fbpx

دليل مُختصر وغير مجدٍ للنجاة في لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الخطوة الأولى في دليل النجاة الفعلي هي شراء دفتر يوميات. لأن الله يعلم أنك في الغالب غير قادر على تحمل تكاليف الذهاب إلى طبيب نفسي وقد سئم أصدقاؤك من سماع تذمرك، لهذا اتخذ من هذا الدفتر صديقاً لك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تشير عقارب الساعة إلى الثامنة والنصف مساءً. كنت أجلس في سيارة بجانب والدي، بينما أتحدث معه عن تقديمي لِمنحة دراسية من أجل الحصول على درجة الماجستير في الخارج. ليبدأ والدي في وعظي عن الإمكانات المالية وما إذا كان بإمكاني الحصول على الشهادة من لبنان. وصلت وجهتي غارقة في البؤس المغلف بإحساس اللامبالاة.

كانت الأفكار تتزاحم في عقلي. بدأت أفكر بالاحتمالات، لكن أيّاً منها لم يكن في صالح والدي. فإن واصلت العيش مع والديّ، فسيكلفني السفر خمس مرات أسبوعياً من مسقط رأسي إلى بيروت أكثر من مليون ونصف المليون ليرة لبنانية، في حين أن استئجار شقة في بيروت أو حتى المبيت في سكن جماعي سيكلفني 150 دولاراً شهرياً على أقل تقدير، دون احتساب مصاريف الطعام والكهرباء والغاز. وفي كل الأحوال، لا توجد في بلدتي الريفية فرص عمل متاحة في تخصصي، وبالتالي لا خيار أمامي سوى العمل في بيروت، داعيةً الله أن يغطي راتبي ولو جزءاً من مصاريفي اليومية. فعلى أقل تقدير، من غير المرجح أن تستنزف منحة دراسية ممولة بالكامل في بلد أجنبي إلى جانب العمل في وظيفة بدوام جزئي آخر إحساس في داخلي بأنني أعيش الحياة.

بالنسبة إلي وإلى كثيرين من جيلي، توقف الزمن في عام 2019، وكل ثانية تمر من ذلك الحين ما هي إلا رجوع ساخر إلى الوراء. فقد توقفت حياتنا، وانخفضت رواتبنا لربع ما كانت عليه، وتلاشت آمالنا في المستقبل ليحل محلها صراع مستمر للبقاء على قيد الحياة فحسب.

أسوأ ما في الأمر هو أنني مع ذلك أفضل حالاً من كثيرين، بل وغارقة في الامتيازات. هل أنا عاطلة من العمل منذ فترة طويلة؟ هذا صحيح، لكن والديّ ورثا الأرض التي بنينا عليها بيتنا، ولا ينبغي لنا القلق بشأن دفع إيجار كل شهر. وصحيح أن وظيفتي الصحافية الأخيرة تطلبت مني الحضور من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً ستة أيام في الأسبوع مقابل 200 دولار فحسب، لكن من حسن حظي أنني كنت قادرة على الاستقالة منها دون قلق بشأن ثمن وجبتي التالية. لا أستطيع مغادرة المنزل أو الذهاب إلى أي مكان دون دفع مبالغ طائلة؟ نعم، لكن هذه ليست أسوأ ظروف معيشية في لبنان.

هل لاحظتم النمط؟ نحن محاطون بمآسٍ عظيمة تتضاءل شكوانا مقارنة بها بل وتجعلنا نكتفي بالصمت. ترجع مشكلاتنا في أحيان كثيرة إلى طريقة حياتنا المترسخة في الرأسمالية لدرجة أننا لم نعد قادرين على العيش في هذا المجتمع دون هذا التعقيد. لذا، بدلاً من الشكوى، نسمح له بالتفاقم. ونتحمل لأننا تعلمنا أن المرونة فضيلة.

