fbpx

تسمية زعيم “القاعدة” في إيران: توطئة للحرب أم مجرد حملة ضغط قصوى؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إعلان أميركا تسمية القيادي في تنظيم “القاعدة”، سيف العدل، المقيم في إيران، زعيماً للتنظيم بعد مقتل أيمن الظواهري، بعث بتساؤلات حول مؤشرات توظيف أميركا هذه المعلومات التي لم يؤكدها التنظيم الجهادي فيما نفتها إيران بشكل تام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إعلان الأمم المتحدة تسمية القيادي في تنظيم “القاعدة”، سيف العدل، المقيم في إيران، زعيماً للتنظيم بعد مقتل أيمن الظواهري، إثر ضربة صاروخية أميركية، العام الماضي، في كابول، بعث بتساؤلات كثيرة حول مؤشرات توظيف الولايات المتحدة هذه المعلومات التي لم يؤكدها التنظيم الجهادي فيما نفتها إيران بشكل تام.

تجاهل “القاعدة”، في إصداراته الإعلامية، الإشارة أو التلميح الى مسألة سيف العدل، يبدو مفهوماً على أكثر من مستوى، وتحديداً ما يتصل بالمستوى الحركي والتنظيمي. فالتنظيم الجهادي المتشدد عانى، منذ عام 2001، من حالة تفلّت قصوى، وذلك بالدرجة التي جعلت مركزية التنظيم وخضوعه لقيادة موحّدة محلّ شكوك ولا فعالية لها، في حال تحققت. بالتالي، تلاشت هيكلية التنظيم المتينة وفقدت قدرتها على التماسك.

برز ذلك في رسائل أسامة بن لادن، الذي اشتكى من عدم “احترام سلطة القيادة المركزية للقاعدة”. وفي رسالة موجهة الى بن لادن من العضو في التنظيم آدم يحي غدن ويكنى بـ”عزام الأمريكي”، شدد على ضرورة إنهاء “التصرفات التي يقوم بها التنظيم المسمى دولة العراق الإسلامية من دون أمر من تنظيم القاعدة ومن دون استشارة.. وقطع روابطها التنظيمية بذلك التنظيم”.

سيف العدل

لا يعد وجود عناصر التنظيم الجهادي وقياداته في طهران، بل وفي قواعد مؤمنة تابعة للحرس الثوري، أمراً مباغتاً أو جديداً، بخاصة بعد عام 2001، لكن هذه الملاذات الآمنة التي وصفها وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، بأنها “بيت تنظيم القاعدة الجديد”، تحولت إلى عبء على إيران في فترات متفاوتة، وقد وُضع بعض القيادات تحت الإقامة الجبرية (منهم سيف العدل ذاته) تبعاً لذلك. وهذا العبء المحتمل قد أمسى ضرورياً، على ما يبدو، للولايات المتحدة للتفتيش عنه، راهناً.   

وبغض النظر عن الدلالة البراغماتية لوجود قيادات “القاعدة” وعناصره في إيران، على رغم العداء الأيديولوجي، منذ لحظة دخول القوات الأميركية كابول وبداية سقوط حركة طالبان، بما جعل الحدود الشرقية لـ”الجهورية الإسلامية” مهددة، ومن ثم، تحقق هذا التناقض الذي جمع نسختين من الإسلام السياسي (السني والشيعي) في لحظة موقتة لتحقيق أهداف مرحلية، فالثابت أنّ قيادات التنظيم الجهادي كانوا ورقة ضغط ومساومة مع أطراف خارجية. إذ كان سيف العدل ضمن صفقة (مع أربعة آخرين) لتحرير الدبلوماسي الإيراني نور أحمد نكبخت، الذي اختُطف في اليمن عام 2015. والأمر ذاته تكرر مع آخرين تمت مبادلتهم مع دبلوماسي إيراني آخر هو حشمت الله طبرزاده، الذي اختُطف من شمال باكستان ووقع في قبضة “القاعدة”، بينما كان أحد أعضاء تنظيم تعزيز الوحدة الطلابي الإيراني (تحكيم وحدة).

وتكشف الرسائل التي عُثر عليها في منزل أسامة بن لادن بمنطقة “أبوت آباد” الباكستانية، عن تململ قادة “القاعدة” الذين احتُجزوا كرهائن في إيران من أوضاعهم. وتظهر إحدى الرسائل مخطط تنفيذ اختطاف القنصل التجاري الإيراني في بغداد إثر معركة الفلوجة عام 2004، لإنهاء هذه الظروف الصعبة التي تسببت في هروب ابنة بن لادن ولجوئها إلى السفارة السعودية في طهران.

