحد أهم دوافع تأسيس الصفحة هو حب السينما المصرية، وعشق النظر الى السينما بزوايا مختلفة، والأهم محاولة التصدي لكارثة السينما النظيفة التي كانت أحد أسباب وصول السينما المصرية إلى تلك الحالة المحزنة، إذ يقول مؤسس الصفحة إنه لا يحزن من اتهام البعض له باستغلال فكرة السينما لتحقيق أهداف من خلفها، فذلك ليس اتهاماً، لأن السينما يجب أن تحرك الأفكار، وهذا ما يفعله. 

رفض مؤسس الصفحة التعليق حين سألناه إن كان قد تعرض لتهديدات أمنيّة، لكنه يستطرد حين سؤاله عن السياسة وأثرها في نشاطه، “أتحسس مواضع قدمي حين أكتب عن الرقابة السياسية، لا أرغب في أن أسجن، فالسيرُ بخطوات حذرة أفضل من عدم السير تماماً، وعندما أكتب منشوراً يتعلق بالسياسة أتوقع أسوأ الاحتمالات، وأشعر بضغط نفسي كبير”.

نشرت الصفحة عدداً من المقاطع السينمائية التي تتحدث عن الديمقراطية والحريات السياسية، وأشارت إلى انتقاد الرئيس عبد الفتاح السيسي لفيلم “الإرهاب والكباب“، الذي ناقش مسؤولية الدولة عن الظروف القاهرة التي يعيشها المواطن، مُشيراً إلى أن مثل هذا النوع من الفن قد يجعل من الدولة خصماً، ومؤسس الصفحة يبحث عن خصوم المواطن بعيداً عن الدولة، كالبيروقراطية المصرية، التضليل الإعلامي، الرأسمالية، سلبية المجتمع والدوغمائية الدينية، مؤكداً أن تحليله لا يحمل أي أبعاد سياسية.

في ذكرى ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، أقامت الصفحة ما أسماه مؤسسها “إحياء ذكرى 25 يناير سينمائياً”، تضمن نشر صورة نادرة للفنان عمر الشريف وهو يشير الى ميدان التحرير في ثورة يناير من مقر إقامته في فندق أنتركونتيننتال سميراميس بالقاهرة، كما نشرت الصفحة عن فيلم “تك تك بوم” من بطولة محمد سعد وتأليف إسعاد يونس، الذي أُنتج عقب الثورة، ويناقش استغلال الغياب الأمني لسرقة “مستشفى57357” لعلاج أطفال السرطان بالمجان، لكن “بعد 12 عاماً على الفيلم، تصادفنا الآن أخبار عن إفلاس المستشفى، وبعد فشل الثورة والاستقرار الأمني، نجد أن المثال الذي وضعته إسعاد يونس لإدانة الثورة يدين الواقع الآن أكثر من الثورة”.

الرقابة سلاح بيد السلطة

تشير منظمة المفكرة القانونية إلى صعوبة تحديد اللحظة التي بدأت فيها  الدولة فرض سيطرتها على الإبداع الفني في مصر، لكن نعلم الرقابة بشكلها الرسمي ظهرت على المطبوعات عام 1881، وتتالت القوانين والتعديلات والتدخلات حتى بعد ثورة يناير، إذ  بقيت القوانين الخاصة بالرقابة على الأعمال الفنية كما هي من دون تغيير،  بل توسعت نحو الأشكال الفنية المختلفة، فعلى سبيل المثال، منعت الرقابة فيلم المسافر في عام 2011 لاحتوائه على مشاهد حميمية. كما منعت الرقابة الكثير من الأفلام التي توثق لأحداث الثورة مثل فيلم “18 يوم” وفيلم “آخر أيام المدينة”. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017، منعت قوة من وزارة الداخلية عرض فيلم “اللي حصل في الهيلتون” في أحد الأماكن التي تنظم فاعليات الفن البديل حيث اقتحمت مكان العرض، وفحصّت هوية الموجودين بالكامل وأمرتهم بمغادرة المكان.

يُنسى أحياناً  حين الحديث عن الرقابة ما يمارسه المجتمع من ضغوط، سعت لمنع أفلام بعينها وأحالت ممثلين إلى محكمة الآداب، كمعالي زايد ويحي الفخراني بسبب فيلم “للحب قصة أخيرة”، وكذلك معالي زايد وممدوح وافي بسبب فيلم “أبو الدهب”، اللذان قدم بهما الجمهور الكثير من البلاغات للنيابة العامة.   

يقول مؤسس الصفحة:” أحاول نقد كل صور الرقابة سواء الرسمية بمحظوراتها وحتى الرقابة المجتمعية والاتجاهات المعادية للسينما، في محاولة لخلق مساحة داعمة لحرية السينما المصرية خارج الرقابة وتوفير ما يشبه تغطية إعلامية مضادة، خصوصا مع تجييش الإسلاميين لوسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في الهجوم على صناع السينما والضغط عليهم للبقاء في بركة السينما النظيفة الراكدة”.

يتابع” الرقابة على السينما أثرت سلباً على صناع الأفلام الذين يريدون مناقشة الواقع بجرأة، دون تحييد او خنق لخيالهم، كما أنها أثرت بالتبعية على المشاهد والمجتمع الذي لا يستطيع أن يرى حقيقته في السينما، وكل ما تبقى له هو أفلام بلا أفكار”.