حسناً، كل ما سبق لم يكن سوى حفنة من الأكاذيب. يشبه العيش في لبنان -إذا لم تكنْ من الطبقة العليا أو ابن سياسي فاسد أو أحد “المشاهير المؤثرين”- محاولة السباحة عكس التيار. محاولة استنزافية في أحسن الأحوال وعبثية في أسوئها. ما نوع المستقبل الذي يأمل أيّ شاب في العشرينيات من عمره في بنائه براتب شهري يبلغ 300 دولار أو لنقل 500 دولار؟، أفضل ما يمكنك فعله هو المغامرة بالاستمرار في الوظيفة لشهر واحد ومحاولة العثور على وظيفة أخرى براتب أعلى، هكذا على الدوام، مع الاكتفاء بحياة ثابتة وعدم إحراز أيّ تقدم.

من ناحية أخرى، الاستمرار على هذا الوضع في صمتٍ يُعرض المرء مستقبلاً لصدمات نفسية ويُحمل نظامه العصبي ما لا يطيق. وأعلم أن بعض الأشخاص من الأجيال الأكبر سناً يصفوننا بالهشاشة النفسية لأنهم عانوا من الأسوأ برأيهم، وأقول لهؤلاء، “من فضلكم يا أعزائي، لا يزال أبناؤكم يعانون من مشكلاتكم التي لم تجدوا حلولاً لها ولا ننوي ترحيلها للجيل الآتي”.

الخطوة الأولى في دليل النجاة الفعلي هي شراء دفتر يوميات. لأن الله يعلم أنك في الغالب غير قادر على تحمل تكاليف الذهاب إلى طبيب نفسي وقد سئم أصدقاؤك من سماع تذمرك، لهذا اتخذ من هذا الدفتر صديقاً لك. واكتب فيه أعمق أفكارك وأكثرها سوءاً، ثم احرقه. لا تنشر تلك الآراء على منصات التواصل الاجتماعي، لأنك بذلك تعرض نفسك لحلقة سامة من التدقيق في كلامك حتى لا يتبقى لك سوى قشرة من شخصيتك الأصلية. لهذا اكتبها في الدفتر ثم احرقْه.

الخطوة الثانية هي الصراخ بأعلى صوتك في الفراغ. قد يظن جيرانك أنك فقدت عقلك، لكن هذا لا يهم على الإطلاق.

أما الخطوة الثالثة فهي الذهاب في نزهة مشياً على الأقدام، إلا إذا كنت من تعساء الحظ الذين يعيشون في بيروت، حيث صُممت المباني بطريقة تجعل من المستحيل على المشاة الاستمتاع بجولاتهم. لكن، إذا لم تكن من سكان العاصمة، فاذهب للتنزه سيراً على الأقدام، حرك عضلاتك واستمتع بالهواء النقي -أو غير النقي وفقاً لموقعك- وواصل المشي إلى أن تصل إلى أحد الأحراش، ثم ابحث عن صخور، يجب أن تكون متوسطة الحجم، ويسهل قذفها. بعد ذلك خذ هذه الصخور وألقها على أقرب منزل تجده لِسياسي. سيتسبب ذلك على الأرجح في اعتقالك. لهذا إذا كان لديك مشكلة في الذهاب إلى السجن، قم برميها في الحرش نفسه، ويحبذ فعل ذلك أثناء التلفظ بكلمات بذيئة. بعدها اذهب إلى بيتك وحاول النوم، لأنك ستكون مرهقاً للغاية ولن يمكنك فعل أيّ شيء سوى ذلك. 

أعتذر إن أحزنتك كلماتي، لكن من الصعب تجنب الإحساس بالمرارة عندما تُغلق في وجهك الملاذات الآمنة التي قدمها لك هذا البلد ذات مرة أو تُصبح بعيدة المنال. تدهشني دائماً رؤية مقالات رفاقي المنشورة على الإنترنت، والتي تجعلهم يظهرون وكأنهم يعيشون حياة وردية على الدوام، لكن بيني وبينكم، نعلم جميعاً أن هذه صورة مزيفة. ولهذا السبب، أنا هنا لأخبركم أنه لا بأس بالإحساس بهذه الحالة من اللامبالاة والجمود العاطفي التي تمرون بها، لا بأس بالشعور بالغضب، لأنني شخصياً أشعر في معظم الأحيان بأنني أستشيط غضباً. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.