وجاء في الرسالة التي كتبها شخص يكنى بـ”مكارم”: “كان اجتهاد الإخوة أن يرسلوا مع هذا الأسير رسالة شديدة اللهجة إلى إيران بشأن إخواننا الأسرى، وأن تتوقف عن الكشف عن هويات الإخوة المعتقلين لديها، عن طريق التسريب الإعلامي، فقد سربوا أسماء مثل سيف العدل، وأبو غيث، وأبو محمد، وغيرهم، وتهديدهم بعدم التدخل بشؤون العراق، ومطالبتهم بإطلاق سراح الإخوة المجاهدين. بالفعل، التزم الجانب الإيراني بعدم تسريب أسماء جديدة إلى الإعلام، عن المعتقلين لديهم، وتخفيف القيود المفروضة على الإخوة في السجن بعض الشيء”.

تجاهل “القاعدة”، في إصداراته الإعلامية، الإشارة أو التلميح الى مسألة سيف العدل، يبدو مفهوماً على أكثر من مستوى، وتحديداً ما يتصل بالمستوى الحركي والتنظيمي.

يقول الأكاديمي الأميركي إرك لوب، المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة فلوريدا، إنّه، في البداية، كان هناك تعاون خفي وغير معلن بين طهران والولايات المتحدة ضد “طالبان” و”القاعدة” في أفغانستان.

الدلائل والحقائق المتوافرة تؤشر إلى أنّ إيران، ربما، كانت تحتجز قادة “القاعدة” بعد عام 2001، باعتبارهم “ورقة تفاوض ممكنة” مع واشنطن وفق ما قاله لوب لـ”درج”، لكن بعد تصاعد التوتر بين الطرفين، غيّرت طهران وجهة نظرها أو مقاربتها بخصوص وجود عناصر “القاعدة” وقادته، وجعلتهم “شوكة في خاصرة واشنطن”.

هذه التباينات في العلاقة بين طهران وواشنطن، مرة، ثم بين الأولى و”القاعدة”، مرات أخرى، تتزامن مع مستجدات سياسية، إقليمية ودولية، تفرض تحولات براغماتية وتكتيكية. لذا، يوضح لوب أنّ التقرير الأخير بشأن صلات إيران بـ”القاعدة”، جاء في لحظة تصاعد التوترات الإيرانية – الأميركية بشأن قضايا عدة، منها الاحتجاجات الإيرانية، التخصيب النووي، والمساعدة العسكرية لروسيا في أوكرانيا، الأمر الذي يكشف عن نشاط محموم “للصقور” في واشنطن كما في إيران، الذين يفضلون البقاء الدائم في حالة صراع بينما يعارضون “الأطر الدبلوماسية من خلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة وغيرها من الوسائل”.

ذكر التقرير السنوي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عن حالة تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، أنّ “الرأي السائد لدى الدول الأعضاء، أنّ سيف العدل هو الآن الزعيم الفعلي للقاعدة… ولكن لا يمكن إعلان زعامته بسبب ما ينتاب تنظيم القاعدة من حساسية إزاء عدم اعتراف حركة طالبان الأفغانية بوفاة أيمن محمد ربيع الظواهري في كابول ووجود سيف العدل في إيران. فمكان وجوده يثير تساؤلات تؤثر في طموحات القاعدة في تأكيد قيادته لحركة عالمية في مواجهة التحديات التي يطرحها تنظيم داعش الإرهابي”.

واتفقت وزارة الخارجية الأميركية مع التقرير السابق، وقال متحدث باسمها إنّ “تقييمنا يتوافق مع تقييم الأمم المتحدة- وهو أنّ الزعيم الفعلي الجديد للقاعدة سيف العدل، موجود في إيران”.

وقال تقرير الأمم المتحدة الذي يقيّم مخاطر التنظيم: “في المناقشات التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر الماضيين، تبنى عدد من الدول الأعضاء وجهة نظر مفادها، أنّ سيف العدل يؤدي بالفعل دور الزعيم الفعلي للتنظيم بلا منازع”.

غير أنّ وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، غرد على “تويتر”، ونفى التقارير الأميركية بشأن وجود زعيم “القاعدة”، سيف العدل، في إيران. وقال: “أنصح مسؤولي البيت الأبيض بوقف لعبة رهاب إيران الفاشلة… نشر أخبار عن زعيم القاعدة وربطه بإيران أمر مضحك”.

يمكن القول إنّ انبعاث هذه العلاقة المتوترة بين طهران والقاعدة، في الخطاب السياسي الأميركي، بدأ بصورة فجّة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث بلغت الأزمات بين طهران وواشنطن درجاتها القصوى بعد الانسحاب “الأحادي” من الاتفاق النووي. ثم كانت إشارة بومبيو، في الكونغرس، عام 2019، بوجود ارتباطات “مقلقة” بين طهران و”القاعدة”، مناورة تكتيكية لاحتمالية الاستعانة بخيار الحرب وفقاً لتفويض أقره الكونغرس بعد أحداث ما عرف بـ”غزوة منهاتن”، والذي يتيح إمكان شن الحرب على أيّ جماعة إرهابية في البلدان الموجودة فيها.