الكوميديا ليست تنمراً 

ينشغل مؤسس الصفحة بنقد الكوميديا القائمة على التنمر، التي يسميها الكوميديا الكسولة، ضاربا المثال بالفنان محمد هنيدي الذي: “يستغل الصورة النمطية لجذب الضحك السهل والرخيص بالإشارة المستمرة إلى قصر قامته، بينما تعالج الكوميديا الفعالة والقوية الصورة النمطية بالفعل، لكنها تبذل مجهودا أكبر لاستدعاء الضحك عبر تسليط الضوء على سخافة تلك الصورة، الأمر يتخطى الرقابة أو الصوابية السياسية، هو الكسل في صنع الكوميديا واختيار الجانب الأضعف في الحبكة للوصول إلى الضحك، و الكارثة أن اتهام الصوابية السياسية يستخدمه البعض أحيانا  للتهرب من كونهم وقحين ومتنمرين”

يمكن القول أن موهبة هنيدي  تراجعت، لكنه لم يقدم منذ البداية كوميديا ذكية بما يكفي لنقد المجتمع، لكن هذا لم يمنع من توجيه الصفحة نقد إلى الثلاثي الذي قدم كوميديا ذكية بالفعل، ونقصد هشام ماجد وشيكو وأحمد فهمي، وتحديدا في فيلم “بنات العم”، الذي بطريقة ما قدم لعبة ذكية حول الجندر، جعلت تمرير المشاهد المثلية مقبولة، إذ يقول مؤسس الصفحة:  “كرسوا أغلب أفلامهم للسخرية من المثليين، وهم أيضا كتاب لتلك الأفلام، لن تجد فيلما لهم بدون مشهد أو أكثر يسخر من المثليين أو حتى الترانسجندر، كفيلم بنات العم”

لا أتفق مع مؤسس الصفحة فيما يخص فيلم بنات العم، الذي أراه فيلماً نجح في أن يسخر من فكرة الذكورة والأنوثة وتوضيح هشاشتها، عبر فكرة ذكية، حتى لو لم تكن تلك نية صناعه، لكن يملك مؤسس الصفحة أدلته في لقاءات الثلاثي التليفزيونية، الذين قالوا فيها صراحة: “التنمر هو اللي خلانا نمثل”.

 الاحتفاء بالممثلين والممثلات

تحتفي الصفحة بممثلين خارجين عن المألوف وسياق السينما الحالي، بعضهم مطرودون خارج مصر لأسباب سياسية كخالد أبو النجا، وبعضهم مختلفون كالمخرج خيري بشارة ويوسف شاهين، كما تثمّن الصفحة مواقف إلهام شاهين القوية ضد مصطلح السينما النظيفة.

أكثر الفنانين الذين تحتفي الصفحة بمقاطع لهم  هو الفنان نور الشريف: “كتحية لقبوله بأدوار صعبة ناقشت الدين بجرأة، وقد جسد نور شخصية الملحد في أكثر من فيلم، وبغض النظر عن نهاية الفيلم الذي ينتصر فيه الدين في النهاية، إلا أن تلك الأفلام، طرحت تساؤلات جدية بالفعل حول الدين والله بجرأة وبعيدا عن شخصية الملحد النمطية في السينما المصرية”.

ناقشت الصفحة مسألة جسد الرجل العاري، سواء من خلال دور نور الشريف في فيلم ليلة البيبي دول، الذي لعب فيه دور أحد المعتقلين في سجن أبي غريب والذين تم الاعتداء عليها جنسيا، أو من خلال فيلم “حمام الملاطيلي” لصلاح أبو سيف الذي قدم  جسد الرجل باحتفاء ودون خجل، كما قدم للمرة الأولى صورة المثلي بعيدا عن الصورة النمطية التي يقدم بها.

انتقُد نور الشريف على ظهور جسده العاري في فيلم “ليلة البيبي دول”، إلا أن السينما المصرية بشكل عام أكثر تسامحاً مع ظهور أجساد الرجال عارية، ويشير مؤسس الصفحة إلى الحملة الشرسة التي تعرضت لها الفنانة منى زكي، بسبب مشهد خلع الملابس الداخلية في فيلم “أصحاب ولا أعز”، رغم أن الفنان محمود عبد العزيز أدّى المشهد نفسه قبل 35 عاما في فيلم” السادة الرجال”، ومر المشهد دون أن يثير اعتراضاً يذكر.

أعلنت الصفحة مؤخراً عن استعدادها لتلقي الدعم المادي وطلبات الإعلانات على كافة منصاتها، وكأن المشروع أصبح يأخذ منحاً أكثر جديّة، ويحتاج إلى فريق أو رغبة من مؤسس الصفحة بالتفرغ كلياً للعمل على ما أفلت من الرقابة، لكن لا نعلم إن كانت هذه الدعوة ستحافظ على سرية هويته، والأهم، تهديدها لأسلوب عمل الصفحة، التي تشير بوضوح إلى أنها لن تقبل إلا بما يتوافق مع سياستها.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.