fbpx

“دليل إغاثة السوريين”… هل هناك فرق بين ما دمرته الحرب وما دمّره الزلزال؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إن كان المبنى متضرراً من الحرب، ألا يمكن تدعيمه خوفاً من زلزالٍ آخر؟ أم أن الأبنية المتضررة من الحرب والمهددة بالسقوط هي خارج نطاق المساعدات الإنسانية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نتوقع بشكل تلقائي، حين نتخيّل وقوع كارثة في منطقة ما، أن يمد المجتمع الدولي يده لتقديم المساعدة للمتضررين، والحرص على استغلال كل دقيقة لإنقاذ من يمكن إنقاذه، فالكوارث الطبيعيّة سباق مع الزمن لحماية الأرواح. 

المفترض أننا متفقون على المبدأ العام السابق، لكن هناك استثناء، الكارثة الطبيعيّة وقعت في سوريا، ووقف المجتمع الدولي متأملاً ما يحصل لأيام،  قبل أن يجد أسلوباً ما لمساعدة السوريين، محتاراً بين طرق متعددة لإيصال المساعدات، طرق تحمل إلى الآن الكثير من الالتباس الذي يدفعنا الى التشكيك في نوايا الفاعلين الدوليين.

مخاوف الغرب تعطّل الإغاثة

خلال الأيام الأولى للكارثة، كانت احتمالات إنقاذ الأرواح مرتفعة، لكن  لم يجد السوريون طريقة لإخراج عائلاتهم وأصدقائهم وأحبتهم  من تحت الأنقاض سوى أيديهم، النقص الحاد في معدات الحفر والحماية الشخصية والوقود، أدى إلى الفشل في إنقاذ الكثيرين، وخلال هذه الأيام شديدة الحساسية، لم تُقَّدم أي مساعدات عاجلة لإنقاذ الأرواح من أي جهة أممية، وكان على السوريين أن يتدبروا أمورهم بأنفسهم، يمكن القول إن هذه أولى الخطوات التي تقاعسَ فيها المجتمع الدولي، الذي وإن كان يريد المساعدة لم يستطع، إذ فاقت السياسة والعقوبات الاقتصادية والإجراءات البيروقراطية إنسانيته ولهفته لإنقاذ المتضررين.

على رغم رفع بعض العقوبات جزئياً عن سوريا لستة أشهر، إلا أن  الأسئلة لم تتوقف من الأفراد أو الكيانات التي انخرطت أو تريد الإنخراط في العمليات الإغاثية، ليُصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، في 21 شباط/ فبراير، دليلاً حول المحظورات والمسموحات في ما يتعلق بعمليات الإغاثة في سوريا.

 جاء الدليل كردٍّ على استفسارات وأسئلة كثيرة تلقاها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال في سوريا، إذ لدى الأفراد والكيانات والبنوك في الخارج مخاوف حقيقية من تعرّضهم لإجراءات قضائية في حال تعاملهم مع أي جهات في سوريا. وعلى رغم جدية الموقف، إلا أن طريقة طرح الدليل بدت مضحكة، إذ جاء على طريقة أسئلة شائعة يتبعها نعم أو لا، وكأنك أمام تعليمات بشأن دخول مسبح للاستجمام أو طريقة تستخدم بها جهاز تلفزيون، وليس الأمر متعلقاً بحياة الآلاف واحتياجاتهم الماسّة.

شمل دليل الخزانة الأميركية تأكيد استطاعة الأشخاص الأميركيين التبرع بالمال للمنظمات غير الحكومية دعماً للجهود الإغاثية في سوريا، كما يجوز جمع الأموال من الأشخاص الأميركيين من خلال التمويل الجماعي، كما يمكن للأشخاص الأميركيين إرسال الأموال إلى الكيانات والأفراد السوريين غير الخاضعين للعقوبات عبر التحويلات بأشكالها كافة، سواء البنوك أو مكاتب التحويل، لكن للأسف وعلى أرض الواقع، تبدي بنوك غربية كثيرة مخاوفها بشأن التحويل، إذ إن احتمال خطأ 1 في المئة قد يعرضها للمساءلة، وهو ما يعرقل بشكل واضح وصول المساعدات، الأمر إذاً لا يتعلق  برفع العقوبات إنما بإزالة مخاوف الغرب من التعامل مع السوريين.