إذاً، رواية الخارجية الأميركية عن سيف العدل تخدم جملة مصالح أميركية، منها إيجاد “طريقة لمشاغلة إيران في ظل رفضها توقيع الاتفاق النووي”، بحسب المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول، موضحاً لـ”درج” رغبة واشنطن في الاستفادة القصوى من ذلك لجهة “عرقلة التعاون الاستخباراتي الروسي – الإيراني على الأرض السورية، وإبقاء فرضية الإرهاب موجودة في المنطقة في ظل تخفيف الوجود الأميركي الثقيل في الشرق الأوسط لانشغالها بالمحيط الهادئ”.

من هنا، نجد أنّ المناورة الأميركية تتصل بإمكان تنفيذ أهداف تأخذ طابعاً “شرعياً” و”قانونياً”، منها “تفجير المفاعلات النووية عن بعد أو إعاقة نشاط مليشيات إيران ووكلائها في المنطقة. هذه العمليات النوعية ستوفر مساحة نشاط أخرى تتوغل فيها إسرائيل”، يقول الزغول.

ويردف: “لا أستبعد وجود عناصر القاعدة في إيران لأسباب عدة، منها سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، وعدم السماح لغيرها بالتفرد والهيمنة، بالإضافة إلى وعودها لجيرانها بضبط الواقع الجهادي وحركاته، الأمر الذي قد يعطي نافذة لخروج بعض الفصائل للانخراط في سياق استخباراتي إقليمي”.

أما على الصعيد الداخلي للولايات المتحدة، فثمّة فرضية أخرى يطرحها المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، مفادها أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يعمد إلى تهيئة الأجواء السياسية الأميركية لأجندة رئاسية تواصل استقطاباتها المختلفة، قبيل انتخابات عام 2024. باراك أوباما قتل أسامة بن لادن، ودونالد وترامب قتل زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي، ومن ثم، بايدن الذي أعلن مقتل الظواهري يتهيأ للتخلص من سيف العدل، ولكن أين: في إيران؟!. ربما، يساهم ذلك في خدمة القاعدة الانتخابية المدعومة من إسرائيل، والحفاظ على علاقة متوازنة مع الأطراف الخليجية القلقة من ملف إيران النووي، واستمرار تنافس الصين وروسيا على الملفين السابقين”. 

في المحصلة، يرجح الزغول اندماج الفرضيتين السابقتين، حيث تكون الأولويات قائمة على محاصرة “القاعدة” عسكرياً، ثم تطويق إيران اقتصادياً، فضلاً عن إضعاف روسيا استراتيجياً ومن الناحية الجيوسياسية، موضحا أنّ “الضعف السياسي سيخلق فرصاً وتعاملات مرحلية من أجل البقاء”.

الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمود حمدي أبو القاسم، يرى أنّ التقرير الأممي الذي أيدته الخارجية الأميركية، سيزيد من وحدة المواقف السياسية والأمنية عبر الأطلسي، والتوجه نحو تنسيق أكبر للضغوط على إيران.

فإيران متهمة من جانب الولايات المتحدة بتقديم الدعم لروسيا في حربها على أوكرانيا، ومفاوضات الاتفاق النووي متعثّرة منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تفيد بأنّ طهران في صدد الاقتراب من العتبة النووية.

ويقول أبو القاسم لـ”درج”: “سبق لإيران أن استضافت الكثير من القيادات الأفغانية التي انخرطت في الحرب الأهلية، حيث أنّ إدارة ملف أفغانستان داخل إيران تتجاوز الاعتبارات الأمنية إلى السياسية الإقليمية والدولية”.

ووجود قائد “القاعدة” في إيران أمر ليس بمستغرب، لا سيّما في ظل التحديات التي تواجهها طهران على الساحة الأفغانية، وتزايد نفوذ تنظيم “داعش” على هذه الساحة، وفق الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، والذي يلمح إلى أنّ التنافس المحتدم بين “القاعدة” و”داعش” قد تحاول إيران إدارته لصالحها، فضلاً عن توظيف “القاعدة” في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل في مناطق الاشتباك المتنوعة في المنطقة.

ويختتم حديثه قائلاً، إنّ “وجود زعيم القاعدة في إيران سيرهن الأخيرة تحت وطأة ضغوط دولية وإقليمية، ولذلك سارعت الى النفي، لا سيّما أنّها ترغب في تهدئة التوترات وإعادة إحياء الاتفاق النووي، كما لا ترغب في إثارة قلق دول أخرى، كالصين وروسيا، ولديها مخاوف تقليدية من ملف الجهاديين”.