المسموح والممنوع في المساعدات الإنسانية 

الدليل شديد التفصيل، إذ ورد فيه أن الأمثلة على جهود الإغاثة من الزلزال، تشمل تقديم المساعدة والغذاء والدواء، المياه والصحة والصرف الصحي وخدمات الطوارئ للجرحى والناس النازحين نتيجة الزلزال. حسناً، ولأن الموضوع شديد الوضوح، وهذا الجزء ليس بحاجة إلى دليل، هل يمكن ألا تشمل المساعدات الغذاء أو المياه الصالحة للشرب! يبدو الأمر في النهاية طريقة للتغطية على حجم التقصير الكبير لا أكثر، وكأن الولايات المتحدة تقول: “نحن لم نمنع دخول الغذاء والدواء”. لكن حتى في هذه النقطة، هناك شيء من اللبس، إذ لفت الدليل الى أنه يمكن إرسال البضائع إلى سوريا، والتي تشمل الطعام والأدوية، وعلى رغم أن هذه المواد لا تحتاج في معظمها الى رخصة للتصدير إلى سوريا، إلا أن الدليل ذكر أن جميع الأسئلة المتعلقة بالتصدير يجب أن يتم توجيهها إلى مكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة الأميركية! حسناً، يبدو الأمر وكأنه غير دقيق وبحاجة دائمة الى طرح تساؤلات تبعدها الخزانة الأميركية عن نفسها وتضعها على أكتاف بنك الصناعة والأمن. 

يرد في الدليل أن المساعدات تشمل إقامة الملاجئ الموقتة، وعمليات البحث والإنقاذ وإزالة الأنقاض وإصلاح وتدعيم المباني الأخرى والطرق التي تضررت من الزلزال، وإصلاح أو إعادة بناء المستشفيات والمدارس في المناطق المتضررة من الزلزال، وعمليات التفتيش عن سلامة المباني. وهذا كلام لا غبار عليه، بخاصة أنه وبحسب الدليل، سرّع بنك التسويات الدولية معالجة رخصة التصدير.

ولأن الموضوع شديد الوضوح، وهذا الجزء ليس بحاجة إلى دليل، هل يمكن ألا تشمل المساعدات الغذاء أو المياه الصالحة للشرب!

 لكنْ، هناك سؤالان، الأول، إن كان المبنى متضرراً من الحرب، ألا يمكن تدعيمه خوفاً من زلزالٍ آخر؟! أم أن الأبنية المتضررة من الحرب والمهددة بالسقوط هي خارج نطاق المساعدات الإنسانية؟. السؤال الثاني، كما نعلم تحتاج هذه المساعدات إلى آليات ومواد وغيرها من الضروريات، والتي قال الدليل إن تصديرها ليس ممنوعاً، لكن يجب الحصول على ترخيص لمرورها، وهذا يعني المزيد من الأوراق والبيروقراطية، ألا يعني ذلك تأخر وصول المساعدات إلى السوريين، لا سيما في ظل عدم طرح آلية لتسهيل التصدير؟!

 يمكن تفهُّم مخاوف الغرب من سرقة النظام المواد القادمة واستخدامها كوسائل لقمع الناس والضغط على معارضيه، لكن ألا توجد طريقة تبسّط الأمور وبشكل شديد الوضوح، لتسهيل وصول كل ما يحتاجه الناس؟ هذه هي الأسئلة التي يطرحها السوريون اليوم في الشارع، وهي أسئلة محقّة بعد مضي ثلاثة أسابيع على الكارثة.

الاتحاد الأوروبي على خطى الخزانة الأميركية 

يقوم الاتحاد الأوروبي اليوم بالخطوة نفسها، فهو يقدم تنازلات تبدو وكأنها مساعدة للسوريين، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً في 23 من شباط، يتنازل فيه عن حاجة المنظمات الإنسانية الى الحصول على إذن مسبق من السلطات الوطنية المختصة، في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لإجراء عمليات نقل أو توفير السلع والخدمات المخصصة للأغراض الإنسانية للأشخاص والكيانات المدرجة في القائمة، إلا أن توقيت البيان الذي يأتي بعد دليل الخزانة الاميركية، يشي بمحاولة للتغطية على تقصير متعمد خلال قرابة ثلاثة أسابيع على وقوع زلزال 6 شباط، كانت نتيجته  خسارة المزيد من الأرواح.

هذه التنازلات وبروشورات الإغاثة ما هي إلا طريقة للتغطية على حقيقة واحدة وهي، أن المجتمع الدولي بأطرافه كافة، ساهم بشكل مباشر في زيادة عدد ضحايا الزلزال ومعاناة الناجين في سوريا ، عن طريق التقصير والتأخر في الاستجابة. وعلى رغم عدم الحاجة الى موافقة النظام السوري لإدخال المساعدات، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أكد مراراً ضرورة مرور المساعدات عبر النظام.

“لقد خذَلْنا الشعب في شمال غربي سوريا. يحق لهؤلاء أن يشعروا بأن الجميع تخلى عنهم وهم ينتظرون المساعدات الأممية التي لم تصل”، بهذه العبارة اختصر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث، ما يختبره ملايين السوريين، فلثمانية أيام بعد الزلزال، لم تساعد الأمم المتحدة المناطق المنكوبة في شمال غربي سوريا، لثمانية أيام تركت السوريين ينبشون الأرض بأيديهم، ليأتي العالم اليوم ويمنّ عليهم ببروشورات وتنازلات لإغاثة من ماتوا بالفعل.